صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11
الموضوع:

العراق ( اسلامة , ملوكه , تاريخة)

الزوار من محركات البحث: 152 المشاهدات : 1218 الردود: 10
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: August-2015
    الدولة: بغداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 1,617 المواضيع: 480
    صوتيات: 4 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 836
    مزاجي: تعب
    المهنة: طالبه حقوق ♥️
    أكلتي المفضلة: دجاج وسمك
    موبايلي: Honor
    آخر نشاط: 17/May/2021
    مقالات المدونة: 1

    العراق ( اسلامة , ملوكه , تاريخة)

    لقد أسس العرب لّما أسكنوا ما بين النهرين مدنية ذي حضارات رائعة وتركوا هنالك آثارا لما تزل دالة عليهم وليس هنالك ما يوازيها بكل المقاييس بالرقي نظرا لبدايات تلك الحقب فالأكديون والآشوريون والكلدانيون هم من العرب وقد سجلوا بفخر سبقا تاريخيا رائدا جللته روائع الملاحم التاريخية لبلاد السواد ولا شك في عروبتهم خصوصا عندما يتم التسليم بعروبة الخلق في بدايات الخليقة المسندة تاريخيا وهي التي تفسر تحول قسم من العرب البائدة إلى أسماء ومناطق أخرى بعد ما أصابهم ونالهم وعندما ضعف تأثيرهم السياسي وقد أفردنا في ذلك الكثير في بحثنا المنشور تحت اسم القومية العربية وموقعها في خطها البياني وسنمر هنا بعجالة لإثراء بحث عرب العراق..
    من المعلوم إن دولة عاد الأولى التي نشأت في جنوب اليمن وحضرموت وعمان وقد كان عاد أول ملك عربي وخلفاؤه هم الذين مدوا دولتهم صوب الشام والعراق ، ثم بعث هود نبيا فمن امن معه كانت عاد الثانية وقضي على الآخرين بريح صرصر كما يخبرنا القران الكريم .
    ومن العرب البائدة أيضا قبيلتا طسم وجديس في اليمامة أي الإحساء والقطيف الحاليتين إلى جانب العمالقة وهم الهكسوس الذين دخلوا مصر وبقوا فيها وعربوها منذ ذلك الحين ، ومن بعدهم أتى القحطانيون من العرب العاربة من سكان الجزيرة وبالأخص اليمن وكان من المع رجالاتهم يعرب بن قحطان الذي عاصر عاد الثانية في اليمن والعمالقة في الحجاز .
    وكان له إخوة منهم عاد وعمان وأعطاهم الولاية على البلاد التي سيطر عليها فكانت ولاية عمان بن قحطان على عُمان الحالية, وكان ابنه يشجب الذي ولد له ولد فيما بعد وسمي عبد شمس ولقب بسبأ هو صاحب مدينة سبأ والذي بنى سد مأرب وقد ولد لسبأ هذا نسل كثير ومن أشهر أولاده كهلان وحميَر ، وعندما حكم حمير أسس دولة عرفت باسمه وهي دولة الحميريين ومن ملوكهم الحارث الرائش وابنه ذو النار ثم الملكة بلقيس التي تنازلت عن عرشها للملك سليمان عليه السلام إلا إن التبابعة قومها لم يرضوا بذلك واستعادوا
    الملك بعدئذ..
    أما عن العدنانيين من العرب المستعربة من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وفي التشكيك بعروبة إبراهيم تجاوز تاريخي كبير ودس يريده الأعداء فهو من عرب العراق الذين عاصروا السومريرن وقد كشفت التنقيبات عن بيته ومعبد أهله في مدينة أور بمحافظة ذي قار العربية الأصيلة التي يشهد التاريخ بعروبتها منذ الأزل ، وسيلي هنا دور أهلها الكبير في مقارعة الفرس تاريخيا وحتى أيامنا الراهنة..
    وقد أراد الله أن يرتحل إبراهيم عليه السلام ليسكن فيما بعد ذريته أي ولده إسماعيل عليه السلام وأمه في قلب جزيرة العرب وفي ذلك المكان المقدس الذي تحج إليه منذ ذلك اليوم وحتى الساعة الخلائق ، ثم تزوج إسماعيل عليه السلام فيما بعد فتاة من قبيلة جرهم العربية وولد له أولاد كثر لم يعش منهم إلا عدنان الذي أنجبت من ظهره تباعا قبائل تعرف اليوم بالعدنانيين الذين عاشوا في الحجاز ونجد ثم تفرقوا في العراق وشمالي شبه الجزيرة العربية ، وقد تزوج معد بن عدنان من بنت الحارث بن مضاض الجرهمي والتي ولدت له نزاراً ونزار هذا تزوج فيما بعد وولد له أربعة أولاد هم مضر وربيعة وإياد وانمار وكانت لأبناء مضر الزعامة لقوتهم وكثرتهم ..
    وأما بنو ربيعة فقد انتشروا شرقي الجزيرة والعراق ومن ربيعة جاء بنو أسد نسبة لأسد جدهم ابن ربيعة ومن ربيعة أيضا جاء جديلة ومن قبيلة جديلة أتت بكر وتغلب وهم من أبناء وائل بن قاسط ومن بكر أيضا ولد ثعلبة الذي أنجب ثلاث أولاد هم شيبان وقيس وذهل ، ومن شيبان جاء الشيبانيون قبيلة بني شيبان ومنهم هانيء ابن مسعود ومسعود بن هانيء والمثنى ومن شعراء بكر طرفة بن العبد صاحب المعلقة الشهيرة,.
    عموما هذا فيما خص المنطقة ولنعد أخيرا إلى العراق أما ما قيل عن السومريون والخلاف الحاصل بشأنهم حول عروبتهم فليس هنا مجالا لمناقشته لذا فان الغالب رأيا بان العراق هو عربي وذلك هو أمر قائم حتى اليوم وان غالب أهله هم من العرب النازحين من شبه الجزيرة العربية ومدنهم أور والوركاء ونفر وبابل ونينوى ومن ثم أعقبتهم دفعة عربية كبيرة حتى غطت العراق وانشئوا حضارة أخرى وكانت لهم عاصمة متحالفة مع فارس وهي مدينة الحيرة في وسط العراق إلى جانب الحضر جنوبي غربي الموصل وكان هؤلاء من قبائل بكر بن وائل ومنهم بنو شيبان الذي منهم البطل الكبير المثنى بن حارثة الشيباني صاحب الدور الكبير في تحرير وصمود وإسلام أهل العراق وسنتوسع في مآثره فيما يلي من الأيام, وكانت منازل البكريين تمتد حتى الحيرة وهيت غربا...
    لقد كانت القبائل العربية متساكنة ومتجاورة بالعراق وفي ذلك مقتضيات للاتفاق والخلاف على بعض المصالح العامة والخاصة ، فقد كانت تميم وهي عدنانية تجاور بكرا في السكنى ، ونرى في التاريخ إن هنالك الكثير من الصراعات بين بكر وتغلب وتميم مما تغنى به الشعراء حين كانت الحروب والملاحم من عادات تلك الأزمنة ، ومن رجالات ذلك الزمان من ذهب ذكرهم مثلا حتى اليوم كجساس بن مرة الذي كان بطلا صنديدا وهو الذي قتل كليب بن وائل فدارت بسبب ذلك حروب طويلة شهيرة راحت مضربا للأمثال حيث يقال أهو دم كليب في إشارة للثار لعزيز غال ، رغم إن هنالك الكثير مما نتصوره اليوم مبالغة في الوصف ولكننا لم نعش ذلك الزمان لنقيم فقد قال الشعراء بقصائدهم من الشعر ما يخبرنا عن الكثير من الذي قد نراه اليوم عجبا ومكابرة..
    فمثالاً:
    وإنا نورد الرايات بيضا*** ونصدرهن حمرا قد روينا
    والآخر
    إذا بلغ الرضيع لنا فطاما*** تخرُّ له الجبابر ساجدينا


    يوم قضة
    وكان يوما مشهودا من أهم الأيام بتاريخ سالف أيام العرب بالعراق وهو الذي انتصرت به بكر على تغلب انتصارا حاسما فطردتها من مناطق البحرين واليمامة ، وهنا امتدت منازل قبائل بكر ومنهم بنو شيبان حتى هيت على الفرات وبسبب النزاع بين عبد قيس وإياد سكنت قبائل إياد في سواد العراق .
    صراعات القبائل بالعراق
    امتدت الصراعات بالعراق حتى في أيام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبدء ظهور الإسلام وانتشاره وقد كان بنو شيبان وهم كما ذكرنا بطن من ربيعة قد سكنوا البحرين والعراق مع قبائل عبد قيس وبقية قبائل بكر بن وائل وتميم في بادية العراق ..
    وكان بالبحرين ملك يخضع لأوامر الفرس يسمى المنذر بن ساوى ونتيجة لاستمرار الصراعات بين بكر وتغلب تمكنت بكر من طرد تغلب من جنوب العراق وتجلى ذلك في واقعة (يوم الفرات) الشهيرة حين أجهز جيش البطل مثنى بن حارثة الشيباني زعيم بني شيبان على تغلب وطردها من العراق وقتل كثيرا من رجالها واغرق العديد منهم في نهر الفرات حتى لأصبح ذلك اليوم من أيام تاريخ العرب في العراق وإخوانهم في الجزيرة العربية وافتخرت بذلك بكر كلها وقال شاعر بني شيبان في حق المثنى وفرسه الدليكة
    ومنا الذي غشى الدليكة سيفه*** على حين قد أعيا الفرات كتائبه
    ومنا الذي شد الركي ليستقي ***ويسقي محضا غير صاف جوانبه
    ومنا غريب الشام لم ير مثله*** أفك لعانٍٍ قد تنأى أقاربــــــــــــــه
    فالذي غشي الدليكة هو المثنى والذي شد الركي هو مُرة بن همام وغريب الشام هو ابن القلوس بن النعمان وهنا ذكر بن الأثير عن بني شيبان ( أن ليس بالعرب اعز دارا ولا امنع جارا ولا أكثر حليفا من بني شيبان) .

    ولقد عاشت قبيلة بني شيبان وبقية قبائل بكر بالعراق في أخصب مناطقه وأهمها في نظر القبائل العربية وحتى الدولة الفارسية الطامعة فهي في تخوم العراق مما جعلهم هدفا على الدوام ولكنهم طالما اتخذوا من الصحراء التي تتصل بالجزيرة العربية خير ظهيرا لهم على أطراف الفرات حين كانوا يتقون هجمات الغزاة من القبائل والفرس ...
    لذا نرى إن التوسع في دراسة اثر تلك القبيلة على سير تاريخ العراق في بدايات الإسلام لهو مهم جدا فهي التي جمعت الروح الوثابة إلى الصمود الرائع بالقوة والشكيمة والصبر والعزيمة وثبتت برجالاتها في المآزق والمحن والحروب وضربوا أروع درجات الشجاعة والإقدام حد الهوس نتيجة ضروب الفروسية وافانين الحرب والقتال والنزال ومقارعة الجبابرة والأبطال سيما وقد كانت لهم كبير الخبرة في قتال الفرس على مر الدهر فكل تلك العوامل مجتمعة إلى جانب دعوة المسلمين للنجدة وتحرير ثغر الجزيرة هي التي يسرت تحرير العراق الذي تطلب فيما بعد انهرا من الدماء وتضحيات جسام حتى إتمام النصر...
    في الجزء القادم مدن العراق العربية قبل الإسلام إلى جانب حضارة وكافة شخوص حكام العراق من العرب أمثال (جذيمة بن مالك وامرؤ القيس بن عمرو والنعمان بن المنذر).....

    الحضر
    وتقع في شمالي وسط العراق وهي عاصمة عرب العراق الشمالية ويرجح إن بانيها هو سنطروق الأول أو الساطرون كما اسماه بعض مؤرخي العرب وقد كان حكمه في النصف الأول من القرن الميلادي وحكمت سلالته العربية ثلاثة قرون , وقد ازدهرت الحضر بمدنيتها وحضارتها حتى تحولت لمركز تجاري هام في الشرق وقد كانت حصينة منيعة مسورة بأقوى الأسوار حتى إنها صدت وأفشلت هجوم الإمبراطور الروماني تراجان عام 117م كما وإنها أجبرت الإمبراطور الروماني سبتيموس سويرس على التراجع عن أسوارها بفشل حصاره لها في عام198/199م .
    وقد ثبت إن للحضريون كفاءة عسكرية غير عادية ودراية بالفنون القتالية حيث إنهم قد ابتكروا أنواعا فعالة من الأسلحة النارية كالمقذوفات النارية الحارقة التي كانت تسمى بالنار الحضرية ومنها أنواع أخرى من القسي والنبال .
    وقد كانت نهاية الحضر على يد سابور الأول الذي تمكن من قتل آخر ملوكها من العرب وهو الضيزن الذي توسعت دولته ووصلت بحدودها إلى المدائن جنوبا وكل حوض الخابور شمالا لكن ابنته النضيرة هي من خانه وأعلمت سابور على نقاط ضعف الأسوار المنيعة فدخلها وأوقع الضرر ببني قضاعة والعبيد خسائر هائلة وقد قال في ذلك عمرو بن آلة كما جاء في الأغاني
    الم يحزنك والأنباء تترى***بما لاقت سراة بني العبيد
    ومصرع ضيزن وبني أبيه***واحلاس الكتائب من يزيد
    فهدم من رواسي الحضر صخرا***كأن ثقاله زبر الحديد
    وأطلال الحضر حتى اليوم آية بالروعة وفن البناء وهي قائمة على مسافة 3كم من الضفة الغربية لوادي الثرثار وعلى مسافة 76كم غرب القيارة وتبعد 150كم جنوب غربي نينوى الموصل الحالية.

    الحيـــرة
    وتقع الى الجنوب من وسط العراق وعلى بعد ثلاثة أميال من الكوفة واسمها بحسب اللغة الآرامية حرتا أو حيرتو وتعني المخيم أو المعسكر أو الحصن أو الحاضرة وقد ذهب بعض المؤرخين إن بانيها هو الملك البابلي بختنصر أما سكانها الرئيسيون فهم من قبيلة الأزد وأول ملوكهم مالك بن فهم الذي رماه ابنه سليمة بسهم خطأ عن غير قصد وكان هو الذي دربه على الرماية فلما علم مالك إن ابنه سليمة هو الذي رماه انشد أبياتا ذهبت مثلا حتى أيامنا الراهنة
    جزاني لاجزاه الله خيرا*** سليمة انه شرا جزاني
    اعلمه الرماية كل يوم ٍ***فلما اشتد ساعده رماني
    وان الحيرة مالبثت أن أصبحت مدينة كبيرة فيها القصور الكبيرة الشامخة والحدائق والبساتين والمساكن وقد وصفها عاصم بن عمرو الشاعر والفارس الشهير حيث قال
    صبحنا الحيرة الروحاء خيلا***ورجلا فوق اثباج الركاب
    حضرنا في نواحيها قصورا*** مشرفة كأضراس الكلاب
    وبقيت الحيرة بعد تحرير العراق عامرة عدة أجيال وكان بجوارها أشهر قصرين بناهما العرب بالعراق من عصور ما قبل الإسلام وهما الخورنق والسدير وبينهما ميلا واحدا واللذان بناهما الملك العربي النعمان بن امرئ ألقيس والملقب بالنعمان الأعور أو النعمان السائح والذي حكم العراق من عام 403م وحتى431م وهو صاحب القصة الشهيرة حول مقتل باني القصر(سنمار) كي لا يبني مثيلا له والتي ذهبت مثلا ومضرب للأمثال(جزاه جزاء سنمار) وقد وردت في حق تلك الحادثة أشعار كثيرة في الأدب العربي العراقي نذكر منها أبياتا لعبد العزى بن امرئ ألقيس الكلبي من قصيدته التي يعاتب بها الملك الحارث الغساني
    جزاني جزاه الله شر جزائـــــــــــه*** جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
    وحتى
    فقال اقذفوا بالعُلج من فوق برجه*** فهذا لعمر الله من أعجب الخطب
    وقيل إن الملك النعمان قد هجر بعد ذلك القصر وتبتل وساح بالأرض ابتغاء الآخرة وربما يكون قد ندم على فعلته مع باني قصره سنمار فترك القصر والملك واختفى وفي ذلك يقول الشاعر اللخمي عدي بن زيد
    وتذكر رب الخورنــــــــــــق إذ*** فكر يوما وللهدى تفكير
    وحتى
    فارعوى جهله فقال وما غبطة*** حي إلى الممات يسيـــر
    وقد جاء ذكر الخورنق كثيرا في الأدب العربي
    فقد ذكره حسان بن ثابت شاعر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقال
    وحارثة الغطريف أو كابن منذر*** ومثل أبي قابوس رب الخورنق
    كما ذكره أيضا الحارث بن حلّزة فقال
    فإذا صحوت فإنني*** رب الشويهة والبعيــر
    وإذا سكرت فإننـي*** رب الخورنق والسدير


    ملوك العراق / حُكّام الحيرة

    تنويه/
    في زوايا البحث وبين طياته الكثير من أصول وأسباب العبارات التي تحولت إلى أمثال لوقائع ومجريات أحداث في تاريخ العراق بحسب زمن حدوثها...

    مالك بن فهم
    وقد مرّت سيرته بالبحث

    جذيمة بن مالك
    وقد حكم الحيرة بعد مالك بن فهم ولده جذيمة الملقب بجذيمة الأبرش أو جذيمة الوضّاح وله فضل كبير في توحيد قبائل العرب في المنطقة وقد ذكر عنه الطبري انه كان من أفضل ملوك العرب رأياً وأبعدهم مغاراً وأشدهم نكاية وأظهرهم حزما وأول من استجمع له الملك بالعراق وضم إليه العرب فغزا بالجيوش في تلك الحقبة كما ذكر المسعودي عنه فقال انه أول من ملك الحيرة ويقصد بتلك الصيغة وانه صاحب النديمين وهما مالك وعقيل ولذلك قصة مفادها إنهما هما اللذان وجدا عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة في البادية حينما كان هاربا فأعاداه إلى الملك مما أفرحه كثيرا ولما أمر بإعادة الطوق الذي كان يطوق به وجدوه قد صغر عليه وأضحى ضيقا وهنا قال عبارته الشهيرة التي ذهبت مثلا فقال (شَبَّ عمرو عن الطوق) , لذا فقد أكرمهما جذيمة وقربهما إليه وباتا نديمين له بحسب طلبهما منه كجزاء لهما , ومالك هو الذي أشار إليه متمم بن نويرة في رثائه الشهير حيث كان أخاه الذي قتله القائد خالد بن الوليد في معارك وحروب الردة التي جرت بالمنطقة ومنها العراق.
    وقد دام حكم جذيمة نحو 60عاما وقد عاصر في زمانه حاكم بلاد فارس وهو كسرى المسمى سابور اشك وأما عن زواجه فقد ورد انه تزوج من الزباء الغسانية وهي التي خانته وقتلته أو خططت لقتله وهي من بلاد الشام وبدا إن تلك الزيجة لم تك إلا محاولة فاشلة كغيرها لرأب الصدع بين المناذرة والغساسنة وان لذلك إحداثيات تاريخية مفقودة تحاكي أسباب فشل تلك المحاولات في جمع الشمل والإصلاح بين الطرفين المتحاربين في ذلك العهد.
    وعن عمره عند وفاته بمقتله قيل انه كان يناهز أل 118 عاما...

    عمرو بن عدي
    وقد حكم بعد مقتل خاله جذيمة رغم انه لم يكن متنفذا في زمن حكم خاله الذي دام زهاء ستون عاما لكن بدا انه كان الأجدر بالحكم من بعده وقد ذكر عنه الطبري انه كان أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب وان أول من مجّده أهل الحيرة في كتبهم وكتاباتهم من ملوك العرب بالعراق هم آل نصر والذين كانوا ينسبون إليه فتقوى موقفه كثيرا لذا فلم يزل عمرو ملكا حتى توفي وهو ابن مائة وعشرين عاما منفردا بسلطته وملكه مستبدا بأمره يغزو المغازي ويصيب الغنائم الكثيرة وتفد عليه الوفود دهره الأطول وهو لم يدين لملوك الطوائف بالعراق ولم يدينوا له حتى قدم اردشير بن بابك في أهل فارس وكان قد أغار ملك الحضر والجزيرة الضيزن بن معاوية بن العُبيد بن قضاعة ومعه قبائل قضاعة حين فتحوا مدينة نهر شير الفارسية (بهرسير) وفتك في أهلها وعندها أصاب أي حصل على أخت كسرى سابور ذي الأكتاف حينذاك
    وفي ذلك قال عمرو بن السليح القضاعي
    لقيناهم بجمع من علاف
    وبالخيل الصلادمة الذكور
    فلاقت فارس منا نــكالا
    وقتلنا هرابذ بهرسيـــــــر
    دلفنا للأعاجم من بعيد
    بجمع في الجزيرة كالسعير
    وتوفي عمرو وله من العمر 120 عاما وخلفه ولده..


    امرؤ القيس بن عمرو
    وهو أول من حمل هذا الاسم الشهير كملك وحاكم في تاريخ العراق والعرب وقد كان رجلا شجاعا مهابا وان له كبير الفضل على العرب فهو أول ملك عربي تمكن من توحيد العرب بعموم قبائلهم العربية في العراق وسورية والحجاز ونجد واليمن وقد حكم جزيرة العرب برمتها مع أطرافها حين تولى الحكم بعد والده عمرو وقد كان له عدة ألقاب منها امرؤ ألقيس الأول وامرؤ القيس البدء والمحرّق ومحرّق الحرب ومسعّر الحرب وقد دام حكمه طويلا وقد تمكن فيه من توحيد العرب وقد عاصر ملوك فارس من أيام سابور ابن اردشير وبعده ستة من أحفاده وحتى زمن سابور ذي الأكتاف وقد توفي في عام 223م ودفن في النمارة بسوريا وقد اختلف في حكمه انه حكم 114 عاما أو توفي وله من العمر كذلك ووجد قبره بسوريا في زمننا المعاصر وعليه نقوش بالكتابة العربية الأولية وهي ما تسمى بنقش النمّارة ولا يزال يحمل تلك النقوش حتى اليوم وهي/-
    1/ تي نفسي مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو اسر التج.
    2/ وملك الأسد ونزرا وملوكهم وهرب مذحجو عكدي* وجا
    3/بزجى في حبج نجرن مدينة شمر وملك معد ونزل بنيه.
    4/ الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه.
    5/عكدي. هلك سنة يوم بكسلول بلسعد ذو ولده.
    * وتعني القوة
    وترجمة تلك العبارات إلى العربية الحالية هي
    ترجمة العبارات الموجودة على صدر القبر إلى العربية الحالية
    1/ هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي حاز التاج.
    2/وملك الاسديين ونزار وملوكهم . وهزم مذحج بقوته.
    3/ وجاء إلى نزجى (أو بزجى) في حبج نجران مدينة شمر وملك معدا وانزل قسم من بنيه
    4/ارض الشعوب ووكله الفرس والروم فلم يبلغ ملك مبلغه.
    5/في الحول عكدي هلك سنة 223 يوم سبعة من الول (كانون الأول) ليسعد ذو ولده أي الذين خلفهم.


    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة الحالمة ; 4/September/2015 الساعة 3:14 am السبب: تعديل الخط وهو لعدم وضوح الكلمات
    اخر مواضيعيالاوفيساولاد وبنات الرسول (ص) حياتهم وازواجهمسؤال عن الكلياتمشكله في اليوتيوبمشكله في سينمانا (تمت الاجابة)

  2. #2
    من أهل الدار
    أم مهيمن
    تاريخ التسجيل: January-2015
    الدولة: عراق المحبه
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 6,768 المواضيع: 382
    التقييم: 2684
    مزاجي: حسيني
    المهنة: لاشئ
    أكلتي المفضلة: قوزي الشام
    موبايلي: ماكو هيج شي
    آخر نشاط: 11/August/2018
    مقالات المدونة: 3
    طرح مميز
    احسنتي

  3. #3
    صديق مشارك
    تاريخ التسجيل: August-2015
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 124 المواضيع: 18
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 58
    آخر نشاط: 4/April/2016
    احسنتي

  4. #4

  5. #5
    من أهل الدار
    الحارث بن عمرو
    وقد حكم بعد وفاة شقيقه امرؤ ألقيس ودام حكمه 87 عاما كان حكمه فيها امتدادا لمن سبقه ولم يميز بشيء فيما دونته أقلام التاريخ .
    أوس بن قلام
    وقد حكم بعد الحارث بن عمرو ودام حكمه خمسة أعوام.
    عمرو بن امرؤ ألقيس
    وقد حكم بن امرؤ ألقيس البدء هذا فكان حكمه قد دام حكمه أربعين عاما وهو كسابقه.

    امرئ ألقيس بن عمرو بن امرؤ ألقيس البدء
    وقد حكم قرابة خمسة وعشرون عاما قاتل فيها الفرس طيلة مدة حكمه وقد توفي على أيام ملك الفرس يزدجرج


    النعمان بن امرئ ألقيس
    وقد خلف والده في الحكم ولقب بفارس حليمة و النعمان الأعور أو النعمان السائح وأبى قابوس ولتلك الألقاب قصص سنولي ذكرها بعون الله وهو صاحب قصري الخورنق والسدير الشهيرين بالعراق وهما كما هو معلوم مضرب للحديث عند العرب والجزيرة وقد كان هذا الملك رجلا شجاعا حكيما ومحاربا قويا حازما ومن أهل الغيرة والنجدة والنخوة وقد كان له كتائب من الجيش معروفة أخبارها أشهرها دوسر والشهباء إضافة لأخريات وقد اشتهرت دوسر بشدة محاربيها البواسل حتى قيلت فيها الأمثال( ابطش من دوسر) وقد حكم29 عاما حتى434م حيث ترك الملك بمليء إرادته عندما ساح في البوادي لقصته المعروفة..

    المنذر بن النعمان
    وقد خلف والده النعمان في الحكم حتى عام473م قرابة الأربعون عاما وقد اشتهر بفروسيته وشجاعته وغزوه لبلاد الروم في تركيا...

    الأسود بن المنذر بن النعمان
    وقد خلف والده المنذر في عام 473م وحتى493م وحكم نصف مدة والده تقريبا وقد كان الأسود رجلا شهيرا بفروسيته وشجاعته وإقدامه بالحرب وقد حارب غازيا في سوريا واسر عددا من أمراء الغساسنة وهنا أغراه ابن عمه أبو اذينة بقصيدة شهيرة يحرضه فيها على قتل هؤلاء الأسرى لأنهم كانوا قد قتلوا أخاه وكان آخرها البيت الشهير

    لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها
    إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا
    المنذر بن المنذر
    وقد خلف أخاه الأسود فحكم حتى عام 500م.

    النعمان بن الأسود بن المنذر
    وقد خلف عمه بالحكم ولم يدم حكمه طويلا فكان قرابة أربعة أعوام وقد عاصر حكم كسرى قباذ في فارس وهو والد كسرى انو شروان وفي أيامه دخلت قبائل تغلب وبكر إلى العراق وتوفي في 504م.

    علقمة بن جعفر
    وهذا الآخر لم يدم حكمه أيضا فقد حكم قرابة ثلاثة أعوام من504م وحتى507م.

    امرؤ ألقيس بن النعمان
    وقد حكم من 507م وحتى514م وهو الذي خلّف بن ماء السماء بعده.

