صفحة 5 من 11 الأولىالأولى ... 34 567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 104
الموضوع:

رواية فلتغفري .."للـكاتبة أثير عبد الله - الصفحة 5

الزوار من محركات البحث: 9210 المشاهدات : 39076 الردود: 103
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #41
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    تاريخ التسجيل: October-2014
    الدولة: Iraq
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 15,523 المواضيع: 479
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 7035
    المهنة: صيدلانية
    موبايلي: iphone 8 plus& note5& iphone 7
    آخر نشاط: 12/August/2022
    مقالات المدونة: 8
    بدأت نوبات الهلع المرضية تنتابني في سنتي الثانية هنا ، على الرغم

    من أن العيش هنا والابتعاد عن مجتمعنا بكل شرائحه كان أكبر

    أحلامي في مراهقتي ، إلا أن الخوف من الموت وحيداً كان ينتابني

    بين الحين والآخر و لا يزال يفعل في بعض أوقات حزني وبأسي .

    فكرت كثيراً فيما لو زارني الموت فجأة في غربتي ، كم سأمكث ميتاً

    قبل أن يكتشف موتي أحد ، وكم سيبقى جسدي عالقاً هنا قبل أن

    تنهي السفارة إجراءات نقلي إلى الرياض .

    الرياض حيث أرجو أن أموت !

    أنا لا أحب أن أعيش في الرياض ، لم أحب يوماً مولدي بها و لا حياتي

    فيها ، لكنني أريد حتماً أن أموت فيها ، أشعر أحياناً بأن الرياض أرض

    للموت وليست للحياة ، أرض يُفترض أن نعيش بعيداً عنها ،لكن علينا

    أن نعود إليها يوماً لنلفظ أنفاسنا الأخيرة فيها .

    لذا انتقلت من الشقة التي كنت أعيش فيها إلى بيت باتي وروبرت ،

    أردت أن أنام في بيت يشاركني التنفس فيه أحد ، استبعدت تماماً

    مشاركة شقة مع أحد الزملاء الخليجيين ، لأنني كنت أدرك أن أهواء

    الطلبة في نمط الحياة مختلفة وهذا ما كان سيضعنا يوماً أمام نقطة

    خلاف كبيرة ، خشيت أن أخسر علاقتي مع أحد فأثرت العيش مع

    كهلين كنديين ، أحببتهما كثيراً وخففا من وطأة الغربة علي ليالي

    كثيرة .
    أتدرين ، تراجعت نوبات هلعي كثيراً عندما عرفتكِ ، جئتِ فانتشلتني

    من مخاوفي وقلقي ، أسكنتِ السكينة في قلبي ، فبت أنام قريراً

    متفائلاً هادئاً ومطمئناً .

    لكن الخوف عاودني بعد أربع سنوات من الطمأنينة ، فبعد ارتفاع وثيرة

    خلافنا في الآونة الأخيرة ، عاودتني نوبات الهلع من جديد وكأنها لم

    تغادرني يوماً .

    أشعر أحياناً أنها عادت أكثر وطأة وحدة ، وأظن بأنها ستقتلني يوماً ،

    وأنني سأموت من شدة الهلع .

    أذكر أول مرة زارني الخوف فيها بعد انقطاع ، كنتِ قد أخبرتني عن

    مبتعث إماراتي قابلته في إحدى المقاهي القريبة من الجامعة مع

    هيفاء ، قلتِ بأنه دفع حسابكما ، وضحكت كثيراً على هيفاء التي

    جعلته يندم على تلك الشهامة غير المبررة ،

    والتي لم يكن لها مناسبة .

    أخبرتني بعدها بشهر أنكِ كنتِ تجلسين في ذلك المقهى بانتظار

    موعد محاضرتك ، عندما صادفته مع ابنيه وأنكما تبادلتما أطراف

    الحديث ، كنتِ تتحدثين عن حواركما بحماسة أثارت غيرتي ، فعلى

    الرغم من أنني كنت أثق تمام الثقة بأنه من المستحيل أن ينتشلني

    أحد من أعماقك ، أو أن يثير اهتمامكِ أحد غيري ، لكن هاتين

    المصادفتين لم تكونا مريحتين بالنسبة إلي .

    لذا غضبت كثيراً ، عاتبتكِ وطلبت منكِ أن لا تتحدثي معه أبداً

    لو صادفته في أي مكان .

    كنا نجلس في مقهانا الخاص ، عندما جاءتنا نادلة المقهى التي تعرفنا

    جيداً ، مدت إليكِ بورقة صغيرة ، وقالت إن رجلاً جاء ليسأل عنكِ ،

    وأنه طلب منها أن تسلمكِ هذه الورقة .

    لا أعرف ما الذي تلبسني لأسحب الورقة من النادلة من دون أن

    أستأذنها أو أستأذنكِ ، كان خط ماجد جميلاً ، مثيراً ، ورائحة الغزل تفوح

    من حروفه التي أرد أن يجس نبضكِ بها .

    كانت حروفه مختصرة ، لكنها واضحة

    ( جمانة ، مررت ولم أجدك ، أفكر بكِ كثيراً ، ماجد العاتكي ) .

    شعرت حينئذ بأن الآف اللترات من الدماء الساخنة ضخت في أوردتي ،

    وكانت دمائي تغلي ، تغلي فعلاً ! ، شعرت بأنفاسي تتصاعد حارة

    وبعضلاتي تتشنج ، لن أقول بأنه تملكني الغضب لأنني تمكنت من

    كبحه فقمت من مكاني خوفاً عليكِ .

    رميت الورقة في وجهكِ وهرولت إلى سيارتي مسرعاً ، كنت أريد أن

    أبتعد عنكِ بأسرع وقت ، خشيت عليك مني ، خفت أن يعميني الغضب

    وأن أؤذيكِ ، لذا ركبت سيارتي بسرعة وانطلقت بها بلا وجهة محددة .

    في طريقي إلى حيث لا أدري ، شعرت بأسناني تصك ببعضها بدون

    إرادة مني ، بدأت أنفاسي تضطرب وبدأ جسدي ينز عرقاً ، شعرت

    بالاختناق وبأنني سأصدم بإحدى السيارات أو بإحد المارة ، أوقفت

    سيارتي وأنا أقاوم الشعور بدنو النهاية .

    كان نشيج أنفاسي يملأ عقلي ، كنت أحاول التنفس بقوة فأسمع

    صوت أنفاسي المضطربة ويزداد هلعي أكثر فأكثر ، حللت حزام

    الأمان ، فتحت نافذتي بيد ترتعش ، حاولت أن أتنفس ، أطرد الموت

    من رأسي ، أن أتشبث بالحياة .

    سمعت صوت هاتفي ، كان زياد هو المتصل ، أجبته وأنا أرتجف ،

    سألني ما إن سمع صوتي : عسى ماشر !

    -أحس أني بموت .

    قال بقلق : وش صاير وش فيك ؟

    أجبته وأنا ألهث وقد بدأت أهدأ : كنت ماشي وحسيت أني بصدم .

    قال زياد متفهماً : فهمت فهمت ،استرخِ وتنفس ، ما فيك شيء أنت

    معي على الخط وكل أمورك كويسة .

    حاول زياد أن يطيل معي الحديث وأن يجعله مرحاً قدر الإمكان ، قال

    مازحاً في نهاية المكالمة وبعدما تأكد من أنني أصبحت أكثر ارتياحاً :

    لا تكبر الموضوع في داخلك ، مجرد panic attack وراحت بيتهم !

    شعرت بأن مكالمة زياد قد انتشلتني من بين فكي الهلع فعلاً ،

    لا أدري ما الذي كان سيحل بي لو لم يتصل بي زياد أو لم أتمكن

    من الرد عليه .

    ربما كنت سأظل في سيارتي حتى أموت هلعاً ، على الرغم من أن

    جميع الأطباء الذين سبق وأن استشرتهم في نوباتي تلك ، قد أكدوا

    لي أن لا أحد يموت من نوبة هلع ، إلا أنني أدرك أن أحد منهم لم

    يشعر بما أشعر به ، الأطباء يفتون دوماً فيما تعلموا وليس فيما جربوا

    وعايشوا .

