Wednesday 6 June 2012
"نيويورك تايمز" تقول إن المتعاقدين يضطرون الى اتباع لوائح يعود بعضها الى عهد العثمانيين
مدير شل: يمكن للعراق أن ينتج ما بين 6 و 10 ملايين برميل نفط يوميا مطلع العقد المقبل
بغداد ـ جريدة العالم
على الرغم من التفجيرات الطائفية، والجمود السياسي، يتزايد انتاج العراق من النفط الخام، ما يوفر نقطة مضيئة فريدة لمستقبل البلد وراحة في اسواق النفط العالمية في وقت يشدد فيه الغرب العقوبات على الصادرات الايرانية، كما رأت صحيفة نيويورك تايمز.
وقالت الصحيفة ان زيادة ضخ النفط والتطويرات التي اجريت على الميناء الحيوي احدث قفزة بنسبة 20% في الصادرات في العام الحالي الى ما يقرب من مليونين و500 الف برميل يوميا، ما يجعل العراق احد المنتجين الرئيسين في مجموعة الاوبك للمرة الاولى منذ عقود.
ويقول محللون في مجال الطاقة ان الازدهار العراقي ـ مقترنا بزيادة الانتاج في السعودية واقتراب استعادة الصناعة النفطية الليبية نشاطها التام ـ لا بد ان تريح الاسواق النفطية من زيادات الاسعار، وتعطي المجتمع الدولي ثقلا اضافيا على ايران عندما تبدأ العقوبات الجديدة مفعولها في تموز.
وقال ديفيد غولدوين، منسق وزارة الخارجية الاميركية السابق لشؤون الطاقة الدولية بادارة اوباما، لصحيفة نيويورك تايمز ان "العراق يساعد (في هذا المجال) بنحو هائل". وقال انه حتى لو اراد العراق زيادة صادراته النفطية الى نصف ما يخطط اليه في العام المقبل فقط "فهذا يعني انه سيسد حوالي نصف التجهيز الايراني المستقبلي الذي يحتمل ان يعزل من خلال تشديد العقوبات".
وبالنسبة للعراق، كما ترى صحيفة نيويورك تايمز، ان عودة ظهور النفط، الذي يضخ بالفعل بمعدلات لم يشهدها الا مرة واحدة ـ ولمدة قصيرة ـ منذ تولي صدام السلطة في العام 1979، هو امر حيوي لنجاح مرحلة ما بعد الحرب. ذلك ان توفير النفط ما يزيد عن 95% من العائدات الحكومية، اعطى القدرة على بناء طرق وتوسيع خدمات اجتماعية، وعزز كثيرا من يد الحكومة التي يقودها شيعة في هذا البلد المنقسم اثنيا.
كما ان النفط اسهم بحصته في مآزق الديمقراطية الناشئة، بالاغواء على الفساد والمحسوبية، ومفاقمة التوترات مع الاقلية الكردية في الشمال بشأن تقاسم الارباح، وهي قضية لا تندمل وقد تنتهي بتقسيم البلد.
وتقول الحكومة العراقية ان بامكانها زيادة انتاجها 400 الف برميل اضافي يوميا، وكانت قد اعلنت ان هدف الانتاج هو 10 ملايين برميل يوميا بحلول العام 2017، ما يضعه في مصاف السعودية.
ويقول بعض المحللين المستقلين انهم يعتقدون ان الهدف الاكبر واقعي، لكن مدراء الشركات النفطية التنفيذيين تأثروا بالتقدم الذي يحققه العراق وطموحه.
اذ يقول مايكل تاونشيند، رئيس شركة النفط البريطانية في العراق، ان "ما تعمل عليه الحكومة حاليا والزيادة في الانتاج التي يتطلعون اليها بموجب كل هذه العقود امر فريد من نوعه في العالم". وقال "لا احد حتى الان تمكن من زيادة انتاج النفط في بلده الى المدى الذي يخطط له العراق. هذه طموحات ضخمة، وستتطلب اشياء كثيرة كي يتحقق بالنحو الصحيح".
وتقول الصحيفة ان تحسين واقع الصناعة النفطية في العراق ياتي بتوقيت جيد لتعويض تدني الانتاج النفطي الايراني، الذي بحسب مجموعة الاوبك انخفض الى 12% في الشهور الثلاثة الاولى التي اوقفت فيها الهند والصين وبلدان اسيوية اخرى شراء النفط الايراني تحت ضغط الولايات المتحدة واوربا.
ومع التقدم القليل، اذا كان هناك تقدم قد تحقق حتى الان في المفاوضات بين الغرب وايران بشأن برنامجها النووي، مع تأكيد مسؤول البرنامج النووي الايراني في الاسبوع الماضي ان بلاده ستواصل انتاج اليورانيوم بدرجات تخصيب عالية، يستعد الغرب لتشديد العقوبات في تموز المقبل.
لذا فان دور العراق في التخفيف من آثار تلك العقوبات على سوق النفط يخلق توترات مع ايران، وهي الداعم القوي والحليف للحكومة العراقية. الا ان خبراء نفطيون يقولون ان الصادرات لها قيمة كبيرة جدا لدى العراق الى درجة انه لا يسمح لعلاقته مع ايران ان تعرقل انتاجه.
وتتابع صحيفة نيويورك تايمز القول ان انتعاش الصناعة النفطية العراقية بعد عقود من الحروب والعقوبات والاهمال، قد بدأ في العامين 2009 و2010 مع تحسن الوضع الامني وابرام بغداد سلسلة من عقود الخدمة التقنية مع شركات اجنبية من قبيل اكسون موبيل وشركة النفط البريطانية وشركة النفط الوطنية الصينية وايني الايطالية. فقد جاءت هذه الشركات بمعدات الفحص الزلزالي الحديثة وتقنيات اعادة التأهيل الحديثة من اجل انعاش الحقول القديمة.
