أراد ملك اختيار وزير من عامة الشعب بشرط أن يكون ذكاءه لامعا وقادرا على حل أصعب المشاكل، لذلك حدد الكثير من الاختبارات الصعبة حتى لا يتقدم غير صفوة الصفوة.. ثلاثة كانوا من الأذكياء واستطاعوا حل جميع الألغاز والآن جاء دور الامتحان الأخير والأصعب، لذلك منحهم الملك ليلتين قبل الاختبار حتى يستعدوا ويكونوا على مستوى الامتحان الذي سيحدد من سيكون الوزير..
ذهب كلاً من هؤلاء الثلاثة إلى منزله، وما أن وصلوا حتى سمعوا إشاعة مفادها أن الامتحان الأخير يختلف عما سبقه من امتحانات، فهو يتطلب دهاءً خارقا وقدرة عالية على التركيز، مع مهارات غير عادية في علم الرياضات وحل الألغاز.. فالاشاعة تقول أن الامتحان الأخير سيضع الناجحين في غرفة لها قفل غريب اخترعه عبقري رياضيات لن يكون بالامكان فتحه بالاحتيال أو بالمفتاح.. فقط عبر حل لغز رياضي معقد سيفتح الباب ومن ينجح أولا سيجلس على الكرسي بجانب الملك العظيم.. انتشرت الإشاعة وسمعها الثلاثة إلا أن واحدا منهم لم يهتم وقضى وقته بالاستجمام والنوم والاستمتاع بالطعام.. أما الآخرَين فقضيا الوقت دون نوم في دراسة علوم الرياضيات وحفظها لادراك جميع المعادلات والعمليات الحسابية حتى يتمكنوا من حل اللغز والقفل.. خلال هذين اليومين لم يتمكن صديقانا من النوم من كثرة القراءة والتحضيرات إلى أن وصل وقت الامتحان وكان لازال أمامهما بعض الكتب للقراءة والحفظ، لذلك أخفوها تحت ملابسهما وتوجها للقصر.. ما إن دخل الثلاثة من الباب حتى تأكدوا من صحة الاشاعة، فالامتحان هو سيحدد من الأذكى بينهم عبر فتح قفل غريب عجيب لم يرَ مثله أحد سابقاً، بالطبع شعر الإثنان بالسعادة فالمنافسة أصبحت أسهل لأنها انحصرت بينهما، فالثالث لم يذاكر وبالتأكيد لن يتمكن من فتح الباب..
بدأ عالما الرياضيات بالتفكير والتمعن في رسوم القفل فلعل الحل موجود بينها.. اما صديقنا الثالث فجلس في الخلف مغمض العينين وكأن الأمر لا يعنيه أو أنه استسلم ولا يود خوض الامتحان.. كان اليوم باردا، والهواء يدخل إلى الغرفة من شباك واسع، ومع ذلك فقد كان العرق يتصبب من جبيني عالمي الرياضيات من كثيرة التفكير دون النجاح في إيجاد حل لهذا اللغز الغريب..
بعد فترة من الوقت، نهض صديقنا المسترخي واتجه نحو الباب، شد قبضته وخرج من الغرفة دون أن يدرك العالمين ما حدث.. فكثرة التعب والتفكير أعمت بصيرتهما وجعلت تفكيرهما يتركز على المشكلة دون التأكد من وجودها في المرتبة الأولى.. لم يدرك أي منهما أن صديقهما الثالث قد خرج وترك الغرفة، ففكرهما ظل محصورا بالقفل إلى أن عاد الملك ومعه الوزير الجديد وأخبرهما ان الامتحان قد انتهى وأبلغهما فشلهما.. فقد كان الباب مفتوحا طيلة الوقت ووحده الوزير هو من كان فطنا ليتأكد إن كان هنالك داع للتفكير بالمشكلة قبل البدء بالبحث عن حل لها..
لهذه القصة عبرة في حياتنا.. ويمكننا تعميمها على أصغر الأشياء حتى أكبرها.. فمثلاً، إن تأملت في حال البشر تجدهم يبحثون عن راحتهم وسكينتهم في كل مكان.. يذهبون إلى الجبال ويقصدون المرشدين والمراكز مع أن الله أقرب إليهم من حبل الوريد.. لا أحد يود النظر داخله ومعرفة إن كانت هنالك مشاكل حقا أم أنها من صنع يديه.. عندما نفتح عينانا ونصغي بقلبنا وأذنينا سندرك أن جميع مشاكلنا لا تتمسك بنا، بل نحن نتمسك بها ونحاول حلها.. غير أنها وهم وغير حقيقية ومن نتاج فكرنا وأفكارنا.. لذلك فلنتمهل قليلا ونتأمل بحالنا لعلنا نبصر أن المفتاح إلى قلبنا في يدنا ولا داع لكثير من التعقيد والتفكير..