    في ذلك اليوم ، كرهتكِ كثيراً يا جمانة ، كرهتكِ ، ليس لأنكِ لم

    تخبريني عن كيف عرف ماجد عن مقهانا ، و لا لماذا يبحث عنكِ فقط ،

    كرهتكِ يومها لأنني تخلصت من الهلع بسببك و لأنه عاد إلي

    بسببكِ أيضاً .

    لم أتخيل يوماً أن أعايش الهلع من جديد ، ظننت بأنني قد انتهيت منه

    إلى الأبد وبأن الرعب من الموت لن يعاودني إلا عند الموت ، فلماذا

    أعدتِ ذلك الهاجس إلي ؟!

    مشطت الطرقات بعدما أنهى زياد المكالمة ، كنت بحاجة لأن أتوه

    بعيداً عن كل مكان يعرفني وأعرفه ، شعرت حينذاك بالحنق تجاهكِ ،

    كنت أدرك أنك لم تفعلي شيئاً ، وأن هناك لبساً لا دخل لكِ فيه ،

    لكنني كنت بحاجة لأن أغضب منكِ ، لأن أشعر بأنكِ آذيتني ، كنت

    أحتاج لأن أشعر بذلك لأنني لطالما كنت من يغضبكِ ومن يؤذيكِ .

    ربما رغبت في لاوعيي أن تخونيني حتى نتعادل ، أو ربما حتى

    تخلصيني من تأنيب الضمير ، لكنني ، وعلى الرغم من رغبتي

    المستترة في داخلي ، شعرت بالمهانة من فعلك وكذلك بالخيبة !

    أعرف بأنك لن تفهمي شيئاً من هذه المشاعر ، وأعتقد بأنه من

    الصعب أن يفهمها أحد ، أنا نفسي لم أتمكن من فهمها والوصل إلى

    تحليل لها إلا بعد أشهر طويلة مما حدث .

    لا أدري كيف أشرح لك ما شعرت به وما رغبت فيه !

    أردت أن أصدق أنكِ تخونيني ربما لأنني أشعر بأنني لا أستحقك ،

    لكنني عندما أقنعت نفسي بأنكِ فعلتِ ، شعرت بألم لا يطاق وخوف

    من خسارتك ، تألمت كثيراً، تألمت بشدة !

    عدت إلى المنزل بعد ساعات من التجوال من دون هدف أو وجهة ،

    كنت أحاول أن أفسر مشاعري وأن أرتب أفكاري بلا نتيجة ، فعدت إلى

    المنزل بعدما أغلقت هاتفي الذي كاد أن يثن من رجاء مكالماتك .

    وجدت روبرت وباتي يتابعان برنامجاً عند دخولي البيت ، حييتهما

    مسرعاً ، فاستوقفني روبرت وهو يشير بجهاز التحكم : عزيز ، جاءت

    جمانة قبل ساعات ، كانت تريد أن تقابلك .

    -سأتصل بها ، شكراً بوب .

    قالت باتي بحاجبين معقودين : لو فعل بي بوب بعض ما فعلته وتفعله

    بجمانة ، لهجرته منذ سنوات ، فأجبتها ممازحاً :

    -أنتِ تهددينه بالهجر منذ أن عرفتكما ، لما لا تهجرينه بدلاً من هذا

    الإرهاب الذي تمارسينه عليه ؟!

    ضحك روبرت سعيداً بدفاعي عنه ، فحملت هي إبريق الشاي متوجهة

    إلى المطبخ وهي تتمتم متذمرة .

    دخلت غرفتي ، اضطجعت فوق سريري وأنا أشعر بغيمة من الخذلان

    تظللني ، كنت أفكر لكم هي موجعة هذه المشاعر ، كنت أتشرب

    بفكرة الخيانة أكثر فأكثر ، وصراع دام يجري في أعماقي المضطربة .

    كان يصرخ شيء في داخلي محاولاً إيقاظي من تلك الخيبة ، كان

    يهتف بأنه من المستحيل أن تفعلي بي أمراً كهذا ، ليس لأنك تحبينني

    فقط ، بل لأنك لا تشبهين هذا السلوك و لا تعرفين هذه الفكرة

    و لا تحملين هذا الجين ، أنتِ امرأة لن تخون أحد يوماً ما ، لأنكِ ببساطة

    لا تعرفين ماهية الخيانة ولا تشعرين بمتعتها .

    وكان يصرخ في الجهة المقابلة وبصوتٍ جهور ، هاتف يصر على أنكِ

    فعلتِ ، كان يهزني صائحاً : لقد أهنت ، خدعت ، هي تعبث معك وبك !

    أردت أن أصدق الهاتفين ، أردت أن تخونيني وأن لا تفعلي ، أردت أن

    أثق بك لكنني أردت أن أشك بكِ أيضاً ، صدقيني لا أعرف لماذا عشت

    وأعيش ذلك ! ، أنا مريض ، لا شك عندي في هذا ، لكنني لا أعرف

    السبب .

    كانت الأفكار تتصادم داخل رأسي ، شعرت به يتضخم ، يثقل ويتأرجح ،

    فتحت الدرج بجانب السرير ، تناولت حبتين من مهدئ كان قد صرفه

    لي أحد الأطباء قبل سنوات ، واستسلمت لداع البكاء الملح داخل

    نفسي .

    أظن بأنني بكيت كل شيء ، كل حدث وكل أحد ، كنت بحاجة لأن أبكي

    بعد فترة طويلة من عدم القدرة على البكاء ، فتهيأ لي سبب لأبكي كل

    المواقف الماضية ، كنت خائفاً أكثر من أي شيء ، أرعبتني نوبة الهلع

    التي انتابتني في سيارتي ، شعرت بأنكِ السبب ، وبأنني سأقع أسير

    تلك النوباتِ من جديد .

    أخذت هاتفي واتصلت بك ، أجبتني بعد النغمة الأولى ، صرخت بكِ ،

    شتمتكِ . قلت لك بأنني تناولت حبتين ، وبأنني سأتناول بقية العلبة

    إن لم تعترفي بما لم تقومي به ، فعلتِ من أجل أن أهدأ فانهرت

    حينما فعلتِ !

    عندما سمعت منكِ ما أردت سماعه ، أنهيت المكالمة وأنتِ ترجينني

    أن أسمعك ، ركضت إلى الحمام ، وضعت إصبعي في حلقي لأتقيأ

    ما ابتلعته ، تقيأت الحبتين ، لكنني لم أستطع أن أتقيأ الحزن والهلع

    والغضب !


    ***

  2. #42
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين

  3. #43
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    أنظر دائماً إلى الصور التي تجمعنا ، تدهشني آثار العِشرة التي أراها

    تنحت على ملامحنا يوماً بعد يوم ، أطالع صورنا للأربعة أعوام

    الماضية ، بالشغف الجلي في بعض الصور ، بالحميمية القصوى في

    بعضها ، بالاعتياد ،بالود ، بالألفة ، بالحب ، بالتعلق ، بالارتباط ،

    وبالعشرة الطويلة .

    تقولين لي دائماً (( لو كنا قد تزوجنا قبل أربعة أعوام ، لربما كان لدينا

    طفل الآن )) ، وأقول في نفسي (( بل ربما طفلان .. أو حتى ثلاثة )) !

    أن تقضي سنوات في علاقة حب ، يعني أن تمنح العلاقة وسام

    الذكرى الأبدية حتى لو انتهت تلك العلاقة .

    من الصعب أن تنسى علاقة طويلة ، ربما لأنها شغلت جزءاً كبيراً من

    عمرك ، وربما لأنها لو لم تكن علاقة حب حقيقية لما استمرت ودامت

    لأعوام.

