جاءني صوتها متوهجاً كالماضي ، لن أقول إنني تذكرت صوتها حينما
سمعته ، لأنني لم أنسَ صوتها ، فعلى الرغم من أنني أقمت علاقات
كثيرة وطويلة على سماعة الهاتف ، ومع أنني لا أذكر أصوات جميع
من عرفت ، لكن صوت ريما كان مرتبطاً بالنسبة إليّ بأشياء لا تنسى
، صوتها كان الصوت الأول الذي كان يجعل قلبي يخفق كلما سمعته .
قلت لها : لم يتغير صوتكِ قط !
قالت : ألا تزال تذكر صوتي ؟
-قظعاً ، صوت المرأة الأولى لا ينسى .
-وصوت الرجل الأول كذلك .
ضحكت : لكنني لم أكن الرجل الأول .
ضحكت أيضاً : لذا نسيت صوتك !
أخبرتني بشكل مختصر أنها تعيش في الولايات المتحدة منذ قرابة
العام للحصول على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي ، أخبرتها
أنني لا أزال أسعى للحصول على الماجستير في إدارة الأعمال وأنني
لا أزال في كندا ، استغربت أن نتجاور إلى هذا الحد من دون أن ندرك
ذلك ، فقد ظننت أنني قد عدت إلى الرياض أو أنني قد سافرت إلى
أرض أخرى بعدما أنهيت دراستي (( حسبما ظنت )) .
سألتها : ما حكاية (( complicated )) هذه ؟
-لم أفهم .
-حالتكِ الاجتماعية في facebook لماذا هي (( معقدة )) ؟!
-حكاية طويلة ، سأحكيها لك لاحقاً ، ماذا عنك ، ما هي حالتك
الاجتماعية ؟
قلت بلا تفكير : single !
قالت باستغراب : أعزب تماماً ؟ ألا يوجد في حياتك أحد ؟
-لا يوجد في حياتي حالياً أي علاقة جادة .
قلتها وانقبضت معدتي بشدة مؤنبة إياي على الكذب !
لا أعرف لماذا قلت لريما ذلك ، لم أكن أنتظر من ريما أي شيء حتى
حوارنا وحديثنا كان عقلانياً محضاً ، لم أهتز لسماع صوتها ولم أشعر
بأي إثارة من أي نوع كانت .
كنت سعيداً لمعرفة أخبارها وكان لدي فضول شديد حيال حياتها
حالياً وليس أكثر من ذلك ، ومع أن ريما لم تكن من النوع الذي قد
تتحفظ عن الحديث مع رجل مرتبط إلا أنني تنصلت منكِ تماماً أثناء
حديثي معها ، وكأن لاوعيي يأبى أن تطلبي على حديثنا بأي شكل
من الأشكال ، شعرت بأنني أريد أن أقصيكِ تماماً من حياتي وقتذاك ،
ربما هرباً من وجع قد يلحق بي إن شعرت بأنني أؤذيكِ بحديثي معها .
تحدثنا لقرابة الساعتين ، تأكدت فيها من أن ريما لاتزال كما كانت ،
المبادئ ذاتها ، وكذلك الأحلام والطموحات والقيم .
كان من الواضح أن السنوات العشر الأخيرة لم تزدها إلا جموحاً وتحرراً
وتنكراً لكل ما يبقيها مرتبطة بالوطن ، كنت أجد في أفكارها أشياء
كثيرة مني ، نتشابه أنا وهي في أفكارنا مثلما تتشابهين أنتِ وزياد
في أفكاركما ، كان ليخيفكِ هذا التشابه مثلما أخافني تشابهكِ
أنتِ وزياد .
تركتها لتكمل يومها ولأنهي يومي ، متفقين على أن نكمل حديثنا لاحقاً
، دخلت فراشي وأنا محموم الأفكار والمشاعر ، كنت سعيداً ومنزعجاً
في الوقت ذاته ، سعيد لأنني التقيت بماضي بشكل من الأشكال
ومنزعج لأنه عاد في وقت غير مناسب ، أزعجني أنني فتحت على
نفسي هذا الباب ، أنني كذبت عليها وأنني سأختبئ عليكِ .
وصلتني منكِ رسالة : (( مع من تتحدث لأكثر من ساعة ؟!
هاتفك مشغول من أكثر من ساعة )) !
عدلت إعدادات هاتفي ، فعلت خاصية انتظار المكالمات تحسباً
لمكالماتكِ اللاحقة ، أرسلت إليكِ برسالة (( هاتفي كان مع صديقي
عبد الله ، لم يخرج من عندي إلا الآن ، أشعر بصداع قوي
و لا أستطيع الحديث معكِ الليلة ، تصبحين على خير )) .
أجبتني (( سلامتك! ، تصبح على خير )) .
كنت أعرف من طريقتكِ في الكتابة ومن اختياركِ للكلمات ماذا تعنين
وما تشعرين ، أنتِ لم تصدقيني !
تقولين (( بسم الله عليك )) حينما أخبركِ أنني متعب أو مريض ،
وتقولين (( سلامتك )) إن كنتِ لا تصدقين ادعائي أو إن كنت غاضبة
مني لسبب ما ، تقولين (( أنت الخير كله )) في كل مرة أقول لك
(( تصبحين على خير )) وتردين : (( تصبح على خير )) إن كنا
متشاجرين أو إن كنتِ تشكين في أنني سأنام !
كان من الواضح أنك قد بدأتِ تشكين بي ، زادني هذا انزعاجاً ،
وضعت هاتفي بجواري وأخذت أتقلب طوال الليل وأنا أفكر ،
لماذا أورط نفسي دوماً في أمور لا أعرف ما قد تفضي إليه !
***
__________________