    المنذر بن امرؤ ألقيس(المنذر بن ماء السماء)
    وقد خلف والده في514م فحكم حتى 533م وقد كان رجلا محاربا شجاعا حارب الروم كما احتل سوريا ووصل حتى أنطاكية ودخل لبنان وحارب كندة وعرف بالمنذر بن ماء السماء والسبب إن والدته وهي من ( النمر بن قاسط) يقال لها ماء السماء لجمالها الخارق وحسنها واسمها مارية بنت عوف وقد تزوج المنذر من هند بنت الحارث بن عمرو الكندي من ملوك كندة في جنوبي العراق والحساء والقطيف فولدت له ثلاثة أبناء وهم الأول عمرو بن هند المعروف بمضرط الحجارة وهو الذي قتله فيما بعد الشاعر الفارس عمرو بن كلثوم والثاني هو قابوس المعروف بقينة العرس أما الثالث فهو المنذر بن المنذر ومن المعروف إن هذا الرجل أي المنذر بن ماء السماء هو أشهر من حكم العراق في غابر الأيام

    يومي البؤس والنعيم عند المنذر
    المنذر بن ماء السماء هو صاحب الاعتقاد بهذين اليومين واصل ذلك انه لما ندم على قتله نديميه عند سكره فاقسم على أن يتخذ اليومين في كل عام كذكرى يعدم فيها أو يكرم من يصادف مروره عليه وقد قال عبيد بن الأبرص قبل أن يقتله المنذر لأنه أتاه في يوم بؤسه/
    وخيرني ذو البؤس في يوم بؤسه
    خصالا أرى في كلها الموت قد برق
    كما خيرت عاد من الدهر مرة
    سحائب ما فيها لذي خبرة انــــــــــــــــق
    ولقد حارب هذا الملك الروم حتى تمكن من تحرير سورية من أيديهم ووضع يده عليها ثم واصل حتى أنطاكية كما دخل لبنان وجلب منها الأسرى إلى العراق وفيهم 400 راهبة وفي أثناء غزواته ضد الروم قامت كندة بانتهاز الفرصة فهاجم رجالها العراق لغزوه ولما وصلت أخبار ذلك إليه قرر غزوها انتقاما منها فتوجه نحو مضارب كندة فأسر وقتل12 أميرا من أمرائها وكان من بين الأسرى أيضا الشاعر الشهير امرؤ ألقيس الكندي الذي افلت فيما بعد وليهرب من أسره ولقد كان غالب جيش المنذر من قبائل بكر العربية ومنهم بنو شيبان حيث كان يعتمد عليهم وحدهم وقد قال فيهم شعرا نورد منه
    ملوك من بني عمر بن حجر
    يساقون العشية يقتلونـــا
    فلو في يوم معركـــة أصيبوا
    ولكن في ديار بني مرينــا
    ولم تغسل جماجمهم بغسل
    ولكن في الدماء مرملينــا
    تظل الطير عاكفة عليهـــم
    وتنتزع الحواجب والعيونا
    كما يذكر تلك الحادثة الشاعر البكري العراقي صاحب المعلقة الشهيرة الحارث بن حلزة فيقول
    ومع الجون جون بني الأوس
    عنود كأنها دوفــــــــــــــاء
    ما جزعنا تحت العجاجة إذ ولوا
    شلالا وإذ تلظى الصــــــلاء
    يوم اوارة
    ولكن حدث أن تمردت فيما بعد على المنذر قبيلة بنو شيبان العربية فهاجمهم وقتل منهم عددا كبيرا من المقاتلين وهذا ما يؤكد على وجودهم كعرب بالعراق قبل الإسلام وفي تلك الحادثة يقول الأعشى
    سبايا بني شيبان يوم اوارة
    على النار إذ تجلى به فتيانها
    مقتل المنذر
    لقد قتل المنذر غيلة وغدرا على مذبح كيد واحتراب الغساسنة والمناذرة في عين أباغ على الفرات على مسافة مائة كلم جنوب شرقي حلب في سورية على يد شمر بن عمرو الحنفي الذي أرسله الملك الغساني الحارث بن جبلة عندما أرسل القاتل مع مجموعة من الفتيان المتنكرين الذين عملوا حيلة مع امرأة يقال لها حليمة على إنهم خارجين على الملك الغساني وإنهم مستجيرين بالمنذر فلما اطمأنوا لنجاح حيلتهم قاموا في ليلتهم تجاه مخدع المنذر وهجموا عليه وقتلوه فقيل (ما يوم حليمة بسرّ)
    فذهبت مثلا بالمنطقة وتمكن الغساسنة أيضا من اسر احد أبناء المنذر واسمه امرؤ ألقيس وبعد ذلك ثارت بكر وتمكنت بغارة لها على الشام أن تحرر ابن الملك المغدور بعد أن سيطروا على كامل سوريا من جديد واسروا الملك الغساني وفي تلك الحادثة الشهيرة يشير الحارث بن حلزة شاعر بكر مفتخرا في معلقته التي نظمها وألقاها أمام الملك عمرو بن هند
    فيقول
    وفككنا غل امرئ ألقيس عنه
    بعد ما طال حبسه والعناء
    واقدناه رب غسان بالمنـــذر
    كرها إذ لا تكال الدمـــــــاء
    وفي هذه المعركة أيضا اخذ عمرو بن هند ابنة الملك الغساني واسمها ميسون أسيرة لديه ثم تزوجها فيما بعد وقال الحارث في ذلك أيضا
    إذ احل العلياء قبة ميسون
    فأدنى ديارها العوصــاء
    في رثاء المنذر قالت ابنته
    وقلوا فارسا منكم قتلنـــا
    فقلنا الرمح يكلف بالكريم
    بعين أباغ قاسمنا المنايا
    فكان قسيمها خير القسيم

    عمرو بن المنذر( عمرو بن هند)

    وقد حكم بعد المنذر ولده عمرو في533م ودام حكمه حتى578م وهو الذي سمي بعمرو بن هند ولقب بالمحرق الثاني وأشهر ما لقب به هو لقب مضرط الحجارة وهو ما يدل على قوته وجبروته لكنه كان قد بالغ في الكبرياء ومسته العظمة حتى انه تصور إن بإمكانه السيطرة على الناس أجمعين وقد كان مرهف الحس عصبي المزاج وسبب له ذلك الكثير من المشاكل وخاصة مع الشعراء كالمتلمس وقصته مع طرفة بن العبد عندما هجاه شهيرة فهو الذي أمر بقتل طرفة لقوله في قصيدته ومنها البيتين

    فليت لنا مكان الملك عمرو***رغوثا حول قبتنا تخور
    من الزيرات أسبل قادماها *** وضرتها مركبة تـــدور

    كما يقال إن الملك عمرو غضب أيضا على طرفة لأنه تغزل بزوجته عندما قال

    ألا أيها الظبي ألـــذ*** ي تبـــــدو ثنايـــــــــــاه
    ولولا الملك القاعــ*** د قد الثمني فـــــــــــــاه

    غير إن طرفة هجا الملك أيضا ووصفه بالقسوة والظلم وقد ذم قصر السدير وأهله

    أبى القلب أن يهوى السدير وأهله*** وان قيل عيش بالسدير غرير
    فلا انذر الحي الذي نزلوا بــــــــه*** واني لمن لم يأته لنذيـــــــــر

    ولا ننسى أن نذكر هجاء الشاعر العراقي المتلمس للملك عمرو بأبيات لاذعة نورد منها فقط

    قولا لعمرو بن هند غير متئب*** يا أخنس الأنف والأضراس كالعدس

    كما قال في قصيدة أخرى

    الَكَ السدير وبارقٌ*** ومرابض ولك الخورنق
    وحتى
    ما الليوث وأنت جامعها***برأيك لا تفــــــــرق
    والظلم مربوط بأفنية *** البيوت أغر أبلــــــق

    كما قالت الخرنق وهي أخت طرفة بعد موت عبد بن عمرو بن بشر وهو الذي وشى بأخيها أبياتا نورد منها

    ألا هلك الملوك وعبد عمرو*** وخليت العراق لمن بغاها

    كما قالت معاتبه الملك عمرو بن هند عندما طرد ابن عمها عمرو بن مرثد

    ألا من مبلغ عمرو بن هند ***وقد لاتعدم الحسناء ذاما
    وحتى
    الست ترى القطا متواترات***ولو ترك القطا ليلا لناما

    وقد كانت نهاية ذلك الملك على يد شاعر تغلب الكبير وفارسها عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة الشهيرة حين دعا الملك يوما لضيافته فارس تغلب مع والدته ليلى بنت المهلهل وقد كان والدها رجلا من أعزاء العرب وكان الملك قد اتفق مع والدته أن تأمر كلثوم بما يقلل من قدرها وفعلا تمت الزيارة وبينما كان الملك يجالس ضيفه الشاعر الفارس وإذا بصوت والدته كلثوم تصرخ واذلاّه بسبب إن أم الملك قد أمرتها أن تناولها طاسة أو قدحا من الماء فقام الفارس عمرو من فوره إلى سيف الملك المعلق على الجدار وسحبه وضرب به هامة الملك عمرو بن هند وارداه قتيلا صريعا في قصره وهنا صار عمرو بن كلثوم مضربا للأمثال بين العرب كلها فيقال( افتك من عمرو بن كلثوم)
    وفي ذلك قال الشاعر ألتغلبي صريم بن معشر والملقب بافنون

    لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا ***لتخدم ليلى أمه بالموفـــــــق
    فقام ابن كلثوم إلى السيف مصلتا***وامسك من ندمانه بالمخندق

    وبعد هذه الحادثة نظم الشاعر عمرو بن كلثوم معلقته المشهورة التي ألقاها في بني قومه والتي مطلعها

    ألا هبي بصحنك فاصبحينا*** ولا تبقي خمور الاندرينا

    وقد أكثر التغلبيون من حفظ وإلقاء وترديد هذه القصيدة حتى قال بعض الشعراء فيهم

    ألهى بني تغلب عن كل مكرمة*** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
    يفاخرون بها مذ كان اولهــــم*** يا للرجال لفخر غير مـسؤوم
    قابوس بن المنذر
    بعد أن قتل عمرو بن هند وصل إلى الحكم أخيه قابوس بن المنذر الذي حكم من عام578م وحتى581م ثم خلفه أبا زيد لمدة عام واحد

    المنذر بن المنذر بن ماء السماء
    وقد حكم قرابة أربعة أعوام أي حتى 585م

    النعمان بن المنذر أبو قابوس
    وهو من أشهر ملوك الحيرة بالعراق وقد دام حكمه من عام 585م وحتى613م وقد بلغت دولة المناذرة في حكمه أوج الرخاء والازدهار وقد كان النعمان يلبس في رأسه تاجا مرصعا بالنفائس وعاصر كسرى هرمز وكسرى ابرويز وفي أيامه حدثت واقعة ذي قار بين عرب العراق والفرس والتي انتهت بهزيمة الفرس التي حدثت في بداعية عام 613م أي في العام الثاني للهجرة النبوية وكان كسرى ابرويز قد غدر بالنعمان واخلف وعده بالصلح حين دعاه لزيارته بعد حدث مقتل مترجمه عدي بن زيد الذي أمر النعمان بقتله عندما ثبتت عليه الخيانة فذهب الملك النعمان إلى كسرى ولكنه ما أن وصل قام بحبسه في ساباط وهي إحدى مدن المدائن وبقي في سجنه حتى وفاته عندما أمر كسرى من حقده على النعمان بإلقائه تحت أرجل الفيلة لتصفيته جسديا والخلاص منه وهناك من يفسر الأمر برمته على انه حدث لسبب آخر وهو أن العرب في تلك المرحلة قد تزايد نفوذهم في سوريا والعراق يدفعهم في ذلك وجود منطلق كيان لهم وحكم ومركز في الحيرة مما يعطيهم الحق في الدفاع عن حقوقهم على الأرض كأمة وهذا ما يؤكده صراعاتهم المستمرة مع الروم والفرس وقد تهافت الشعراء على النعمان باستمرار ويجب أن نعلم إن حراك الشعراء كان في ذلك العصر بمثابة وسائل إعلام وما يشبه وكالات الأنباء والصحف كانت تشيد بقوة النعمان ومجد العرب في الحيرة مما أغاظ الفرس كثيرا وجعل كسرى يفكر في فرض الاحتلال على العراق رسميا عندما أرسل عميله إياس بن قبيصة الذي حكم حتى618م ثم عزله كسرى وأرسل حاكما فارسيا ليحكم في العراق واسمه زاديه والذي حكم حتى628م ثم عاد الحكم للمناذرة عندما حكم العراق المنذر بن النعمان الملقب بالغرور وهو الذي وقع أسيرا في البحرين أثناء حروب الردة فاسلم وأبدل لقبه من الغرور إلى المغرور وانتهى حكمه في 632م وبذا يكون هو آخر ملوك المناذرة الذين حكموا العراق في الحيرة...
    ومما ذكره الطبري (إن الحيرة خربت بعد هلاك بختنصر لتحول الناس عنها إلى الانبار وبقيت خرابا إلى أن عمرت في زمن عمرو بن عدي باتخاذه إياها منزلا له) ,,,

    صدى النعمان في الأدب العربي
    قال فيه الأعشى
    فداك وما أنجى من الموت وبه***بساباط حتى مات وهو محزرق
    وقال فيه أيضا
    هو المدخل النعمان بيتا سماؤه***نحور فيول بعد بيت مســــردق

    في إشارة لحادثة مقتله الشنيعة تحت أقدام الفيلة وهي التي عادت لتحدث لعين السبب بعد خمسة قرون مع المعتصم ولكنها حدثت تحت أقدام الخيل وبأيدي الأوباش المغول,,

    وقد رثاه الشاعر لبيد بن ربيعة العامري في قصيدة نورد منها

    له الملك في ضامي معد وأسلمت***إليه العباد كلها ما يحاول

    وقد رثاه احد أبنائه وهو المحرّق مخاطبا كسرى فقال

    قولا لكسرى والخطوب كثيرة***إن الملوك بهرمز لم تجبر

    وقد رثاه زهير ابن أبي سلمى في قصيدة مطلعها

    ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى
    من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليــــــــــــا

    ورثاه أيضا هانيْ بن مسعود الشيباني بطل ذي قار فقال

    وتجبى إليه السيلحون ودونها***صريفون في أنهارها والخورنق

    من هجاء مالك بن نويرة للنعمان بالسابق ولكن بدا إنه طموحا وملتويا فقد عاد وتمرد في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه

    لن يذهب اللؤم تاج قد حبيت به***من الزبرجد والياقوت والذهب

    وقد مدحه إعرابي ناصحا عندما تولى الحكم

    إذا أسست قوما فاجعل الجــود***بينهم وبينك تامن كل ما يتخوف
    فان كشفت عند الملمات عورة***كفاك لباس الجود ما يتكشـــــف

    كما مدحه النابغة الذبياني

    الم تر إن الله أعطاك ســورة***ترى كل ملك دونها يتذبـــذب
    كأنك شمس والملوك كواكب***إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

    وفي موضع آخر

    أنبئت إن أبا قابوس أوعدني***ولا قرار على زأر من الأسد
    مهلا فداء لك الأقوام كلهــــم***وما أثمر من مال ومن ولــد

    وقد قال المنخّل اليشكري ذاكرا المجد العربي بالعراق بأيام النعمان بقصيدة رائعة نورد مطلعها

    إن كنت عاذلتي فسيري***نحو العراق ولا تحوري

    شقائق النعمان الشهيرة
    خرج النعمان يوما إلى البرية فوجد أورادا ملونة فقال ما أحسنها احموها فحموها فسميت شقائق النعمان

    ديانة النعمان
    لقد كان النعمان وثنيا في أول عهده ثم تنصّر في 593م مما يدل على استقلاليته من الفرس وتحديه لهم خصوصا وان المسيحية كانت هي ديانة الروم أعدائهم آنذاك وقد كان نسطوريا لذلك طرد اليعاقبة من مملكته وقوى النسطورية وقد كانت ابنته الحرقة نصرانية ومترهبة وهي التي وصفت حالها لسعد بن أبي وقاص بعد القادسية قائلة

    فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا***إذا نحن فيه سوقة نتنصف
    فأف لدنيا لا يدوم نعيمـــــــــــها*** تقلب تارات بنا وتصـــرف

    سيرة وميول النعمان
    لقد كان النعمان أديبا وشاعرا وصديقا محبا للشعراء والخطباء وكان من أصدقائه زهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني ولبيد العامري وعمرو بن معد يكرب الزبيدي وعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل وعمر بن الشريد السلمي والحارث بن الظالم المري والحارث بن عباد البكري وقيس بن مسعود البكري وحاجب بن زرارة التميمي واكثم بن صيفي وهؤلاء هم اخطب واشعر العرب في ذلك العصر وقد دخل النابغة الذبياني يوما على النعمان وهو من اخلص أصدقائه فألقى فيه شعرا فتهلل وجه النعمان بالسرور فأمر أن يحشى فاهه جوهرافقال النعمان بمثل هذا فلتمدح الملوكوفي موقف آخر دخل النابغة على النعمان يوما فقال أيها الملك أيفاخرك صاحب غسان,,,فوالله لقفاك أحسن من وجهه ولشمالك أجود من يمينه ولامك خير من أبيه ولغدك اسعد من يومه فضحك النعمان وقال من يلومني على حب النابغة وقد كان للنعمان حاجبا اشتهر في أيامه واسمه عصام وهو الذي قيل فيه المثل(نفس عصام سودت عصاما) وقد ذكره النابغة
    فاني لا ألومك في دخول***ولكن ماوراءك يا عصام

    ومن عيون شعر النابغة الذبياني قصيدة المتجردة التي وصف فيها زوجة النعمان ومنها

    لا مرحبا بغد ولا أهلا بــــه***إن كان تفريق الأحبة في غد
    وحتى
    بمخضب رخص كان بنانه***عنم يكاد من اللطافة يعقـــــد



    واقعة ذي قار
    ********
    موقع ذي قار
    ذي قار أو ذو قار العريقة كمدينة تقع إلى الغرب من موقع أور الأثري التاريخي وفيما بعد هي آبار ماء عذبة لقبائل بكر بين الكوفة وواسط كما أفاد البلاذري وهي قريبة من الفرات وتنتصف المسافة بين الكوفة ومدينة واسط وهي محافظة ذي قار الآن والناصرية فيما سبق وقد سكنت المنطقة والى الشمال من محافظة المثنى قبائل بني شيبان وبقية قبائل بكر

    أسباب المعركة
    إن العراق طويلا ما وقع بين فكي كماشة الفرس والروم ورغم إن هنالك محاولات سياسية جريئة لأبرز من حكم العراق كما تقدم إلا إن كثيرا من ملوك العراق العرب في الحيرة والمناذرة يخضعون أحيانا لضغوط كسرى فارس أبان مراحل ضعفهم وإذ ذاك يلجئون للتحالف وفي حالات أخرى كانوا يرفضون إلا أن يكونوا حلفاء للفرس ضد الروم ولقد كان للفرس عملاء وجواسيس في الحيرة تتم تهيئتهم على الدوام كان منهم عدي بن زيد العبادي الذي كان يعمل مترجما وكاتبا في ديوان كسرى ابرويز بالمدائن وقد تأكد عند الملك النعمان ما يثبت خيانة الرجل فأمر بتنفيذ حكم الموت عليه وقتل وانتهى أمره لكن كسرى امتعض كثيرا عندما وصله الخبر حتى انه اقسم لينتقم من النعمان فبعث بجيش فارسي احتل الحيرة وتقدم جنوبا للقضاء على كل قوة متيسرة للعرب سواء كانت تابعة أو حليفة لمملكة الحيرة يستجير بها النعمان’’’’

    قوات الطرفين
    قوات فارس
    لقد أمر كسرى أن يكتمل تحشد الجيش في منطقة ذي قار وعندما يتم ذلك يتسلم قيادة الجيش إياس بن قبيصة وهو العميل الذي عينه على الحيرة وكانت قوات الفرس تتكون من عدة فرق فيها من العرب أيضا!! وقد تجاوزت الثمانية آلاف مقاتل وتألفت من كتائب الخيالة والمشاة المسندة بالفيلة التي تحمل الحصون وفيها الجند لحمايتهم داخلها ولقد توزعت القوات الفارسية كما يلي/-
    أ - فرقة يقودها القائد الفارسي الهامرز وقد عسكر بجنده القطقطانة.
    ب- فرقة يقودها جلابزين وقد عسكر بجنده في بارق.
    ج- فرقة قيس بن بيس ذي الجدين وقد عسكر بجنده في صفوان.
    د – فرقة إياس بن قبيصة من الحيرة وهي معظمها من قبيلة إياد العربية.

    قوات العراق
    لقد كانت القوات المدافعة الرئيسية بالعراق هي القوات العربية وغالبها من قبيلة بني شيبان بكل بطونها وتساندها بعض قبائل بكر بن وائل وقد تجمعت كل تلك القوات من عموم أنحاء العراق على نحو ثمانية آلاف مقاتل في موقع ذي قار الذي سبقوا الفرس إليه عندما انسحبوا من الحيرة ومن هيت ومن حديثة وغيرها وبذا يكونوا قد جعلوا الصحراء ورائهم ليستقبلوا النجدة العربية ولكي يجعلوا خط انسحابهم مفتوحا عند الحاجة وليتقصوا أخبار القواتالفارسية ومعرفة نواياها وكما اخبر البلاذري إن ذي قار هي موقع ماء لبني بكر وان المسافة من الحيرة إليها لا تقل عن ثلاث أو أربعة أيام وبالنظر لنتيجة المعركة وانتصار العرب فيها فيكون الاختيار الجيد لمنطقة وميدان المعركة وتوقيتها له كبير الأثر بحسم النتيجة

    معركة ذي قار
    المؤتمر التحضيري للحرب
    مُقطّع الوضن

    لقد صمم العرب بالعراق على القتال والدفاع عن وجودهم وكرامتهم عندما تعاظم الخطر والتهديد الفارسي بحشوده العسكرية المتحالفة والذي بدا لهم انه يستهدف القضاء عليهم نهائيا بتلك المعركة المرتقبة لذا تم عقد عدة اجتماعات في العراق بين كبار العرب وكان آخرها هو التحضيري قبيل المعركة والذي هو أشبه بمؤتمر عسكري المراد منه هو وضع خطة عسكرية للصمود (الصَمد) ومن ثم الهجوم في منطقة ذي قار وقد كان على رأس المجتمعين زعيم قبائل بكر العربية ( هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود الشيباني) إضافة لزعيم بني شيبان يزيد بن مسهر الشيباني وزعيم بني عُجل حنظلة بن ثعلبة بن سيار العُجلي ويزيد بن حمار السكوني وقيس بن مسعود الشيباني وغيرهم وقد تم التركيز على ضرورة رفع معنويات المقاتلين العرب واستنهاض غيرتهم وفي بادئ الأمر كان رأي بعض الرجال (إن اللهى أهون من الوهى) أي إعطاء دية بدلا من الحرب والهلاك وعبّر آخر (إن في الشر خيارا ولان يفتدي بعضنا بعضا خير من أن نصطلم جميعا) أي دفع الديات بدل أن يقتل الجميع لكن هذا الحديث أثار حفيظة حنظلة بن ثعلبة ألعجلي الذي اهتز غضبا لهذا الطرح والخطاب المتخاذل فقال (قبّح الله هذا رأيا ولن تجر رجال فارس أرجلها ببطحاء ذي قار وأنا اسمع هذا الصوت) ثم أمر بنصب قبته كقائد بوادي ذي قار وقال (لا أرى غير القتال فإننا إن ركبنا الفلاة متنا عطشا أو إن أعطينا بأيدينا تقتل مقاتلتنا أو تسبى ذرارينا) أي ذريتنا ثم صرخ في وجه قومه وقال( لن افر حتى تفر هذه القبة) وبعدها توجه حنظلة إلى هانئ بن مسعود الذي كان يزحف برجاله صوب ذي قار وخاطبه قائلا ( يا أبا إمامة إن ذمتكم ذمتنا عامة وانه لن يوصل إليك حتى تفنى أرواحنا فاخرج) وكان رأي شريك بن عمرو بقوله(يا قوم أما تهابونهم إنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم أو كذلك انتم في أعينهم فعليكم بالصبر فان الأسنّة تروي الأعنّة يا آل بكر قُدما قُدما).
    بينما قال التجيبي( لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فتهلككم بنشابها ولكن تكردسوا كراديس فإذا اقبلوا على كردوس شد الآخر) وهذا الرأي بالطبع مراد منه إذكاء فعالية الدفاع الفعال أي الصمود بعناد وقابلية شن هجمات مقابلة شديدة بتحين الفرصة لكن حنظلة رد معارضا فيما خص الرأي الأخير فقال(إن النشاب الذي مع الأعاجم يفرقكم فإذا أرسلوه لم يخطئكم فعاجلوهم اللقاء وابدأوهم بالشدة) وهنا يقصد ضرورة الهجوم ألاستباقي ورأيه يجسد إن خير الدفاع هو الهجوم وقام حنظلة إلى أحزمة الرحال فقطعها بيديه عندما ابتدأ بناقة امرأته فقطع وضن الهودج أي حزامه ورماه أرضا ثم باشر بقطع أحزمة الإبل كلها فسمي هنا (مقطّع الوضن) وقد قصد بعملته هذه أن تبقى الأحمال والنساء في ميدان المعركة خلف الرجال لكي يصمد الرجال بهذا ويدافعوا عن شرفهم وأموالهم وقد قال (ليدافع كل رجل منكم عن حليلته) ثم وقف يثير الحماس فارتجز الأبيات الآتية
    قد جد أشياعكم فجـــدوا
    ما علتي وأنا مؤد جلــــد
    والقوس فيها وتر عــــردُّ
    مثل ذراع البكر أو اشـــدُّ
    وحتى
    نفسي فداكم وأبي والجـــدُّ
    ثم استمر الباقون ينشدون ومنهم ولده يزيد
    من وفر منكم فر عن حريمـه
    وجاره فر عن نديمــــه
    وحتى
    من قارح الهجنة أو صميمـه
    وكان آخرهم عمرو بن جبلة اليشكري البكري الذي انشد
    يا قوم لا تغرركم هذي الخــرق
    ولا وميض البيض في الشمس برق
    من لم يقاتل منكم هذا العنـــق
    فجنبوه الراح واسقوه المـــرق

    المعركة
    التعبئة والحشد

    سنحاول وضعكم في ساحة المعركة لتشاهدوا بعقولكم كيف جرت وقائع تلك الملحمة الخالدة بالتاريخ ولنبتدئ هنا بتوزيع القوات فيما خص القوات العربية بالمعركة فقد تواجدت قوات هاني بن قبيصة في القلب بينما كانت على ميمنته قوات يزيد بن مسهر الشيباني وقد حلت في الميسرة قوات حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي .
    الكمائن
    تم تهيئة كتيبة من الرجال لتقوم بواجب كمين فعال في جب ذي قار بقيادة يزيد السكوني ورجاله ونجح الكمين بالفعل حيث باغتوا القوات الفارسية مباغتة مذهلة وكبدوهم الخسائر وقد كانت تلك القوات بقيادة إياس بن قبيصة لدرايته بالمنطقة والذي كان عميلا لكسرى فحصل بهذا الكمين إرباك كبير حطم من معنويات الجيش الفارسي ابتداء وقبل المعركة وهو الذي اخل بترتيبات القوات الفارسية للهجوم على القوات العربية وجعلها تتحول من فورها من خطة الهجوم إلى الهرب والانسحاب إلى الجبابات وقد أدى هذا الانسحاب المفاجئ الغير معد له إلى عطش مقاتلي الجيش الفارسي عطشا شديدا بينما كانت القوات العربية في الجانب الآخر تكتنز كميات من الماء تكفيهم لمدة أسبوعين .
    المعركة
    لقد دارت في منطقة الجبابات معركة شديدة بين القوات العربية والفارسية وكانت النتيجة أن انهزم الفرس أيضا فتحولوا شمالا نحو بطحاء ذي قار حيث أرادوا الوصول إلى الفرات لكن القوات العربية أحست بذلك فطاردوهم للقضاء عليهم نهائيا علما إن هنالك حدثا مهما زاد في إرباك القوات الفارسية وتخاذلها وهو إن قبيلة إياد العربية التي كانت متحالفة مع الفرس وتقاتل معهم في معركة جبابات لما أحست إن الموقف بات خطيرا أو لأية أمر آخر دعاها ترسل الرسل إلى قبائل بكر العربية لتسترضيها وتخبرها بأنه من غير الممكن أن يقاتل العربي أخاه العربي وهنا حصلت نقطة تحول أخرى حين قررت ايادا أن تنحاز إلى العرب وتغير من موقفها القتالي وكانت صيغة التفاوض النهائية التي عرضتها قبيلة إياد هي (أي الأمرين أعجب إليكم أن نطير تحت ليلتنا فنذهب أو نقيم ونفر حين تلاقون القوم) أي ما يعجبكم من الخيارين فكان الجواب هو( بل تقيمون فإذا التقى الجمعان انهزمتم ) أي ابقوا في موقفكم حتى يتم الهجوم فبادروا للفرار وكانت تلك خطة إستراتيجية خدمت القوات العربية وتنفيذها حسم الموقف وكانت هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير ومن الواضح أيضا إن القوات العربية كانت تحمل معنويات عالية وموقفها التعبوي والتسليحي جيدا حيث إنها لم تطلب من مقاتلي قبيلة إياد عند التفاوض الاشتراك بالحرب والانضمام إلى القوات العربية ولو أرادوا لتم لهم ذلك عموما دارت معركة البطحاء حين اشتد القتال بعد هجوم القوات العربية العاصف والطالب للحسم على القوات الفارسية وفي ذروته نفذت قبيلة إياد العربية وعدها بالانسحاب من ساحة المعركة وانسحبت نحو الشمال الغربي صوب ديارها وبعدها حصل الارتباك الكبير لجيش الفرس وتحطمت معنوياته وهنا استغلت القوات العربية الفرصة خير وأحاطت بالقوات الفارسية إحاطة تامة فأبادتها إبادة تامة وسجل العرب بذلك انتصارا تاريخيا كبيرا على الجيش الفارسي الموفد إلى العراق والى ذلك الحدث التاريخي الهام أشار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حين قال ( هذا أول يوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا).
    المبارزة الأولية
    وفي هذه المعركة التاريخية قتل القائد الفارسي الهامرز وقد قتله مبارزةً البطل العربي برد بن حارثة اليشكري كما قتل كذلك القائد الفارسي الجلابزين على يد البطل العربي العراقي حنظلة بن سيار العجلي.
    أجمل ما قيل في حق واقعة ذي قار
    قالت امرأة عجليه
    إن يظفروا يحرزوا فينا الغزل
    أيها فداء لكم بني عجـل
    وقالت ابنة القرين الشيبانية
    ويهأ بني شيبان صفا بعد صف
    إن تهزموا يصبغوا فينا القلف
    وقد قال أعشى بكر من قصيدة له عن ذي قار
    لو إن كل معد كان شاركنا
    في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف
    وقال العديل العجلي
    ما أوقد الناس من نار لمكرمة
    إلا اصطلينا وكنا موقدي النار
    وما يعدون من يوم سمعت به
    للناس أفضل من يوم بذي قار
    جئنا بأسلابهم والخيل عابسة
    يوم استلبنا لكسرى كل أسوار
    سنتناول هنا بهذا البحث تحديدا الوقائع التي جرت باختصار في العراق وجواره بالبحرين والمقصود بالبحرين وقتئذ هي المنطقة الشرقية من شبه جزيرة الغربية الكائنة على الخليج العربي وفيها عمان المهادنة وقطر والحسا والقطيف وسواحل العراق الجنوبية الكويت( والبحرين وردت في ترتيلات ومخاطبات سكان العراق القدماء بدلمون أو تلمون وقد كانت تابعة لبلاد الرافدين وهي حدودها الجنوبية) وقد كانت تسكن بتلك المناطق قبائل عبد القيس وبكر بن وائل وتميم وبنو حنيفة وقد كان الذي يتزعمهم هو المنذر بن ساوى .وحدث إن في العام الثامن للهجرة وجّه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم العلاء بن عماد الحضرمي إلى البحرين فصالح أهلها بعد أن فتحها وكتب لهم الكتاب التالي/- (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر فمن لم يف بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
    ولما توفي المنذر بن ساوى بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ارتدت بالبحرين قبيلة ربيعه وقبيلة قيس مع قائد هم شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد وكان يسمى الحطم لقوله

    قد لفها الليل بسواق حطم

    وكانت ربيعة قد تمكنت من حصر البقية الباقية من ربيعة التي لم ترتد التي كان يقودها الجارود وهو بشر بن عمر العبدي في حصن (جواثا) والذين استنجدوا بالخليفة الأول أبى بكر رضي الله عنه وفي ذلك قال شاعرهم عبد الله بن حذف الكلابي

    ألا ابلغ أبا بكر الوكــــاً

    وفتيان المدينة اجمعينـــا

    فهل لك في شباب منك أمسوا

    أساري في جواث محاصرينا

    فسار إليهم العلاء بن الحضرمي متقدما نحو حصن جواثا فدارت معركة شديدة قتل فيها الحطم وفك الحصار عن العرب المسلمين في الحصن وفي قتل الحطم يقول مالك بن ثعلبة العبدي

    تركنا شريحا قد علته بصـيرة

    كحاشية البرد اليماني المحبّر

    ونحن فجعنا أم غضبان بابنها

    وكسرنا الرمح في عين حبتر

    وبعد مقتل شريح الحطم تمكن العلاء بن الحضرمي من السيطرة على سواحل الخليج العربي وجزره كافة ما عدا جزيرة دارين التي فتحها العلاء فيما بعد بخلافة

    عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين خاض بجيشه

    البحر نحوها وفي ذلك يقول كراز البكري

    خاض العلاء حياض البحر مقتحما

    فخضت قدما إلى كفار دارينا

    وقد كان من بين الاساري الذين وقعوا بيد المسلمين بتلك الواقعة المنذر بن النعمان (الغرور) آخر ملوك العراق (الحيرة)
    حديقة الموت

    اليمامة

    *****

    لقد كانت اليمامة جزء من البحرين كما أسلفنا ولقد كانت تسمى سابقا (جوّ) إلا إن امرأة من قبيلة جديس البائدة اسمها اليمامة قد صلبت على بابها فسميت بعد ذلك باليمامة وقد كانت تسكنها قبيلة بني حنيفة وكان كبيرهم هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب وهو الذي ادعى النبوة فسمي بعد ذلك بمسيلمة الكذاب وكان قد كتب إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كتابا قال فيه( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا لا ينصفون والسلام عليك) فكتب إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام على من اتبع الهدى) ولما توفي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أرسل أبو بكر خالد بن الوليد ابن المغيرة المخزومي بقواته إلى اليمامة لإخضاع بني حنيفة وزعيمهم مسيلمة الكذاب وكان مسيلمة هذا قد ولد ونشأ في القرية المسماة الآن الجبيلة قرب العيينة بوادي حنيفة في نجد.