    أنا لم أستمر في علاقة لأكثر من خمسة أشهر سوى معكِ ومع

    ياسمين ، علاقتي بياسمين ممتدة لسنوات طويلة ، لكنها ليست

    بعلاقة حب .. وليست بعلاقة مستمرة ، هي علاقة متقطعة ، علاقة

    يحكمها المزاج وتحكمها الحاجة ، لكنني لن أنسى هذه العلاقة يوماً

    لأنها أخذت سنوات طويلة من عمري ، ولأن ذكراها لن تؤلمني يوماً .

    أما أنتي يا جمانة ، لا رغبة لي بتذكركِ لو خسرتكِ ، أنت التي أدرك

    بأنها قد وشمت في قلبي وشماً بدوياً لا يزول و لا يمحى ، وشمكِ

    الحب في قلبي ، فوشمتكِ فوقه .

    كنت في مونتريال مع ياسمين ، رافقتها إلى محل متخصص بالوشم ،

    كانت تريد أن توشم جناحين ملائكيين على كتفيها .

    كان من السخرية أن تختار جناحين ، وهي أبعد ما تكون عن الملائكة ،

    لكنني لم أكترث كثيراً ، رافقتها لأنها أرادت أن أفعل ، ففعلت !

    كنا نتصفح كتيباً يحوي أشكالاً ورسومات وشوم حينما أشارت بيدها

    إلى وشم بحرف الـ j الإنجليزي .قالت : ما رأيك أن تضعه ؟

    دهشت لاختيارها للحرف ، ظننت بأنها تقصدكِ ، ولم أكن قد تحدثت

    معها يوماً عنك على الرغم من إدراكها أن في حياتي امرأة غيرها ،

    نسيت أن اسمها بالإنجليزية ينطق (( جاسمين )) قلت بدهشة :

    لماذا j بالذات ؟

    قال وهي تضحك : لأنه حرفي .

    ابتسمت ، شيء ما يضحك داخل أعماقي ، كنت أعرف أنها غير جادة

    بطلبها ، وأنها كانت تمازحني ليس إلا ؛ فمن المستحيل أن يقدم رجل

    على فعل كهذا مع امرأة لا تربطه بها علاقة حقيقية .

    فكرت بسرعة ، شعرت بأنه سيبهركِ أن أوشم أو حروف اسمكِ على

    صدري ، أنتِ الفخورة باسمها كثيراً والرومانسية حتى النخاع .

    كنت خائفاً من فكرة الأبدية ،أن أضع وشماً يرافقني إلى الأبد ، فكرت

    فيما لو مت ، هل سأقابل ربي بما لعن ، لكن الشيطان القابع في

    داخلي أغراني وأقدمت وفعلتها ، فعلتها من أجلكِ يا جمانة .

    دهشت ياسمين ، ودهشتِ أنتِ .. وكنت سعيداً بالحالتين !

    اتصلت بكِ بعد ذلك بيومين ، طلبت منكِ أن تأتي مع هيفاء إلى

    المقهى لأنني قد أعددت مفاجأة ، واتصلت بزياد ومحمد أيضاً .

    سألتني عندما اجتمعنا : ما المفاجأة ؟!

    فتحت أزرار قميصي ، قالت هيفاء ساهرة : ما الأمر ؟ أستقفز في

    كأس الماء ؟

    تجاهلتها ، كانت عيناي معلقتين بكِ ، بانبهاركِ ودهشتكٍ وسعادتكِ

    التي كنت أنتظرها ، أزحت الشاش الطبي من على الوشم ، ورفعت

    عيني إليكِ حتى لا تفوتني فرحتك .

    تفاجأتِ كثيراً ، سألتني (( ماذا لو رآه أحد )) .. أخبرتكِ أنه لا يهمني

    أحد غيركِ ، شعرت بروحكِ تحلق فرحاً ، تحلق بعيداً ، بعيداً جداً .

    قال لي زياد بعد أن غادرتِ برفقة هيفاء :ياخي حرام عليك تلعب

    ع البنت !

    شعرت بالمهانة ، ليس من أجلي بل من أجلكِ ، قلت :

    من قال لك أني ألعب عليها ؟!

    قال محمد : شرايك تلعب علينا حنا بعد ؟! حنا عارفين وين أنت رايح

    ومن فين جاي .

    قلت : لا والله سويته عشان جمانة ، مو عشان ياسمين .

    قال زياد بضيق : حرام عليك ، والله البنت طيبة .

    هز محمد رأسه مؤيداً ، كنت أعرف أن في جعبتهما الكثير ليقولاه

    حيال علاقتنا ،لكنهما تحفظا من أجل أن لا يخسرا الصدقة القديمة

    التي تربطنا .

    بقدر ما أسعدتني فرحتكِ بالوشم ، بقدر ما عكر علي ما قاله كل من

    زياد ومحمد .

    يوجعني كثيراً أن يظن أقرب الناس إلي أنني أخدعك ، أزعجني

    ظنهما بي ، وآلمتني صورتكِ الهشة في أعينهما .

    أنا لا أعبث معكِ و لا بكِ ، وأنتِ لستِ بفتاة مغفلة و لا حتى ساذجة ،

    هما لا يفهمان ما بيننا و لا يدركان من أنا فعلاً ، و لا من تكونين أنتِ ،

    و لا إلى ما ستؤول علاقتنا .

    يؤلمني أن أؤذيكِ من دون علمك ، أن تكوني المخدوعة في أعين

    الآخرين ، وأن يشفق الناس عليكِ بسببي وبدون قصد مني ،

    صدقيني يا جمان ، لم أسعَ إلى ذلك قط ، هو أمر لم أقصده يوماً

    ولن أقصده أبداً .


    ***

  4. #44
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    أخشى أن أتوقف عن حبك يوماً ..


    على الرغم من أن العشاق دائماً ما يخافون أن يتوقف حب الذين

    يعشقونهم أو أن ينتهي ذلك الحب ، إلا أنني لست منهم أنا لا أخاف

    أن تتوقفي عن حبي ، بل أخاف أن أفعل أنا .



    أريد أن أحبك إلى الأبد ، ليس لأنك تحبينني بكل ما فيكِ ، بل لأنني

    لا أريد أن أحب يوماً سواكِ .



    انتهى زواج أحد أصدقائي المتزوجين بالطلاق ، كان متزوجاً عن حب

    مع سبق الإصرار والترصد، واستمر زواجه بمن يحب لثلاثة أعوام

    أثمرت عن ملاك صغير لم يكن إلا نتيجة حب .



    سألته مرة : لماذا تطقتما ؟ فأجاب :


    -لأننا لم نعد نحب بعضنا .


    -وأين ذهب كل ذلك الحب ؟ فقال بحزن لفحتني حرارته :


    -أظن بأن هذا أقسى ما في الانفصال ، ليس فشل الزواج ،

    و لا تشتت الطفل بين الزوجين وعدم استقراره مستقبلاً ، أقسى

    ما في الانفصال هو أن تتوقف عن حب من كنت تظن بأنك لن

    تحب يوماً سواه .



    في ذلك اليوم ، أخافتني الفكرة كثيراً ، خشيت أن أخسر حبي لكِ ،

    وأن أدخل في معمعة البحث من جديد، أنا قادر أن أجد ألف صديقة ،

    وأن أقيم مائة علاقة لكنني لست بقادر على أن أجد من يكملني

    مثلما تفعلين أنتِ .



    خسارتكِ يا جمانة تعني أنني سأعود إلى نقطة الصفر مجدداً ،

    وأنني سأعود للتفتيش عن امرأة أحبها كما أحببتك ومثلما أحبك ،

    قد يستغرق البحث لسنوات طوال وقد لا أجد تلك المرأة أبداً .



    قلت لكِ يوماً بأن حكايات الحب الجميلة تنتهي بالزواج ،

    فجاء ردك :



    -أنا لا أريد أن ينتهي حبي لك بزواجي منك ، أريد أن ينضج حبنا ،

    أن يكبر ، أن ينمو وأن يتضخم ، وأن نستمر في حب بعضنا أبد الدهر .