لكن ارباح هذه الصفقات كانت متواضعة بالنسبة للشركات الاجنبية، الا ان مدراء تنفيذيون اعربوا عن تفاؤل حذر بقدرة العراق انتاج كميات من النفط قد تضعه في مجموعة نخبة المصدرين الى جانب السعودية وروسيا، في وقت ما من عشرينات القرن الحالي.
وينتج العراق حاليا حوالي 3 ملايين برميل يوميا، ويعتقد قلة من المحللين ان بامكانه بلوغ هدفه المتمثل بعشرة ملايين برميل يوميا بحلول العام 2017، الهدف الذي خفضت بغداد من سقفه مؤخرا حيث كان 12 مليون برميل يوميا في ذلك العام. الا ان هانز نيكامب، مدير شركة رويال دويتش شل في العراق، يقدر ان العراق يمكن ان ينتج من 6 الى 10 ملايين برميل يوميا في اوائل العقد المقبل "وهذا شيء كبير حقا"، كما يرى.
ويقول مدراء تنفيذيون في شركات نفط عالمية ان البيروقراطية الحكومية ما زالت بطيئة وهناك سوء في التنسيق ببناء ميناء جديد وبنية انابيب تحتية لنقل النفط من الحقول الى الناقلات. كما ان المعركة السياسية على تقاسم المنافع حالت دون سن قانون وطني للنفط، ما يعني ان الشركات تضطر الى اتباع جمهرة لوائح، يعود بعضها الى عهد الامبراطورية العثمانية. ويجبر النقص في امدادات الكهرباء السياسيين على الاختيار بين خدمة الشركات النفطية او جمهور المدنيين الغاضب الذي يريد خدمة اكثر موثوقية.
ولزيادة الانتاج، سيحتاج العراق الى تطوير مشروع ماء ضخم لتصفية وضخ ماء البحر في الحقول النفطية القديمة من اجل زيادة الضغط المطلوب لاستخراج الخام من الارض. وقد بدأ التخطيط لهذا لمشروع، الا ان التقدم فيه يسير ببطء.
كما سيحتاج العراق الى التفاوض على حصة تصدير ضخمة في اطار الاوبك لاستيعاب تزايد قدراته الكامنة، وهي عملية مزعجة من الممكن ان تثير توترات مع السعودية وايران.
وقد عرضت بعض المشكلات في المناقصة التي جرت في الاسبوع الماضي، وهي رابع مناقصة يجريها البلد بعد الحرب، حيث منحت فيها ثلاثة عقود فقط من اصل 12 طرحت للعطاءات.
وتابعت الصحيفة ان المناقصة، التي اجريت في قاعة بوزارة النفط، جرى بحفل افتتاح ذو طابع عسكري، بسجادات حمر، ومظاهر رفيعة، وجمهرة من المصورين وحرس شرف بملابس بيض يحملون بنادق كلاشنيكوف معلقة عليها حرابها. وقد نقلت وقائع المناسبة نقلا مباشرا على التلفزيون الحكومي. فيما كانت موسيقى ليونيل ريتشي "هلو" تعزف باستمرار.
وكانت الصالة مليئة بديبلوماسيين وسياسيين ومدراء تنفيذيين لشركات نفطية اجنبية، الا ان مقدمي العطاءات كانوا قليلين.
وقال عبد المهدي العميدي، المسؤول المشرف على المناقصة بالوزارة، بهذا الصدد "بقي ثلاث دقائق ويبدو ان لا احد يريد تقديم عطاء".
ورأت الصحيفة ان المناقصة المخيبة للامال كانت انعكاسا للشروط الصارمة التي تطالب بها الحكومة ومواقع بعض الحقول في مناطق خطرة وبعيدة وواقع ان القطاعات المطروحة للعطاءات كانت للغاز الطبيعي الذي يعد اقل جذبا للشركات الاجنبية من النفط، وليس انعكاسا لقلة الاهتمام بقطاع الطاقة العراقي.
كما استعمل العراق المناقصة ليوجه صفعة ليد اكسون موبيل على توقيعها عقود مشاركة بالانتاج في مساحة تبلغ 850 الف فدان في منطقة كردستان من دون حصولها على اذن من الحكومة المركزية، من خلال منع الشركة من الدخول في جولة العطاءات.
لكن في الوقت نفسه، لم يتطرق العراق الى عقود اكسون موبيل في الجنوب، وهذا اشارة على الواقعية، او ربما على الشلل، كما يقول محللون نفطيون عالميون.
ولشركة اكسون موبيل الحصة الاكبر من اي شركة اميركية في العراق، الا ان معظم الاطراف الكبيرة هم اوربيون واسيويون، مثل لوك اويل وغازبروم الروسيتان، وشركات صينية مثل شركة النفط الوطنية الصينية وشركة النفط الوطنية البحرية الصينية.
وعلى الرغم من وجوه انعدام اليقين، الا ان الشركات الاجنبية انها باقية. وقال كلوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لعمليات الاستكشاف والانتاج في شركة ايني، الشركة النفطية الايطالية العملاقة "اننا في العراق لاننا نعتقد ان هناك كامنا كبيرا، ونموا انتاجيا ضخما"، مضيفا ان "في المستقبل، ستكون الامور افضل".