    وقد تقدم خالدا بقواته لمحاربة المرتدين في اليمامة وقد اشتركت معه بالقتال ضد المرتدين قبائل من بكر بن وائل ومنهم بنو شيبان وتمكن من إخضاع قبيلة مجاعة بن مرارة بن سلمى ثم عسكر خالد على مسافة ميل من اليمامة وكانت قوات بني حنيفة أصحاب مسيلمة بقيادة الرجّال بن عنفوة ومعه محكم بن الطفيل بن سبيع فهاجم خالد هجوما شديدا ودارت اشد المعارك العنيفة التي ذهب ضحيتها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم كما قتل الرجّال بن عنفوة وقد تمكن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه من قتل المحكم بسهم أصابه به وهنا تراجع جيش المرتدين إلى الحديقة فدارت بها اعنف المعارك وأكثرها ضراوة حتى سميت (حديقة الموت) لكثرة الخسائر التي أصابت الطرفين حتى انتهت المعركة النهائية بمقتل مسيلمة الكذاب وإبادة جيشه ولقد اختلف المؤرخون والرواة في تحديد قاتل مسيلمة والتثبيت على ذلك بعدة روايات فمنهم من قال إن خداش بن بشير الأصم هو الذي قتله ومنهم من قال إن وحشي بن حرب الحبشي قاتل الحمزة رضي الله عنه قال انه قتله وهو القائل( قتلت خير الناس وشر الناس) ومنهم من قال إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هو من قتله وفيهم من قال إن جميع أولئك الرجال قد اشتركوا بقتله.

    وقد قال أحد رجال مسيلمة بعد قتل المحكم

    فان انج منها انج منها عظيمة

    وإلا فاني شارب كاس محكم

    وهو قول يدلل على الحيرة ومدى الشعور بالأزمة الكبيرة فقد كان عدد من استشهد من الصحابة قد تجاوز الألف شهيد بتلك المعارك وحدها بينهم زيد بن الخطاب أخا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد قتله أبو مريم اياس بن صبيح ومن غريب عدالة سيدنا عمر انه عفا عن أبي مريم لانه عاد إلى الإسلام بعد المعركة فعينه قاضيا على البصرة!!

    كما استشهد أيضا في تلك المعارك الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ابن عم خالد بن الوليد رضي الله عنه كما استشهد بها أيضا الصحابي أبو دجانة رضي الله عنه وأيضا الحكم بن سعد بن العاص بن أمية وغيرهم كثيرون رحمهم الله ورضي عنهم ولحقنا بهم.

    بزاخــة

    ********

    وهي منطقة ماء لبني أسد وكانت قبيلة بيني أسد قد ارتدت عن الإسلام وكان زعيمها هو طليحة ابن خويلد الأسدي الذي ادعى النبوة أيضا فقرر أبو بكر رضي الله عنه إخضاعهم فحرك جيشا إليهم بقيادة خالد بن الوليد المخزومي وقد كان طليحة بن خويلد هذا من الأبطال العرب في المبارزة بالسيف( وقد أبلى بلاء حسنا في القادسية فيما بعد تكفيرا عن ذنبه بمعارك الردة).

    لقد تقدم خالدا بجيشه وكان يدفع أمامه كتيبتين إحداهما بقيادة الصحابي عكاشة بن محصن الاسدي والثانية بقيادة ثابت بن اقرم البلوي أما طليحة فقد كان قدم أخاه حبال بن خويلد الاسدي فدارت معركة شديدة ابيدت فيها كتيبة حبال وقتل حبال بن خويلد بتلك المعركة فحاول طليحة انجاد أخيه إلا انه لم يلحق فاصطدم بجيش خالد وتمكن من إبادة كتيبتي عكاشة وثابت وقتل القائدين الصحابيين ( وذلك هو الأمر الذي سأله عنه فيما بعد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رآه فأجاب انهما سعدا به وشقي بهما وانه يستغفر الله) ثم التحم الجيشان فتقدم عيينة بن حصن أحد قواد طليحة وقال له أما ترى ما يصنع جيش أبي الفصيل أي خالد ثم سأله أما انزل عليك الوحي من شيء بتلك المحنة فقال طليحة نعم جاءني فقال( إن لك رحا كرحاه ويوما لا تنساه) فقال له عيينة أرى إن لك يوما لن تنساه فصاح يا بني فزارة إن هذا كذاب فانهزم عنه الناس ولما رأى طليحة ذلك هرب واتى إلى المدينة مسلما فقبل أبو بكر رضي الله عنه إسلامه ثم وجهه بعدئذ نحو العراق فكان بطلا عظيما في القادسية ونهاوند.

    وفي إبادة كتيبتي خالد وقتل عكاشة بن محصن وثابت بن اقرم قال طليحة ثارا لأخيه حبال

    ذكرت أخي لما عرفت وجوههم

    وأيقنت اني ثائر بحبــال

    عشية غادرت ابن اقرم ثاويــا

    وعكاشة الغنمي عند مجال

    الغمــر

    ********

    ثم سار خالد بن الوليد بقواته إلى الغمر وفيها المتمردون من أسد وغطفان وكان قائدهم هو خارجة بن حصن بن حذيفة وقاتلهم خالد قتالا شديدا انتهى بدحرهم وفي ذلك قال الحطيئة العبسي

    ألا كل الرماح قصار أذلة

    فداء لارماح الفوارس بالغمر

    جو قراقر

    *********

    ثم تقدم خالد بقواته إلى جو قراقر وفيها المرتدون من بني سليم وكان قائدهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزي السلمي وأمه الخنساء فقاتل أولئك جيش خالدا قتالا مريرا شديدا وأوقعوا بجيشه خسائر كبيرة ولكن خالدا صمد وتمكن بالنهاية من دحرهم فهرب أبو شجرة وكان هو القائل في تلك المعركة

    ورويت رمحي من كتيبة خالد

    واني لارجو بعدها أن اعمرا

    ولما عاتبه الخليفة عمر بن الخطاب حين رآه فيما بعد قائلا له الست القائل ورويت رمحي......

    أجاب قد محا الإسلام ذلك يا أمير المؤمنين.
    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة الحالمة ; 4/September/2015 الساعة 3:16 am السبب: تعديل الخط

  6. #6
    من أهل الدار
    مرحلة تحريرالعراق

    في العراق كانت قبيلة بكر بن وائل بزعامة المثنى بن حاثة الشيباني أحد أبطال ذي قار تقارع الفرس وتسعى لطرد الأعاجم عن ارض العراق العربي وكانت معاركهم استمرارا ونتاجا لانتصارهم في ذي قار ولم ينقطع القتال طويلا بالبلاد وفي أثناء حروب الردة شارك المثنى وقواته من عرب أهل العراق في قمع المرتدين في منطقة البحرين وشمال شبه جزيرة العرب علاوة على حسن بلائه ضد الفرس حتى وصلت أخباره إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما قال( من هذا الذي تأتينا أخبار وقائعه قبل معرفة نسبه) وكنت قد كتبت قبل فترة موضوعا حول ذلك , وتلقى الخليفة الجواب من قيس بن عاصم بان قال هذا رجل غريب غير خامل الذكر ولا مجهول النسب ولا ذليل العماد...هذا المثنى بن حارثة الشيباني ولم تكن شخصية المثنى بغير معلومة عن دار الخلافة والصحابة رضوان الله عنهم فقد سبق للمثنى من قبل أن ترأس وفد عرب العراق من بني شيبان الذي زار المدينة والتقى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكان المثنى بنفسه من حاور الحبيب المصطفى فكان حوارا تاريخيا هاما بنيت عليه بذرة اجندة تحرير العراق من براثن الفرس ,فيذكر إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تلا على الوفد بسم الله الرحمن الرحيم(قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم)و(إن الله يأمر بالعدل والإحسان)صدق الله العظيم, فأجاب المثنى بقوله لقد سمعت مقالتك واستحسنت قولك أعجبني ما تكلمت به ولكن علينا عهد من كسرى لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا ولعل هذا الأمر الذي تدعونا إليه مما يكرهه الملوك, فإذا أردت أن ننصرك ونمنعك مما يلي بلاد العرب فعلنــا!! فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم(انه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه بجميع جوانبه).
    وهنا تبدر الإشارة إلى إن عرب العراق قد أبدوا كبير الاهتمام لمساندة الإسلام منذ انطلاقته كونه يدعو إلى التحرر وسعيهم للحفاظ عليه من الأعداء واستعدادهم لنصرة بلاد العرب حين الطلب مع أحقية تحالف المسلمين معهم كقوة كبرى لتساندهم بتحرير العراق من الفرس وذلك يبدر جيدا بالجزء الأخير من حديث المثنى الذي توج بالتأييد بعبارة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الختامية فكان خير أمل ودافع للزعيم ووفده وبلادهم بأسرها حين حظوا بذلك الاهتمام الكريم , وإضافة لدور المثنى وقواته السالف الذكر في معارك الردة في المناطق المذكورة فانهم شاركوا في قمع المرتدين في جنوب العراق وغربيه من شبه جزيرة العرب خاصة عند استغلال الدولة الفارسية للفرصة وقيامها بإسناد المرتدين ومدهم بالمال والسلاح والرجال لأجل تعويق الفتح الإسلامي المتوقع وإلهائه بحروب داخلية منهكة أطول مدة ممكنة كسبا للوقت بحسب حسابات ساسة تلك الإمبراطورية المتهاوية فقد فكر المثنى أن ينهي معارك الردة ليتفرغ لموضوع إنهاء النفوذ الفارسي بالعراق فبعد القضاء على المرتدين في الحسا والقطيف وشبه جزيرة قطر تقدم المثنى نحو جنوب العراق الكويت رغم علمه انه سيواجه القطعات الفارسية المتواجدة عند الخريبة والتي كانت مدينة تسمى (دهشتاباذ اردشير ) وخربت لكثرة القتال الذي جرى بها فسميت بالخريبة فكانت انطلاقة تحرير العراق من هناك وقد ساعده على اتخاذ ذلك القرار العسكري والسياسي ما يشبه إعداد تقديراتنا اليوم للمواقف العسكرية التي تتخذ من قبل قادة الأركان العسكرية بالحروب والمعارك الفعالة.
    عوامل تحرير العراق
    تقدير موقف تحرير العراق
    1/ ضعف هيبة الدولة الفارسية الساسانية بعد هزيمتها مع الروم.
    2/ تدمير خيرة القطعات العسكرية للفرس بتلك المعارك الضارية وخاصة معركتي نينوى ود ستجرد (المقدادية).
    3/فاعلية حرب العصابات الخاطفة التي تشنها قبائل بكر العربية منذ واقعة ذي قار واستمرارها لمدة ربع قرن مما أنهك الجيش الفارسي النظامي .
    4/كراهية عرب العراق للنفوذ الفارسي ببلادهم نتيجة للمظالم والحيف الذي لقوه من الفرس .
    5/انقسام قادة الفرس الواضح نتيجة لصراع الأمراء وانقسامهم على أنفسهم للوصول إلى العرش.
    6/ مجاورة العراق للصحراء العربية التي تضمن حسن الأداء العسكري ما بين الكر والفر وضمان وصول الإمدادات والمعونة لكسب نتيجة الصراع الطويل.
    7/استغلال ذروة الحماس الديني الإسلامي ضد الفرس عندما انكشف تدخلهم الرئيسي بتأييد ودعم المرتدين عن الإسلام.
    8/أحس المثنى كقائد محنك إنها الفرصة الأمثل للاستفادة من فرصة تواجد الجيش العربي الإسلامي الذي تجمع بعد قتال المرتدين والبالغ قوامه قرابة ثمانية آلاف مقاتل للمباشرة بتحرير بلاده وكسب دعم الخليفة أبي بكر حين يضطر لنجدتهم عندما يباشروا بقتال الفرس لفتح العراق.
    9/ ضمان الحصول على كامل خيرات العراق وموارده لدعم الدولة الإسلامية.
    10/تحقيق أماني الأجيال العربية بالعراق بالتحرر من نير الظلم الفارسي المطبق عليهم منذ سقوط كيانهم السياسي العريق بسقوط حكم الكلدانيين في بابل.
    عند دراسة كل تلك العوامل الهامة قرر القائد البطل المثنى بن حارثة الشيباني خوض معارك تحرير العراق انطلاقة من الخريبة التي أقيمت فيما بعد مدينة البصرة في موقعها من قبل القائد عتبة بن غزوان في عام 17ه.
    ابتداء المعارك لتحرير العراق
    الخريبة

    بعد القضاء على المرتدين في الحسا والقطيف وشبه جزيرة قطر المسماة اليوم بالبحرين وبعدها تقدم المثنى بقواته صوب جنوب العراق الكويت لتحريره فاصطدم بالقطعات الفارسية عند موقع مدينة البصرة الحالية ولم تكن قد بنيت بعد وكانت تسمى قبلها مدينة دهشتاباذ اردشير وتمكن من دحر القوة الفارسية المسيطرة والقضاء عليها فدخل المدينة التي خربت لكثرة القتال فيها فسميت عندئذ بالخريبة وهي التي بنى على موقعها القائد عتبة بن غزوان مدينة البصرة التاريخية في عام17للهجرة.

    الابلة

    وبعد انتصار المثنى في الخريبة (البصرة القديمة) زحف شرقا نحو الابلة وهي اليوم مينائها وعلى موقع البصرة الحالية والابلة هي المدينة التي خربت فيما بعد بما يعرف بخراب البصرة في عام 256هجري عند حدوث ثورة الزنج التي حدثت بأيام الدولة العباسية وقد كانت موجودة حتى ذلك التاريخ, وقد اندفع إليها المثنى لانه على يقين إن الفرس سيحاولون استعادة دهشتاباذ فقطع الطريق عليهم وبذا فانه سيطر على المنطقة برمتها مما لا يستدعي ترك حامية كبيرة هناك خاصة عند القضاء على اكبر حامية فارسية في جنوب العراق وهي التي موجودة بالابله عند ذلك هاجم المثنى بقواته مواقع الجيش الفارسي لتلك الحامية في الابلة فدارت حولها معركة عنيفة انتهت بتدمير القطعات الفارسية واسر معظم جنودها واقتيادهم وتحرير الابلة.
    التقدم صوب الحيرة

    بعد تحرير الخريبة والابله تمت السيطرة للقوات العربية بقيادة المثنى على وادي شط العرب وما يجاوره شمالا إلى القرنة وجنوبا حتى مصب دجلة العوراء (شط العرب) في الخليج قريبا من الابله وبذا بات من اليسير الاندفاع إلى غرب نهر الفرات أي صوب الحيرة فتقدم المثنى بقواته النشيطة إلى الحيرة وقد حقق الانتصارات الباهرة في طريقه إليها بتصفية مواقع الفرس حتى بلغ الحيرة وقد حاصرها بعد أن قاومته حاميتها لأنها كانت تمتلك أسوارا عالية ولم يكن يمتلك وسائل ليدك بها تلك الأسوار لذا استمر في حصارها وفي الجانب الآخر كانت المدائن قرابة مائة ميل وكان الفرس يتحسسون هذا الخطر الداهم والقريب فاخذوا بتجهيز جيش كبير لطرد الجيش العربي من جوار الحيرة وقد علم المثنى بذلك وبما انه كان قائدا عسكريا محنكا فقد أدرك انه لن يستطيع المجازفة بقواته تلك وحدها فهي لن تستطيع الصمود أمام الجيش الفارسي الزاحف قبل أن يتحصل على دعم وتعزيزات قوات عربية إسلامية من الحجاز لان القضاء على قواته يعني القضاء على الأمل بتحرير العراق بكامله لهذه الأسباب قرر عندها السفر إلى المدينة للاجتماع بالخليفة أبى بكر رضي الله عنه وباقي الصحابة ليعرض عليهم تطورات الأمر بالعراق وليوضح لهم ضعف الإمبراطورية الفارسية وامكانية الانتصار عليها بتلك المرحلة لأهمية العراق دائما فشرح ذلك كله للخليفة والصحابة ثم طلب منه ان يعينه قائدا على العراق وقومه وانه سيكون الكفيل بمشاغلة الفرس حين قال( يا خليفة رسول الله استعملني على قومي فان فيهم إسلاما أقاتل به أهل فارس وأكفيك أهل ناحيتي من العدو) وطلب من الخليفة إن يمده بالمعونة والمساعدات وأهمها القطعات العسكرية الساندة لضمان تحرير العراق فاتخذ الخليفة أمرا بتعيين المثنى قائدا على القوات بالعراق وقد أعطاه وعدا بأنه سيمده بالقطعات الساندة فعاد المثنى من فوره إلى العراق لمواصلة تعرضه للقوات الفارسية .

    موقعة كاظمة

    ذات السلاسـل
    آذار633م/12ه

    الحشد
    بقلم اسد الاسلام
    بعد أن اجتمع الخليفة أبى بكر مع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين للتشاور بأمر العراق فقد قرر أن ينجد المثنى بجيشين للدعم من خلال الإيعاز أولا إلى القائد خالد بن الوليد بان يتحرك إلى العراق بمن بقي معه من القوات بعد معارك الردة (وقيل إن العدد الذي بقي معه لم يكن يزيد على التسعمائة محارب ) لا غير وثانيا إرسال القائد عياض بن غنم إلى دومة الجندل أي مدينة الجوف في شمالي السعودية لإخضاعها ومن ثم التوجه إلى الحيرة بالعراق لمؤازرة القوات العربية وقد كان قلب الحشد للمعارك يتعاظم في جنوبي العراق كما تقدم ثم دقت الطبول لمعركة تاريخية أخرى هي واقعة كاظمة أو ذات السلاسل وتقع كاظمة في الجزء الغربي من الكويت ولقد أوعز الملك الفارسي اردشير للقائد هرمز بالتصدي للقوات العربية في العراق الذي أسرع من فوره إلى كاظمة والحفير لاستباق الحشود العربية للسيطرة على آبار الماء فيها كمنحى عسكري لاضعاف قدرة القوات العربية القتالية لأهمية الماء آنذاك كعنصر حيوي لإدامة مقتضيات المعركة من خلال سد الحاجة الماسة إليه وقد لاحظ القائد خالد بن الوليد إن الفرس قد سبقوهم إلى كاظمة وآبار الحفير فأراد استنهاض همم جنده وان ينبههم لأهمية الحصول على الماء الضروري للمعركة فجمعهم وألقى فيهم خطابا كان منطلق عنوانه إن ( ليصيرن الماء لأصبر الفريقين واكرم الجندين فحطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء) وقسم جيشه إلى ثلاث فرق الأولى بقيادة المثنى بن حارثة والثانية بقيادة عدي بن حاتم الطائي وعاصم بن عمرو والثالثة بقيادته بنفسه أما عن القوات الفارسية فقد تم ترتيبها على أساس الاستماتة على الحفير وقد كان القائد هرمز في القلب مع قواته بينما كان كل من القائد انو شجان وقباذ وهما أولاد الملك الفارسي اردشير يتوليان قيادة القوات على الجناحين لموقع التحشد في تلك المنطقة وهنا لابد من إثارة نقطة مهمة وهي إن الجند الفرس بتلك المعركة كانوا مصممين على الثبات حتى الموت فقد ربطوا بعضهم ببعض بالسلاسل الحديدية وذلك ليرفعوا عن كواهلهم عار توالي الهزائم التي ألحقت بهم من قبل القوات العربية بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني ولهذا سميت تلك المعركة بمعركة ذات السلاسل .
    المعركة
    لقد ابتدأت تلك المعركة بحسب الصيغة التقليدية التي كانت معروفة وقتذاك وهي بطلب القادة للمبارزة فيما بينهم وهنا طلب هرمز خالدا للمبارزة فلبى خالد النداء بحسب ما هو معلوم عن مقدرته وشجاعته وتضحيته في تلك المواقف وسرعان ما تمكن خالد من الانتصار على هرمز وقتله وقد اتضح إن طلائع الجيش الفارسي تبيت أمرا وهو إنها تروم أن تتحرك لقتل خالدا بحسب خطة معدة لتحطيم معنويات المسلمين لكن القائد الفطين البطل القعقاع بن عمرو كان يراقب ساحة المعركة مثلما كان يراقب المبارزة وهو الذي لحظ ململة وتحرك تلك القطعات الأمامية فهجم بقواته على طلائع جيش الفرس وسحقها بمباغتة رائعة مما أعطى الوقت لخالدا أن يحتز راس القائد هرمز لتحطيم معنويات الجيش الفارسي فاندلعت المعركة وحمى الوطيس واستعر الصراع حتى تحطم الجناحان الفارسيان تحت وطأة الهجوم العربي وتراجعت القوات الفارسية مما اضطر قباذ أن يفر من ساحة المعركة ولحقه أخاه انو شجان وأبيد من تبقى من الجند في ساحة المعركة .
    المطاردة
    كلف القائد خالد بن الوليد المثنى بن حارثة الشيباني للقيام بمطاردة فلول القوات الفارسية لمعرفته التامة بالمنطقة وبأساليب الفرس فتحركت قوات المثنى واندفعت بالاتجاه الشمالي الشرقي صوب منطقة شط العرب .

    المطاردة

    حصن المرأة
    كلف القائد خالد بن الوليد المثنى بن حارثة الشيباني للقيام بمطاردة فلول القوات الفارسية لمعرفته التامة بالمنطقة ولكونه قائدا محنكا ملما بأساليب الفرس فتحركت قوات المثنى واندفعت بالاتجاه الشمالي الشرقي صوب منطقة شط العرب وبعد انتهاء المعارك برزت أهمية معرفة المنطقة بحسب تفكير خالدا وغايته من ذلك الأمر فقد اندفع المثنى بقواته باتجاه الشمال الشرقي نحو منطقة شط العرب حتى اصطدمت بحصن فارسي مقام على منطقة مدينة البصرة الحالية وكانت تقود الحامية الفارسية في ذلك الحصن امرأة ولذلك سمي بحصن المرأة وكان حصنا منيعا وقد استعصى على قوات المثنى ورأى المثنى إن فتح ذلك الحصن يتطلب هدر الوقت ويعوق من مسعى المطاردة التي خرج بقواته من اجلها فأراد أن يبقيه تحت اليد لذا أمر بمحاصرة ذلك الحصن وفرض عليه الحصار بقوة تحت قيادة شقيقه المعنى بن حارثة الشيباني واندفع المثنى بقواته على عجل لمواصلة مطاردة فلول الفرس الهاربة فاصطدم بحصن آخر يتحصن فيه أحد أمراء وقادة الفرس وهو زوج تلك المرأة التي بإمرتها الحامية التي تمت محاصرتها في الحصن الأول فأراد المثنى كسب الوقت فاقتحم الحصن بقواته العاصفة وأباد الحامية برمتها بما فيها قائدها زوج تلك المرأة التي لما علمت بما حصل لزوجها وحاميته استسلمت وأسلمت ولما دخلت الدين الإسلامي تزوجها المعنى بن حارثة الشيباني وقيل إن ذلك الزواج تم بناء على طلبها.
    موقعة المذار

    آذار من العام الثاني عشر للهجرة

    إن المذار هي موقعة جرت أحداثها في موضع على مسافة ثماني كيلومترات جنوب شرقي منطقة قلعة صالح في محافظة ميسان الحالية العمارة سابقا فبعد كل تلك التداعيات المتلاحقة التي ألمت بساحة العراق والتهديدات التي تتجه وتزحف تجاه تقويض سلطة بلاد فارس بالتدريج حاول الملك الفارسي اردشير أن يفعل شيئا لصد الاندفاع العربي الإسلامي فأصدر أمرا يقضي بتعيين القائد قارن بن قريانس قائدا للحشد الجديد وكلفه بان يجمع فلول ما تبقى من الحشد السابق الذي خاض تلك المعارك وانهزم فيها كما أمر كل من القائدين قباد وانو شجان أن يعاوناه بقيادة ذلك التشكيل الجديد عندما يكتمل كجيش يزيد تعداده على الأربعين ألف مقاتل بعد أن كان المثنى مع قواته قد أوقع كبير الخسائر بتلك الفلول المنهزمة والتي لاحقها كالسيل الجارف من منطقة البصرة تجاه القرنة وهي محل تلاقي نهري دجلة والفرات واستمر معقبا لها تجاه وادي دجلة حتى بلغ مشارف المذار فأرسل لخالد بن الوليد من يطلعه على الأمر وهنا اثر المثنى أن لا يصطدم بجيش قارن وان ينتظر القسم الأكبر من الجيش بقيادة القائد خالد بن الوليد واكتفى بعملية المناورة والمناوشات لانهاك قوى الفرس وكسب الوقت ريثما يصل الجيش الأكبر بقيادة خالد بن الوليد .

    معركة المذار

    المعركة

    عندما وصلت الأخبار أسرع القائد خالد بن الوليد بالقسم الأكبر من الجيش لنجدة المثنى وقواته المرابطة جوار المذار وعقد القادة اجتماعهم للمداولة بشان وضع خطة لحسم الموقف تضمن استمرار تقهقر القوات الفارسية واستثمار عرى النصر الذي تحقق فتم الاتفاق على خطة حرب اعتمدت في صميمها أن يخرق الجيش العربي جبهة الجيش الفارسي ويلتف عليه لإبادته في المذار فاندلعت المعركة وقام العرب بهجوم صاعق شديد على جبهة الجيش الفارسي بالمذار فدارت معركة شديدة وحامية الوطيس تحول العرب فيها إلى اسودا غالبة فاستبسلوا وبذلوا جهودا كبرى في ذلك القتال بتلك المعركة التي انتهت تقريبا بإبادة غالب الجيش الفارسي فقد قتل ما يزيد على نحو ثلاثين ألف جندي فارسي كما قتل القادة الفرس بأجمعهم كل من قارن وقباذ بن اردشير وانو شجان بن اردشير وانتهت المعركة بهزيمة أخرى للفرس وبالنصر الساحق للقوات العربية الإسلامية على القوات الفارسية كما إنها كانت قد فتحت أبواب العراق أمام الجيش العربي لتحريره كاملا والسعي بعرى الفتح الشرقي المؤمل وتدل أخبار التاريخ التي أرخها لنا الأولون إن القوات العربية لم تتمكن من مطاردة الفلول الفارسية المنهزمة بسبب إن المياه في منطقة الأهوار قد حجزتهم وحالت دون ذلك فقد كان ذلك هو موسم فيضان لمنطقة الأهوار وهو الذي يعيق الاستمرار بالملاحقة كما إن القائد خالد بن الوليد وإخوانه فكروا إن المضي بالتقدم نحو وادي دجلة سيجعل الفرس يستميتون على الدفاع وسيكون تعجيلا بمعركة الحسم التي قدر القادة حينها بوجوب تأجيلها والاستمرار باستنزاف القوات الفارسية والتحول صوب وادي الفرات لتطهيره وضمانه كظهير جيد عندما يحين موعد الهجوم النهائي الحاسم



    العراق عروبته تحريره اسلامه
    معركة تحرير الوَلجة
    صفر العام ثاني عشر للهجرة


    بعد أن انتصرت قوات الجيش العربي الإسلامي بقيادة خالد بن الوليد بنصرها الرائع في معركة المذار وقيامهم بمطاردة فلول قطعات الجيش الفارسي المنهزمة إلى أقصى حد متاح تحول الجيش العربي من وادي دجلة إلى وادي الفرات زاحفا صوب ذي قار بحسب خطة معدة حين أحس القائد الفذ خالد بن الوليد بان هدف الفرس هو جر قوات الجيش العربي إلى كمين معد يدخلهم بكماشة قوات الجيش الفارسي المتواجدة غالب قطعاته بين منطقة ( الولجة ) الشطرة الحالية ومنطقة الحيرة التي خمن الفرس إن العرب يرومون الزحف عليها حتما فأرادوا أن يجعلوا الجيش العربي يستمر بالتقدم صوب الحيرة ليلتف عليه الجيش الفارسي من خلفه ويقطع عليه الإمدادات وخط مواصلاته ويحاصره تمهيدا للانتصار عليه ولكن فطنة خالدا فوتت الأمر عليهم حين قرر إن يستدير بجيشه شرقا ليعالج أمر القطعات الفارسية المتواجدة في الولجة ليقضي عليها ويؤمن ظهير جيشه وعندئذ يفكر بالتقدم وذلك تخطيط وتقدير موقف عسكري رائع.