    لكنني ، وبقدر ما أخاف أن أتوقف عن حبكِ ، أخاف أيضاً أن

    يصدمكِ برود الواقع .



    أحاول أن أفهمكِ دوماً كم هي قاسية هذه الحياة ، وكم ستكون حياتنا

    معاً في غاية الواقعية ، تخيفني رومانسيتكِ أحياناً ، الحياة الوردية

    التي تنشدينها أدرك تماماً أنني غير قادر على أن أشارككِ فيها .



    أخبركِ دائماً أن الزواج يختلف تماماً عن الحب ، وأن مشاركة اثنين

    حياة بكل ما فيها ، ومساكنتهما لبعضهما تختلف عن علاقة الحب

    التي نظهر فيها أجمل ما لدينا .



    يومذاك سخرتِ مني ، سألتني : أتقصد بأننا في الحب نظهر

    أجمل حالاتنا فقط ؟



    أجبتكِ : طبعاً !


    -يعني هذا أنك بأفضل حالاتك الآن ؟!


    -حتماً ، هذا أفضل ما عندي !


    -شهقتِ بسخرية : أوف !


    أكدت لكِ بأن هذا أفضل ما سترينه مني فعلاً ، لكنكِ لم تأخذي

    ما قلته على محمل الجد .



    أتدرين !


    عرفت منذ الوهلة الأولى التي رأيتكِ فيها داخل المقهى أنكِ

    المنشودة ، على الرغم من أنني لم أؤمن يوماً بالحب من النظرة

    الأولى ، إلا أنني أدركت بقلبي وعقلي وروحي معاً أنكِ من بحث

    عنها وأنني من تبحثين عنه ، لكنني أخاف كثيراً أن يصدمك الزواج ،

    أخشى أن يتعرى الحب أمامه فتظهر عيوبه كلها فيموت الحب وينهار

    الزواج ونضيع أنا وأنتِ .



    أنتِ تريدين أن نتزوج ، أن نكون معاً ، أن نحب بعضنا إلى الأبد ، أنتِ

    لا تهابين الحب و لا تخشين تغيره ، لكنني أخافه كثيراً وأخشى

    تطوراته وتراجعاته .



    تقولين إني أفلسف كل شيء ، وإنني أفقد الأشياء متعتها ،

    تظنين بأن علينا أن نخوض التجربة وأن نكتشف بأنفسنا معاً كل

    ما تخبئه وما تخفيه وما تحمله ، لكنني غير قادر على المجازفة معكِ ،

    أريد أن أتزوجك لكنني أخشى أن أراهن عليكِ وبكِ ، لا أريد أن أفشل

    معكِ ، ليس معكِ يا جمانة ، ليس معكِ !




    ***

  5. #45
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    بعد حكاية ماجد وشجارنا يوم ذاك ، شعرت بأن المدينة تضيق بي ،

    وبأن وجهكِ يملأ زواياها ، رأيتكِ في كل شارع فيها وفي كل ركن ،

    كنتِ في ملامح أصدقائي وفي تفاصيل الطرقات ، شممت رائحتكِ

    عندما هطل المطر ، شاهدت ابتسامتكِ ترتسم في كوب القهوة ،

    ولمحت طيفكِ يتسلل مع أشعة الشمس وعبر خيوطها .



    قررت أن أبتعد قليلاً ، أنا أتنفس فيمكان لا تشاركينني الأوكسجين فيه

    ، هاتفت ياسمين ، حزمت حقيبتي وتوجهت إلى المطار حيث ياسمين

    وبعيداً عنكِ .



    لكنني وجدتكِ في مونتريال أيضاً ، تعثرت بكِ في كل مكان ، كنتِ

    حاضرة بيني وبين ياسمين ، لم أتمكن من طردكِ من رأسي وإبعادكِ

    من بيننا .



    خرجت ياسمين في إحدى الليالي مع صديقاتها وأصدقائها ، كنت

    مكتئباً فآثرت البقاء في البيت بانتظارها ، أردت أن أرسل رسالة لزياد

    وبينما كنت أبحث عن اسم المرسل إليه ، وجدت رقم والدتكِ أمامي

    على الشاشة باسم (( خاتلي أم جمانة )) !



    كنتِ قد اتصلتِ بي من هاتف والدتك قبل سنتين أو ثلاث بينما كنتِ

    في الرياض ، عندما كانت الخدمة مفصولة عن هاتفكِ ، لا أعرف لماذا

    حفظت رقم هاتفها لدي ، ربما ظننت يوماً بأنني قد أحتاجه ، ربما

    خشيت أن يصيبكِ شيء هنا و لا أعرف كيف أتصل بأحد من أهلك ،

    ربما احتفظت به لأعطيه إلى أمي يوماً إذا أرادت محادثتك ، وربما

    احتفظت به لأؤذيكِ ! ، الحقيقة أنني لا أذكر سبب احتفاظي به ،

    لكنني فعلت .



    عندما رأيت رقم والدتك ، لم أفكر كثيراً ، شيء ما تعطل داخل رأسي ،

    لم أشعر إلا بإصبعي تضغط زر الاتصال ، و لا أدري كيف فعلت ذلك

    من دون أن أفكر !



    أنتِ طيبة جداً ، صادقة ، واضحة و لا تتوقعين غدراً من أحد ،

    أنتِ لا تفهمين معنى الغدر ، و لا تدركين لماذا قد يغدر الناس

    وكيف يغدرون .



    أنا لم أغدر بكِ عندما اتصلت بوالدتك ، لم أرغب بإيذائكِ ، لكن شيئاً في

    نفسي دفعني لأن أتصل بها ، فعندما تؤذي امرأة رجلاً ، لن يسمع

    إلا صوت الإهانة يزأر في نفسه ، لن يقدر على أن يسيطر على رغبة

    الانتقام الصارخة في داخله ، لا أعرف أن كان الرجال جميعاً يفكرون

    بهذه الطريقة ، ويشعرون بتلك المشاعر ، لكنني حتماً هذا الرجل .



    ردت والدتكِ بصوت يملأه الشوق والفرح ، كانت تظن بأنكِ من

    يتصل بها .



    -حيا الله هالصوت !


    -مساء الخير !


    -أجابت بصوت مندهش ومتوجس : مساء النور ، من معي ؟


    -أم خالد ؟


    -أي نعم ، مين معي ؟


    -معكِ السفارة السعودية في كندا .


    صاحت بصوت يكاد أن ينهار : جمانة ! ،ما بها جمانة ؟!


    -هي بخير ، لا تقلقي .


    قالت مشككة وبصوت يرتجف : لماذا تتصلون بي إن كانت بخير ؟

    ما الأمر ؟



    -لا أعرف ما الذي أستطيع قوله لكِ ، الأمر محرج جداً .


    -أرجوك ، لقد تعبت أعصابي ، قل ما عندك !


    -مثلما أخبرتكِ هي بخير ، لكن عليها بعض الملاحظات التي أردنا

    إبلاغكم عنها .



    -ملاحظة ! ، ملاحظة من أي نوع ؟


    -أبلغ بعض زملائها السفارة أكثر من مرة أنها على علاقة بمبتعث

    إماراتي ، ومثلما تعرفين هي فتاة سعودية ، يخشى على سمعتها

    وصورتها في الخارج .



    -صاحت باستنكار : مستحيل ! مستحيل أن تقدم ابنتي على أمر كهذا ،

    مستحيل .



    -هذا ما حدث زملاؤها لن يحاولوا إيذاءها بلا سبب .


    - لا أصدق هذا ! مستحيل ، أنا أعرف أخلاق ابنتي جيداً ، وأعرف كيف

    تربت ، من المستحيل أن يكون ما ذكرته صحيحاً .



    -مثلما قلت لكِ ، هذا ما حدث ، أردنا إبلاغكم لتحلوا المشكلة قبل

    أن نتدخل في الأمر .



    -وكيف ستتدخلون ؟


    -ستحرم من البعثة بكل تأكيد .


    -لا حول و لا قوة إلا بالله ، لا قدرة لي على أن أصدق ما قلته ، ليست

    جمانة من تفعل ذلك .



