الجسد الملائكي الصغير للطفل السوري آيلان كردي ،الذي قذفت به امواج البحر ، الى سواحل تركيا التي هرب منها ، صفع وجه العالم الغارق في غيبوبة المصالح المادية والتعصبات الطائفية ، ليعيد اليه بعض شعوره الانساني ولو للحظات ، وما نسمعه ونشاهده اليوم من تبادل للاتهامات والهروب من مسؤولية قتل ايلان ، بين اصحاب القرار المهيمن على العالم ، الا بعض هذه الصحوة الانية للضمير الانساني.
البحر كان رحوما بآيلان ، فقد قذف به الى الساحل ، وهو بكامل ملابسه ، قميصه الاحمر وبنطاله الازرق القصير ، حتى حذاءه الصغير مازال في قدميه الصغيرتين ، كما البسته له امه ، وقد اظهر البحر مدى الدقة التي شذب به والده شعره ، حيث استخدم في حلق شعر آيلان كل تجربته الطويلة في الحلاقة ، التي كانت مهنته في كوباني قبل ان يهاجر الى تركيا ، فقد صفف البحر شعره كما لو كانت امه فعلت ذلك.
عزاء آيلان في رحيله المبكر جدا ، ان امه ريحانه سبقته في رحلته الى الموت ، فلم يحترق قلبها بموته وموت شقيقه الاكبر غالب ، سوى بعض لحظات عاشتها وهي تصارع الامواج لانقاذهما ، وعندها انتهى كل شيء ، وبقيت حرقة فراقه وفراق شقيقه ووالدته تستعر في قلب ابيه عبدالله ، فابوه رجل وقد يتحمل هذه المصيبة ، ولكن من المؤكد ان امه لن تكون كذلك.
صورة جسد آيلان الملقى كالسمكة الصغيرة على سواحل تركيا ، هزت ضمير العالم اجمع ، ودفعت زعماء الاتحاد الاوروبي الى التفكير في اعادة النظر في سياستهم المتبعة ازاء المهاجرين من الشرق الاوسط ، لاسيما السوريين ، ونتمنى ان تتحول صورة آيلان ، الملاك النازل من السماء ، الى حافز يدفع بالعالم الى وضع حد لمأساة الشعب السوري المتواصلة منذ اكثر من اربعة اعوام ، كما دفعت صورة الطفلة الفيتنامية (كيم وان) التي ظهرت وهي تبكي وتهرب عارية تماماً؛ بسبب حرارة القنبلة التي أذابت جميع ملابسها، وأدت لاحتراق ظهرها عندما قصف الفيتناميون الجنوبيون المدعومون من امريكا قريتها “ترانج بان” عام 1973، الشعب الامريكي للضغط على زعمائه لوقف عدوانهم على الشعب الفيتنامي.
قيل الكثير عن السبل التي يجب ان تتخذها اوروبا والقوى الكبرى للتعامل مع ازمة اللاجئين السوريين ، بعد موت آيلان ، لكن فات هؤلاء ان اللاجئين هم معلول لعلة ، واذا لم يتم معالجة العله سيبقى هذا المعلول يتفاقم ويشتد ، فاذا كانت اوروبا وامريكا والقوى الكبرى في العالم قد هزها حقا جسد آيلان الصغير ، عليها ان تعالج العله وليس المعلول ، وانجع وسيلة لهذه المعالجة:
-الضغط على تركيا ، لاغلاق حدودها مع سوريا امام التكفيريين.
-الضغط على السعودية وقطر ، لمنعهما من تقديم السلاح والعتاد للجماعات التكفيرية.
– الضغط على السعودية لوقف تمويلها المالي للجماعات التكفيرية وفي مقدمتها القاعدة و “داعش” في سوريا.
-العمل بجدية في محاربة “داعش” ، عبر التعامل مع الدول والقوى التي تحارب حقا هذا التنظيم الارهابي التكفيري العابر للقارات.
ان على الغرب ان يعلم ان العمل لوقف مأساة الشعب السوري ، ليس منّة ، فجزء كبير وكبير جدا من هذه المأساة هو من صنع الغرب نفسه ، الذي انخرط في حلف غير مقدس مع السعودية وقطر وتركيا ، استهدف سوريا ارضا وشعبا ، من اجل ان تقر عين “اسرائيل” ، ولكن فاته ان اشعال نيران الفتنة في مكان ما ، لن ينحصر في حدود جغرافية ذلك المكان ، وما مأساة اللاجئين السوريين الا بعض شرر نيران هذه الفتنة ، فجميع التقارير والاحصائيات تؤكد وبالارقام ان الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين هربوا من المناطق التي تسيطر عليها الجماعات التكفيرية ، خوفا من بطشها ووحشيتها ، ومن بين هؤلاء عائلة آيلان كردي ، التي حاصرت “داعش” بلدتهم كوباني ، شهورا ومنعت عنهم حتى الماء والطعام ، بالتواطؤ مع تركيا ، وبشهادة الامريكيين انفسهم.
ان على الغرب ان يضغط على السعودية بالدرجة الاولى ، لوقف خطابها الطائفي والتحريضي والعبثي ، عبر اسكات منابر الفتنة ، من مشايخ وفضائيات واعلاميين وسياسيين مرتزقة ، فهم السبب الابرز في استمرار المأساة السورية ، ويكفي القاء نظرة سريعة الى برنامج عمل الملك السعودي الذي يزور امريكا حاليا ، حيث يتصدر هذا البرنامج الضغط على امريكا لاستخدام القوة العسكرية لاسقاط حكومة الرئيس بشار الاسد ، ومساعدة بلاده على قتل المزيد من ابناء الشعب اليمني ، والضغط لافشال الاتفاق النووي مع ايران والدفع بالمنطقة نحو الحرب والفوضى ، دون ادنى شعور بالمسؤولية ازاء المأساة التي تعيشها شعوب المنطقة ، وخاصة الشعب السوري ، المنكوبة بالعصابات التكفيرية … آيلان قتلته السعودية بوهابيتها الظلامية وليس البحر.