    المعركة

    لقد كان القوات الفارسية في منطقة الولجة بقيادة القائدين بهمن جاذويه والأندر زغر وهما اللذين كانا يسيطران على المنطقة وقد احتلا موضعهم فيها ولكن خالدا وبذكائه المعهود كان قد اعد خطة أخرى لتلك المعركة تفيد بمشاغلة القوات الفارسية بقواته الرئيسية ثم التراجع أمامها لإرغامها على الانفتاح أمام قواته في حين انه كان قد اعد كمينا فاعلا في حال جر القوات الفارسية في كماشته وقد أوكل لقيادة الكمين القائدين بسر بن أبي رهم وسعيد بن مرة وجعل واجبهم هو التدخل السريع في المعركة بلحظاتها الحاسمة حينما تكون القوات الفارسية قد اشتبكت بأجمعها في ساحة المعركة وفعلا تحقق لخالد ما خطط له وأراده فقد اشتبك القائد خالد بن الوليد بقواته الرئيسية مع القوات الفارسية وتراجع أمامها متظاهرا بالاندحار أو الانسحاب لكي يستدرجها إلى منطقة الكمين المعد لتضربها قوات الكمين بالأجنحة والخلف ثم يلتف عليها بقواته ليقضي عليها تماما وهذا هو الذي حدث بالفعل فقد حوصرت تلك القوات ووقعت تحت وابل ضربات مقاتلي القوات العربية بعد أن صدت القوات العربية ابتداء الاندفاع الفارسي حتى برزت قوات الكمين العربية التي أحاطت بالقوات الفارسية كما هو مخطط لها ففوجئت القوات الفارسية وأصابها الهلع والذهول من المباغتة فحاولت الفرار ولكن بعد أن أصيبت بخسائر فادحة وجسيمة كان من جملتها القائد الأندر زغر الذي قتل في تلك المعركة الرائعة.

    معركة تحرير أُليّس

    معركة نهر الدم

    صفر العام ثاني عشر للهجرة

    بعد أن انتصر الجيش العربي الإسلامي في المشارك في حرب تحرير العراق في معركة الولجة بذلك الانتصار الساطع اندفع بقيادة القائد خالد بن الوليد كالعاصفة في وادي الفرات صوب منطقة (أُليّس) السماوة الحالية وكان القائد الفارسي اردشير قد اضطر لجمع فلول قوات جيشه المنهزمة وتجهيزها على شكل قطعات كما يحدث دوما بعملية إعادة تنظيم تعبوية تجرى بعد المعارك الحاسمة التي تستنزف بها القوات القتالية فيتم تحويلها إلى قوات دفاعية مما دعا اردشير أن يأمر القائد بهمن جاذويه الفار من المعركة السابقة بإعادة تنظيم قواته والتوجه إلى منطقة أُليّس والتحصن بها لاعاقة تقدم القوات العربية وعلها تفلح في صد اندفاع قوات الجيش العربي الإسلامي الرامية للهجوم على الحيرة بالطبع فتقدم القائد بهمن جاذويه حسبما طلب منه ونظم قطعاته استعدادا لتنفيذ الأمر الذي أوكل إليه في مسعى تعويق قوات الجيش العربي الإسلامي فكانت المقدمة بقيادة القائد الفارسي جابان وكان واجبها هو احتلال موضع في أليس وعرقلة تقدم طلائع القوات العربية الإسلامية وقد أمره بهمن أن (كفكف نفسك وجندك عن قتال القوم حتى الحق بك إلا أن يعاجلوك) لكن الذي حدث إن القوات العربية هجمت هجوما مباغتا فبدا الفرس لما انشغلوا بإعادة تنظيم قطعاتهم شغلوا عن أمر تحركات الجيش العربي وان أخبارهم كانت خافية عنهم فقد بوغتوا مباغتة كبرى حين هاجمهم القائد خالد بن الوليد بقواته في وقت كانوا يتناولون به طعام الغداء فارتبكوا ولما قاموا للقتال دارت معركة كبيرة قتل فيها معظم الجيش الفارسي حتى سالت بدماء جنده مياه النهر لذا سميت تلك المعركة الرهيبة بمعركة نهر الدم لكثرة ما سال بها من دماء القوات الفارسية وكان خالدا قد حلف يمينا أثناء القتال الضاري وهو يناشد الله قائلا( اللهم إن لك علي إن منحتنا أكتافهم ألا استبقي منهم واحدا قدرنا عليه حتى اجري النهر بدمائهم) وهنا تجدر الإشارة إلى إن تلك المعركة كانت من اشد المعارك التي خاضها القائد البطل خالد بن الوليد في سيرته القتالية الجهادية فقد وصفها فيما بعد بقوله( لقد قاتلت يوم مؤته فانقطع في يدي تسعة أسياف وما لقيت من أهل فارس قوما كاهل أُليّس) في إشارة إلى شدة رحى القتال الذي دار في تلك المعركة الرهيبة وما جرى بها من قتول دامت نحو ثلاثة أيام .

    ما قيل في روعة الانتصار

    ما قاله أبو مقرن الأسود وهو المقاتل الذي اشترك بتلك المعركة فقال

    لقينا يوم أُليس إمغـــى ****ويوم المقر آساد النهــار

    فلم أر مثلها فضلات حرب****أشد على الجحاجحة الكبار

    قتلنا منهم سبعين ألفـــا **** بقية حربهم نخب الكبـار

    سوى من ليس يحظى من قتيل****ومن قد غال جولان الغبار


    تحرير امغيشيا

    بعد انتهاء أحداث معركة نهر الدم والانتصار الساحق لقوات الجيش العربي الإسلامي في أليس اندفع الجيش العربي شمالا صوب امغيشيا وفي الغالب أن يكون موقعها بين السماوة والحيرة والتي انهزم أهلها والقوات المدافعة عنها مذعورين بعد أن شاعت أخبار معركة نهر الدم وما جرى بها من قتول فتقدم أيليها الجيش العربي الإسلامي وغنم منها غنائم لم يسبق له أن غنم مثلها من قبل .

    التقدم نحو الحيرة

    بعد توالي الانتصارات للقوات العربية الإسلامية والتي كان آخرها السيطرة على امغيشيا تيقن حاكم الحيرة (آزاذبه) إن الجيش العربي قادم صوب الحيرى ولا مناص من ذلك فحاول أن يعرقل سير ذلك التقدم والاندفاع العربي الإسلامي فأرسل قوات دفاعية بقيادة ابنه الذي حينما وصل بقواته وشاهد اندفاع جيش خالد وهو يركب السفن متجها صوب أعالي الفرات فأمر بتحويل المياه من نهر الفرات نحو جداول الاهوار الموجودة حد أيامنا هذه وذلك لينخفض منسوب المياه في النهر لمنع حركة السفن واعاقتها فلاحظ القائد المحنك خالد بن الوليد ذلك بفطنته وقرر على عجل التحول لقيادة قطعات الخيالة السريعة التي تعتمد الخيول العربية التي تسابق الريح كالبرق الخاطف للهجوم بحركة التفاف نحو ملتقى أحد فروع نهر الفرات بالفرات ألام ويدعى العتيق جنوبي القادسية وذلك لتدمير القوات التي يقودها ابن آزاذبه ولاحتلال السدود والقناطر هذه المرة فتمكن من ذلك بيسر فأمر بإعادة المياه إلى نهر الفرات مما جعل سفنه الحاملة للجند تمخر مياه النهر من جديد متوجهة صوب الحيرة وبقيت تسير حتى وصلت تماما أمام قصر الخورنق الشهير في منطقة الحيرة (بحر النجف).

    معركة تحرير الحيرة

    حينما أدرك آزاذبه بان القوات العربية الإسلامية باتت على مقربة من تحقيق هدفها المرسوم بتحرير الحيرة فر تاركا قوات حامية المدينة لمصيرها فتمكن خالد من محاصرتها بقواته الرئيسية وحاول اقتحامها في بادئ الأمر فاستعصت عليهم فعمد إلى وضع خطة لاقتحامها وقد كان الهجوم على الحيرة عاصفا وقد تم ترتيبه متزامنا فقد هجمت كل من كتيبة ضرار بن الأزور على حصن القصر الأبيض أولا ثم وكتيبة ضرار بن الخطاب بالهجوم على حصن قصر العدسيين وهجمت كتيبة ضرار بن مقرن المزني على حصن قصر بني مازن وقد هجمت كتيبة المثنى بن حارثة الشيباني على حصن قصر ابن بقيلة ثم تم الاقتحام عنوة إلى الحيرة بعد أن رفض القائمون عليها نداء السلام ولم ينصاعوا لطلب الجيش العربي الإسلامي بفتح أبواب حصونها فدارت معركة ضارية تمكن فيها المسلمون من اقتحام الحصون ودكها دكا ثم أبادوا معظم حاميتها العسكرية وهنا تم طلب الصلح أخيرا وان يدفعوا الجزية وقد حدث ذلك في مايس عام 633م وتم لهم ذلك فدخلها المسلمون.

    كأنها سنة نساء

    تفتح براعم تحرير العراق

    بعد أن دخل القائد خالد بن الوليد الحيرة واتخذها مقرا لتحركات جيش تحرير العراق وضرب رائع الأمثلة على حسن التعامل عند حلول القائد العربي المسلم مع إخوانه الآخرين من بني جنسه وبعد أن رفع عن كواهلهم الظلم وحررهم من نير الاحتلال الفارسي وسمح لهم بتأدية أعمالهم ومزاولة أشغالهم بحرية كاملة ومنحهم حقوقهم كاملة وبأحقية التصرف بأراضيهم حتى اطمأنوا إلى تحقق العدل بينهم حيث بقي خالدا فيها نحوا عاما كاملا ليعيد تنظيم أمور المناطق المحررة ويقضي حاجياتها ويهتم بها فكان ذلك مدعاةً لقبوله بين الناس ولطلب التعجيل بتحرير كامل التراب العراقي خاصة حين عمت أصداء أخبار ذلك العدل الذي حققه المسلمون من أطراف العراق وحتى الحيرة فلم يبقى وقتئذ بوادي الفرات بالعراق من يقاوم القوات العربية الإسلامية سوى حامية قس الناطف في موقع الكوفة الحالية وفي باروسما( وقد ذكرها الطبري بسما) وتلك هي السنة التي قال عنها خالدا فيما بعد (كأنها سنة نساء) في إشارة لعدم دخوله معارك كبيرة فقد كان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه قد حدده في تلك السنة ومنعه من التقدم حتى تصله القوات العربية الإسلامية اللاحقة التي هي بإمرة القائد عياض بن غنم الذي اشتبك بالقتال في دومة الجندل وتأخر فيها مما أخر تحرير العراق أيضا وقد صالح أهل قس الناطف أهل باروسما خالدا على الجزية أولا وفق الكتاب الآتي:

    ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه أني عاهدتكم على الجزية والمنعة على كل ذي يد ببانقيا وباروسما على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة(وهي خرزة كسرى كما ذكرها الطبري) القوي على قدر قوته والمقل على قدر إقلاله في كل سنة وانك قد نُقبّت (أي عينت نقيبا) على قومك وان قومك قد رضوا بك وقد قبلت ومن معي من المسلمين ورضيت ورضي قومك فلك الذمة والمنعة فان منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا حتى نمنعكم)) .

    وقد عين خالدا فيما بعد القائد القعقاع بن عمرو التميمي حاكما على الحيرة حين اراد التقدم صوب الانبار مدينة الرمادي الحالية عند حلول شهر شباط من عام 634م .

    العراق عروبته تحريره إسلامه
    بدء تحرير الأنبار
    بعد انقضاء السنة التي قضاها القائد خالد بن الوليد بتنظيم أمور أجزاء العراق المحررة والتي شبهها كأنها سنة نساء وعند انتهاء تلك السنة ووصول التعزيزات من المدينة حسم أمره بالتقدم لتحرير الأنبار في شباط من عام634م وهي محافظة الأنبار الحالية التي هي تقارب مساحتها ثلث مساحة العراق لذا هي مترامية الأطراف وتشتمل مدينة الرمادي في مركزها وجوارها مدن عديدة أقربها إلى المركز مدينة الفلوجة الجريحة وقد تقدم بالزحف صوب الأنبار من غرب موقع كربلاء الحالية تجاه الفلوجة وكان على مقدمة الجيش الأقرع بن حابس .
    واقعة ذات العيون

    بعد أن عبر الأقرع بن حابس بقواته في طليعة مقدمة الجيش العربي الإسلامي نهر الفرات متجها صوب الأنبار القريبة من الفلوجة الحالية كما أشرنا فوجدها محاطة بخندق عميق تحصنت خلفه حامية المدينة فلم يجد بدا سوى بمحاصرتها حتى يصل القائد خالد بن الوليد على راس القسم الأكبر من الجيش ولما وصل خالدا واستطلع مع سابقه ذلك الخندق والأرض المحيطة به وطبيعة الحصن قال القائد خالد بن الوليد(إنما أرى أقواما لا علم لها بالحرب فارموا عيونهم ولا توخوا غيرها) فباشروا برميهم في أعينهم واكثروا من أصابتهم حتى قيل انهم لما تعاظم ذلك كانوا قد فقئوا لهم ألف عين وعين وهنا تصايح الناس لقد ذهبت عيون أهل الأنبار ولذلك سميت بواقعة ذات العيون ولكن مع كل هذا فان المدينة صمدت فأمر خالد بذبح الإبل ورميها فوق بعض في باطن الخندق حتى تصبح معبرا له ولقواته وفعلا تم له ذلك وعبر بقواته على قنطرة من لحم تلك الإبل واقتحم الأسوار فاستسلمت له المدينة وقبل أهلها بالصلح وتبين لخالد بعد المعركة إن أهل الأنبار هم عرب شأنهم شأن أهل الحيرة وانهم يتكلمون ويكتبون اللغة العربية ولما سألهم خالدا ما انتم قالوا إننا قوم عرب نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا فقال لهم خالد وممن تعلمتم الكتابة فقالوا من أياد وانشدوا بيتين من الشعر/-
    قومي أياد لو انهم أمهم *** أولو أقاموا فتهزل النعـم
    قوم لهم باحة العراق إذا*** ساروا جميعا والخط والقلم

    وهذا ما يثبت عروبة أهل العراق منذ ذلك التاريخ ومن قبل وقد تغنى شعراء العرب بتلك الانتصارات ونظموا في حقها

    العراق عروبته تحريره اسلامه

    تحرير شثاثــــــة

    بعد أن حررت القوات العربية بقيادة القائد خالد بن الوليد الفلوجة في منطقة الانبار توجهت بعد ذلك صوب شثاثة وهي منطقة عين التمر وسكانها من العرب أيضا وقد علم القائد خالد بن الوليد إن الجيش الفارسي كان يضم عددا كبيرا من الجند والقوات المرتزقة من أبناء بعض القبائل العربية فتألم لذلك كثيرا وتلك القبائل المتعاونة والمتحالفة مع فارس على حساب العراق وأهله هي قبيلة تغلب وأياد بزعامة عقة بن أبى عقة بينما كانت القيادة العامة للقائد الفارسي حكم عين التمر الفارسي مهران بن بهرام الذي عمد إلى خطة خبيثة لضرب العرب بالعرب وقد وصفها لاصحابه وجنده حين سألوه عن الأمر فأبدى لهم قائلا( لم أرد إلا ما هو خير لكم وشرٌ لهم انه قد جاءكم من قتل ملوككم وفل حدكم فاتقيته بهم فان كانت لهم على خالد فهي لكم وان كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا ونحن أقوياء وهم مضعفون ) ثم تقدم عقة القائد العربي المتحالف مع الفرس بقواته وهو من قبيلة اياد في محاولة لصد الاندفاع العربي الإسلامي تجاه عين التمر وهنا توقف الجيشين إزاء بعضهما وجها لوجه بمرحلة تحضيرية تجسد إيذانا ببدء طقوس الحرب المتبعة والمعروفة آنذاك ثم ليبرز القائدان أمام جيشيهما كما جرت العادة أيضا فقال خالد بن الوليد ذلك البطل الفذ ( اني حامل على عقة فاكفوني ما عنده) فطلبه خالد للنزال وبعد مبارزة سريعة خاطفة تمكن سيف الله المسلول من اخذ عقة أسيرا وسحبه تجاه القوات العربية الإسلامية وقد كان بإمكان خالدا أن يطيح برأسه ببساطة إلا انه أراد أن يجعله للعرب مثالا وعبرة لمن يخون وطنه وبني جلدته وبعد تلك العملية البطولية الرائعة انهارت معنويات الجيش الذي يمثل فارس وارتبك أدائهم وسرعان ما هزموا وفروا فأسرع خالد بإحكام السيطرة على منطقة واحة شثاثة ثم تقدم بقواته طالبا مهران الذي تحصن بحصن في عين تمر فقد أراد القائد خالد الطرق على الحديد وهو ساخن لتحرير عين تمر فان السيطرة عليها باتت ضرورية في تفكير خالد بعد ذلك المسير الطويل والقتال المستمر ولحاجة جنده للراحة والتزود بالماء والزاد ولإراحة الدواب فلما علم مهران بما حصل لقوات عقة وان خالدا متجها نحوه ابدر إلى الهرب من حصن عين التمر وقد تحصنت بذلك الحصن بقايا قوات عقة المنهزمة فلما وصل خالد حاصرهم ورفض أن يستجيب لطلب الصلح معهم فقد ساءه كما تقدم أن يقاتل العربي أخاه العربي فأمر باعتقالهم جميعا ثم اصدر أمره بإعدام عقة بن أبي عقة فضربت عنقه في أوائل آذار من عام 633م أمام حشود الناس من العرب ليكون عبرة لكل عربي تسول له نفسه خيانة قومه فقد كانت المعركة بنظره هي معركة تحرير العراق العربي وأهله من نير الاحتلال الفارسي فكيف يجوز أن يساند الخونة المحتل الفارسي ومن اقدم على ذلك فقد استحق سوء العاقبة والمصير وقد كان جوار ذلك الحصن كنيسة يتواجد بها طلاب علم نصارى من عرب العراق قيل إن عددهم يومه كان أربعون فردا وقد اسلموا جميعهم فقرر خالد أن يستفيد منهم وقد كان من بينهم الطالب نصير وهو والد القائد البطل فيما بعد موسى بن نصير فاتح الأندلس الشهير رحمه الله

    العراق عروبته تحريره اسلامه

    معارك تحرير الانبار
    معركة دومة الجندل

    634م


    وتقع دومة الجندل في شمالي المملكة العربية السعودية وهي مدينة الجوف وهي التي بعث إليها الخليفة أبى بكر رضي الله عنه بالقوات الإسلامية للسيطرة عليها بعيد أحداث الردة وكانت تلك القوات بقيادة عياض بن غنم وقد خطط الخليفة أن يتحول القائد عياض بقواته بعد إنجاز مهمته إلى العراق لنصرة جيش المسلمين هناك ولكن الحال انقلب حينما استعصت قبائل الدومة على قوات عياض مما اضطر القائد خالد بن الوليد لنجدته فاصبح عندها الأمر معكوسا وتحولت تلك القوات إلى عبء عوضا عن الظهير الساند فقد تحرك خالدا بقواته لنجدة قوات عياض بناء على أمر الخليفة أبى بكر الذي أمر بوجوب نجدتهم فامتثل لذلك الأمر علما إن المسافة بين دومة الجندل ومكان تواجد خالدا وقواته في العراق بعين التمر شثاثة هي قرابة ثلاثمائة ميل والتي تطلبت عشرة أيام لانتقال خالد بجيشه ولكنه رأى أن يبعث برسالة إلى القائد عياض بن غنم وهي تلك الرسالة الشهيرة التي عرفت بعنوانها المباشر وكانت :
    (من خالد إلى عياض إياك أُريد) ( لبّث قليلا تأتك الحلائبُ , يحملن آسادا عليها القاشب, كتائبٌ يتبعها كتائبُ)
    فوصل خالدا بقواته عند انقضاء مدة العشرة أيام التي تطلبها الطريق إلى دومة الجندل وقرر من فوره أن يحاصر قطعات الجودي بن ربيعة بجعله بين كماشة قواته وقوات عياض بن غنم وتحقق له مراده وحصل قتال شديد حتى فر الجودي إلى داخل الحصن فابدر خالدا إلى اقتحامه وقتل الجودي فيه وبذلك انتهى عصيان منطقة دومة الجندل سريعا فقد كان سيف الله المسلول حريصا على حسم الأمر على عجل لمعاودة إكمال مسعى تحرير العراق ذلك الهدف الأساسي الذي خرج إليه بجيشه خاصة وان الأخبار التي أتت من العراق تفيد بان قبائل الانبار قد وجدت فرصة في خروج جيش خالد من العراق فأرادت التمرد بدفوع من الفرس انتقاما لإعدام عقة بن أبي عقة الذي أغاظهم أمر معاقبته وإعدامه.
    معركة الحصيد
    إن القائد خالد بن الوليد عندما عاد مسرعا بجيشه إلى العراق بسبب ما وصل إليه من أخبار ذلك التمرد في الانبار اتجه من فوره إلى مدينة الحيرة ولما وصل إليها علم إن الفرس وبعض المرتزقة قد تمركزوا في الحصيد فكان أول ما فعله أن أمر القائد القعقاع بن عمرو التميمي بان يتوجه إلى منطقة الحصيد وهو مكان في أطراف العراق من جهة الجزيرة بحسبما ذكره غالب أهل التاريخ وقد يكون جوار عين التمر من جهة الغرب فتقدم القعقاع بقواته على عجل لتنفيذ الأمر بما عرف عنه من شجاعة وبسالة مشهودتين فكتب له أن ينتصر ويقضي على تلك القوات المتحالفة ما بين فرس ومرتزقتهم من عرب الانبار.
    معركة الخنافس
    بعد أن انتهت معركة الحصيد وانتصار المسلمين فيها بقيادة القعقاع اصدر خالدا أمره إلى القائد أبى ليلى بن فدكي السعدي بان يتوجه إلى الخنافس التي كانت جوار الانبار وقد كان القائد الفارسي مهبوذان وقواته يتحصن بها ولكنه سرعان ما فر ومن معه لما علموا بان القوات العربية الإسلامية متجهة صوبهم فصوّر لنا القائد أبى ليلى ذلك الموقف بصيغة أدبية شعرية رائعة هي:
    وقالوا ما تريد فقلت ارمي*** جموعا بالخنافس بالخيول
    فدونكم الخيول فألجموها *** إلى قوم بأسفل ذي أنول
    فلما أن أحسوا ما تولوا *** ولم يغررهم ضج الفيول
    وفينا بالخنافس باقيـات *** لمهبوذان في جنح الأصيل
    يتبع
    معركة المصيّخ
    معركة الحشد الخطير بالانبار ضد المسلمين
    معركة المصيّخ
    وصلت الأخبار بان هنالك قبائل كثيرة من أهل الانبار قد تجمعت في منطقة المصيّخ وهو موضع قرب الرمادي بمحافظة الانبار الحالية وبلغ خالدا انه قد تمت إثارة أولئك من قبل الفرس وتم دفعهم للتمرد على القوات الإسلامية بذريعة الانتقام لحدث إعدام عقة بن أبي عقة وقد كان على راس قوات تلك القبائل( حرقوص بن النعمان والهذيل بن عمران) ولخطورة هذا الحشد الكبير على مسعى تحرير العراق فقد قرر خالد بن الوليد توجيه القادة كل من القعقاع بن عمرو وأبى ليلى واعبد بن فدكي وعروة بن الجعد كل بقواته من شتى الأماكن وتحرك هو أيضا على راس قوات أخرى وكلهم صوب المصيّخ وعيّن لذلك ميعادا كساعة صفر تم تبليغها للقادة المعنيين بالهجوم على المصيّخ ولما حل ذلك الميقات اندلع الهجوم الكاسح بوقت واحد والتقت الجموع في ساحة تلك الواقعة بالمصيّخ ودارت معركة ضارية عزوم فرّ فيها الهذيل وقتل حرقوص وقد أوردها الطبري وروى لنا وقائعها على لسان عدي بن حاتم الطائي فقال (أغرنا على أهل المصيّخ وإذا رجل اسمه حرقوص بن النعمان من النمر وإذا حوله بنوه وامرأته وبينهم جفنة من خمر وهم عليها عكوف يقولون له ,ومن يشرب هذه الساعة وفي إعجاز الليل , فقال لهم اشربوا شرب وداع, فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها, هذا خالد بالعين ((أي عين تمر)), وجنوده بحصيد وقد بلغه جمعنا وليس بتاركنا) فانشد يقول:
    ألا فاشربوا من قبل قاصمة الظهر*** بعيد انتفاخ القوم بالعكر الدثر
    وقبل منايانا المصيبة بالقـــدر*** لحين لعمري لا يزيد ولا يحري
    وهنالك رواية أخرى حسب ياقوت الحموي أوردها في معجم البلدان إن حرقوصا كان قد نهى قومه عن قتال جيش خالد لكنهم رفضوا مشورته فعاد إلى داره وانشد:
    ألا فاسقياني قبل جيش أبي بكر*** لعل منايانا قريب ولا نـدري
    ألا فاسقياني بالزجاج وكررا *** علينا كميت اللون صافية تجري
    أظن خيول المسلمين وخالدا***ستطرقكم عند الصباح على البشر
    فهل لكم بالسير قبل قتالهم*** وقبل خروج المعصرات من الخدر
    أريني سلاحي يا أميمة إنني*** أخاف بيان القوم أو مطلع الفجر
    إنهاء التمرد حول الانبار
    معركة الثني
    بعد أن مني الهذيل بهزيمة كبيرة في المصيّخ التجأ إلى الثني وهي من مناطق جوار الانبار أيضا فتجمعت حوله ثانية أعدادا أخرى من الحشود المتمردة والمرتزقة لمقاومة جيش المسلمين بقيادة خالد ولما تجمعوا هجم عليهم خالدا بجيشه فقضى عليهم وأبادهم جميعا وتم تحرير المنطقة من تلك الطغمة المتعاونة مع الفرس.
    معركة الرُضاب
    634م
    12هجري /الربيع
    وغير بعيد عن عين التمر وفي الرُضاب كان قد تجمع أنصار هلال بن عقة بجمع آخر تحت قيادته تمهيدا للتمرد فبلغ ذلك الأمر مسامع القائد خالد بن الوليد الذي أسرع صوبهم ففروا جميعا قبل لقائه فتم تحرير الرضاب.
    الفِراض
    لم يبقى بعد تحرير الرُضاب غير موضع الفِراض الذي هو محل السقاء من الأنهار ويقع إلى الشمال الغربي من مدينة الرمادي وكان يمثل ملتقى حدود الإمبراطوريتين المحتلتين لبلاد العرب في تلك المنطقة وهما الفرس والرومان وقد تجمعت بذلك الموضع قوات فارسية ورومانية كصف واحد في تحالف لمواجهة الجيش العربي الإسلامي وهنا تكمن الإشارة لإمكانية التحالف المحتمل بين أعداء العرب والإسلام في أية زمان ومكان فقد وقف الحشدين إزاء بعض على جانبي الفرات وقد جرت مراسلات متعددة بين الفريقين حول اختيار ميدان للمعركة وعن أيهما يعبر الفرات إلى الآخر فقد قال الفرس والروم للعرب ( أما أن تعبروا إلينا أو نعبر إليكم) فأجابهم خالد بل(اعبروا إلينا) فقالوا (ابتعدوا حتى نعبر) فأجابهم خالد (بل اعبروا اسفل منّا) وفي آخر المطاف عبرت القوات الفارسية وحليفتها الرومية نهر الفرات والتحم الجمعان فدارت هناك معركة كبيرة حامية الوطيس وضارية خطها القدر في لوائح التاريخ والزمن ومهما قيل وكان الرأي بشان المبالغة في تقدير ما راح بها من قتول قوات الفرس والروم فستبقى الأعداد عالية تدلل على شدة خسائر أعداء المسلمين وهي التي دعت إلى ذلك الأمر فقد قيل إن قتلاهم بالغوا المائة ألف قتيل وهذا جزائهم لوقفهم في خندق واحد ضد حملة نور رسالة خاتم الأديان ومن هنا تيقن الشريكان في احتلال المنطقة العربية على الأرض وهم قادة قوات الفرس والروم حقيقة الخطر العربي الإسلامي الداهم الذي بدا انتشاره كعبق الرياحين وان الإسلام سينتشر بنوره بفتح كبير وسيطال حتى بلادهم بنفسها رغم أنوفهم وأنوف أسيادهم الظالمين