    -نتمنى أن تحلوا الموضوع بطريقتكم الخاصة ، لا نريد أن نتسبب للفتاة

    بأية مشاكل علانية .



    -لا حول و لا وقوة إلا بالله ، يارب سترك ، يارب سترك !


    واسيتها بكلمتين حازمتين ، مكرراً عليها ما قلته ، شكرتني ووعدتني

    بصوتٍ يرتعش أن تحل الموضوع على طريقتها .



    عندما أغلقت مع والدتكِ ،شعرت بكلما يمكن أن يشعر به إنسان ،

    كنت منتصراً وذليلاً ، شامتاً وخائباً ، شعرت بأنك تستحقين ما فعلته ،

    وشعرت بأنني قد أجرمت بحقكِ .



    اضطرب (( ضميري )) من جديد ، شعرت بمعدتي تتضاءل وتنقبض ،

    لكن رغبة الانتقام المتأججة في داخلي كانت ترص رقصة النصر ،

    كانت ترقص بإعياء شديد .



    أخذت هاتفي ، كتبت لكِ مهدداً وشامتاً :

    ( أخبرتكِ مسبقاً بأنكِ إن لم تكوني لي ، لن تكوني لغيري ،

    تحملي النتائج ! ) .



    وبعثتها بضمير أنهكه الوجع !


    ***

  6. #46
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    دائماً ما كنت أظن أن المرأة الغامضة تسحرني ، لطالما أحببت المرأة

    التي لا نتوقع منها شيئاً ، لكن معكِ تغيرت كل القناعات .



    أعرفك جيداً ، أفهمكِ كما لا أفهم أحد ، أعرف ما تحبين وما تكرهين ،

    ما تريدين و ما لا تريدين ، أتوقع منكِ كل شيء ، وأحب هذا كثيراً .



    أنتِ لا تشبهينني في هذا ، أنتِ لا تفهمينني كما يجب ،

    تعرفين ما أحب و ما لا أحب ، لكنكِ لا تفهمين لماذا أحب

    و لماذا لا أحب .



    كنتِ تختلفين عني في كل شيء ، ولا تشبهينني في أي أمر ،

    و لا أدري حقاً كيف نتجاذب على الرغم من الاختلاف !



    أتذكر أنني دائماً ما كنت أنجذب للواتي يشبهنني ، للعباثات ، القويات ،

    العنيدات ، الشهوانيات وغير المسؤولات .



    لم أنجذب يوماً لامرأة تشبهك ، ولم أنجذب يوماً لامرأة بقدر ما انجذبت

    إليكِ أنتِ ، أنتِ نقيضي الحاد والمختلف عني تماماً .



    أفكر أحياناً أننا نتكامل فعلياً بفعل الاختلاف ، لذا لا قدرة لأحد منا على

    الانفكاك عن الآخر ، نحن نكمل بعضنا بعضاً ونملأ النقص الذي يصيح

    في داخلنا ؛ فبقدر ما احتاج امرأة بتول المشاعر لتبتدئ معي ، بقدر

    ما تحتاجين أنتِ رجلاً أنهكته التجاب لينتهي معكِ ، كنت أريد بداياتكِ

    وكنتِ ترغبين بنهاياتي ، لذا لم تتقاطع رغباتنا يا جمان .



    أتدرين ؟


    دوماً ما أفكر فيما ينقصكِ لتحبي رجلاً مثلي ، فتصدمني نتيجة التفكير

    الثابتة والتي لا تتغير .



    أنتِ لا ينقصكِ في هذه الحياة شيء ، خلقتِ في عائلة عريقة ،

    متحابة و حصلتِ في حياتكِ على كل شيء أردته ، دللتِ ، أحببتِ ،

    عشتِ طفولة مترفة ، وكنتِ مقبولة بل مرغوبة في كل حالاتك داخل

    أسرتك ، وعلى الرغم من كل ذلك نشأتِ فتاة طيبة ، عميقة ،

    لا تخدعها المظاهر الكاذبة ، و لا يجذبها نفاق المجتمع و لا تقسو على

    الآخرين أو تتصف بطيش مما فعلت الأيام بها .



    أعرف بأنكِ لم تتوقعي يوماً أن أتصل بوالدتكِ بهذا الشكل ،

    لم تتوقعي يوماً أن أتعمد إيذائكِ ، لكنني كنت أحتاج هذا ،

    لن أسمح لأحد بإيذائكِ لكنني لن أسمح لكِ بإيذائي أيضاً

    ولن أغفر لكِ ذلك .



    أحبكِ جداً وأخاف عليكِ كثيراً ، لكنني نشأت هكذا ، أو فلنقل بأنني

    خلقت هكذا ، أنا لا أعرف كيف يغفر الناس وكيف يتسامحون ،

    لا أعرف كيف يتجاوزون أذية الآخرين لهم ، وكيف يستطيعون أن

    يكملوا حيواتهم من دون أن يثأروا لأنفسهم .



    أظن بأني مسالم جداً ، فأنا لا أؤذي إلا من يؤذيني ، تقولين أنتِ بأن

    المسالمة تعني أن لا نؤذي أحداً أبداً مهما فعل الآخرون بنا ومهما

    أقدموا على إهانتنا والإساءة إلينا ، وأرى أنا بأن هذا مناف للفطرة

    الإنسانية ، من لا يدافع عن نفسه يا جمانة إنسان معتل برأيي ،

    إنسان لا يحترم ذاته و لا يحبها كما يجب عليه أن يفعل .



    ما معنى أن يؤلمنا الآخرون ، أن يجرحونا ، أن يهينونا ، وأن نغض

    الطرف عن كل هذا ونمضي قدماً ؟!



    هذا يخالف طبيعة البشر ، هذا شذوذ فكري وعاطفي وسلوكي

    لا أستطيع ممارسته ولا اعتناقه !



    أنا رجل شب على أن يرد الصاع صاعين ، وأن يمحي من يحاول

    خدشه ، لا أستطيع أن أكون غير هذا الرجل ، و لا أريد أن أكون غيره .



    ارتفع صوت هاتفي ، كانت النغمة المخصصة لك ،

    رأيت هاتفي يهتز على الطاولة وصوت josh groban القوي

    يعانق صورتكِ الناعمة .



    You raise me up , so I can stand on mountains
    You raise me up , to walk on stormy seas
    I am strong , when I am on your shoulders
    You raise me up , to more than I can be


    بقيت أطالع صورتكِ وصوت جوش يهز كتفي يذكرني بأنكِ وحدك

    من يرفعني عالياً ، يرفعني أكثر بكثير مما أقدر عليه .



    أجبتكِ بغضب : نعم !


    سألتني إن كنت قد اتصلت بوالدتكِ ، كانت الدهشة والرجاء والإنكار

    يملأن صوتكِ ، شعرت بنبرتكِ ترجوني أن أنفي هذا ، كنتِ خائفة من

    أن أكون حقاً من اتصل بها ، خشيت أن تنهار صورتي في عينيكِ لذا

    سألتني بالنفي ، قائلة : (( لست من اتصل بوالدتي )) ! ،

    لم تسأليني إن كنت قد اتصلت بها ، نفيتِ اتصالي بها بسؤالكِ ،

    كنت تحثينني على النفي ، على الإنكار وعلى الكذب .



    عرفت أن الحقيقة أكثر ما سيؤلمكِ ، كنت تريدين مني أن أريحكِ

    بكذبي عليكِ ، كنتِ تدفعينني إلى الكذب راضية ، مقابل أن لا أوجعكِ

    بالحقيقة ، لكنني أردت أن أؤلمكِ بالحقيقة هذه المرة ، أنا الذي

    لم أصرحكِ يوماً بحقيقة توجعكِ خوفاً عليكِ من قسوة الحقيقة .



    أجبتك ببرود وصرامة وقسوة العالم أجمع : بلى !


    صحتِ : أنت تكذب !


    كنت تقولين لي بها ومن خلالها

    (( سأعطيك فرصة الإنكار من جديد )) .



