في المكتب اللامع بأرضيته المرمرية ..و سقوفه الثانوية المرصعة بأضاءة عصرية ...و سعته التي تصيب القلب بالانشراح ...استقبلها بابتسامة انسانية بالغة النبل ...بوجهٍ ، فهمت فيما بعد لم َ احسته مختلفاً هذه المرة ، رحب بها بكلمات ، لم تثن الابتسامة من عزيمة وضوحها ....كان مبتهجاً ، ربما للسبب الذي حضرت هي من اجله ....ربما لحضورها بحد ذاته ...لم تستطع ان تكون رأياً قاطعاً في النهاية ..
دعاها للجلوس على المقعد الوثير المقابل لمكتبه المزدحم بكل شيء ...المتشح بالاناقة رغم الزحام ...في النهاية كل شيء ، حتى لمسة الفوضى هنا و هناك ، تشربت بأناقة صاحب المكان ، فكرت انها يوماً ، حين دخلت المكتب هذا و اصيبت بالدهشة للمرة الاولى ..لم تستطع الا ان تثني على ذوقه ..رغم انها امرأة حذرة في تعاملها مع رجل لا تعرفه ، و لا يمكن ان تدلها بوصلة احساسها على موقع سقوط هكذا إطراء في نفسه ...
كانت في كل مرة تدخل المكان هذا ..تسترجع ذكريات المرات السابقة ...لم تدر لمَ شكّل هذا المكتب زاوية بأبعادٍ تكعيبية في روحها .
حتى انها لفترة تعمدت ان تتجنب دخوله ، ان تنيب عنها أحداً ليقوم بما يجب القيام به ...لم تكن تحب ان ترضخ في اعماقها للأماكن ..او للأشخاص ...كان الهروب ديدنها حتى تُشفى ..
و حين عادت لزيارته مجدداً ..كانت تحرص على ان تصمت معظم الوقت ..لتتركه يسبح في بحر كلام لا ينفد ..، تذكر انه مرة قال لها : قولي لي كيف ارضيك ..انت غاضبة مني مثلاً ؟!
فوجئت بمنظر جبلٍ يركع ...ما توقعت ابداً انه سيقول هذا ..او انه برغم كل انشغاله فكر في انها امرأة غيرت سلوكها ...و انه يشعر بذنب ما ..
كل الذكريات تداهمها على اعتاب مكتبه ، على وقع خطواتها على ارضيته المرمرية ، على كرسي وثير يقابله ...
كان هذه المرة مبتهجاً، كان مختلفاً ....كان يشعر انه اتم الاعتذار اليها ...لم تستطع الا ان تبادله الابتسامة و مزحتين القى بهما ، و حلوى قدمها اليها بود ...
كان يوماً لتقديم عربون صداقة ...
بداية ً لذكريات ...من نوع آخر ....في المكتب المشرق اللماع.