    العراق عروبته تحريره اسلامه
    المطاردة
    ووفاة الخليفة ابى بكر وتولي عمر رضي الله عنهما واثر ذلك على تحرير العراق
    بعد أن هزمت القوات الفارسية في معركة بابل قرر المثنى بن حارثة الشيباني كأي قائد محنك أن يستفاد من عرى تلك الهزيمة فاصدر أوامره إلى قطعات الخيالة العربية أن تلاحق فلول القوات الفارسية المتقهقرة فتمكنت تلك القطعات من القضاء على غالب فلول الفرس بعد أن استمرت بمطاردتهم حتى مشارف المدائن التي كان الفرس يتخذونها عاصمة لهم في ذلك الحين ولما علم كسرى شهرزان بذلك النبأ حزن كثيرا حتى انه مات من غمه وعن ذلك يروي الطبري ( لما انهزم هرمز وبلغت أخباره مسامع الملك فاغتم لذلك اشد الغم ثم انه مرض ولم يطل عهده حتى مات) وقد أحدثت أصداء ذلك النصر تداعيات مهمة في مملكة فارس ودخلت دولتهم بدوامات وانقلابات سياسية حتى أن آل الأمر إلى كسرى يزدجرد وكان قائده هو رستم بن الفرخزاد .
    أصداء ذلك النصر على العرب والمسلمين
    لقد فرح أدباء وخطباء ومفوهين العرب والمسلمين بذلك الخبر الكبير لانتصار آخر لقبائل بني بكر العربية المسلمة على الفرس في معركة بابل حتى انه تم التغني بذلك بقول الشعر به لتخليده وقد قال الفرزدق
    فمنهن بيت الحوفزان الذي به*** تفلل بكر حد نبل المناصل
    وبيت المثنى عاقر الفيل عنوة ***ببابل إذ في فارس ملك بابل
    كما قال الشاعر الفارس الذي شارك بتلك المعركة وهو عبدة بن الطبيب
    هل حبل خولة بعد البين موصول***أم أنت عنها بعيد الدار مشغول
    وللأحبة أيام نذكرهـــــا *** وللنوى قبل يوم البين تأويـل
    حلت خويلة في حي عهدتهـم *** دون المدائن فيها الديك والفيل
    يقارعون رؤوس العجم ضاحية *** منهم فوارس لاعزل ولا ميـل
    بعد ذلك فكر المثنى بان الفرس سيستغلون غياب القوات الإسلامية التي توجهت إلى الشام بقياد القائد خالد بن الوليد وسيجدون في ذلك فرصة للهجوم المركز على قوات تحرير العراق للانتقام منها ومحاولة إنهاء دورها أو إضعافها ففكر بسحب قواته من بين النهرين ومن بابل وعاد إلى الحيرة لينتظر نجدة القوات الإسلامية لاستكمال مسعى تحرير العراق العربي ولكن لما أبطأت عليه تلك النجدات فكر في السفر إلى المدينة ليقابل الخليفة أبى بكر رضي الله عنه مجددا ليشرح له مباشرة تفاصيل الموقف في العراق وليطلب منه التعزيزات للمحافظة على النصر الذي تحقق هناك فأمر القائد بشير بن الخصاصية أميرا على القوات العربية في العراق وانطلق إلى الحجاز في أواخر تموز 634م وكانت الرحلة من الكوفة إلى المدينة تحتاج إلى نحو ثلاثة أسابيع فوصل المثنى ووجد الخليفة مريضا ومع ذلك فقد حادثه بالأمر عدة أيام فاقتنع بضرورة إرسال النجدات مجددا لاستكمال عرى تحرير العراق فاستدعى الخليفة أبى بكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له (اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به وأني لأرجو أن أموت في يومي هذا فإن مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى وان تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس مع المثنى ولا تشغلنكم مصيبة وان عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم وقد رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنعت ولم يصب الخلق بمثله وبالله لو إني أني عن أمر الله وأمر رسوله لخذلنا ولعاقبنا فاضطرمت المدينة نارا وان فتح الله على أمراء الشام فأردد أصحاب خالد إلى العراق فانهم أهله وولاة أمره وحده وهم أهل الغداوة بهم والجرأة عليهم)
    ((وهنا يتفكر القارئ فيما تقدم وما سيلي في خطبة الفاروق عن مدى الإقدام والإيثار والتضحية التي اتسمت بها سلوكيات شخوص السلف العظام رضوان الله عليهم فلا تجد إن كبيرهم ولا صغيرهم قلق ومتفكر بأمر خاص أبدا حتى وان تعلق ذلك الأمر بحياته نفسها بل بصالح الأمة العام قبل وبعد كل شيء فأي أيثار هذا وأي صلاح وفلاح يودي لمن سار عليه بحق وذلك هو سر فلاحهم وصلاحهم الذي بغيابه تقاعسنا وتردى حالنا وان لم نعد إلى الله خالصين ولما ارسي لنا من قوامة نهج فلن يصلح حالنا بعد ذلك أبدا )).
    وقد توفي سيدنا أبى بكر رضي الله عنه في 23من آب 634م أي بعد عشرة أيام من وصول المثنى إليه وكان المثنى قد حصل على أمر الخليفة بضرورة إسناد قوات تحرير العراق ولكنه بقي طامعا في أمر آخر لم يتسنى له الحصول عليه وهو إلغاء الأمر السابق الذي كان يقضي بعد السماح لأهل الردة بالاشتراك في الحروب مع إن هنالك الكثير من القبائل العربية التي يريد شبابها إظهار حسن نواياهم والاشتراك بالفتوحات وخاصة تلك المتاخمة لحدود العراق التي يرغب أبنائها بالإسهام في حرب تحرير العراق من الفرس كما إن ذلك كان مهما بالنسبة للمثنى لما يوفره ذلك من تغطية جيدة وعزوة طيبة للقوات العربية الإسلامية حين يسهم بسد النقص الحاصل في جهة العراق والشام آنذاك ولما تولى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اصدر أمره بإلغاء ذلك القرار فوفر بذلك دعما طيبا من سيول المجندين للجهاد في سبيل الله الذين يدعمون الجيش العربي الإسلامي بمدد كبير تنامى بالتدريج.
    وقام سيدنا عمر رضي الله عنه في اليوم التالي لخلافته بدعوة الناس إلى الاجتماع في المسجد وخطب بهم ليحثهم على الجهاد لتحرير العراق وبقي الخليفة يحث الناس لاربعة أيام ولا من مجيب فنهض المثنى بن حارثة الشيباني وألقى خطابا حماسيا استثار من خلاله همم الناس بعد أن شرح لهم كيف انه وأصحابه قد تمكنوا من دحر الفرس في العراق وانه يأمل النصر كاملا بمعونتهم في المستقبل وكان لذلك الإيضاح مردودا طيبا فقد قال (أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه فقد تبحبحنا ريف فارس وغلبناهم على خير شقي السواد وشاطرناهم واجترأ من قبلنا عليهم ولها إن شاء الله ما بعدها ) ثم وقف بعدها الخليفة فألقى فيهم خطابا ذكرهم فيه بما لهم في الحجاز واستثار نخوتهم وحثهم على الجهاد فقال (أيها الناس إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك أين الطراء يهاجرون عن موعود الله سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها فانه قال(( ليظهره على الدين كله)) والله مظهر دينه معز ناصره مولي أهله مواريث الأمم , أين عباد الله الصالحون).
    فنهض أولا زعيم بني ثقيف أبو عبيد بن مسعود الثقفي قائلا ( يا أمير المؤمنين إنّا سمعناك وأطعناك وأنا أول من أجاب هذه الدعوة أنا وقومي وعشيرتي) ثم وقف بعده سعد بن عبيد فلبى الدعوة ثم سليط بن قيس وهو من أبطال العرب واستمر الناس بذلك حتى جاوزوا الخمسة آلاف مقاتل ومتم تعيين أبا عبيد الثقفي قائدا كونه أول من استجاب ولانه رجل رزين فقال ( الحرب زبون لا يصلح لها إلا الرجل المكيث) ثم طلب الخليفة من المثنى أن يعود إلى قواته بالعراق وقال له( النجاء حتى يقدم عليك أصحابك) .


    معركة النمارق
    634م
    بعد أن انتهت مراسيم حشد المقاتلين للتهيؤ لنصرة القوات التي تقاتل لتحرير العراق عين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه القائد أبا عبيد الثقفي قائدا على راس القوات العربية الإسلامية السائرة لإتمام مسعى تحرير العراق وسارت تلك القوات في طريقها لتنفيذ مهمتها الموكلة إليها بجيش بلغ قوامه نحو خمسة آلاف مقاتل ثم تضاعف عدد ذلك الجيش إلى عشرة آلاف بانضمام باقي القبائل العربية في الطريق إلى الحيرة التي أصبحت مركز الحكم العربي الإسلامي المحرر وقتئذ وقد تطلب ذلك المسير قرابة شهر كامل ثم التقى أبا عبيد وجيشه بالمثنى وقواته في خفان جنوب غربي الحيرة وكان القائد الفارسي رستم بن الفرخزاد قد هيأ جيشين كبيرين لقتال القوات العربية القادمة إضافة إلى التغرير برؤساء القبائل والعشائر من العملاء لإعاقة مسعى التحرير والتمرد على الحكم العربي الإسلامي وكان ذلك معلوما للمثنى الذي استشعر خطر تلك الحشود وتجحفل بقواته في تلك المنطقة بانتظار نجدة الجيش العربي الإسلامي القادم للإسهام بتحرير بلاده ولما علم القائد أبا عبيد بحيثيات الحشد من حوله وان هنالك قوات فارسية كبيرة تزحف بجيشين صوب الحيرة من جهتين الأولى بقيادة جابان والثانية بقيادة نرسي وان هنالك خطة معدة من قبل رستم فقرر أن يباغت الفرس بهجوم استباقي واعد لذلك خطة جريئة تقضي بان تتم مهاجمة الجيش الزاحف الأكبر على حين غرة وإبادته إبادة تامة ثم التحول بسرعة للقضاء على الجيش الثاني فوضع كتائب الخيالة الخاطفة بإمرة المثنى بن حارثة الشيباني الذي تحرك بتلك الكتائب من فوره إلى منطقة النمارق الواقعة بين الحيرة والقادسية ولما وصل الجيش الفارسي بقواته الثقيلة البطيئة إلى مشارف تلك المنطقة المفتوحة كسهل كبير هجم المثنى بقواته الخفيفة الرشيقة بتلك الخيول العربية التي تسابق الريح كالصاعقة التي أذهلتهم وأربكتهم وكان الهجوم شاملا للجبهة وكلا الجناحين فدارت معركة عنيفة انتصرت فيها القوات العربية الإسلامية برئاسة المثنى وأبيدت غالب القوات الفارسية وهرب ما تبقى منها وقد اقتيد فيها القائد الفارسي جابان أسيرا وقيل إن القائد أبا عبيد أمر بإطلاق سراحه فيما بعد بخطأ من أحد الجنود ولكنه لما عرف حين تم تشخيصه رفض التنازل والرجوع بكلامه فتم إطلاق سراحه.

    اجمل ما قيل بهذا الانتصار الكبير

    قال المثنى بن حارثة

    غلبنا على خفان بيضا مشيحة *** إلى النخلات السمر فوق النمارق

    وإنا لنرجو أن تجول خيولنـا *** بشاطئ الفرات بالسيوف البوارق

    معركتي السقاطية وباروسما

    معركة السقاطية

    بعد ذلك النصر الساحق للمسلمين في معركة النمارق بقيادة القائد أبو عبيد ومعية المثنى بن حارثة الشيباني وباقي القادة والجند البواسل تقرر أن تتجمع القوات العربية الإسلامية للتحرك من الحيرة إلى اليّس السماوة حاليا ومنها إلى ذي قار وبعدها للاندفاع صوب كسكر التي كان ينوي القائد الفارسي التحرك من خلالها إلى ذي قار وتقع كسكر قرب واسط وغالبا هي منطقة قلعة سكر الحالية وبذا يكون الاتجاه للطرفين متعاكسا ولكنه على نفس المسار والإحداثيات فتحقق اللقاء والتقى الجيشان العربي والفارسي أولا في السقاطية والتي تقع في الطريق إلى كسكر وقربها وكان القائد العام أبو عبيد قد عين المثنى قائدا على مقدمة الجيش من خيالة الفرسان وذلك لدرايته وخبرته الجيدة بالمنطقة وحدث اللقاء كما تقدم بين الفريقين في السقاطية قرب كسكر فدارت معركة عنيفة حامية انتهت بدحر الجيش الفارسي وهزيمته وقد فر القائد الفارسي نرسي إلى المدائن.
    معركة باروسما

    في الوقت الذي انتهت فيه أحداث معركة السقاطية فان الإعداد كان يجري في مكان آخر جوارها لمعركة أخرى حيث كان القائد الفارسي الجالينوس قد وصل على رأس تعزيزات كبيرة جديدة إلى باروسما وهي تقع بين كسكر وواسط فدارت معركة طاحنة أخرى انتصر فيها العرب المسلمون بقيادة المثنى على الفرس بقيادة الجالينوس ولاذت القوات الفارسية بالفرار وانهزم الجالينوس إلى المدائن أيضا.
    وقد جرت بحسب أخبار التاريخ في تلك المرحلة معارك أخرى بقيادة المثنى فقد ذكر البلاذري إن المثنى قد فتح بقواته زندورد بعد معركة حاسمة وغنم منها كثيرا من الغنائم أما الزوابي وهن من مدن العراق السابقة فقد تصالح أهلها مع القائد عروة بن زيد الخيل ورحّبوا بتحرير مدينتهم وبلادهم وكانت فترة انتصارات متلاحقة طيبة وقد قال فيها الشاعر عاصم بن عمرو
    صبحنا بالكتائب رهط كسرى***صبوحا ليس من خمر السواد
    صبحناهم بكل فتى كمــي***وأجرد سابح من خيل عـاد

    معركة الجسر
    قس الناطــف
    في يوم السبت باواخر شهر رمضان من العام الثالث عشر للهجرة

    لما تلاشت أحلام القائد الفارسي رستم بالحفاظ على ماء وجه إمبراطوريته وجيشه خاصة بعد فشل مسعاه بالحفاظ على ظهير قواته في المسالك الخارجية تجاه الحيرة والناصرية أراد القيام بحركة انتقامية فأعلن نفيرا جزئيا لقوات فارس بجيش بلغ قوامه ما يزيد على ثمانين ألف مقاتل يسندهم عشرون فيلا مجهز كدبابة وأمرهم برفع راية كسرى الخاصة التي لم تكن ترفع إلا في حالات قصوى وعصيبة وهي المسماة (الدرفس كابيان) والتي كانت مصنوعة من جلد النمور واختار لتلك القوات قائدا شديد الكره للعرب هو(بهمن جاذويه) الملقب ذو الحاجب وقد أوكل إليه التقدم إلى الحيرة كونها قد أصبحت مركز مشروع تحرير العراق فتحرك ذلك الجيش وانحدر صوب الكوفة وتوقف عند منطقة قس الناطف التي تقع على ضفة نهر الفرات قبالة منطقة الكوفة والتي لم تكن قد عمرت بعد وهنا تحرك القائد أبو عبيد الثقفي بقواته العربية الإسلامية نحو منطقة المروحة مقابل منطقة قس الناطف على الضفة الأخرى من النهر وقد كان بتلك المنطقة جسر قديم كان قد أمر بإصلاحه أبو عبيد من قبل فاجتمع على عجل قادة القوات الإسلامية قبيل المعركة وهم كل من المثنى بن حارثة الشيباني وشقيقه المعنى وسليط بن قيس ومسعود بن حارثة وبشير بن الخصاصية وعروة بن زيد الخيل الطائي وتزايد الجدل حول مسالة العبور إذ إن أبو عبيد من فرط شجاعته وإقدامه كان يود أن يعبر بالجيش الإسلامي إلى الأعداء بينما كان قادة جيشه يعارضون ذلك لمعرفتهم بطبيعة الأرض وبقتال الفرس ولوجوب ترك الصحراء ظهيرا لقوات المسلمين كما إن العبور سيكون خطيرا إذ قد يغدر بهم الفرس فيهجموا بينما هم يعبرون وأبدا الجميع اعتراضهم وكان على رأسهم المثنى وسليط ولكن أبو عبيد أصر على رأيه ولازمه العناد وقال( لا افعل جبنت والله إذن) وحاول أن يتهم الآخرين بالجبن ورد عليه سليط ودار بينهم حديث تداركه المثنى فقال إذا لم يكن هنالك من بد للعبور فليكن ليلا لنباغت الأعداء ونسيطر على ميدان المعركة ونختار الموضع الأصلح للقتال غير إن أبا عبيد لم يلتفت لهذا الرأي السديد وقال بل سنعبر في وضح النهار .
    المعركـــة
    بعد كل ذلك الإصرار على العبور الذي أبداه القائد أبا عبيد رضخ الجميع لرغبته وعبرت القوات الإسلامية بقيادته فواجهت منطقة غير فسيحة لا تصلح للمناورة بل هي محصورة ومما زاد الطين بلة إن الفرس وكعادتهم غدروا حين لم يمهلوا الجيش الإسلامي حتى ينتهي من العبور بكامل قواته بل باشروا بالهجوم على القطعات وهي تعبر فدارت معركة ضارية وشديدة غير إن الفيلة كان تأثيرها كبيرا خاصة وان خيالة الفرسان العرب واجهوا صعوبة من خلال تخوف الخيل من تلك الفيلة كما انهم لم يكونوا على دراية بكيفية التخلص منها أو تخفيف هجومها على المقاتلين المشاة على الأرض فراحت الضحايا تتزايد وقد ذكر البلاذري بان اللوم كان موجها تجاه أبا عبيد حتى أثناء المعركة فقد قال له سُلَيط( يا أبا عبيد كنت قد نهيتك عن قطع هذا الجسر إليهم وأشرت إليك بالانحياز إلى بعض النواحي والكتابة إلى أمير المؤمنين بالاستعداد فأبيت) وقد حدث ما حدث وتأزم الموقف وقاتل سليط رضوان الله عليه فأبلى بلاءً حسنا وكان قتاله شديدا استمر حتى نال الشهادة ثم لحقه كثير من الصحابة أما أبا عبيد فانه لما رأى ما حدث بسبب ذلك العبور وما أحدثته تلك الفيلة الهوجاء فانه سال عن إمكانية النيل منها فقال (أين مقتل تلك الدابة) فقيل له في خرطومها فقال ( إني حامل على هذا الفيل ومن حوله من الفرس) وكان يقصد كبير الفيلة وهو فيل ابيض يتقدمها جميعا وتسير خلفه ثم قال قولا فيه كثير من البطولة والإيثار لسبيل الجهاد ونكران الحياة وهونها عنده أمام الشهادة فقال ( يا معشر الناس إني لحامل على هذا المخلوق فانظروا إن قتلته وهزمت من حوله فأنا أميركم فان قتلت فأخي الحكم أميركم فان قتل فولدي وهب أميركم فان قتل فولدي مالك أميركم فان قتل فولدي جبر فأبو محجن الثقفي فالمثنى بن حارثة الشيباني) وهنا لابد من العودة إلى فكر ذلك الرجل الأخروي الذي تقف عند وصفه الأقلام إلا من درجة إيمانه وألا فكيف يقدم نفسه وأخاه وثلاث من أولاده دفعة واحدة وقودا بتلك المعركة الرهيبة.
    فتقدم ذلك القائد البطل نحو الفيل الكبير وظل يناوره بالهجوم حتى تمكن من قطع خرطومه بضربة قوية خاطفة فانشد/-
    يالك من ذي أربع ما أكبرك*** يالك في يوم الوغى ما أنكرك
    إني لعال بالحسام مشفـرك*** وهالك وفي الهلاك لـي درك
    لكن ذلك الفيل هاج من تلك الضربة فلطم أبا عبيد فأوقعه أرضا وقضى ثم قام برفسه حتى استشهد ثم سار الأمر كما خطط له رحمه الله .
    وتولى من بعده الإمارة شقيقه الحكم الثقفي الذي قاتل كأخيه حتى نال الشهادة فتولى الإمارة من بعده وهب بن أبى عبيد الذي تقدم إلى المعركة وهو ينشد/-
    لا خير في هلا ولا في ليت***من طلب الموت فهذا المـوت
    ليس لامر الله فيك فوت *** قد سطع النقع ومات الصوت
    فقاتل ذلك الشاب البطل حتى نال الشهادة فتقدم للإمارة أخوه مالك بن أبي عبيد فقاتل بشجاعة وقتل من الأعداء كثيرا وقد انشد/-
    قد علمت وضاحة الترائب*** مبأسة بالثغر والحواجـب
    إني غداة الروع والتشاغب*** أشجع من ذي لبدة مواثب
    وفي تلك الأثناء قام أحد المقاتلين وهو عبد الله بن مرثد بعمل خطير من تلقاء نفسه فقد قطع الجسر لكي يقطع سبيل العودة مما اربك الحال كثيرا واحدث جلبة كبيرة خصوصا عندما حاول بعض المقاتلين العودة سباحة للتخلص من هجوم الفيلة التي كانت ترفسهم فغرق الكثير منهم بذلك التدافع من على الجسر وقد استغل الفرس ذلك فقاموا بهجوم كبير على راس الجسر فحدثت مجزرة كبيرة حتى أنقذ الموقف .


    انقاذ الموقف العصيب
    بعدما استشهد القائد أبا عبيد وغالب من تبعه صار الوضع حرجا فبادر أحد المقاتلين المسلمين ارتجالا بقطع الجسر الذي كان يربط بين ضفتي نهر الفرات في منطقة قس الناطف وكان عبد الله يقول ( أيها الناس موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا) لكن ذلك التصرف تسبب بكارثة كبيرة من حيث قطع طريق الانسحاب في حال الحاجة إليه مع إن الحاجة لذلك الانسحاب كانت ضرورة كبرى من حيث عدم صلاحية موضع ميدان المعركة مما اجبر بعض الجند إلى الالتجاء إلى إلقاء أنفسهم في النهر للسباحة إلى الضفة الأخرى بغية التخلص من هجوم تلك الفيلة الهائجة فتدافع أولئك الجند وهلك كثير منهم غرقا في النهر فتضرر الجيش الإسلامي كثيرا وباتت الحاجة لإنقاذ الموقف ضرورة كبرى فتقدم المثنى بن حارثة الشيباني لإمارة الجيش فقفز إلى قيادة الجيش خارج التسلسل الذي أراده القائد أبا عبيد وهو يواجه موقف وامتحان عصيب انه كان خبيرا بقتال الفرس كما هو خبير بواقع عموم بلاده فرأى إن فعل ذلك هو ضرورة قصوى لإنقاذ ذلك الموقف الحرج فكان أول فعل عسكري ناجح قام به هو انه شكل جبهة دفاع لتحمي ظهر الجيش المنسحب من خلال تولي تلك القوات الهجوم المعاكس وقد قاد تلك المفرزة للخيالة الشجعان بنفسه بغارات خاطفة عوقت هجوم الفرس أوقفته لكسب الوقت وكان له ذلك فكان قد أمر بإعادة تشكيل الجسر ثم أمر بتشكيل قوة حماية على راس ذلك الجسر كي يعزل الفرس عن الجسر ويمنع تقدمهم وقد أوكل قيادة تلك القوة إلى عروة بن مسعود وبعد أن انتظم عبور الجيش بكامل فلوله المنسحبة انسحبت قوات الحماية التي كانت تتولى الهجوم المعاكس ثم انسحبت القوة المرابطة على راس الجسر وقد سحب المثنى الجيش العربي إلى الحيرة وهناك أعاد تنظيمه وحشده بعد أن ابلغ المدينة بما جرى وطلب النجدة العاجلة لتدارك ما قد يحصل فكان دور المثنى كبيرا من خلال حسن تدارك ذلك الموقف وكان المثنى قد جرح بذلك اليوم العصيب حين صد بيسراه الحاملة للدرع ضربة رمح قوية حتى غاصت إحدى حلقات وزرد الدرع بين ضلوعه ولكنه ظل صامدا يقاتل ويحمي مؤخرة الجيش وتحمل الآلام بصلابة وثبات حتى اكتمل تمام الانسحاب .
    موقف نصارى عرب العراق المشرف
    ليحترم وجهة نظرنا التاريخية بعض إخواننا المعارضين فسنراجع هنا مواقف لم يكن لها من علاقة بدفوع دينية بل لها علاقة بروابط ودفوع وطنية وقومية لا يستطيع أحد نكرانها مهما كره ذلك لأنها مواقف دخلت التاريخ واستقرت هناك سواء فوجب الوقوف عليها وإنصاف ذكرها بعدل وحيادية مثلما قمنا بانتقاد بعض المواقف الشائنة التي أنكرها الإسلام لما قام بها البعض في قسم من مناطق البلاد من قبل بني جلدتنا كموضوع التحالف مع الفرس ضد قوات التحرير العربية الإسلامية.
    أما موقف غالب النصارى من عرب العراق سنمر عليه بالتدريج بحسب توالي الأحداث التي شكلت موقفا طيبا ومشرفا لهم كان قد ابتدأه بتلك الواقعة في قس الناطف رجل عربي من نصارى طي كان يمرّ بالحيرة وقتئذٍ وهو أبا زبيد الطائي واسمه حرصلة بن المنذر الطائي الذي عزّ عليه أن لا يشترك مع إخوانه العرب في مقارعة الفرس فهرع وانحاز إلى قومه وقاتل معهم قتالا مشرفا جنبا إلى جنب مع المثنى الذي ثمّن ذلك كثيرا فأثمر ذلك الموقف فيما بعد تعاونا مرضيا اسهم بدعم قضية تحرير العراق العربي راس وجمجمة العرب والمسلمين حتى اليوم.
    الأخبار تصل إلى المدينة
    بعد أن انتهت معركة الجسر بأحداثها الأليمة بعث المثنى برسالة إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيد عروة بن زيد الخيل ليشرح فيها الموقف وليخبره بأنه سوف ينسحب إلى السماوة وانه سيبقى بانتظار النجدات لاتمام مسعى التحرير.
    فلما وصل عروة إلى المدينة ودخلها اخذ يردد/-
    نعيت إلى أهل المدينة فتية***على مثلها تبكي النساء الكواعب
    نعيت إلى الأنصار فتيانها التي*** بها كانت الأحياء طُرا تحارب
    فدخل على الخليفة ليعطيه الرسالة وهو يقول( يا أمير المؤمنين انعي إليك أبا عبيد وأخاه وأولاده فلانا وفلانا وفلانا وانعي إليك, فسأله الخليفة فالمثنى فقال تركته جريحا فبكى عمر وضج الناس حوله بالبكاء فقال في ذلك البطل أبى محجن /-
    إلى فتية بالطف نيل سراتهم *** وغودر أفراس لهم ورواحــــل
    مررت على الأنصار وسط رحالهم***فقلت لهم هل منكم اليوم قافل
    الانسحاب إلى أُليّس
    لما أحصى المثنى خسائر جيشه ووجد انه فقد قرابة الأربعة آلاف شهيد بين قتيل وغريق إلى جانب فقدان ألفي مفقود عاد قسم منهم إلى قبائلهم في جزيرة العرب حتى انه لم يبقى معه من اصل عشرة آلاف مقاتل سوى أربعة آلاف مقاتل فقد كما انه كان بحاجة لبعض الوقت لاتمام تضميد الجرحى وصولا لمعافاتهم فاثر الابتعاد قليلا عن ساحة الاحتكاك المباشر مع الفرس ريثما تصل كامل دفعات النجدات العربية الإسلامية لاتمام تحرير العراق من الجزيرة العربية فقرر الانسحاب بالجيش وانحدر جنوبا إلى أُليّس السماوة اليوم لكن رستم القائد الأعلى للقوات الفارسية كان قد طلب إلى قائديه جابان ومردنشاه فقاما بمطاردة قوات المثنى بالفعل ولكن المثنى كان قائدا فذا خبيرا بفنون الحرب فقد ظل مستمرا بالانسحاب كي يجر القوات الفارسية إلى ابعد مسافة عن الحيرة ولم يلتفت إليهما حتى وصل مشارف السماوة وهناك التف عليهم وشن هجوما قويا قاده بنفسه على راس الخيالة العربية فانزل بهما هزيمة مذهلة مدوية فقد نزلت بهم خسائر فادحة حتى إن المثنى وقواته تمكنوا من اسر ذينك القائدين الفارسيين بنفسهم وهم جابان ومردنشاه فانكسر جيشيهما وقد لاذت باقي قواتهما بالفرار كونهم لم يتصوروا بان المثنى سيقدر على فعل كهذا مباشرة بعد واقعة الجسر وقد كان جابان هذا قد اسر كما تقدم في خفان حين أمر القائد أبا عبيد بإطلاق سراحه حين أمنه أحد المسلمين ولكن لما اسر أخيرا لم يكن له عذر ينجيه من القتل فأمر المثنى بإعدام القائدين الفارسيين اللذين قادا الهجوم فضربت اعناقهما وبعد ذلك النصر الجديد قويت معنويات البقية الباقية من الجيش العربي الإسلامي لتحرير العراق ثم كان لتأثير أصداء أخبار ذلك النصر وقعا كبيرا على معنويات العرب والمسلمين في عموم جزيرة العرب


    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة الحالمة ; 4/September/2015 الساعة 3:17 am

  7. #7
    من أهل الدار
    العراق عروبته اسلامه تحريره
    معركة البويب

    بعد النصر الكاسح الذي تحقق للقوات العربية الإسلامية بالعراق على القوات الفارسية التي كانت تطاردها وانقلب الموقف على الفرس حينما جرهم القائد الفذ المثنى بن حارثة الشيباني إلى مكيدة عسكرية عبر خطة محكمة خططها بنفسه عندما قاتلهم على راس الخيالة العربية فانزل بهم هزيمة مذهلة وقد حلّت بهم خسائرفادحة حتى إن المثنى وقواتهتمكنوامن أسرالقائدين الفارسيين بنفسيهما وهماجابان ومردنشاه فانكسرجيشيهما وقدلاذ الفرس بالفراركونهم لم يتصوروابان المثنى سيقدرعلى فعل كهذا بعدما جرى لقواته في واقعة الجسروقدأمرالمثنى بإعدام القائدين الفارسيين اللذين قاداالهجوم فضربت أعناقهما وبعدأن تحقق ذلك النصرالجديد قويت معنويات البقيةالباقية من الجيش العربيلتحريرالعراق ثمكان لتأثير أصداء أخبار ذلك النصر وقعا كبيرا على معنويات العرب والمسلمين في عموم جزيرةالعرب فاستغل المثنى الفرصة والموقف خير استغلال فباشر بإجراء اتصالاته مع القبائل العربية النصرانية وقد تقدم في البحث تفصيل عن دورهم المشرف الذي بدا يترك لمساته باديا في ذلك الموقف العصيب للعراق فاتصل المثنى بقبائل تغلب واياد والنمر ثم تحول إلى مناطق شمالي الفرات قرب مرج السباخ ليدعوا مزيدا من قبائل العرب النصرانية للانضمام إلى جيشه فاستثار نخوتهم العربية ودعاهم للانضمام إليه بعد أن بين لهم بان المعركة القادمة هي معركة العرب كلهم ضد الفرس محتلي البلاد وسرعان ما اجتمع تحت قيادة المثنى بذلك الإعداد والاستجابة الطيبة جيشا اكبر وافضل بعداده وتنظيمه الجيش الذي تضرر بمعركة الجسر وقد انضم إليه انس بن هلال النمري كبير قبيلة النمر العربية إضافة لعبد الله بن كليب التغلبي كبير قبيلة تغلب العربية والذي كان يدعى مردي الفهر إضافة إلى أبى زبيد الطائي كبير قبيلة طي العربية والذي كان قد شارك بمعركة الجسر مع المثنى وكلهم من نصارى عرب العراق وقد توفي أبى زبيد فيما بعد في خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه وقيل انه عمّر طويلا وانه لم يسلم .