    أنت تكذب ! ، قل بأنك تكذب ، وبأنك لم تفعل ،

    لكنني أردت أن أدهسكِ بالحقيقة فأخبرتك بأنني قد حذرتكِ

    من إيذائي .



    انهرتِ ، قلتِ بأنني مريض ، وبأن الحقد والشك يعميان عقلي وقلبي ،

    سألتني كيف بإمكاني أن أكون وحشاً فجأة ، قلت لكِ بأنك ستعودين

    إلى الرياض رغماً عنكِ وبأنني قد انتهيت منكِ تماماً .



    أنهيت الاتصال وأنتِ تتكلمين ، كان زر إنهاء الاتصال في يدي التي

    أغلقت بها فمكِ ، أردت أن أسكت صوتكِ وإلى الأبد !


    ***

  7. #47
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    كنت مضطجعاً أمام الأريكة وياسمين تتجول داخل المنزل بهاتفها

    المحمول ، كنت أراقبها وهي تتحدث بملل تارة وبعصبية تارة أخرى ،

    بالإنجليزية غالباً وبالعربية عندما ترتفع عصبيتها ، جاءت وجلست إلى

    جانبي ، سحبت من بين يدي كوب الذرة وأخذت تأكل بغضب

    لم تستطع كبحه .



    سألتها :ما الأمر ؟


    -هيدي الماما .


    -شلون الماما ؟


    قالت بسخرية : بيضاء الماما .


    -ياشيخة !


    -ليه بتسألوا (( شلونك )) شو دخل اللون بالحال ؟


    -وأنتم ليه تسألون (( كيفك )) شدخل الكيف بالحال ؟


    -مالكيف مزاج ،والحال مزاج .


    قلت لها بقلة صبر : يختي حنا حرين نقول اللي نبي ، المهم أيش

    فيها الماما ؟



    -مابا شيء .


    سكتت قليلاً ثم قالت : بدا إياني إرجع ع بيروت .


    -زيارة ؟


    -لا شو زيارة ، بدا أرجع عيش هونيك .


    -ليه شاللي صار ؟


    -ما صار شيء ، بتفتح الموضوع كل فترة لما بتعرف بأنك عندي .


    -والسبب ؟!


    -ما بعرف شو بدي أقلك ، الماما ما بتحب فكرة المصاحبة ،

    ما بدا إياني أصاحب ، بدا إرجع أستقر في بلدي ، أتجوز وجيب أولاد .



    -فهمت .


    -أنا بعرف أني مني صغيرة بس كمان الارتباط منو ع الهوى ،

    الواحد مابيعرف أمتين بيتجوز .



    -يعني لو تزوجتِ راح تنبسط ؟


    -يادلي ! ، أكيد بتنبسط ، الماما لا يهمها مين أتجوز و لا كيف ،

    يهمها أتجوز وخلص ، يهمها تقول للجيران وللعيلة أنو ياسمين تجوزت،

    ما بتحب فكرة أنو أوصل لهالعمر من دون جواز .



    سألتها مازحاً : وأنتِ ليه ما تتزوجين ؟!


    ضحكت : يلا تعا نتجوز !


    ابتسمت ، كنت أنظر إلى ياسمين ، للزمن الذي بدأت سنواته تتضح

    على ملامحها على الرغم من جلسات البوتكس النصف سنوية ، كنت

    أنظر إلى الملجأ الذي كنت ألجأ إليه دوماً ، أعرف بأنها لم تحبني يوماً ،

    وأنها معي لأجلها وليس لأجلي ، لكنني شعرت بأنني

    وعلى الرغم من كل شيء مدين لها .



    تراءى لي وجهكِ ، أنتِ التي لطالما حلمت بالزواج منها ، ولطالما

    تخيلت ليلة زواجنا معاً ، تذكرت كل ما حدث بيننا بلحظات سريعة ،

    شعرت بأنني مكسور بسببكِ ، شعرت برغبة في الانتقام لتتضخم

    أمام الفرصة ، كنت أحتاج لأن أنتقم منكِ ، وأسدي ياسمين معروفاً بعد

    كل هذه السنوات الطويلة .



    قلت لها ومن دون أن افكر في العواقب : تعي نتجوز !


    ضحكت ، كانت تظن بأنني أبادلها المزاح ، قلت لها : أنا جاد ، فالنتزوج .


    -شو نتجوز ؟.. كيف بدنا نتجوز ؟


    -مثل ما الناس بتتزوج .


    -نتجوز ونعيش مع بعضنا ونجيب أولاد ؟


    -لا تتحمسين مرة ، نتزوج زواج مؤقتاً ، ترتاحين من نق الماما لفترة .


    -عم تمزح !


    -والله ما أمزح .


    سكتت قليلاً ومن ثم سألتني متشككة : وأنتا شو يتستفيد ؟


    -ماراح أستفيد شيء و لا راح يضرني شيء .


    -ما بصدق شو مجنون .


    ابتسمت بينما كانت تتأملني بحيرة وتوجس ، شعرت بأنني أسمع

    صوت أفكارها ، قالت : خليني أفكر .



    -كلها كم يوم وأسافر ، مافي وقت للتفكير .


    -صحيح الماما بدا إياني أتجوز ، بس كمان مو هيك ، مو حلوة تلفن

    بكرى وقلها (( أنا أتجوزت )) أنا بدي تفرح ما تنجلط .



    -أبعثي لها كمان يومين ، قولي لها عبدالعزيز خطبني وراح نتزوج

    زواجاً سريعاً ، وبعدها بأسبوعين قولي لها إننا تزوجنا .



    صمتت قليلاً وضحكت فجأة ، قالت وهي تخفي وجهها بكفيها : يالله !

    شو مجنون !



    -أيش رأيك ؟


    ابتسمت : طيب لنفترض أني وافقت ، اللي بدن يتجوزوا لازمهن

    محابس ، كيف بدنا نتجوز بدون محابس ؟!



    سحبت معطفي المرمي على الأريكة ، أخرجت من محفظتي الدبلة

    التي ابتعناها أنا وأنتِ معاً ، رفعتها لياسمين قائلاً : هذا محبسي ،

    روحي أشتري لك أحلى محبس .



    مسكت دبلتي وأخذت تقبلها ، سألتني بدهشة : ليه بمحفظتك

    محبس ؟



    قلت للسخرية : للطوارئ !


    ضحكت : بحكي عن جد ، لمين هالمحبس ؟


    أخذته من يدها : شو بدك في لمين ومن مين ، روحي أشتري محبس

    لك وخلاص .



    قامت من مكانها وشدتني من يدي بمرح وحماس : هييييه بدنا نتجوز ،

    تعا نختار المحبس سوا .



    مددت لها ببطاقة البنك الائتمانية ، قلت : أنا ما لي مزاج أطلع ، روحي

    أنتِ واختاري اللي يعجبك .



    أخذت بطاقتي من يدي وقبلتني بسعادة ، قامت لتغير ملابسها

    بحماس ، استوقفتها : جازمن !



    -حياتي !


    أشرت بأصابعي : تيفاني ، كارتيير ، شوبارد .. لا تطبينهم !


    -شو يعني لا تطبينهم !


    -يعني it is prohibited buy from these stores
    - شو غليظ ! ، يلا باي ما حتأخر .


    خرجت ياسمين ، أغلقت التلفاز ورحت أفكر في هذا الجنون ! فكرت

    في هذه الحياة العبثية التي أعيشها منذ أيام ، فكرت في كل

    تصرفاتي وأفكاري ومشاعري التي بت أشعر بأنني لا أتحكم بشيء

    منها .



    ما أقوم به كان جنوناً ، لكنني كنت بحاجة لشيء من الجنون ، كنت

    بحاجة لأن أتخبط حتى أنهار وأسقط .



