بغداد الجديدة انشأها فيصل الثاني ليباهي بها القاهرة
فاضل شناشيلي
لاحظت امانة العاصمة ببغداد ازديادا في عدد نفوس بغداد من الذكور والاناث وكان لابد على البلدية ان تفاتح الجهات ذات العلاقة في مجلس الاعمار اثناء
حكم الوصي عبد الاله بضرورة توسعة المدينة ولذا شرعت بجهود مجلس الاعمار والبلدية بالبحث عن ارض ملائمة لبناء عشرات الدور السكنية للمواطنين وان يكون حسب البعد عن بغداد لايجاد مساحات بينهما وجعلها
غابات ,, وبعد البحث والعناء تم اختيار المنطقة الواقعة قرب تل محمد وهي تبعد كيلومترات عن بغداد على جانبي الطريق المؤدية الى بعقوبة ولكن المشكلة كانت تكمن في مياه الفيضان من جراء كسر سدة الداوودية شمال الصليخ ومن جراء فيضان نهر ديالى على منطقة تل محمد.
قام جماعة من اصحاب رؤوس المال العراقيين النجباء وتطوعوا لهذا العمل الجبار بعد زيارة الى القاهرة واعجابهم بمدينة مصر الجديدة التي تبعد عن القاهرة بقليل ,, ففكر هؤلاء العراقيون واتفقوا مع مجموعة من المصريين
عن طريق تأسيس وانشاء شركة انشائية عراقية تسمى شركة بغداد الجديدة والغرض الاساسي منها انشاء مدينة عصرية ذات توسعة في الشوارع الفرعية ومشجرة مع ساحات وملاعب واماكن تسوق تشبه مدينة مصر الجديد.في عام في 1945 اثناء حكم الملك فيصل الثاني و وصاية الامير عبد
الاله والزيارات العائلية بين عائلة الملك فاروق وفيصل واعجاب الاثنين بالتطور والعمران ,, قرر اصحاب رؤوس الاموال العراقيين الشروع في انشاء مدينة بغداد الجديدة بنفس السنة برأسمال قدره مليون دينار عراقي ومن
اجل ان يستفيد ابناء الشعب العراقي من الشركة , فقد تم طرح اسهم في السوق وكانت سوق بغداد للاوراق المالية في شارع الرشيد بمحلة العبخانة قد شهدت اقبالا كثيفا من قبل الناس وقد بيع السهم الواحد بخمسة دنانير
عراقية وتلاقفتها الايادي ولم يبق اي سهم معروض للبيع وبورصة بغداد بالعبخانة وهي اجمل بناية حديثة بشارع الرشيد وقد روعي فيها الشبابيك المفتوحة لدخول الهواء وخروجه لعدم تلف الفايلات واراحة المراجعين فقد انشئت عام 1935 وتعتبر من اقدم بورصات الشرق الاوسط والمنطقة وسميت ببورصة التجارة ببغداد حينها وبالاتفاق مع وزارة المالية وخطط ساسون حسقيل شرع في 9 مايس 1936 بقانون بورصة التجارة رقم 65
ومنها انطلقت الاسهم وتشجع الاهالي على ضرورة المساهمة والربح بمشاريع تخدم البلد .. ولم تنته مدة الاكتتاب حتى باشرت الشركة فعلا بشراء الوف الدونمات من الارض الواقعة على بعد بضعة كيلومترات جنوبي شرقي العاصمة بغداد قرب تل محمد وحفاظا على المنطقة الاثرية في تل محمد فقد
تم تسييجها وبدأت السيارات بحمل التراب لجعل سدة محكمة ضد مياه الفيضانات اولا ومن ثم الشروع بالتخطيط لبناء المدينة . فقد خطط فيها اربعة شوارع رئيسية واسعة متوازية طول الواحدة منها ثلاثة كيلومترات قابلة للتمديد وعرضه نحو خمسين مترا تتقاطع مع هذه الشوارع على زوايا قائمة اربعة شوارع اخرى متوازية يالمقاييس نفسها ويتخلل هذه الشوارع طرق فرعية تقسم المربعات الناتجة عن تقاطعها بصورة هندسية تجعل كل وحدة من وحداته ابنية للسكن تقع على طريقين اثنين ..ولقد قامت الشركة ببناء جسرين في مدخل المدينة وعبدت الطريق الرئيس بجانبيه وهو الذي يخترقها ويصل بالطريق المؤدية الى مدينة بعقوبة كما عبدت و زفتت مجموعة من الطرق الفرعية الاخرى وقامت بتشجير معظم تلك الطرق وانشأت الحدائق الجميلة وانيرت الطرقات ,,,وللشركة في آخر الشارع الرئيس مشتل كبير خاص بها زرعت فيه مختلف الاشجار والنباتات والورود ولقد شيدت الشركة
منذ تأسيسها عددا من القصور الفخمة والفيلات الجميلة وكازينو جميلة تحيط بها الحدائق الغناء التي تسر بهجة الناظرين.
وفي عام 1950 تم تشييد ساحة لسباق الخيل في طرفها الشمالي على مقربة
من الحديقة الكبيرة ( المشتل ) بيسار الطريق المؤدية الى بعقوبة . وتعد بغداد الجديدة نسخة جميلة من مصر الجديدة في ضواحي بغداد وقد فكر المهندسون العراقيون بأن تكون المدينة ابعد من بغداد ويكون بينهما مستقبلا غابات واشجار لكي تكون مدينة خاصة لها بلديتها ونظامها ونسق وترتيب
سكانها الجدد من اهالي بغداد .
زار الملك فيصل مع خاله الوصي عبد الاله المدينة الجديدة التي كان يحلم ان تكون اجمل من مدينة مصر الجديدة لكي تتفاخر به الامة العراقية ..ان شركة
بغداد الجديدة تعرضت ايضا الى رجات مالية كثيرة ولكنها استطاعت تحقيق حلم العراقيين بجعل مدينة خاصة لهم ذات مساحات واسعة وفناءات وحدائق
جميلة يذهب الانسان لآخر الشارع لشراء فسيلة نادرة من الاشجار المستوردة من بريطانيا او العالم ويزرعها ببيته وترى الاهالي في المشتل بين معجب ومشتر من تلك الاشجار الغريبة الجميلة ….وهكذا كان المشتل حديقة وغابة كبيرة بنهاية الشارع ما ان يدخلها الزائر يظن نفسه في غابات
الامازون وما يخرج منها الا وبيديه فسيلتان او اكثر من تلك الاشجار ليزرعها امام بيته او بفناء حديقته … وحين جاءت ثورة 14 تموز فكر الزعيم
عبد الكريم قاسم بضرورة اعطاء السكن للمواطنين فكانت الامة المحصورة بين معسكر الرشيد شمالا وبغداد الجديدة جنوبا لكي يتم توزيعها على
المواطنين الفقراء ,, ويبدو ان مجلس الاعمار لم يفكر بهندسة بغداد الجديدة من حيث التشجير والتنسيق وقصر عمر ثورة 14 تموز وبقيت بيوت الامة
حالها حال بيوت الثورة التي وزعها الزعيم عبد الكريم قاسم للسكان الفقراء بلا تشجير وبلا غابات