    هذا ما كان من حال المثنى والقوات العربية بالعراق أما الخليفة عمر رضي الله عنه فقد ألحَّ على القبائل العربية أن تتحرك لنجدة المثنى وحثهم كثيرا بآيات الجهاد بعد أن وصلته رسالة المثنى مع عروة بن زيد الخيل ذلك القائد الذي أبلى خير بلاء في معركة الجسر غير إن الحال لم يكن مرضيا فان أفراد القبائل العربية لم يرغبوا بالاستجابة حيث انهم كانوا يفضلون المسير إلى الشام حتى إن جرير بن عبد الله البجلي كبير بجيلة رفض طلب الخليفة عندما قال له(اخرج حتى تلحق بالمثنى)فقال بل الشام فان أسلافنا بها فقال له الفاروق (بل العراق فان الشام في كفاية) فأراد الخليفة أن يغريهم بالمال بعد أن تأخر الأمر والوقت حرج فقال لجرير البجلي ( هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس) فقال جرير نعم ووافق على أن يأخذ ثلث الغنائم زيادة فوق نصيبه الاعتيادي منها ثم اقنع الخليفة باقي القبائل بنفس الطريقة فاقتنع الازد وكنانة وبني ضبة وبني حنظلة فقد أراد منهم أن يعدلوا عن الرغبة بالتوجه للشام فقال لهم ليدفعهم صوب تحرير العراق (ذلك أمر كفيتموه فاستقبلوا جهاد قوم حووا فنون العيش لعل الله أن يورثكم قسطكم من ذلك فتعيشوا مع من عاش من الناس) فوافق الجميع ولبوا دعوة الفاروق وخرجوا إلى العراق بنحو خمس تشكيلات من الذين تقدم ذكرهم .
    التحرك إلى البويب

    وصلت الأخبار إلى المثنى بان القوات العربية الإسلامية قد توجهت إلى العراق غير انه لم يعد يملك الوقت فقد أحس بزحف الفرس نحو البويب وهو نهر يخرج من الفرات ليصب في منخفض صحراوي غربي النخيلة أو ديرهند وهي الكوفة فيما بعد والتي بنيت في عين مكان الميدان الذي جرت به تلك المعركة وكان الجيش الفارسي قد تحرك تحت قيادة القائد الفارسي مهران فقام المثنى من فوره ببعث رسالة مستعجلة إلى جرير البجلي ليخبره بأنه سيتحرك وليستعجله بالحركة إليه وكان فحوى الرسالة(إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا فعجلوا اللحاق بنا وموعدكم البويب) .
    استعدادات المعركة

    القوات الفارسية

    تذكر غالب كتب التاريخ عن المؤرخين بان الفرس قد جهزوا لتلك المعركة جيشا كبيرا قوامه نحو مائة ألف مقاتل وتحت قيادة القائد مهران كما تقدم وقد أوكل إلى ذلك الجيش مهمة القضاء على القوات العربية في البويب فتقدم مهران بجيشه من المدائن حتى منطقة على ضفة الفرات يقال لها بسوس وموقعها قبالة البويب الكوفة الحالية وقد تحشد بقواته هناك وقسم جيشه إلى ثلاثة تشكيلات يتقدم كل منها أعداد من الفيلة كما جرت العادة عند الجيش الفارسي.

    القوات العربية

    وقد تحشد المثنى في موضع دير هند على نهر البويب أي في منطقة الكوفة الحالية وكانت قواته نحو اثنا عشر ألف مقاتل فقط وقد رتب قواته للسيطرة على الموقف بموجب ما درجوا عليه من حركة خاطفة وكانت معنوياتهم مرتفعة بموجب ما حصلوا عليه من نصر الملاحقة السابق وقد قال المثنى(أكدّ مهران وهلك ونزل منزلا هو البسوس) ووزع قادته وقواته

    فكان هو قائدا للقلب وبشير بن الخصاصية قائدا للميمنة وبسر بن أبي رهم قائدا للميسرة واخويه كل من المعنى قائدا للخيالة ومسعود قائدا للمشاة والنسير بن ديسم بن ثور قائدا للمقدمة ومذعور العجلي قائدا للدرء أي قوات الاحتياط.

    خطة المثنى للمعركة

    بعد أن وضع المثنى خطة الحرب واعدها لتلك المعركة واختار لها ساعة الصفر التي تبدأ بالتكبيرة الرابعة وبعد ثلاث تكبيرات يقوم بها فقد قال لجنده ( أني مكبر ثلاثا فتهيئوا ثم احملوا الرابعة) وقد ركب على فرسه الشموس ودار بين قواته يحرضهم على القتال ويذكرهم بأيام العرب وبما اعد الله للشهداء من فسيح جناته فقال لهم( أني لأرجوا ألاّ تؤتى العرب اليوم قبلكم والله ما يسرني اليوم لنفسي شيء إلا وهو يسرني لعامتكم) فقوبل بالهتاف والحماس فأمر رجاله بالإفطار وبعد أن وزع قواته اصبح على أتم الاستعداد للمعركة مع الفرس وكان القائد الفارسي مهران قد بعث برسالة إلى المثنى ,مثلما بعث من قبل بهمن جاذويه ذو الحاجب إلى القائد أبى عبيد رحمه الله في معركة الجسر, وقد تضمنت أما أن تعبروا إلينا وأما أن نعبر إليكم فأجاب المثنى بل اعبروا إلينا فعبر الفرس بثلاثة أرتال تتقدمها الفيلة كما أشرنا من قبل وقد عبر الجيش الفارسي على أنغام قرع الطبول بضوضاء صاخبة كان القصد منها التأثير على معنويات العرب فقال المثنى لقواته (إن الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت وأتمروا همسا) ثم توقف الجيش الفارسي عند دير الأعور.



    واقعة البوَيب

    المعركة



    لقد حدثت تلك المعركة التاريخية في رمضان من العام الرابع عشر للهجرة والموافق لتشرين الثاني سنة 635م عندما وضع القائد العربي المثنى بن حارثة الشيباني خطته للمعركة التي تبدأ عند التكبيرة الرابعة كان قد أشار على قواته بالإفطار كي يتمكنوا من القتال على احسن وجه ويكونوا كفأً لقتال خصومهم الفرس فقال( أيها الناس إنكم صوّام والصوم مَرَقّة ومَضعَفة وإني أرى من الرأي أن تفطروا فتقووا بالطعام على عدوكم) فقام الجند بالإفطار وتهيئوا للقتال وقرعت طبول الحرب ولما اكمل المثنى تكبيرته الرابعة أدرك الفرس بان هجوم العرب وشيك فهجموا أيضا وتلاقى الجمعان وجرت معركة دامية تحمل كل معاني الثبات والتضحية لأنها كانت هامة وحرجة بتلك الصفحة من صفحات تحرير العراق لان العرب كانوا يريدون الثأر بعد معركة الجسر بينما الفرس يريدون الحفاظ على عرى نصرهم بتلك الواقعة وكانت كتيبة بني عجل في المقدمة وقد اثر التركيز عليها بالهجوم المدجج بالفيلة فأجبرت على التراجع ولما شاهد المثنى ذلك التراجع لم يرتضي ذلك من بني عجل وأرسل إليهم يأمرهم بالثبات قائلا( إن الأمير يقرئكم السلام ويقول لكم لا تفضحوا المسلمين اليوم) فلبى بنو عجل الأبطال الغيارى أمر قائدهم وثبتوا وقاتلوا مع إخوانهم ببسالة كبرى وكان المثنى يقاتل كالأسد ويدور على جنده يوجه بالقتال ثم فكر بوجوب القضاء على قائد الفرس فدعا إليه انس بن هلال النمري النصراني وكان النصارى من عرب العراق قد شاركوا بالقتال كما تقدم فقال له ( يا انس انك امرؤ عربي وان لم تكن على ديننا فإذا رأيتني حملت على مهران فاحمل معي) فوافق انس على الأمر ومعه رجل آخر وقال هذا لمردي الفهر النصراني فهجم المثنى ومعه الاثنان وتقدم صوب الميمنة حيث كان مهران فاندفع بفرسه الشموس إليه ورمحه بين إذنيها واخترق الصفوف وتوغل في ميمنة الفرس بشجاعة بالغة حتى وصل إلى مهران وتمكن من قتله بحسب رواية ابن حزم ,فلما شاهد الفرس مقتل قائدهم انهارت معنوياتهم وتخلخلت صفوفهم وتراجعوا إلى الجسر بغية الهرب فهتف المثنى في جنوده يستحثهم للتقدم ( عاداتكم من أمثالكم انصروا الله ينصركم) وأمر الاحتياط بالاشتراك في الهجوم الشامل النهائي لحسم تلك المعركة الهامة الفاصلة .
    وقد أصيب قائد الراجلة مسعود شقيق المثنى إصابة بالغة لكنه كان شجاعا مقداما كان يأمر جنده من قبل أن يصاب بان لا يلتفتوا إن أصيب هو أو أحد من أشقائه أو أي من القادة بل يركزوا على الثبات ولما أصيب تلك الإصابة القاتلة قاللجنده ( يا معشر بكر بن وائل ارفعوا راياتكم يرفعكم الله لا يهولنّكم مصرعي) وهنا يجب التوقف عند عبارة ذلك البطل الشجاع التي تعكس مدى إيثاره للجهاد وحب الآخرة على حب الدنيا من خلال تجاوزه لحاله وجرحه وحرصه وهو بهذه الحال على صالح المعركة والجيش حتى وهو يفارق الحياة حيث يشعر السامع وكأنه يتحدث عن مصاب شخص آخر وليس عن نفسه ذاتها انه حقا يستحق التقدير والمجد ولم يتغير الموقف مطلقا مع البطل الأكبر القائد العام المثنى الذي لما علم باستشهاد شقيقه تجاوز على عجل مشاعر حزنه على فقد شقيقه وصاح في الجيش بأعلى صوته (يا معشر المسلمين لا يرعكم مصرع أخي فان مصارع خياركم هكذا) ليثبت بإيثار آخر ما غرسه وأرساه شقيقه في أعماق معنويات جنده ثم انصرف المثنى ليقطع خطة انسحاب الفرس حين لاحظ انهم يرومون الهرب من الجسر فسارع للسيطرة على منطقة راس الجسر فحوصر بذلك الجيش الفارسي بين سندان القوات العربية المهاجمة ومطرقة قوات المثنى المتواجدة على مقدمة الجسر فأبيد غالب الجيش الفارسي الذي استبسل لما اضطر للقتال بتلك المحاصرة حتى قد كثرت التضحيات بين الطرفين وقدرت أعداد قتلى الفرس لوحدهم بما يزيد على المائة ألف مقاتل ومهما حاولنا إغفال عنصر المبالغة إلا إن الأعداد ستبقى كبيرة كذلك بالنسبة للجيش العربي الإسلامي وذلك بادٍ في أخبار التاريخ من خلال ندم المثنى وأسفه على تقديم التضحيات فيما بعد حول إقدامه على محاصرة الفرس وإرغامهم على القتال بتلك الكيفية عندما قطع عليهم طريق الانسحاب والتراجع إلى الخلف بعد تقهقرهم ومقتل قائدهم فقد قال المثنى عن ذلك الأمر(لقد عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم فاني غير عائد فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيها الناس فإنها كانت زلّة مني لا ينبغي إحراج أحد إلا من لا يقوى على امتناع) وقد رثى المثنى القتلى ومنهم انس بن هلال النصراني وشقيقه مسعود ابن حارثة الشيباني وخالد بن هلال النصراني فقال(والله ليهون علي وجدي أن شهدوا البويب اقدموا وصبروا ولم يجزعوا ولم ينكلوا وفي الشهادة كفارة)كما قد وصف جنود الفرس فقال ( قاتلت العرب والعجم في الجاهلية والإسلام والله لمائة من العجم في الجاهلية كانوا اشد على ألف من العرب ولمائة من العرب اليوم اشد على ألف من العجم إن الله أذهب بأسهم وأوهن كيدهم فلا يروعنكم زهاء ترونه ولا سواد ولا قسي فج ولا نبال طوال فانهم إذا اعجلوا عنها أو فقدوها كالبهائم أينما وجهتموها اتجهت) وقد كان ممن أبلى في تلك المعركة بلاء حسنا أبطالا هم قرط ابن جماح العبدي الذي قاتل بسيفه حتى انثنى وشرحبيل بن السمط وسنبين أدناه ما قد قاله في ذلك الانتصار في واقعة النخيلة أو البويب فيما قال الفارس والشاعر العربي الطائي الشهير عروة بن زيد الخيل الذي كما هو معلوم انه قد عمر طويلا حتى شهد صفين مع الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه
    هاجت لعروة دار الحي أحزانا *** واستبدلت بعد عبد القيس همدانا
    وقد أرانا بها والشمل مجتمـع *** إذ بالنخيلة قتلى جند مهرانــا
    أيام سـار المثنى بالجنود لهـم *** فقتل القوم من رجُلٌ وركبانــا
    سما لأجناد مهران وشيعتــه ***حتى أبادهم مثنى ووحدانــا
    ما إن رأينا أميرا بالعراق مضى *** مثل المثنى الذي من آل شيبانـا
    إن المثنى الأمير القرم لا كذب *** في الحرب أشجع من ليث بخفانا
    ثمار النصر في معركة البويب

    استنزاف قوى واقتصاد الاحتلال الفارسي

    بعد النصر الكبير الذي تحقق للعرب والمسلمين في العراق بمعركة البويب على يد القائد العربي المثنى بن حارثة الشيباني كان لزاما عليه أن يستفيد من عرى ذلك النصر وان يجمع القبائل العربية بالعراق من حوله على عجل قبل أن تتجمع قوات الفرس الانتقامية بجيش كبير لجب من جديد لخوض معركة قد تكون فاصلة وبالفعل فقد أرسل المثنى إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليذكر بحتمية الاستعداد والإعداد لتلك المعركة المرتقبة خلال العام القادم تقريبا لان الفرس أدركوا خطورة الخطر المحدق بإمبراطوريتهم المتهاوية وريثما يتم ذلك الإعداد وبانتظار باقي النجدات المرسلة تحرك المثنى من فوره للانتشار بسواد العراق لفرض السيطرة التامة على الأجزاء المحررة من البلاد والمحافظة على روح النصر عند القبائل في تلك المناطق ومباشرة الإعداد والتهيئة لساحة التحرير من داخل العراق أيضا استعدادا للمعركة الكبرى الفاصلة من خلال حث القبائل على التطويع والحشد مع القيام بغارات خاطفة على القوى الفارسية لتتوزع وتضعف عندما تضطر للانتشار في المواقع المتبقية عند بعض المدن العراقية والتي كان منها/-
    1/ ميسان
    مدينة ميسان أو العمارة وهي مدينة عراقية عريقة يبلغ قدمها منذ العهد السومري وقد تكون سميت باسم الملك السومري ميساني داد وقد جدد بنائها الاسكندر المقدوني عندما دخل البلاد قبل أن ينقل عاصمته إلى بابل وقد كانت عامرة بالقرى الآهلة بالسكان والبساتين الجيدة والحدائق والحقول الخضراء وكان المثنى قد أرسل القائد جرير البجلي على راس قوة كبيرة إلى ميسان ليحررها من الفرس وقد تمكن من ذلك فحررها وعادت إلى خانة العراق العربي الإسلامي (وهي التي عين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه واليا عليها فيما بعد هو النعمان بن عدي العدوي وهو صهره زوج أخته التي رفضت مغادرة المدينة وقد عزله الخليفة عندما نظم شعرا قال فيه
    من مبّلغ الحسناء إن حليلها***بميسان يسقى في زجاج وحنتمِ
    إذا شئت غنتني دهاقين قرية***وصناجة تجثو على كل ميسمِ
    لعل أمير المؤمنين يسـوؤه ***تنادمنا بالجوسق المتهـــدمِ
    فعلم الخليفة بالأمر فكتب إليه(أي والله انه ليسوء ني ذلك وانك معزول))
    2/ دستميسان
    وهي التي تقع إلى الجنوب من ميسان وتجاورها ومن مدنها الخريبة أي البصرة القديمة والابلة البصرة الحالية وقد أرسل إليها القائد هلال بن علفة على راس قوات من جيشه وهي محررة بالأصل.
    3/وادي الفرات
    ركز المثنى على ذلك الوادي من خلال القيام بعدة غارات تجاه بابل وما بين النهرين وكانت تلك الغارات بقيادة عصمة بن عبد الله الضبي وعرفجة بن هرثمة البارقي والكلح الضبي.
    4/الانبار
    كان هنالك بالانبار وعلى مقربة من الفلوجة التي تم تحريرها مدينة أخرى تسمى العال فتحرك المثنى على راس قواته بحركة خاطفة من الحيرة إلى الانبار وداهم الحامية الفارسية التي كانت تسيطر على تلك المدينة فقضى عليها قضاءً مبرما وغنم غنائم كثيرة بعد معركة حامية الوطيس يصفها لنا أحد فرسان العرب الشجعان لأهميتها فيقول/-
    وللمثنى بالعالِ معركــة***شاهدها من قبيله بشــرُ
    كتيبة أفزعت بوقعتهــا***كسرى وكاد الإيوان ينفطرُ
    وشجع المسلمون إذ حذروا***وفي صروف التجارب العبرُ
    سهل نهج السبيل فاقتفروا *** آثاره والأمور تقتفـــرُ
    5/بادوريا وقطربل ومسكن
    وهي قرى قريبة من بغداد الحالية اندفع إليهن المثنى عندما تحرك ما بين الشمال والجنوب بين الرافدين فدخلهن وغنم غنائم كثيرة منها الغذاء والدواب وغيرها لتساعده على تأمين حاجات جيشه.
    صفين
    وهي اليوم في سوريا في محافظة دير الزور وكانت تابعة للعراق آنذاك وفي مكانها القديم يقام الآن سد الفرات الحالي وقد أرسل المثنى إليها يومئذ قوات بقيادة فرات بن حيان وعتبة بن النهاس لإخضاعها فعبر أهلها إلى الضفة الأخرى من الفرات واستمكنوا بالجزيرة ولما علم المثنى بذلك رأى أن ينجد قواته هناك فتقدم مسرعا واجتاز الصحراء في منطقة الانبار فوصل من اقصر الطرق إلى صفين تلك في دير الزور الحالية بعد أن سيطر على بعض قوافل حوران واخذ بعض الأسرى منهم كإدلاء ليهدونه إلى المنطقة ونجح بذلك.
    الهجوم على أسواق العراق
    أراد المثنى توجيه ضربة قوية قاصمة لاقتصاد الفرس من خلال مهاجمة أسواق العراق التي كان يديرها الفرس ولإثارة الخوف والفوضى بين الأوساط العامة للضغط على الفرس وإرباكهم بإظهار عجزهم وضعفهم وأيضا ما تقدم بان المثنى يحتاج المؤن والتعبئة والموارد والمال لتامين احتياجات جيشه الكبير الرامي إلى تحرير العراق فهاجم بعض الأسواق وهي/-
    1/سوق الخنافس
    والخنافس هي قرية مهمة قريبة من الحيرة وعبر الفرات وهي بين بين وعلى مقربة أيضا من أليس السماوة ويحتمل أن يكون موقعها آنذاك في مدينة الديوانية في محافظة القادسية الحالية وبدا إنها كانت تحوي سوقا عامرا كبيرا فقد ترك الجيش في الحيرة تحت قيادة بشير بن الخصاصية وقاد المثنى بنفسه غارة مباغتة خاطفة على تلك السوق وقد نجح بغارته إذ غنم غنائم كثيرة عندما استولى على ما في ذلك السوق كله وقد تغنى بذلك المثنى بنفسه فقال فيها/-
    صبحنا بالخنافس جمع كسرى***وحيا من قضاعة غير ميلِ
    بفتيان الوغى من كل حـيٍ ***تباري في الحوادث كل جيلِ
    نسفنا سوقهم والخيـل رودٌ***من التطواف والشر البخيلِ

    سوق بغداد أو القرية
    كانت تقام في كل عام وفي موقع بغداد الحالية وتحديدا في موقع منطقة الكرخ وكانت تسمى منطقة القرية سوق كبرى يجتمع فيها التجار سنويا من مختلف أرجاء البلاد فتجتمع فيها بذلك الموسم أموالا طائلة فخطط المثنى للاستيلاء على تلك السوق فتقدم من الحيرة إلى الانبار وكان مزربان الانبار أي حاكمها الفارسي يسمى شفروخ فطلب منه المثنى أن ينصب جسرا لتعبر عليه قواته وانه يريد ادلاء للذهاب إلى المدائن كخدعة فامتثل وتقدم المثنى نحو المدائن وموقع بغداد هو على الطريق بين الانبار والمدائن فتهيأ المثنى للغارة وأراح قواته جوار آثار عقرقوف أو قد تكن أبي غريب الحالية إذ أن البلاذري أطلق عليها اسم المنظرة وقد قال الشاعر في ذلك/-
    وآل منا الفارسي الحذرة***حين لقيناه دوين المنظرة
    وبعد الاستراحة وعند هزيع الليل نهض مبكرا وأمر قواته بالحركة السريعة باتجاه بغداد فوصلوها قبيل طلوع الشمس فسيطر على الأموال كلها وحملها ليدعم جيشه وقفل عائدا بها إلى الحيرة.
    وكان الفرس قد حاولوا اللحاق بهم ولاحظ إن هنالك من يحاول التأثير على معنويات الجند فقال المثنى لجنده( أيها الناس احمدوا الله وتناجوا بالبر والتقوى ولا تناجوا بالإثم والعدوان انظروا في الأمور وقدروها ثم تكلموا انه لم يبلغ النذير مدينتهم بعد ولو بلغهم لحال الرعب بينهم وبين طلبكم إن للغارات روعات تنتشر عليها يوما إلى الليل ولو طلبكم المحامون من رأى العين ما ادركوكم وانتم على الجياد العراب وهم على المقاريف البطاء حتى تنتهوا إلى عسكركم وجماعتكم ولو ادركوكم لقاتلتهم لاثنتين التماس الأجر ورجاء النصر فثقوا بالله واحسنوا الظن فقد نصركم الله عليهم في مواطن كثيرة وهم اكثر منكم واعز) وقد نجح المثنى وقواته بالعودة بسلام لكن غاراتهم تلك نالت كثيرا من اقتصاد وقيمة وهيبة الاحتلال الفارسي بالعراق.
    تكريت
    تقدم المثنى بجيش كبير إلى مدينة تكريت ومعه النسير بن ديسم في موقع القلب وفي المقدمة حذيفة بن محصن وعلى الجانبين مطر الشيباني والنعمان بن عوف وكانت عليها حامية فارسية وسكان المدينة وتجمع لبعض العملاء من أفراد القبائل الخاضعة لفارس فقام بالهجوم الصاعق عليها وسيطر عليها بعد دحر المدافعين عنها وغنم منها غنائم كثيرة ورجع إلى الحيرة بعد انتصار ساحق.
    وكانت غارة المثنى بن حارثة الشيباني على تكريت هي آخر وقائعه القتالية فقد عانى من تداعيات ذلك الجرح الذي أصابه في واقعة الجسر وآذاه كثيرا ولم يشفى منه فقد أقعده المرض وبقي حتى نهاية عام 636م حيث توفي رحمه الله قبيل معركة القادسية والتي حدثت في 637م لكنه كان له فضل انتخاب ميدان المعركة عندما أشار على سعد بن أبي وقاص بان يقاتل الفرس في ذلك الموضع الملائم لمعركة كبرى حاسمة كتلك .
    العراق عروبته إسلامه تحريره
    استحضارات معركة القادسية
    بعد الانتصار الكبير الذي تحقق للقوات العربية الإسلامية بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني في معركة البويب الذي أحيا الأمل بالتحرير وقاد إلى ما تلاها من نجاح غارات جريئة خاطفة طالت أواسط العراق من جنوبه وحتى تكريت في شمال وسطه فأتاحت لهم السيطرة على الموقف وكسب القلوب واستمالتها لتأييد ونصرة مسعى التحرير من الهيمنة الفارسية الذي أضحى مرتقبا بين العيون سيما بعد تزامن أخبار انتصارات الجيوش العربية الإسلامية الأخرى في الجوار على الروم أولئك المحتلين الآخرين لسوريا الذين تقهقروا في اليرموك بيوم 23 آب636 م وانتصر المسلمون عليهم بقيادة خالد بن الوليد فأراد الفرس أن يشنوا معركة فاصلة ضد القوات العربية الإسلامية المتواجدة بالعراق قبل أن يتسنى لهم التجمع من جديد عند عودة جحافل بقية الجيوش لاستكمال مسعى التحرير الذي ابتدءوه قبل التحول إلى الشام بأمر من الخليفة أبى بكر رضي الله عنه ويتم تأجيله لذا باشر القائد الفارسي المحنك رستم بن الفرخزاد استكمال استحضاراته لتلك المعركة الكبيرة بحشد جيش ضخم كبير تحرك به من المدائن إلى موقع القادسية خلال أربعة اشهر وأدرك المثنى إن الموقف خطيرا وحاسما وكان قد بعث بعدة رسائل يطلب بها المدد من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد بين له خطورة الموقف وانهم مقبلون على معركة فاصلة بلا شك وان قواته المتواجدة بالعراق غير متكافئة من الناحية العددية على الإطلاق مع الحشد الأخير الذي يتربص بهم في القادسية وانه قرر التخلي عن المناطق المحررة والتوجه إلى ذي قار لخطورة الموقف وهنا كان الخليفة عمر بن الخطاب قد أعلن الاستنفار وكاتب عماله في عموم الأرجاء الإسلامية بان(لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه ثم وجهتموه ألي ّوالعجل العجل) وكان قد قرر قيادة ذلك الجيش بنفسه لتحطيم الإمبراطورية الفارسية في المعركة القادمة المفترضة وقال وقد عزم على الخروج(والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب) لكن الصحابة والمستشارون أشاروا عليه أن يبقى لإدارة أمور الدولة وان يعين قائدا على الجيش وقد انتخبوا لذلك الأمر القائد البطل سعد بن مالك المعروف بسعد بن أبي وقاص فامتثل سعد للأمر وتوجه من المدينة بأربعة آلاف مقاتل وتحشد بالثعلبية غربي نجد وجوار العراق وهي آبار ماء وبقي بها نحو ثلاثة اشهر لاستكمال تنظيم جيشه وانضم إليه عمرو بن معد بن يكرب الزبيدي بقواته من اليمن وطليحة الاسدي بقواته والأشعث بن قيس بقواته من حضرموت كما انضمت إليه قوات أخرى من الشام قدرت بثماني آلاف مقاتل بإمرة هشام بن عتبة وقد انضمت إليهم أيضا القبائل العربية من الجوار العربي للعراق والتي قدر عددها بنحو خمسة آلاف مقاتل وهنا اصبح قوام جيش سعد نحو ستة وثلاثين ألف مقاتل.
    فاندفع سعد بجيشه الذي تكامل إلى الأمام إلى شدهل بمنطقة آبار النخيب أو البصية غربي كربلاء الحالية جوار نقرة السلمان المعروفة.

    تحضيرات معركة القادسية

    لقد كانت هي المعركة الفاصلة الكبرى التي ببشائر نصرها تم الإعلان عن تحرير العراق نهائيا عندما هزم بها الجيش الفارسي فيها رغم كثرته وعدته وعديده بذلك التفاوت التعبوي بين جيشهم والجيش العربي الإسلامي .

    تعليمات ووصايا الخليفة إلى القائد سعد بن أبي وقاص

    لقد كانت وصايا الخليفة عمر بن الخطاب إلى القائد سعد بن أبي وقاص متواصلة منذ انطلاقة الجيش العربي الإسلامي واستمرت بحسب الموقف وفق مراسلات متواصلة كان أولها أن /_

    (يا سعد, سعد بني وهب لا يغرنّك من الله أن قيل خال رسول الله وصاحبه فأن الله عز وجل لا يمحو السيء بالسيء ولكنه يمحو السيء بالحسِن وليس بين الله وبين أحد نسب إلا بطاعته فالناس شريفهم ووضيعهم في دين الله سواء يتفاضلون بالعاقبة ويدركون ما عند الله بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت النبي يلزم فالزمه وعليك بالصبر)

    ثم أوصاه أيضا قبيل الحركة أن/_

    ( اني وليّتُكَ حرب العراق فاحفظ وصيتي فانك تقدم على أمر شديد كريه ,وكانت العرب تسمي الحرب كريهة أحيانا,لا يخلص منه إلا الحق فعّود نفسك ومن معك الخير واستفتح به واعلم إن لكل عادة عتادا فعتاد الخير الصبر فالصبر الصبر على ما أصابك أو نابك تجتمع لك خشية الله واعلم إن خشية الله تجتمع في أمرين في طاعته واجتناب معصيته وانما إطاعة من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة وعصيان من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة وللقلوب حقائق ينشئها الله منها السر ومنها العلانية فأما العلانية فان تكون حامدة ذامّة في الحق سواء أما السرّ فيعرف بظهور الحكمة من قلبه ولسانه وبمحبة الناس فلا تزهد في التحبب فان البنين قد سألوا محبتهم وان الله إذا احبَّ عبدا حببه إلى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلك من الناس واعلم إن مالك عند الله مثل ما للناس عندك).

    وقد أوصاه عند الحركة أيضا

    (لا يهولنّك كثرة عُددهم وعَددهم فانهم قوم خدعة مكرة وان انتم صبرتم وأحسنتم ونويتم الأمانة رجوت أن تنصروا عليهم ثم لم يجتمع شملهم ابد إلا أن يجتمعوا وليست معهم قلوبهم وان كانت الأخرى فارجعوا إلى ما وراءكم حتى يأتي بالفتح عليهم ويرد لكم الكرّة).,وهنا يوضح إليهم الخليفة بوجوب القتال جوار الصحراء وعلى حافتها لأهميتها عند الحاجة للانسحاب في حال الاحتياج إليه ولان عدوهم لا يستطيع لحاقهم فيها مطاردا لأن الفرس يتجنبون الإيغال في مواطن العرب ثم أرسل إليه موصيا بعد الحركة أن/_

    (اكتب إليّ بجميع أحوالكم وتفاصيلها وكيف تنزلون وأين يكون منكم عدوكم واجعلني بكتبك اليّ كأني انظر إليكم واجعلني من أمركم على الجليّة).