    فكرت فيما تفعلينه الآن ، وفيما ستفعلين لو عرفتِ بما سأقدم عليه ،

    أعرف أنني أغامر كثيراً هذه الأيام ، بأنني أجازف بكِ بجنون لا يعقل ،

    بأنكِ ستتسربين من بين يدي ، بأنني أفلتكِ ، وبأنكِ ستضيعين بعيداً

    عني ، بل أنا من سيضيع بعيداً عنكِ .



    لا قدرة لي على التحكم بالوجع المتلاطم في داخلي يا جمانة ، جوقة

    الوجع تعزف داخل نفسي مقطوعة ذات نوتات عالية ، وروحي ترقص

    بأسى ويأس وبؤس غجري لا يوصف .



    أخذت هاتفي ، أرسلت رسالة لياسمين ، قلت لها : اسألي عن

    إجراءات الزواج ونسقي كل شيء ، رميت هاتفي بعيداً عني وأنا أفكر

    : كم أنا مجنون فعلاً !




    ***

  8. #48
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    تزوجت ياسمين اليوم ، من دون أن أفكر وبدون أن تفعل !


    لم يكن زواجاً حقيقياً ، كان زواجاً قانونياً ، لكنه لم يكن يحمل ملامح

    الزواج الحقيقي ، احتفلت أنا وياسمين على طريقتنا ، اجتمعنا مع

    أصدقائها في مطعكها المفضل واحتفلنا كأي احتفال !



    لم أشعر بأنه زواج ، وأنا على يقين من أنها لم تشعر بذلك هي أيضاً

    على الرغم من الحماسة والسعادة اللتين أبدتهما خلال وجود

    أصدقائها .



    في تلك الليلة ، رأيت في نومي أنني في منزل عائلتكِ ، كان مكتظاً

    بأناس لا أعرفهم ، كنت تجلسين أمامي بملامح طفلة ، وطوق وردي

    يزين شعرك المجعد الطويل ، غافلتُ الناس وحركت شفتي قائلاً بدون

    صوت : (( أحبك ، نظرتِ إلي وأشحتِ بوجهكِ بعتب )) .



    استيقظت من حلمي الغريب لأجد ياسمين تنام بجواري ، رحت أتأمل

    تلك التي هربت إليها منكِ ، إلهي لكم هو مؤلم أن يشتاق رجل لامرأة

    وهو بجوار امرأة أخرى ؟!



    لطالما فكرت بذلك ، كل ليلة كنت أستيقظ فيها لأجد ياسمين بجواري

    منذ أن عرفتك وأنا أفكر ،كيف يتزوج رجل من فتاة وهو يحب أخرى ؟!



    وكيف يستمر الرجل في الحياة عندما تتزوج حبيبته من آخر ؟! .. كيف

    ينام وهو يدرك بأنها تنام مع غيره الآن ؟!



    اليوم تزوجت امرأة أخرى لكنني حلمت بكِ في ليلة زواجي ، وها أنا

    أقاومك في ليلة الزواج ، أقاوم حبي لكِ ، وكذلك شوقي الذي يكاد

    أن يخنقني بيديه هذه الليلة .



    نهضت من فراشي ، ذهبت إلى المطبخ ، شربت بعض الماء ،

    وأمسكت بهاتفي الذي لم يصلني عبره شيء منكِ منذ أيام طويلة ،

    ترددت قليلاً ، لكنني أرسلت ، كتبت لك ما رأيته في الحلم ، بدون

    تحية أو وداع ، قصصت عليكِ الحلم فقط وأرسلت الرسالة .



    انتظرت إجابتكِ وأنا في المطبخ ، كانت الأفكار ترقص رقصة الحرب

    الصاخبة داخل رأسي ، بقيت في مكاني لساعتين ولم تأتني منكِ

    إجابة ، أخذت هاتفي ، كتبت رسالة لأصدقائي المقربيين في تورنتو

    (( خمنو ما الذي فعلته هذه الليلة ؟ ...... تزوجت ياسمين )) .



    أرسلت الرسالة وعدت إلى سريري ، اضطجعت بجوار ياسمين

    ضممتها بشدة المشتاق إليكِ وأنا أفكر فيما سيحل بأصدقائي حينما

    يقرأون رسالتي ، ورحت أفكر فيما فعلته طوال الليل !


    ***

  9. #49
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    تؤمنين أنتِ بالخيانة تقع ما أن تصبح (( فكرة )) !


    تظنين بأن التفكير بالخيانة هو خيانة كاملة ، حتى وإن لم يحدث شيء

    فعلي ، تناقشنا أنا وأنتِ كثيراً بخصوص هذا الموضوع ،

    قلت لي يوماً : تقع الخيانة حالما يفكر الإنسان بها وإن لم يشرع فيها .



    قلت : إن كان الله لا يحاسب على هذه الأفكار إن لم تترجم لأفعال

    فكيف تحاسبين أنتِ عليها ؟



    -وما هي الخيانة بنظرك يا عزيز ؟


    -بالنسبة إلي ، الخيانة هي خيانة جسدية فقط .


    -ألا يخون الإنسان بالنظر ؟ بالحديث ؟ بعلاقة دون جنس ؟ بالفكرة ؟


    -لا ، لا يخون الإنسان بهذا الشكل ، ما لم يعاشر الإنسان طرفاً ثالثاً

    عدا شريكه ، لا يعد الأمر خيانة .



    قلتِ بعصبية : أي حب هذا يا عزيز ؟


    -هذا هو حب الرجل ، مثلما تتحدثين أنتِ من خلال حب المرأة .


    -لكم أكره هذا الاختلاف !


    -الاختلاف بين الأنوثة والذكورة ؟


    -بل الاختلاف بيننا !


    -ومن قال إن هذا الاختلاف محصور بنا ؟ هذا اختلاف جنسي وجذري ،

    هكذا هم الرجال وهكذا هن النساء ، لا يقتصر الأمر علي وعليكِ

    يا جمانة .



    صمت قليلاً وقلتِ : ربما يا عزيز ، ربما !


    سرحتِ بأفكاركِ بعيداً عني ، كنت أراقبكِ تتأملين من حولنا رجالاً

    ونساءً ، وكأنكِ تتفحصين الاختلافات بين الثنائيين من حولنا ، كنتِ

    تبحثين عن اختلافاتهم وخلافاتهم وكأن وجودها لدى الآخرين سيطمئن

    قلبكِ ويعزيكِ .



    أنا أعرف بأنكِ تبحثين بي عن شيء يشبهك ، تريدين أن نتشابه ،

    أن نتطابق وأن نتوازى .



    تظنين بأن هذا سيجعل حياتنا أكثر هدوءاً واستقراراً ، تعتقدين بأننا

    سنكون أسعد لو أننا كنا متشابهين ، لكننا لسنا كذلك جمان ، نحن

    لا نتشابه .



    أذكر أنني بثثت بخوفي من هذه الفكرة إلى زياد ،

    قال لي بحكمة : في كل علاقة هناك اختلافات وهناك تشابهات ،

    لا تبحث عما تختلفان فيه ، فلتبحث عما تتفقان عليه و فيما تتشابهان

    فيه والحق بأن اختلافنا بعينه لا يخيفني يا جمانة ، ما يخيفني فعلاً

    هو خوفكِ أنتِ منه ! ، يخيفني بحثكِ الدؤوب على أوجه تشابهنا ،

    يخيفني إحباطكِ من اختلافاتنا ، يخيفني أن تجدي يوماً ما

    من يشبهكِ ، فأخسركِ بسبب اختلافي عنكِ !

    يخيفني هذا كثيراً يا جمانة !


    ***

  10. #50
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    طال غيابكِ هذه المرة !

    لم تجيبي على رسالتي ، ولم تتصلي ، غبتِ ، فقررت أن أجاريكِ في

    الغياب ، كنت أنتظر أن تفقدي صبرك ، وأن تعودي إلي من دون أن

    أدعوك إلى العودة ، لكنكِ لم تفعلي ، طال غيابك بمقدار الخيبة ،

    وقصرت لا مبالاتي بمقدار الانتظار .

