المعبد الهندوسي في أبوظبي ودعاة سفينة الوهم
السبت 22 أغسطس 2015 / 19:48
د.فاطمة حمد المزروعي
في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008 كانت العاصمة أبوظبي على موعد مع الفن، ومع أحد أبهى معاني الحياة، حيث وضع أول عمل نحتي فني دائم، على ربوة أمام ديوان ولي عهد أبوظبي. وجسد ذلك العمل إحدى القيم الأساسية التي أقيمت عليها دولتنا الحبيبة، ألا وهو التسامح الديني، وتقبل الآخر المختلف، أيا كان نوع اختلافه.
العمل الفني أنجزه الفنان الفرنسي المبدع غاي فيرير، ويجسد كلمة التسامح باللغة الإنجليزية، وصفت المجسمات الفنية بشكل متناسق، ويجسد كل حرف شكلا من أشكال الاختلاف بين البشر. هذه رسالة فنية تعبر عن الأساس الذي أقام عليه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- دولة الإمارات العربية المتحدة، وتؤكد أن الرؤية ذاتها مازالت مستمرة يدعمها رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان -حفظه الله- و العمل الفني الذي جسد هذه الرؤية هو هدية من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لشعب الإمارات الذي عاش دوما متقبلا للآخر، ومتعاونا معه لخير هذه البلاد.
يومها توقفت أمام هذا العمل الفني، وهتفت في داخلي : كم أنت عظيمة يا بلادي!
تذكرت هذا الموقف عندما قرأت عن تخصيص أرض في أبوظبي لبناء أول معبد هندوسي في الإمارات. وإذا كنت ككثير من الإماراتيين لم أجد في الخبر إلا استحساناً للأمر، إلا أن بعض المغرضين الذين تحركهم جهات مشبوهة، استخدموا الدين سلاحاً لتخويف الناس وإرهابهم، ولزعزعة ثقتهم، فهم يرفضون أي شيء لا يتوافق مع فكرهم الضيق، وينحازون دوما إلى آراء متشددة تعود إلى مئات السنين، ويعيشون في وهم واحد هو التصنيف، يقسمون الناس كفرة ومؤمنين، أشراراً وأخياراً، يحددون المصائر إلى جنة ونار، فيعدون أنفسهم من الفرقة الناجية، ويصورون فكرهم واتجاههم بسفينة نوح، التي ستخلص الناس. تلك هي أوهامهم وأمانيهم.
يتناسى هؤلاء المغرضون أنهم يعتمدون في ذلك على رأي فقهي قديم له ما له، وعليه ما عليه، وأن اختلافهم مع الآخرين هو في الفروع، لا في أصل الدين وأساسياته. إضافة إلى أنهم لا يدركون الواقع ولا يعرفون القوانين المنظمة للدولة، ولا يؤمنون بشيء اسمه فقه الواقع، فقد غشيت أبصارهم، وباتوا غارقين تماماً في تحزباتهم وأوهامهم.
إن دستور دولة الإمارات وقوانينها، تكفل الحريات جميعها، منها حرية ممارسة الشعائر الدينية، فقد خصص دستور دولة الإمارات الباب الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة، وتنص المواد من 25-44 ، والمادة 40 على أن الأجانب يتمتعون بالحقوق والحريات المقررة في المواثيق الدولية.
كما يتناسون المرسوم بقانون الذي صدر مؤخرا بشأن مكافحة التمييز والكراهية، ويجرم الإساءة إلى الأديان أو رموزها، والتمييز بين الأفراد على أساس الدين أو الملة أو اللون أو الأصل ويجرم من يقوم بعقوبات رادعة؛ لأن القانون يهدف للحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه، بعيدا عن النعرات الدينية والطائفية وخطاب الكراهية.
هذا فيما يخص الدستور والقوانين، أما في الواقع المعاصر فنجد أن المساجد الآن في معظم البلاد الغربية والشرقية، تلك التي لا يمثل الإسلام دينها الرسمي، وكم من المنقبات والمحجبات يسرن في شوارع أوروبا، دون أن يؤثر ذلك على قيم تلك الدول، ولا على رسالة كنائسها ومعابدها. وفي المقابل يحضر المسؤولون الذين يمثلون أعلى سلطة رسمية دينية احتفالات الكنائس في عيد ميلاد المسيح كل عام، في بعض الدول العربية، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، يشاركونهم فرحتهم ويباركون لهم دون حرج، فالذي يجمعهم هو التسامح والمحبة والتعاون، فهم يبحثون عما يجمعهم ويوحدهم، وليس عما يفرقهم ويباعد بينهم.
إن إنشاء معبد هندوسي في الإمارات هو الوسيلة المثلى لمعتنقي هذه الديانة لممارستها بكل حرية وأمان. ذلك أن البلاد التي سمحت لهم بالإقامة فيها وبالعمل، وتعليم أبنائهم، لن تبخل بالموافقة على طلبهم في إقامة معبد لهم.
وفي النهاية سأقول دوما كم أنت عظيمة يا بلادي!