    ثم أرسل إليه بعد ذلك مجددا أن/_

    (إذا بلغت القادسية فتكون مسالحك على انقابها ويكون الناس بين الحجر والمدر, والحجر هي الصحراء بلغة العرب أما المدر فهي المدن والقرى,وإذا كان يوم كذا فارتحل بالناس حتى تنزل فيما بين عذيب الهجانات وعذيب القواديس وشرّق بالناس وغرّب بهم وان منحك الله أدبارهم فلا تنزع حتى تقتحم عليهم المدائن فانه خرابها إن شاء الله وانه قد القي في روعي إنكم ستهزمونهم فلا تشكّن في ذلك).

    ثم أوصاه أخيرا أن/_

    (إذا جاءك كتابي هذا فعشّر الناس وعرّف عليهم وأمّر عليهم وقدّرهم وهم شهود ثم وجههم إلى أصحابهم وواعدهم بالقادسية واضمم إليك المغيرة بن شعبة في خيله واكتب اليّ بالذي يستفز عليه أمرهم).

    أي اجعل الجيش على هيئة مجاميع بنحو عشرة جنود واجعل عليهم عرفاء وامراء على التشكيلات بالتتابع واجعل الميعاد عند موقع القادسية وفي الرسالتين الأخيرتين ما يدلل على دراية الخليفة ومجلسه الاستشاري كنظم حركات مثلى تصلح شان القطعات المتقدمة للقتال خاصة بتسلحها بالصبر والثبات الذي أكد عليه الخليفة.

    ولما وصل سعد بالجيش إلى منطقة العذيب في المرحلة الثانية من المسير وهو الجزء الجنوبي من ميدان القادسية ويبعد عنه نحو أربعة أميال ثم تقدم سعد بالمرحلة الثالثة والأخيرة إلى ميدان القادسية وجعل قصر قديس مقرا له ومن سطحه أدار المعركة كما سيتقدم وفي العذيب كانت قد وصلته رسالة الخليفة الأخيرة وبها وصايا هامة هي أن/_

    (أما بعد فاني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فان تقوى الله افضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحروب وآمرك ومن معك أن تكونوا اشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فان ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم وانما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لان عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فان استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا أن لم نغلبهم بقوتنا واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وانتم في سبيل الله ولا تقولوا أن عدونا شرّ منّا فلن يسلط علينا وان أسأنا فرب قوم قد سلّط عليهم شرّ منهم كما سلّط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفاّر المجوس(فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا) وأسالوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم أسال الله ذلك لنا ولكم وترفّق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيرا يتعبهم ولا تقصر بهم ترفق بهم حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقض قوتهم فانهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس الكراع ,أي الخيل, وأقم بمن معك في كل جمعة يوما وليلة تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونِح,أي ابعد,منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه ولا يرزأ أحدا من أهلها شيئا فان لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها فما صبروا لكم فتولوهم خيرا ولا تنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح وإذا وطئت ارض العدو فاذك العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه فان الكذوب لا ينفعك خيره وان صدقك في بعضه والغاش عين عليك وليس عينا لك وليكن منك عند دنوك من ارض العدو أن تكثر الطلائع وتثبت السرايا بينك وبينهم فتقطع السرايا إمدادهم ومرافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم وانتقِ للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك وتخير لهم سوابق الخيل فان لقوا عدوا كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك واجعل أمر السرايا أهل الجهاد والصبر على الجلاد لا تخص بهذا أحدا بهوى فتضيع من رأيك وأمرك اكثر مما حبيت به خاصتك ولا تبعثنّ طليعة ولا سرية في وجه تتخوف عليها فيه غلبة أو ضيعة أو نكاية فإذا عانيت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك واجمع إليك مكيدتك وقوتك ثم لا تعاجلهم المنازلة ما لم يستكرهك قتال حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله وتعرف الأرض كلها معرفة أهلها بها فتصنع بعدوك كصنعه بك ثم اذك أحراسك على عسكرك وتيقظ من البيّات,أي المفاجآت, جهدك ولا تؤتى بأسير ليس له عقد إلا ضربت عنقه لترهب عدو الله وعدوك والله ولي أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم والله المستعان)

    وهنا يقف القارئ المنصف إجلالا إزاء كل ما صدر من الفاروق رضي الله عنه من فرط إيمانه وتقواه وورعه وزهده وثقته بنصرة الله في حال توافر مخافته وطاعته ولزوم أوامره ولا ننسى عدله وهو يوصي بالناس خيرا من جنده وأهل الصلح والذمم من غير المعنيين بالحرب ولا يرضى بالاعتداء عليهم واستلاب حقوقهم ووجوب احترامهم وعدم المساس بهم وغير ذلك كثير مما يوحي بأخلاق وسياسة حرب مثلى توجب تقديرها والوقوف عندها والتفكر بها مليا
    القادسيــــــة
    استعدادات المعركة
    لم تعرف العرب جيشا لجبا مثل ذلك الجيش الذي اجتمع لمعركة القادسية والذي بلغ قوامه نحو ستة وثلاثون ألف مقاتل ولما قسم القائد سعد بن أبي وقاص جيشه إلى عرافات وسرايا وكتائب كما تقدم بالبحث ثم وزع قادته على تلك التشكيلات العسكرية بحسب ترتيبها وابدر إلى احتلال الموضع في القادسية بين خندق سابور في الغرب وجدول العتيق أو الخضوض في الشرق وقد اسند جناح الجيش الأيمن جوار مستنقع يقع إلى الجنوب الشرقي من القادسية ساندا ظهر جيشه إلى الصحراء عملا بوصية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أما في العذيب على بعد قرابة أربعة أميال جنوبا فقد اتخذ من العذيب مقرا إداريا لجيشه وبه وضع النساء والأطفال والأحمال والحيوانات الاحتياطية والجرحى بمركز إخلاء وقد أوكل عليهم قوة حماية إلى جانب من يعنون بكافة الأمور الإدارية وهم بإمرة غالب بن عبد الله الليثي.

    أمراء وقادة الجيش

    القائد العام/سعد بن أبي وقاص

    النائب/ خالد بن عرفطة

    أمير المقدمة/زهرة بن عبد الله بن الحوية

    أمير الميمنة/عبد الله بن المعتم

    أمير الميسرة/شرحبيل بن السمط الكندي

    أمير المشاة/حماد بن مالك الأسدي

    أمير الخيالة/عبد الله بن ذي السهمين

    أمير المجردة/سلمان بن ربيعة الباهلي

    أمير الطلائع/سواد بن مالك التميمي

    أمير الساقة/عاصم بن عمرو التميمي

    وكان كاتب القائد هو زياد بن أبي سفيان وسمي بالكاتب الأول للجيش واستحدث منصب الرائد والداعية لتقصي الأخبار وما إليه وقد أوكله إلى سلمان الفارسي كما أسند للقضاء وتوزيع الفيء على الجند عبد الرحمن بن ربيعة وتم تحديد ساعة الصفر لبدء المعركة بأنها التكبيرة الرابعة من فجر يوم الخميس من شهر صفر للعام السادس عشر للهجرة والموافق نيسان من سنة 637م.

    استنهاض حماس الجيش العربي

    لقد باشر القائد سعد بن أبي وقاص قبيل المعركة بيوم بحملة توعية ورفع معنويات لجنده عندما شاهدوا كثرة الفرس وجيشهم العرمرم البالغ نحو مائة وعشرون الف مقاتل وخطب سعد في جيشه قائلا /-

    ( إن الله هو الحق لا شريك له في الملك وليس لقوله خلف قال جلّ ثناؤه ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون)) ان هذا ميراثكم وموعود ربكم وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج فانتم تطعمون منها وتأكلون منها وقد جاءكم هذا الجمع وانتم وجوه العرب وخيار كل قبيلة وعزّ من وراءكم فان تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة ولا يقرب ذلك أحدا إلا اجله وان تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا آخرتكم)

    فتأثر عاصم بن عمرو التميمي من خطبة سعد فنهض ووقف في الجيش خطيبا بخطبة حماسية أخرى ثم طاف على الجيش وهو يقول/-

    (يا معشر العرب إنكم أعيان العرب وقد صمدتم لأعيان العجم وإنما تخاطرون بالجنة ويخاطرون بالدنيا فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم لا تحدثوا اليوم أمرا تكونن به شينا على العرب غدا)

    وقد خرج كثيرا من خطباء العرب وشعرائهم لاستنهاض الهمم وإثارة الحماس عند الجند ومنهم طليحة الاسدي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والمغيرة بن شعبة والحطيئة وعبدة بن الطبيب السعدي وشماخ وغيرهم فألهبوا بذلك من حماس الجيش العربي الإسلامي وارتفعت معنوياته إلى أقصى مدى ممكن.

    استنهاض حماس الجيش الفارسي

    وعلى الجانب الآخر وفي صفوف الجيش الفارسي طاف القائد الفارسي رستم على جنده مرتديا تجهيزات القتال بعد ان استعرض الجيش وألقى بعض عبارات التشجيع لجنده لكي يرفع من معنوياتهم والتي لم تكن عالية بعد الذي جرى بالمعارك السابقة لكنه لم يكن متفائلا غير انه أرغم على القتال وختم حديثه بعبارة (غدا ندقهم دقّا) ثم اصدر أوامره إلى قادة جيشه بان يثيروا الحماس في الجند وان يحرضوهم على القتال بتلك المعركة الحاسمة.

    العراق عروبته اسلامه تحريره
    معركة القادسية

    اليوم الاول


    يوم أرماث


    في صباح يوم الخميس من شهر نيسان عام 637م الموافق لصفر من العام السادس عشر للهجرة النبوية وهي موعد معركة القادسية مع التاريخ الإسلامي والتي كان موعد انطلاقها بساعة صفر حددتها التكبيرات الأربع التي حددها القائد العربي سعد بن أبي وقاص لجيشه بصبيحة ذلك اليوم ولما بدا إن الصدام قد أضحى وشيكا أمر القائد سعد بقراءة سورة الأنفال على الجيش لوقعها الكبير المعلوم بمواقف كبرى كتلك فأثارت تلك الآيات البينات حماسة الجند وقد تليت بتلك المحنة فزادتهم عزيمة على النصر وقد لاحظ سعد بفطنته المعهودة حماسة جنده وهي في أعلى حالاتها حتى إن خيلهم بدأت تتطافر من تحتهم وتضرب على الأرض وتعلك اللجام ولا يحدها الشكيم فكبر تكبيرته الأولى ثم أردف بالثانية ولما كبر الثالثة انطلق بعض الفرسان على الفور نحو الأعداء ليبارزونهم وكان أول من اندفع للنزال وبرز للفُرس هوا لمقاتل البطل غالب بن عبد الله الأسدي وهو ينشد/-
    قد علمت واردة المسائح***ذات اللبان والبنان الواضح
    اني سمام البطل المشايـح***وفارج الأمر المهم الفـادح
    فبرز إليه هرمز فقاتله غالب حتى تمكن من أسره واقتاده صوب الجيش العربي الإسلامي أسيرا وسلمه إلى المسلمين وعاد إلى ساحة المعركة ثم برز المقاتل البطل عمرو بن معد يكرب الزبيدي لمبارز من الفرس فجذبه عمرو من على فرسه وأطبق عليه حتى دق عنقه وذبحه وهو يصيح/-
    (أنا أبو ثور, هكذا فاصنعوا بهم).
    الهجوم العربي الكاسح
    وعندما كبّر القائد سعد بن أبي وقاص التكبيرة الرابعة كانت المفاجأة الكبرى فقد اندفعت كتائب الخيالة العرب المسلمين فأثارت غبارا عاليا اذهل الأعداء فشنت هجوما عاصفا على مقدمة واجنحة الجيش الفارسي ثم تحرك كتائب المشاة العربية الإسلامية والتحمت مع كتائب مشاة الفرس فدارت معركة طاحنة كبرى .


    العراق عروبته اسلامه تحريره
    معركة القادسية

    اليوم الاول

    يوم أرماث



    ليلة الهـدأة

    وهي الليلة الهادئة التي مرت بعد القتال المرير الذي جرى بيوم ارماث في اليوم الأول للقادسية والذي تكبدت به القوات العربية الإسلامية خسائر فادحة لشدة الهجوم الفارسي الذي ركز على الجناح الأيمن والذي كان يحوي قوات القائد السابق المثنى بن حارثة الشيباني التي اتخذت من الأرض المزروعة قرب المستنقع موقعا لها لدرايتها بأسلوب قتال الفرس الذين علموا ذلك فكان أول هجومهم على الكتيبة البجلية التي عرفت بأنها اشد العرب المسلمين حماسة في القتال وقد كانت تحت قيادة جرير بن عبد الله البجلي فأراد الفرس القضاء على تلك الكتيبة ابتداء فهجموا عليها مع ثلاثة عشر فيلا مدرعا بالأبراج التي تحوي المقاتلين الكامنين في تلك الأبراج الخشبية فتمكن الفرس بتلك الصولة من السيطرة على تلك الكتيبة البطلة وكادت الفيلة وما عليها أن تبيد كتيبة بجيلة لكنها صمدت في وجه تلك الهجمة الشعواء رغم خسائرها الكبيرة واستبسلت بشجاعة كبرى سجلها لها التاريخ حتى أتاها العون لما لاحظ القائد سعد بن أبي وقاص خطورة الموقف من على سطح القصر في الميدان وان جناح جيشه الأيمن أوشك أن يسحق برمته فأوعز إلى القائد طليحة بن خويلد الاسدي قائد كتيبة أسد بان يتقدم لنجدة الكتيبة البجلية فورا لما قال
    (ذبوا عن بجيلة وما حولها من الناس) فامتثل طليحة ووقف يخطب في جنده وبني قومه قائلا
    (يا عشيرتاه لو علم سعد إن أحدا أحق بإغاثة هؤلاء منكم استغاثهم ابتدئوهم الشدة وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعله شدّوا ولا تصدوا وكرّوا ولا تفروا شدوا عليهم باسم الله) ,
    ولما سمع القوم خطاب طليحة ارتفعت نخوتهم وهموا بنجدة إخوانهم واندفعت الكتيبة الاسدية بجموع الأسود فهجمت على الفرس وتمكنت من تخفيف الضغط على بجيلة رغم ضربات الفيلة والسهام من الأبراج التي فوقها ولكنها تمكنت من عزل مشاة الفرس عن الفيلة وأوقعت بهم خسائر فادحة لكن رستم قائد الجيش الفارسي لما رأى إن العرب سيصدون هجومه على الجناح الأيمن عزز من هجومه بإرسال الفيلة بهجوم شديد على الكتيبتين بجيلة وأسد فدارت اشد المعارك عنفا وضراوة وبدا الجناح الفارسي الذي هجم بتركيز يطحن كتيبة بني أسد فجزعت سلمى زوجة سعد والمثنى من قبله لما رأت الخطر يحف بفتيان بني أسد فصرخت
    ( وامثنياه ولا مثنى اليوم للخيل )
    فامتعض سعد بشدة من كلامها فلطمها على وجهها وقال
    ( أين المثنى من هذه الكتيبة التي تدور عليها) فقالت سلمى( يا سعد أغيرة وجبنا)
    وهنا خجل القائد وقال
    (والله لا يعذرني اليوم احد إن لم تعذريني وأنت ترين ما بي).
    وحتى يتمكن من إنقاذ الموقف أوعز القائد سعد إلى عاصم بن عمرو التميمي بالتقدم بكتيبته لنجدة الكتيبتين الصامدتين وان يقوم بهجوم مقابل على القوات الفارسية لكن سعد قال قبل الهجوم
    ( يا معشر بني تميم ألستم أصحاب الإبل والخيل أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة)
    فابدر عاصم وأمر رجاله بان يذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل وان يستدبروا الفيلة ويقطعوا وضنها أي الأحزمة التي كانت تربط الحصون والأبراج من فوقها وحصل الهجوم عند الغروب فنفذت الكتيبة التميمية وأبطالها من المقاتلين الواجب بأروع السبل وتمكنوا من القضاء على الفيلة وتحييد دورها بأرض المعركة لما أصيبت وسقطت الحصون من على ظهرها وعمت الفوضى وسيط القوات الفارسية وارتبك أدائها لما قتل جميع الفرسان الذين كانوا يكمنون في الحصون وسيط صراخ الفيلة وانهزامها فتمكنت الكتائب الثلاث بجيلة وأسد وتميم من المحافظة على مواقعها وثبتت حتى توقف القتال قبيل الظلام وقد سمي ذلك اليوم بيوم ارماث كما أسلفنا وقد الحق العدو بالعرب المسلمين خسائر كبيرة حتى إن أسد وحدها قدمت خمسمائة شهيد.

    العراق عروبته اسلامه تحريره
    معركة القادسية

    اليوم الاول

    يوم أغواث

    ابتدأ القتال باليوم الثاني منذ الصباح الباكر وقد استفاد العرب المسلمين من تجربتهم باليوم الأول وخسائرهم الكبيرة التي تسببت بها الفيلة فأبدروا إلى خدعة فرضتها ظروف المعركة فبرقعوا عددا من الإبل بقطع كبيرة من القماش ودفعوا بها إلى القطعات الأمامية بالمعركة حتى ذعرت منها خيول الفرس وفرت من ارض المعركة وبغياب الخيالة انكشفت مشاة القوات الفارسية وأصبحت تنوء تحت وابل ضربات سيوف الخيالة العربية الإسلامية خاصة وان القوات الفارسية كانت قد فقدت كتائب أبراج الفيلة التي لم تكتمل جاهزيتها بعد الضرر الذي لحق بها اثر استهدافها من قبل القوات العربية باليوم الأول.
    وكان من أهم العوامل التي عززت من موقف الجيش العربي الإسلامي بذلك اليوم هو وصول طلائع النجدة والعون من الشام والتي كان على رأسها القائد العربي القعقاع بن عمرو التميمي وكان بطلا شجاعا وقائدا محنكا إذ قام قبيل أن يصل بقطعاته إلى موقع المعركة بنشرها بفاصلات كبيرة ليوحي للأعداء بعظم النجدات القادمة إلى الجيش العربي الإسلامي وقد اثر ذلك في معنويات الفرس خاصة وان القعقاع وصحبه قد ضربوا أروع غايات الاستبسال في ذلك اليوم ومنذ وصولهم فقد هجم القعقاع على الفرس نحو ثلاثين مرة وقتل فيها لوحده ثلاثين رجلا منهم ويروي لنا التاريخ عن هذا الأمر إن ذلك البطل الصنديد لما وصل إلى ساحة الوغى قال إلى رفاقه في الجيش العربي الإسلامي (ألا فاصنعوا كما اصنع) ثم تحول إلى الفرس وصرخ قائلا من يبارز حتى خرج إليه القائد الفارسي بهمن ذو الحاجب ذلك القائد الذي حقق للفرس نصرهم في معركة الجسر غربي العراق تلك المعركة التي كلفت الجيش العربي الإسلامي خسائر فادحة فصرخ ذلك الفارس أنا بهمن جاذويه فلما عرفه القعقاع صاح بصوت مرتفع (يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب يوم الجسر) وهجم عليه كالأسد وتمكن من قتله على الفور.
    فبرز للقعقاع فارسان من الفرس ليثأرا لقائدهم فلقيهما القعقاع ومعه الحارث بن ظبيان بن الحارث وتنازلا حتى قتل الفارسين الفارسيين فصاح القعقاع في المسلمين موعزا بالهجوم الكبير( يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما يحصد الناس بها) وقد اشترك بذلك اليوم بالقتال القائد العربي الشهير أبى محجن الثقفي الذي كان سجينا بذلك اليوم لان القائد سعد بن أبي وقاص كان قد سجنه بسبب تغنيه بالخمر وقيل أن سلمى أطلقته ليقاتل على أن يعود لسجنه أن كتبت له النجاة لما سمعته ينشد من سجنه أبياتا في حق القتال( وقيل بحسب البلاذري إن الزبراء محظية سعد هي التي أطلقته).
    والأبيات هي/ـ
    كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا
    واترك مشدودا على وثاقيا
    إذا قمت عناني الحديد وأغلقت
    مصاريع دوني قد تصم المناديا
    وقد كنت ذا مال كثير وإخوة
    فقد تركوني واحدا لا أخا ليا
    وقد شف جسمي إنني كل شارق
    أعالج كيلا مصمتا قد برانيا
    فلله دري يوم اترك موثقا
    ويذهل عني أسرتي ورجاليا
    حبسنا عن الحرب العوان وقد بدت
    أعمال غيري يوم ذاك العواليا
    فلله عهد لا اخيس بعهــــده
    لئن فرجت أن لا ازور الحوانيا
    ليلة السواد
    وهنا نزل أبى محجن إلى المعركة يملؤه الحماس وقاتل قتالا شديدا بعد أن تلثم لئلا يعرفه احد ويشي به إلى سعد وراح يطعن بكل ما أوتي من قوة فتعجبت من فعله العرب والفرس حتى إن سعدا تساءل ( إن الضبر ضبر البلقاء والطعن طعن أبي محجن وأبو محجن في القيد) ؟؟ أي من يكون هذا الفارس وقتاله قتال أبى محجن وفرسه كفرس سعد البلقاء ولكن أبى محجن في القيد , وعاد ابى محجن إلى سجنه بعد توقف القتال في الليل ولما عاد سعد إلى الدار سألته سلمى عن القتال فاخبرها( لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا إني تركت ابى محجن في القيد لظننت إنها بعض شمائل أبى محجن) فقالت له انه والله لأبي محجن ثم روت له ما حدث فذهب سعد إليه وأطلق سراحه وهو يقول( اذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله) وقيل انه قال أيضا (والله لا أجد اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يده ما أبلاهم) فقال ابى محجن والله لن أذوقها ما حييت.
    واستمر العرب المسلمون في هجومهم الكبير موقعين بالفرس اكبر الخسائر وتغيرت دفة المعركة بهذا حتى إن تلك الخسائر الفادحة جاوزت العشرة آلاف قتيل غير إن العرب حاولوا عبثا بذلك اليوم الحصول على النصر النهائي إلا إن الفرس صمدوا واستبسلوا بسالة نادرة سيما وان أعدادهم غفيرة يستطيعون بها تعزيز قطعاتهم وتعويض الخسائر بالأعداد فاحتاج الأمر لمنحى آخر يغطي على ذلك الفارق ويقلب الموازين وذلك بان تستمر المعركة إلى الليل لا إلى الغروب وتمكن العرب من القتال ليلا وهذا ما يستطيعه المقاتل العربي البدوي الذي يستسهل ذلك الأمر الذي لا يقدر عليه غيره فركز العرب هجومهم الدائر على قلب القطعات الفارسية كي ينالوا من القائد العام رستم الذي مقره بالقلب واستمر القتال الشرس ليلا لساعات بعد الظلام الدامس حتى توقف أخيرا في تلك الليلة التي سميت بليلة السواد.

    العراق عروبته اسلامه تحريره
    معركة القادسية
    يوم عماس

    كما تقدم وعندما حل مساء يوم القتال الثالث يوم عماس اندفعت الكتيبتان الاسدية والزبيدية لتنفيذ أمر القائد سعد واللتين كانتا تشكلان ميمنة الجناح العربي الأيمن فالتفتا على جناح الجيش الفارسي الأيسر من الخلف وكان ذلك مفاجأة كبيرة للفرس خاصة بعد مبادرة كتيبة القعقاع للمساندة لما خشي على الكتيبتين من خطر احاطة القوات الفارسية لها وتطويقها والاستفراد بها ورغم إن القائد سعد بن أبي وقاص لم يستأذن في حركة القعقاع تلك إلا انه قال (اللهم اغفرها له وانصره فقد أذنت له وان لم يستأذن) وبذا فقد جمع سعد بقية القوات والقطعات والكتائب من باقي أسد والنخع وبجيلة وكندة وغيرها ودفع بها الى تلك الملحمة الليلية الحامية الوطيس التي دارت في سهل القادسية بجنوبي العراق ويذكر التاريخ هنا بان المقاتلين المسلمين اندفعوا تملؤهم الرغبة بالشهادة تحركها النخوة والحمية على إخوانهم في الجناح الأيمن الذي التف قد حوصروا لما قاموا بذلك الالتفاف على الفرس فدارت معركة ضارية استمرت حتى الصباح ولم يغمض فيها جفن لأحد طيلة ليلة المعركة ومع خيوط الفجر الأولى سمعت بشائر النصر انشدها القعقاع بصوته منشدا/ـ
    نحن قتلنا معشرا وزائــدا
    أربعة وخمسة وواحـــدا
    نحسب فوق اللبد الاسـاودا
    حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا
    الله ربي واخترزت عامـدا
    وتعتبر من كبريات المعارك ضراوة في التاريخ وبتلك الحقبة والتي حصلت فيها مجزرة رهيبة تحدثت عنها مصادر التاريخ من حيث إنها قصمت ظهر الجيش الفارسي وقوضت تلك الإمبراطورية من هول خسائر الفرس فيها وحتى الجيش العربي الإسلامي فانه دفع فيها تضحيات جسام لا تنسى .



    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة الحالمة ; 4/September/2015 الساعة 3:17 am

  8. #8
    من أهل الدار
    العراق عروبته اسلامه تحريره
    معركة القادسية
    يوم عماس

    نهاية يوم عماس
    مما ينقله لنا التاريخ يتضح انه في ذلك اليوم العصيب الذي لم تغمض به عين لمقاتل سواء في الجيش العربي أو الفارسي لما استمرت المعركة كما أسلفنا حتى ضياء الفجر وبقيت دائرة حتى انطلق القعقاع بجنده صوب قلب الجيش الفارسي وقيادته بغية شق جبهته وخرقها بعد أن تم دحر الجناحين لذلك الجيش ولكي يضعف معنويات المقاتلين لما يتم الإجهاز على قائدهم العام رستم الذي كان موقعه في القلب وأيضا لكي تتجه التعزيزات إلى القلب وحده فيسنح للجيش الإسلامي الحركة الالتفافية بحرية اكبر فصاح القعقاع في قلب المعركة(إن الدائرة بعد ساعة لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة واحملوا فان النصر مع الصبر) فتقدم المسلمون بحماس كبير أملا في النصر من عند الله فحملوا على عدوهم بهجمة عاصفة وركزوا على قوات القلب الفارسي التي كانت بمثابة فرقة قوامها خمسة عشر ألف مقاتل يحمل كل مقاتل فيها رمحا قاعدته تفاحة ذهبية وهو يجسد البذخ بذلك وقد استمات الجيش الفارسي بصبر كبير بلا طائل وقد ذكرت الوقائع إن نحو ثلاثين من كتائب الفرس قد أبيدت بذلك الموقف الحاسم لما رفضت التراجع واستمر الجيش العربي الإسلامي بهجومه الصاعق حتى خرقت الجبهة الفارسية كاملا ونجح تخطيط القائد الميداني القعقاع ووصل جنده إلى مقر القائد رستم وقد حصل ارتباك شديد فقد عمت الفوضى بصفوف الجيش الفارسي واندحر وتقهقر فقد ألقى كثيرا من الجنود الفرس بأنفسهم في النهر ليفروا صوب الجهة الأخرى خصوصا بعد أن رأوا إن قائدهم قد فعل كذلك فقد ألقى القائد رستم بنفسه في نهر العتيق محاولا الهرب وتجنب المصير المحتوم إلا إن احد المقاتلين العرب وقيل انه هلال بن علقمة قد تمكن من قتله بعد أن أخرجه من النهر فضربه بالسيف على جبينه وصاح بأعلى صوته(قتلت رستم ورب الكعبة) وهلل الجيش العربي الإسلامي بهذه البشرى فعمت الفوضى وانكسر الجيش الفارسي شر كسيرة واندحرت بقايا قواته بعد أن ذاع خبر مقتل قائده العام ولاذت بالفرار سباحة عبر نهر العتيق فأدرك الفرات بعضهم وغرق كثيرا منهم غير إن مجموعة من الجيش الفارسي دافعت عن رايتهم المعروفة بـ(درفش كافيان) وكانوا قد حفروا الخنادق حولها ودافعوا عنها بعناد وثبتوا حتى النهاية فقد حمل عليهم سلمان بن ربيعة الباهلي وتمكن من قتلهم واخذ الراية منهم , وقد اضطربت بعض المصادر حول تحديد هوية قاتل رستم من بين أربعة آخرين وربما إنهم استهدفوه جميعهم وسنذكر هنا ما قيل بصدد ذلك فقد ذكر البلاذري انه احد الأربعة الذين ساروا لأجل ذلك وهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي , وطليحة بن خويلد , وضرار بن الازور الاسدي ,وقيس بن المكشوح المرادي الذي ادعى انه قاتل رستم وقد ورد بشعره لما قال/ـ
    فلما أن رأيت الخيل جالت
    قصدت لموقف الملك الهمام
    فاضرب رأسه فهوى صريعا
    بسيف لا افلّ ولا كهـام
    وكما أسلفنا فقد صاح القعقاع بصوته منشدا ومترنما ببشائر ذلك النصر العربي الإسلامي الكبير الذي دخل التاريخ من واسع أبوابه بعد فشل كل المحاولات المستميتة التي بذلها الفرس قبيل النهاية لاستعادة مواضعهم وسد النقص الحاصل جرّاء المعركة الليلية الاستنزافية وبتلك التضحيات الجسام فقد بلغت خسائرهم بها نحو تسعون ألف وقيل مئة وعشرون ألف مقاتل لتستمر المعركة حتى النهاية بحصول القناعة إنها الساعات الحاسمة لتلك المعركة الضروس بيومها الثالث والأخير وقد ذهبت بعض الروايات إن مجمل تلك الخسائر الجسيمة قد بلغت نحو ثلاثمائة ألف قتيل مما استنزفته من خسائر جسيمة بواقعة وملحمة تاريخية كبرى سجل مجرياتها التاريخ وحفظها للأجيال.
    مطاردة فلول الفرس
    وإتمام تحرير العراق
    بعد أن انتهت المعركة ولم يبقى للقوات الفارسية أي اثر وجهد يرى فقد أتى وقت الاستراحة لذلك الجيش المنتصر والذي أنهكه القتال المستمر فأوكل مطمئنا للنساء والصبيان بمهمة ميدانية هي تطهير الميدان من خلال معالجة وإخلاء جرحى المسلمين والإجهاز على الآخرين فتقدمن من منطقة العذيب التي كانت بمثابة القاطع الخلفي للمعركة نحو ميدان وموقع القادسية, وقد ورد إن أم كثير زوجة همام بن الحارث النخعي إنها قالت( شهدنا القادسية مع أزواجنا فلما أتانا إن قد فرغ من الناس أي الفرس شددنا علينا ثيابنا وأخذنا الهراوى أي العصي ثم أتينا القتلى والجرحى فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه ومن كان من المشركين أجهزنا عليه وتبعنا الصبيان نوليّهم ذلك ونصرفّهم به).
    أما فلول الفرس الهاربة التي تمكنت من عبور العتيق سباحة وغيرها التي عبرت من الردم الذي كان قد أحدثه رستم فقد سارت وتولى انسحابها الجالينوس بعد مقتل رستم ولم تفكر بان أحدا سيتبعها لكن القائد سعد بن أبي وقاص لم يضع الوقت فقد أمر القعقاع بمطاردة فلول الجيش الفارسي المنكسر فباشر بالمطاردة من فوره بفرقة كبيرة ثم أعقبه زهرة بن الحوية التميمي بفرقة أخرى فلاحقا فلول الفرس وأوقعا بهم خسائر جسيمة وفادحة أخرى وحدث ذلك بين القادسية والبرس أي الديوانية والحلة ولم يسمحا للقوات الفارسية بإعادة تنظيمها والتجمع وطارداها بحزم وتمكنوا من القضاء على حامية البرس الحلة ونصبوا جسرا على الفرات كي يعبروا إلى بابل منطقة الآثار العراقية التاريخية والتي دارت حولها معركة ضارية فقد كان الجالينوس يحاول عبثا صد ذلك الهجوم العربي الإسلامي الكاسح الذي جسدته قوات المطاردة البطلة التابعة للجيش العربي الإسلامي الجسور الذي انطلق يحمل بذرة ونشوة النصر الكاسح المتحصل بالإيمان على جنح حب الشهادة بالطاعة لله والذي حازه بين الأمم فكتب له أن يخط فيما بعد آثاره على ألواح القدر.
    وقد تمكن البطل الجسور زهرة بن الحوية من قتل القائد البديل للجيش الفارسي المنكسر وهو الجالينوس فتشتت مرة أخرى فلول الفرس وبقتل الجالينوس وانهيار الجيش الفارسي لم يبقى لتحرير العراق كاملا سوى الاستمرار بمطاردتهم وطردهم حتى المدائن التي كانوا يتمركزون بها ويتخذونها عاصمة لهم على ارض العراق العربي, أما البلاذري فانه ذكر بان قاتل الجالينوس هو كثير بن شهاب الحارثي .