    كنت أذهب إلى الجامعة في كل يوم ، أفتش عن وجهك بين الوجوه ،

    فيلوكني غيابه مرة تلو أخرى ، أعود في نهاية كل يوم إلى البيت

    لأقابل سخرية باتي وروبرت من تغيري بابتسامة محبطة متثاقلة

    وخائفة .

    لن أنكر ذلك ، أخافني غيابك يا جمان ! لم أكن مستعداً لتلك الخسارة

    و لا لهذا الفقد المفاجىء ، أدرك بأنني جازفت بكِ وقامرت بحبكِ ،

    لكنني كنت واثقاً ومؤمناً بما بيننا ، وإلا لما راهنت عليه وعليكِ ،

    فلِمَ خذلتني بذلك الغياب !

    بعد أكثر من أسبوع ممل وطويل ، قابلني زياد بوجه متوجس ،

    قال : ستأتي جمانة بعد قليل ، أرجوك لا تزعجها !

    سألته : أليس من الغريب أنك من ينقل إلي أخبار جمانة ومن يرجوني

    أن لا أزعجها ؟!

    أجابني مرتبكاً : هيفاء من أخبرتني بذلك .

    قلت بحزم : على أي حال ، أعرف كيف أتفاهم معاها ، و لا أظن بأن

    أحد يعرفها كما أفعل .

    كنت أدرك أنني لم أتكلم يوماً مع زياد بتلك اللهجة ، لكن شيئاً مراً

    لطالما تجاهلته بخصوص زياد بات يزعجني كثيراً ويزيدني توتراً .

    لم تعجب زياد لهجتي ولم يعجبني ما قاله ، فتراشقنا بصمتٍ لاذع

    لدقائق طويلة ، حاولت أن أشغلها بالعبث بالقلم الذي أهدتني إياه

    يوماً ، أما زياد فقد كان يعبث بخصلات شعره الناعمة كعادته

    حينما ينزعج ، حتى جئتِ !

    مجيئكِ لم يكن عادياً ذلك اليوم ، لم يخفق قلبي لرؤيتكِ مثلما حدث

    في تلك المرة ، شعرت بأن خطواتكِ تدوي قلبي وبأنكِ تدوسين عليه ،

    كانت خطواتكِ نبضاتي ، خطوة نبضة ، نبضة خطوة !

    حييتنا بيدك ما إن لمحتني وزياد ، لوحتِ بكبرياء واعتداد ، لوح زياد إليكِ

    وكذلك هيفاء ، رأيتكِ تسحبين هيفاء بيدك متجهة معها نحونا .

    افتربتِ فكدتُ أن أختنق بأنفاسي الثقيلة المتسارعة ، أشار زياد بيديه

    إلى مقعدين أمامنا قائلاً : تفضلا !

    أخبرته هيفاء باقتضاب بأنكما تنتظران محاضرتكما ، فأجابها زياد أن

    الوقت مبكر على بدء المحاضرة وتبادلا مزاحاً سخيفاً حيال البروفسور

    المحاضر بينما كنتِ تستمعين إليهما بابتسامة صفراء مفتعلة ومكابرة .

    قاطعت حديثهما : جمانة كيف حالك ؟!

    أجبتني : طيبة ياعبد العزيز ، أنت شلونك ؟!

    كنت أستمع إلى اسمي منكِ لأول مرة ، لم تناديني يوماً إلا عزيز ،

    و لا أناديكِ غالباً إلا جمان ، كنت أعرف أنك تجلدينني باسمي ، وبأنكِ

    تعاقبينني بأن تناديني مثلما يناديني الناس .

    سألتكِ بعتب : عبد العزيز ؟! .. منذ متى تنادينني عبد العزيز يا جمان !

    كنت أنظر في عينيك ، فأرى الغضب ، القهر ، الخذلان ، وكذلك العتب

    الذي يملأهما ، رأيت عينيكِ تتبللان وكأنني لطمتكِ بسؤالي ، سقطت

    على الكرسي فجأة أخفيتِ وجهكِ بيديك وبكيتِ كل شيء !

    بكاؤكِ لم يكن عادياً ، لم يكن بكاءً بقدر ما كان اختناقاً بالبكاء ،، لم يكن

    بكاء حب و لا فقد و لا شوق و لا حزن ، كان خليطاً من كل هذا ومن كل

    شيء وكأنكِ قد قررت أن تفتحي مراسم العزاء علناً على حب غدر به

    فمات شهيداً .

    لم أكن أشعر بنفسي إلا وأنا أرفعكِ إلي ، ضممتكِ وأنتِ تبكينني ،

    أنا الذي لطالما حلم أن يضمكِ إليه فرحاً ، ضممتك بعد أربع سنوات

    وأنتِ تبكين خيبة مني وحزناً علي !

    همست بأذنكِ : أنا آسف ! والله آسف .

    كنتِ تدفعينني وأنتِ تسألينني من بين دموعك: ليه ؟! ..

    ليه بس ليه ؟!؟

    كنت أشعر بالضجيج من حولي ، بهيفاء التي كانت تصرخ بأن نحملكِ

    إلى المستشفى ، وبزياد الذي كان يحاول أن يهدئكِ ، ببكائك الدامي ،

    وبسؤالك الذي لم أكن قادراً على إجابته !

    لم أكن قادراً على أن أفعل شيئاً ، ضممتك بشدة ، تشبثت بكِ وبقيت

    أهمس في أذنكِ متجاهلاً من حولنا ، كنت أشعر بنبضات قلبك

    تهدأ وبأنفاسكِ تستكين ، تشبثتُ بكِ كطفل وليد لا يعرف في الدنيا

    حضن أم سواكِ ، سكنتِ على صدري ، أغلقتِ عينيكِ وغبتِ ، حملتكِ

    مع زياد وهيفاء إلى المستشفى، لم تحتمل أعصابك وخبرتك

    القصيرة ، المترفة والسطحية بالحياة موقفاً كالذي وقع بيننا ،

    كنت أكبر خساراتكِ على الإطلاق كنت فجيعتكِ الكبرى وحزنك الأعظم

    في الحياة .

    سألتني حينما استيقظت لماذا فعلت بكِ ذلك ، طلبت منكِ أن تهدأي

    وتنامي ، صرختِ في وجهي : لماذا ؟!

    قلت لك إنني حقير ومعتوه وابن ستة وستين كلباً ، ورجوتكِ بحرارة أن

    لا تغضبي مني ، كنت أرجوكِ دامعاً أن لا (( تزعلي )) ، وحاولت أن

    أبرر ما فعلته بخوفي عليك ، لكنكِ كنتِ حازمة تلك المرة ، أبيتِ أن

    تستمعي لمبرراتي ، قلتِ إنكِ متعبة وبحاجة لأن ترتاحي ، رجوتكِ

    أن تستمعي إلي ، أن نبتدىء من جديد ، وأن نتزوج يوماً .

    سألتني بعتب غاضب وخائب لماذا انتظرت أن يحدث كل هذا لأفكر

    بالزواج ، وطلبت مني أن أغادر الغرفة لتنامي ، سألتكِ إن كان

    بإمكاني أن أتصل بكِ لأطمئن عليكِ ، رفضتِ طلبي باقتضاب صارم

    لا يليق بكِ .

    في طريقي للمغادرة ، قالت لي هيفاء بسخرية وهي تشير إلى

    كحلك الذي لطخ قميصي : لا تنس أن تبدل قميصك قبل أن تذهب

    إلى زوجتك ، المسكينة ! .. سترى الكثير معك !

    لم أرد تلك المرة على هيفاء ، كنت أشعر بأن انهياركِ قد أنهكني ،

    غادرت المستشفى مع زياد من دون أن نتبادل حرفاً ، كنت أشعر

    بأنني قد تركت قلبي ومشاعري وأفكاري وحروفي معكِ ، تحسست

    سواد كحلك على قميصي وتنفست عطرك الذي تشربهه جسدي قبل

    ملابسي وأنا أفكر ، لماذا أضعتك ؟!


    ***

صفحة 5 من 11 الأولىالأولى ... 34 567 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال