صدمة الآخر
"إعداد زياد حسن"
___
لقد عاشت الذات الاسلامية وخاصة في العالم العربي "صدمة الآخر" وهي لا تحمل في جعبتها ما يؤهلها لتفاعل إيجابي يترجم الى سلوك حضاري ملموس دون تناقض بين ما راكمته الهوية الدينية والتاريخ وبين معطيات الحضارة الوافدة، فلم تجد سوى الانبهار بهذا الآخر، ولما كانت الذات لا ترضى بأن تكون تابعاً بفعل ما ركزته العوامل التاريخية في أعماقها من اعتقاد راسخ بأنها الأمة التي يجب ان تقود العالم والناس، لأنها خير أمة أخرجت للناس، فقد وقعت صريعة تفوق الآخر المدني والعلمي، واعتبرت ذلك تفوقاً حضاريا دون أن يكون لها حد أدنى من الوعي بالذات، وحقيقة الهوية التي تحتويها، ولذلك لم يكن بمقدور الفئة المتنورة أن تتفاعل التفاعل المثمر مع ثقافة الآخر، ففشلت مشاريع الإصلاح المختلفة، التي تبعت إنتهاء الحملة الفرنسية فشلا ذريعا، بعد ان صارت "وليس أصبحت" الدعوة الى الاصلاح الموضة التي يرتمي في أحضانها كل المشاريع الاصلاحية، وهو سلوك طبيعي، لأن العالم الاسلامي وخاصة العالم العربي كان حديث الخروج أو بعبارة صحيحة حديث محاولة الخروج من فترة الركود الحضاري، علماً بأن اغلب مشاريع الإصلاح هذه لم تستطع ان تغادر حيز الحبر الذي كتبت به، ويرجع ذلك الى القطيعة بين ما كانت ترومه تلك المشاريع وحقيقة الواقع والظروف التاريخية المحيطة، لقد كانت تلك الاحلام مجرد احلام تفتقر الى الاستراتيجية العملية التي ستفعلها.
لطرح سؤال الذات من نحن؟ وماذا نريد؟ يستلزم هذا الترتيب، اي ترتيب وعي الذات من خلال سؤال من نحن؟ لتأتي بعد ذلك مرحلة تحديد الاستراتيجيات التي يتوجب ان تقوم على اساس وعي كامل بحاجة الواقع ومتطلباته ووعي الذات، لكن المحاولات الاولى عكست الاولويات، وان راعت الترتيب المفترض. كانت الغالبية العظمى من المتنورين تجتهد في البحث عن النموذج، كما تجتهد في اقتباسه وهي مسكونة بهم إدخال الامة في معترك الدائرة التي دخلها الآخر دون التفكير في السبل الحقيقية التي تجعل الدخول دخولا طبيعياً، والميلاد كذلك ميلاداً طبيعياً، استوفى مدة الحمل، لا ولادة قيصرية قبل الأوان.
وبكلام آخر لقد وقعت "صدمة الآخر" والذات تعيش الاوضاع الآتية:
1- الجهل الكلي أو شبه الكلي بالذات، وبما تختزنه من زخم حضاري وفكري.
2- انتشار الأمية على نطاق واسع، وهو أمر لا يساعد على قيام نهضة حقيقية.
3- انتشار التقليد في كافة المجالات.
4- غياب الوعي الكلي العميق بحقيقة الدين والتدين.
5- لم يكن بمقدور علماء الامة وهم النخبة، من التفاعل مع قضايا المجتمع من منظور ابداعي، اذ يُمكنهم ذلك من ايجاد اجوبة مقنعة لاسئلة الواقع.
6- انتشار ظاهرة الخمود والركود، والتقليد الديني. الذي لا يمكن أعادة قراءة التراث بروح مجددة.
سأختم مقالتي بهذه القصة:
يقول النورسي مشخصاً هذه الظاهرة التي وان كانت تخص علماء تركيا او الدولة العثمانية، الا انها تنطبق على واقع الأمة في العصر الحديث: "إنني استمعت إلى الوعاظ فلم تؤثر فيّ نصائحهم ووعظهم. فتأملت في السبب، فرأيت أنه فضلاً عن قساوة قلبي هناك ثلاثة أسباب:
1- أنهم يتناسون الفرق بين الحاضر والماضي فيبالغون كثيراً في تصوير دعاويهم محاولين تزويقها دون إيراد الأدلة الكافية التي لابد منها للتأثير وإقناع الباحث عن الحقيقة، فالزمن الحاضر اكثر حاجة إلى ايراد الأدلة.
2- أنهم عند ترغيبهم بأمرٍ ما وترهيبهم منه يُسقطون قيمة ما هو أهم منه. فيفقدون بذلك المحافظة على الموازنة الدقيقة الموجودة في الشريعة، أي لا يميزون بين المهم والأهم.
3- إن مطابقة الكلام لمقتضى الحال هي أرقى أنواع البلاغة، فلا بد ان يكون الكلام موافقاً لحاجات العصر. إلا انهم لا يتكلمون بما يناسب تشخيص علة هذا العصر، وكأنهم يسحبون الناس الى الزمن الغابر، فيحدثونهم بلسان ذلك الزمان.