    العراق عروبته اسلامه تحريره
    معركة القادسية
    تحرير المدائن


    تحرير المدائن
    بعد الهزيمة الكبيرة والكسيرة الذي حظي بها جيش الدولة الفارسية بالعراق في نيسان 637م بات من اللازم على الجيش العربي الإسلامي أن يستثمر عرى نصره للغاية التي أتى بها وهي استكمال مسعى تحرير العراق وهو المسعى الذي انطلق في عهد الخليفة أبى بكر وتم استكماله في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكما أسلفنا فان قوات المسلمين بقيادة القعقاع وزهرة بن الحوية كانت طاردت القوات الفارسية المتقهقرة حتى بابل وحدها ثم اشتبكت معها في معركة كبيرة جوار منطقة الآثار البابلية التاريخية في الحلة وبقيت ترابط هناك بعد تحرير برس وبقيت ترابط قوات القعقاع وزهرة في بابل إلى جانب القوات ألأخرى في الكوفة وفي الحيرة أما بقية الجيش فبقي في القادسية أي الديوانية اليوم ولم يتم المضي بمطاردة القوات الفارسية إلى العمق حتى طيسفون أي المدائن وذلك بسبب التضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش العربي الإسلامي التي بلغت نحو ثمانية آلاف وخمسمائة شهيد إلى جانب نحو عشرة آلاف جريح ناهيك عن الإرهاق والضغط الحاصل جراء الاستمرار بالقتال وأيضا ضرورة إعادة التعبئة فالجيش الإسلامي الذي قوامه نحو ستة وثلاثين ألف مقاتل فقد قرابة ربعه في تلك المعركة الضروس ولكل تلك الأسباب مجتمعة ربما تكون المطاردة قد توقفت في منطقة بابل بعد الانتصار الأخير ومقتل الجالينوس القائد الفارسي البديل وتشتيت قواته وبعد مضي نحو شهرين من القادسية وقد تكون لأجل شفاء جرحى المسلمين من جراحهم وربما للحاجة الماسة إليهم قرر بعدها القائد سعد بن أبي وقاص الاستئذان من الخليفة للتقدم بالجيش نحو المدائن لتحريرها من الفرس وإذن له فقام بتعيين خالد بن عرفطة آمرا على المقدمة ولحقه بالقوات المتواجدة في بابل ثم قام بعدها بالتحرك بباقي الجيش وقد استمر بالتقدم حتى وصل بالجيش إلى بابل ومن هناك استمر الجيش بالتقدم والتحق بقطعات زهرة بن الحوية وخالد بن عرفطة التي أبلت بلاء حسنا .
    فتح دير كعب
    لم يبقى للفرس سوى محاولة صد الهجوم العربي الإسلامي من خلال إصدار الأوامر بالمقاومة حتى النهاية بغية الحفاظ على المدائن لذا فإنهم استماتوا في منطقة دير كعب لما جرت بها معركة كبيرة انتهت بمقتل القائد الفارسي النخير خان وانتصار المسلمين وأبيدت الحامية الفارسية وقد كان الذي تمكن من قتله هو الفارس العربي زهير بن سليم الازدي الذي قفز عليه من على ظهر فرسه وأسقطه على الأرض وتصارع معه واستل خنجرا كان يحمله النخير فقتله به .
    فتح ساباط
    اندفع الجيش العربي الإسلامي ساحقا أية مقاومة تعترضه في طريقه لتحرير المدائن حتى وصل إلى ساباط على ضفة دجلة اليمنى وهي إحدى مدن المدائن السبع على جانبي نهر دجلة وحصلت مقاومة من حاميتها ولكنها سرعان ما أبيدت وتم تحرير ساباط.
    فتح رومية
    بعد تحرير ساباط انطلق سعد بجيشه تجاه المدائن فوصل إلى رومية وهي إحدى مدن المدائن بعد ساباط فقبلت المدينة الصلح.
    فتح بهرسير
    عندما وصل الجيش الإسلامي إلى مدينة بهرسير قاومت خلف أسوارها التي كانت حصينة ورشقت حاميتها السهام والنبال على الجيش فاضطر سعد إلى حصارها ودام ذلك الحصار نحو تسعة اشهر وقد نصب حولها عشرون منجنيقا ترميها باستمرار حتى استسلمت وفر من تمكن من حاميتها إلى الجهة الثانية صوب المدائن حيث يقبع كسرى يزدجرد في الإيوان خلف آخر قواتهم وقد بهر المسلمون وهم ينظرون إلى ما واعدهم الحبيب المصطفى وهي مدينة المدائن تلك المدينة الضخمة على الجانب الآخر من النهر يتوسطها قصر كسرى المسمى ابيض المدائن فصاح ضرار بن الخطاب (الله اكبر هذا ما وعد الله ورسوله).
    العراق عروبته إسلامه تحريره
    معركة القادسية
    اكتمال تحرير العراق
    الفصل الاخير
    العبور الاول
    حين وصلت طلائع الجيش العربي الإسلامي إلى ساباط قام الفرس بإحراق الجسر المؤدي إلى المدائن والذي كان يربط بين ضفتي نهر دجلة وإخلاء كافة المعابر والزوارق في محاولة يائسة لإعاقة تقدم وعبور قوات المسلمين وقد كانت مياه دجلة وافرة وتشكل مانعا عسيرا واجتيازه خطورة كبيرة غير إن استسلام بهرسير في الجانب الغربي كان قد سهل العبور إلى قلب المدائن وقصرها الأبيض الواقع في الجانب الشرقي وتم اختيار منطقة العبور من قبل القائد سعد وهي جوار قرية الصيادين كما ذكر البلاذري وكان سعد قد نظّم كتيبتين خيالة هما الأهوال والخرساء وتلك هي الأسماء التي أطلقها عليها وكانت كل واحدة منهما تحوي ستمائة فارس وعين قائدا على الأولى عاصم بن عمرو التميمي وعلى الثانية القعقاع بن عمرو التميمي ثم أوعز أن تتحرك للعبور بصمت خوضا وسباحة كلا الكتيبتين عند الفجر وان تتولى كلتاهما إعادة المعابر والزوارق في الضفة الثانية إلى جانب حماية باقي القطعات العربية الإسلامية المستعدة للعبور في حال وصولها وقد ألقى سعد خطابا لإثارة حماسة الجند قال فيه(إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليه منه, وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا, فيناوشونكم في سفنهم وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه, فقد كفاكموهم أهل الأيام وعطلوا ثغورهم وافنوا, ذاتهم أي حامياتهم,وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد عدوكم بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا إلا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم ,أي عبوره,) وهنا هتف المسلمون(عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل).
    العبورالاول
    عند الفجر باشر قائد كتيبة الأهوال عاصم بن عمرو بتنفيذ الواجب الموكل لكتيبته فقرر أن يبدأ بالعبور بنفسه أولا ثم اختار معه ستين فارسا بالتطوع ليكونوا في صدارة عملية العبور على أن تتبعها بقية الكتيبة كما بلغ باستخدام الرماح عند العبور وخلاله كسلاح مناوشة على البعد وقد أثار حماسة كتيبته لما قال(أتخافون من هذه المنطقة ثم تلا قوله تعالى من سورة آل عمران, وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتبا مؤجلا) ثم لكز فرسه فقفزت وسيط المياه وشقت عباب الموج الهائج والهادر وتبعه بذلك الستون فارسا فتشجع باقي فرسان الكتيبة ولحقوا بأصحابهم وتعجب الفرس في الجانب الآخر من النهر وصاحوا إنهم مجانين لما ذهلوا من الموقف فصاح احدهم( إنكم والله ما تقاتلون إنساّ بل تقاتلون جِنّا).
    ثم أردفت كتيبة الخرساء وكان في مقدمتها قائدها المغوار القعقاع بن عمرو وعبرت الكتيبة بشجاعة نظيرتها وسيط متابعة القائد الذي لحظ احد جنوده وقد سقط في الماء فهرع إليه وجره من يده وسحبه من النهر وعبر به فقال ذلك الجندي(أعجزت الأخوات إن يلدن مثلك يا قعقاع) ثم اكتمل عبور الكتيبتين بسلام ونجاح.
    وقد حاول الفرس إعاقة عملية العبور إلى المدائن لما بعث القائد الفارسي بقطعات الخيالة لمواجهة المسلمين قبل ن يخرجوا من النهر لكن عاصم بن عمرو قائد كتيبة الأهوال تنبه لذلك فصاح بجنده ( الرماح ,الرماح,أشرعوها وتوخوا العيون) ويقصد استهداف أعين خيول الأعداء لإرباك موقفهم وتم ذلك بالفعل وحدثت معركة جرى فيها ما كان لازما وجفلت خيول الأعداء واجبروا على التراجع من ضفة النهر وفروا وتركوا مواقعهم وفشلت محاولة الفرس بتعويق الهجوم ونجح عبور جميع مقاتلي كتيبتي جيش المسلمين ولم يصب منهم سوى فارس واحد هو سليل بن يزيد بن مالك السنبسي ثم سرعان ما تم جمع كافة الزوارق والمعابر من قبل فرسان كتيبتي عملية العبور وأعيدت إلى الضفة الأخرى ليتم عبور جميع المقاتلين بالجيش إلى جهة المدائن وقصر كسرى وكان كسرى ملك الفرس قد ترك المدائن وفر هاربا .
    عبور الجيش
    وبعد نجاح العبور الأول أمر القائد سعد بن أبي وقاص جيشه بالعبور فنزلوا كالرعد حتى لم يعد يرى من الماء شيئا سوى الخيل والرجال وكان سعد يرقب ذلك وجواره الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنهما فقال سعد (حسبنا الله ونعم الوكيل والله لينصرن الله وليه وليظهرن دينه وليهزمن الله عدوه إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات) فقال له سلمان(ذللت لهم والله البحور كما ذللّ لهم البر أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا أفواجا) وفعلا خرج الجيش بأكمله ولم يغرق منه احد وجرى نقل الباقين في الزوارق.
    فتح المدائن
    كانت المدائن تسمى بالفارسية طيسفون أو توسفيون أو قطيسفون أو طيسبون وهي سبع مدن على جانبي الفرات كانت أبرزها الأخيرة تلك التي بها قصر كسرى وبعد القتال على ضفة النهر لم يلقى المسلمون مقاومة تذكر فقد تقدم الجيش العربي الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص داخل المدائن فوجدوا المدينة شبه خاليه عدا بعض الفلول التي تحصنت بقصر المدائن القصر الأبيض أو ابيض المدائن كما اسماه العرب ثم سرعان ما فتحت أبواب القصر وأذعنت حامية المدينة للصلح وانتهى أمرهم وسار سعد وسلمان الفارسي والقعقاع وعاصم وباقي القادة من الصحابة رضوان الله عليهم إلى داخل القصر والإيوان وتلى سعد من سورة الدخان(بسم الله الرحمن الرحيم كم تركوا من جنات وعيون وزرع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. صدق الله العظيم) وقد وصف ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ذلك المشهد الكبير منبهرا فيه فقال( وكان يوما عظيما وأمرا هائلا وخطبا جليلا وخارقا باهرا ومعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خلقها الله لأصحابه لم ير مثلها في تلك البلاد ولا في بقعة من البقاع).
    وغنم المسلمون غنائم كبيرة هائلة وزعت على الجيش وأرسل بالخمس منها إلى الخليفة عمر رضي الله عنه في المدينة مع القائد بشير بن الخصاصية وقد دهش الخليفة لكثرة الغنائم فقال لمن حوله من الصحابة رضوان الله عليهم (إن قوما أدّوا هذا لأمناء) فقال له الإمام علي رضي الله عنه بشهادة حقّة ومنصفة لصاحبه الخليفة الفاروق (انك عففت فعفّت رعيتك ولو رتعت لرتعت) ثم قسم الخليفة الغنائم بين الناس وقد كان بين الغنائم بساط لكسرى وهو مرصع بالذهب والجواهر وكان حجمه كبيرا وقد بعث به القائد سعد بعد أن استأذن أصحابه لما قال لهم( هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا البساط فنبعث به إلى عمر يضعه حيث يشاء فانا لا أراه ينقسم وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعا) ولما رآها عمر رضي الله عنه قال لصحبه (أشيروا عليّ في هذا القطيف) فقالوا له الرأي رأيك فقد جعل لك وقال بعضهم انه لأمير المؤمنين لا يشاركه فيه احد ولكنه رفض كل ذلك فقال الإمام علي كرّم الله وجهه ورضي عنه في شهادة أخرى للفاروق(لم يجعل الله علمك جهلا ويقينك شكّا انه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت وانك إن تبقه اليوم على هذا لم تعدم في غدٍ من يستحق به ما ليس له) فقال عمر (صدقتني ونصحتني) وأمر بتوزيعه كله بين الناس .
    وبعد أن تم تحرير المدائن انطلق منها القائد سعد بن أبي وقاص راجعا إلى الحيرة بعد أن عين واليا وعاملا عليها الصحابي شرحبيل بن السمط وقد أعقبه الصحابي الجليل سلمان الفارسي في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه وكان أول قاضي عين بها هو سلمان بن ربيعة الباهلي الملقب بسلمان الخيل ولاه الفاروق رضي الله عنه.
    أما عن كسرى ملك الفرس فقد لاذ بالفرار إلى ما بعد جلولاء في حلوان قصر شيرين وترك قوات علها تفلح في إعاقة الهجوم الكاسح ولكن هيهات فلم تصمد وقد انسحب يزدجرد إلى حلوان وهي قصر شيرين اليوم قرب سلسلة جبال زاكروس لكن التمترس كان في جلولاء كموقع دفاعي خارج إيران أملا في إيقاف الهجوم على بلادهم وكان قائد الجيش الفارسي هو مهران الذي قام بتحصين المدينة على عجل وحفر خندقا أمامها عله يفلح في إعاقة تقدم الجيش العربي الإسلامي .
    حصار جلولاء ومعركتها
    بعد تحرير المدائن وفرار الفرس إلى جهة إيران أصدر القائد سعد أمرا إلى هاشم بن عتبة وقواته بالتقدم إلى جلولاء للحاق الفرس ومطاردتهم ووضع بإمرته جيشا بتعداد اثني عشر ألف مقاتل وقد بين البلاذري بان سعد لم يمكث بالمدائن إلا أياما وكان هو الذي دفع بالجيش نحو جلولاء لكن الإمام الطبري ذكر بان ذلك كان بأمر الخليفة عمر بن الخطاب وبينه بجلاء لما قال (سرّح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثني عشر ألفا واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى ميمنته مسعود بن مالك بن عتبة واجعل على ساقته عمرو بن مرة الجهني) واحسب إن ذلك هو الأقرب للدقة فحركة الجيش لم تكن لتحصل إلا بأمر من الخليفة كما إن البلاذري يخالف الطبري أيضا في شخوص جيش المطاردة وان قائد الفرس هو خرّزاد اخو رستم في عمومه تقدمت القوات العربية الإسلامية صوب جلولاء ولما وصلوا قربها وجدوا قوات فارسية مرابطة لتعويق التقدم إلى جلولاء فدرات بينهم معركة كبرى في الخامس من تموز من عام 638م وقد انتصر بها المسلمون بعد أن حاصروا حامية جلولاء داخل أسوارها لثمانين يوما بدأ من الخامس عشر من نيسان 638م وكان مهران القائد الفارسي قد قرر أن يبادر بالخروج بقواته للقتال بعد هذه المدة فأوعز بالهجوم على العرب فدارت معركة ضارية كان النصر في نهايتها للمسلمين وكان دور القعقاع وكتيبته بارزا كما في كل مرة فقد حصل قتال شديد يذكره البلاذري ( فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح حتى تقصفت وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت) أما الإمام الطبري فانه يذكر( بأن مهران هاجم المسلمين بعنف فخطب في رجاله هاشم بن عتبة قائلا( ابلوا في الله بلاء حسنا يتم عليكم الأجر والمغنم واعملوا لله) أما ابن كثير فقد وصف المشهد الحاسم كما بين دور القعقاع بإثارة الحماس وذكر (فاقتتلوا قتالا شديدا لم يعهد مثله حتى فنى النشاب بين الطرفين وتقصفت الرماح مع هؤلاء وهؤلاء وصاروا إلى السيوف والطربزينات أي الفؤوس وحانت صلاة الظهر فصلى المسلمون ايماءً وذهبت فرقة من المجوس وجاءت أخرى مكانها فقام القعقاع بن عمرو وصاح بالمسلمين قائلا( أهالكم ما رأيتم أيها المسلمون) قالوا نعم إنّا كالّون وهم مريحون فقال(بل إنّا حاملون عليهم ومجدّون في طلبهم حتى يحكم الله بيننا فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم) وحاول القعقاع أن يجتاز الخندق الذي ضرب حول المدينة بحلول الظلام وقد كان القتال موشك بان ينتهي لكنه فكر بخدعة فأوعز إلى جنده بان يذيعوا في الجيش بان القائد عتبة قد اجتاز الخندق لكي يثير حماسة وحمية أولئك الجند لإنقاذ قائدهم فقال( يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل الخندق واخذ به فاقبلوا إليه ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخول ) وكان الخندق قد فرش بمسامير الحديد الشوكية التي تنبت في حوافر الخيول لتعيق الحركة لكن حيلة القعقاع نجحت ثارت حماسة الجند وحملوا حملة صادقة وقاتلوا بعنف فلما وصلوا لم يجدا هاشما وإنما وجدوا القعقاع قد احتل قسما منه وتمكن من القضاء على الفرس قرب احد الأبواب بعد حوصروا بين الخندق والباب ثم انتصر المسلمون وكبدوا الفرس خسائرا كبيرة ووصفت تلك المعركة بأنها لاتقل أهمية عن القادسية.
    معركة خانقين
    استمر القعقاع وقواته بمطاردة فلول الجيش الفارسي المندحر ولم يعطهم الفرصة بتجميع قواهم فتقدم إلى خانقين حيث كان الفرس قد أقاموا موضعا آخر عله يفلح في إعاقة تقدم الجيش العربي الإسلامي صوب حلوان قصر شيرين إلا إن القعقاع استمر باندفاعه وإصراره وباشر هجومه على المواضع حول خانقين ثم تقدم وخاض معركة شديدة أخرى تمكن فيها من إجبار الحامية الفارسية على التخلي والتراجع عن خانقين والفرار خارجها بعد أن كبدها خسائر كبيرة فدخل الجيش الإسلامي خانقين منتصرا ومحررا كما دخل كل المدن العراقية الأخرى .

    معركة حلوان
    لم تتوقف مطاردة القعقاع عند هذا الحد مطلقا بل انه استمر بالمطاردة لفلول الفرس ولم يضع الوقت بعد الانتصار في خانقين بل اندفع صوب حلوان في داخل إيران وكان يعتقد إن كسرى لما يزل فيها لكن كسرى كان قد ترك حلوان وفر إلى داخل إيران في الريّ أي طهران فقرر القعقاع أن يقضي على حامية حلوان حتى لا يعود الفرس إلى جلولاء بعدها وكان القعقاع قائدا جسورا شجاعا حد التهور أحيانا فقام بهجومه على حلوان وقضى على حاميتها وانتصر ولاذ فلول الفرس من أمامه بالفرار , وقد كان لإصرار وبطولة القعقاع دورا كبيرا ومن هذا وغيره خاصة بمسعى تحرير العراق يتضح السبب الرئيس وراء الحقد على هذا الرجل لدوره البارز في إدارة دفة المواقف الحاسمة منذ معركة القادسية وحتى اللحظة الأخيرة بمطاردة الفرس خارج العراق.
    معركة قرماسين كرمنشاه
    بعد التقدم الذي أحرزه القعقاع وأخبار انتصاراته بالمطاردة أوعز القائد هاشم بن عتبة إلى القوات المرابطة في جلولاء وهي الكتيبة البجلية بالتقدم إلى قرماسين بقيادة جرير بن عبد الله البجلي وبحركة ناجحة أطبقت القوة المتقدمة على حامية كرمنشاه ولم تتمكن من الدفاع عن نفسها فاستسلمت ورضخت للصلح.
    نهاية الإمبراطورية الفارسية
    توقف المطاردة واستئنافها
    بعد الانتصارات والتقدم الخاطف الذي حققته القوات الإسلامية في داخل إيران كتب القائد سعد بن أبي وقاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه باستئناف التقدم ومطاردة فلول الجيش الفارسي المندحر داخل بلاد فارس إلا إن الخليفة لم يوافق بالمضي بتلك المطاردة واجتهد لإيقافها حرصا لحقن الدماء وحفظا للسلام وسلامة أنفس المسلمين وهي عنده على من الغنائم والانتصارات وكان أمره بإيقاف التقدم هو(وددتُ لو إن بين السواد أي العراق والجبل سدا لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم حسبنا من الريف السواد إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال ) إلا انه اضطر فيما بعد لان يأمر باستئناف التقدم والدخول بالحرب بمعركة أخرى كلفت المسلمين خسائر كبيرة وهائلة غير إنها أنهت الإمبراطورية الفارسية وقضت عليها بمعركة نهاوند همدان التي استشهد فيها القائد النعمان بن مقرن المزني .
    العبرة والخلاصة من مسعى تحرير العراق
    لما استكمل المسعى المشّرف لتحرير العراق ونال نصرة الله على جنح التضحيات الجسام لإخواننا المؤمنين من ارتال الصحابة الاكارم الذين جادوا بأرواحهم الزكية لأجل تحقيق مسعى نبيل يهم صالح الأمة وقد بدأت بوادره منذ بواشير لقاء الوفد العراقي الذي زار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وشرح معاناة شعبه الرازح تحت نير الظلم فبشر الحبيب بانطلاقته ونصرة الأمة فيه فانطلق بعهد الخليفة أبى بكر رضي الله عنه واستكمل واستأنف بعهد الفاروق الذي تكفل به ورعاه حتى عاد العراق إلى حاضنته العربية متشرفا ومزهوا بالإسلام فحلَّ من الأمة العربية والإسلامية موضع الرأس من الجسد كما عينه الفاروق رضي الله عنه حين قال العراق جمجمة العرب أي راس الجسد العربي وأنى لجسد أن يستمر ويحيا بفقدان رأسه وهذه امتنا تتهاوى وتحف بها الأخطار وتحالفات الأعداء المتكالبين وقد حذر المصطفى من سبل التداعي على امتنا بسبب وهننا رغم كثرتنا فلا كرامة للأمة ولا كيان ولا بقاء لها ما لم تستطع الحفاظ على العراق الذي دفعت لاجل تحريره كل تلك التضحيات الجسام التي لن تذهب سدى ما أن يسترجع العراق وحتى يعود الرأس لجسد امتنا فتعود مصانة قوية مهابة لتسترجع هيبتها بين الأمم وتأتي بأكثر من صلاح الدين يسترجعون أقداسنا وينتخون لباقي أوصال امتنا الإسلامية الجريحة في عموم أرجائها.
    الخاتمة
    وجب أن لا نفقد وأجيالنا الأمل رغم اضطراد وتزايد الظلم والاستقواء والحيف علينا فان الأمل لمعقود بنواصي المآب والعودة إلى النبع لما نصلح أنفسنا فنقترب من نهج أناس صدقوا مع الله وبذلوا أنفسهم متشرفين للقاء ربهم بأنبل فداء فمكنهم من تحرير العراق ونصرهم على أعدائهم رغم قلتهم ورغم الفارق الكبير بين عديدهم فدعونا لاننسى إن ذلك مؤملا وممكنا متاحا ما إن عدنا لما يقربنا من نهج أسلافنا وانتهلنا من ذلك النبع.
    اللهم وفق أخيار امتنا لما تراه خيرا لها ولنا.
    الإهداء
    أما والله فاني كتبته كلمة كلمة وحرفا حرفا لأهديه إلى أرواح الشهداء الزكية من غيارا المسلمين والى جناب والدي وأولادي والى كل أحرار أمتي الإسلامية وحرائرها الغيارى من المتابعين لهذا الشأن والى الأجيال كي لا يفقدوا الأمل يوما بعودة العراق.
    المصادر
    1/تاريخ الأمم والملوك/الطبري 11/أسد الغابة/بن الأثير
    2/سيرة بن هشام/بن هشام 12/المعارف بن قتيبة
    3/فتوح البلدان/ البلاذري 13/تاريخ العرب قبل
    4/تاريخ عمر بن الخطاب/ابن الجوزي الإسلام /جرجي زيدان
    5/تجارب الأمم ج1/ بن مسكويه 14/الفتح العربي للعراق
    6/الكامل/ بن الأثير وفارس /محمد فرج
    7/فتوح الشام/الواقدي 15/المثنى بن حارثة/
    8/مروج الذهب/المسعودي محمد فرج
    9/معجم البلدان/ياقوت الحموي 16/معارك العرب الحاسمة/
    10/البداية والنهاية/بن كثير صبحي عبد الحميد
    17/الفاروق عمر/محمد حسنين هيكل 21/القيادة الناجحة/صالح
    18/الصديق أبو بكر/= = = مهدي عماش
    19/الفتوحات الإسلامية/ احمد بن دحلان22/من ذي قار إلى
    20/قادة فتح العراق/محمود شيت خطاب القادسية/= = =




    الموضوع منقول
    التعديل الأخير تم بواسطة الحالمة ; 4/September/2015 الساعة 3:18 am

  9. #9
    الله محبه
    الحالم بغد افضل
    تاريخ التسجيل: July-2012
    الدولة: kuwait
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 4,879 المواضيع: 783
    صوتيات: 3 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 3757
    مزاجي: مرفوع الهامة امشي
    أكلتي المفضلة: كل شى مطبوخ بنفس حلوه
    موبايلي: S6
    آخر نشاط: 25/October/2023
    الاتصال: إرسال رسالة عبر MSN إلى فيصل سالم إرسال رسالة عبر Yahoo إلى فيصل سالم
    مقالات المدونة: 5
    عاشت الايادي لهذا البحث الرائع

    ورد ان سيدنا اسماعيل عليه السلام ابو العرب المستعربة ماتو كل اولاده ونجي فقط عدنان ومنه نسل العرب وهذا الامر خاطئ

    فأولاد سيدنا اسماعيل 12 ولد منهم مبسام ومشماع وقيدر واكبرهم نبايوت ... ويعود نسب عدنان الى القيدر بن اسماعيل بن ابراهيم الخليل واسمه كما دونته العرب ... عدنان بن أدد بن الهميسع بن سلامان بن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن العوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن تاحش بن ماخي بن عبقي بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يخزن بن يلحن بن أرعوى بن عيفى بن ديشان بن عيصر بن أقناد بن إيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن شمى بن مزى بن عوص بن عرام بن قيذر بن إسماعيل بن إبراهيم

    وقد يختلف النسابة فى تسلسل عدنان ولاكنه حفيد سيدنا اسماعيل من 28 جد وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام يصدقون بالنسب الى عدنان ولاكن يكذب من يعدد الى اسماعيل

    وورد كذلك ان اليمامه هي اليوم الاحساء وهذا خطأ جغرافي ... فالاحساء هي هجر والهفوف والعيون ... اما اليمامه فهي اليوم قريبة من الرياض العاصمة السعودية وتبعد عن الاحساء ليس باقل من 350 كيلو متر

  10. #10
    من أهل الدار
    ام علي
    تاريخ التسجيل: July-2011
    الدولة: العراق
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 70,417 المواضيع: 17,968
    صوتيات: 164 سوالف عراقية: 12
    التقييم: 22601
    مزاجي: حسب الزمان والمكان
    المهنة: ربة بيت
    أكلتي المفضلة: المشاوي
    موبايلي: XR
    مقالات المدونة: 92
    شكرا جزيلا للتقارير

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال