صفحة 9 من 11 الأولىالأولى ... 78 91011 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 90 من 104
الموضوع:

رواية فلتغفري .."للـكاتبة أثير عبد الله - الصفحة 9

الزوار من محركات البحث: 9210 المشاهدات : 39066 الردود: 103
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #81
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    تاريخ التسجيل: October-2014
    الدولة: Iraq
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 15,523 المواضيع: 479
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 7035
    المهنة: صيدلانية
    موبايلي: iphone 8 plus& note5& iphone 7
    آخر نشاط: 12/August/2022
    مقالات المدونة: 8
    جاءني صوتها متوهجاً كالماضي ، لن أقول إنني تذكرت صوتها حينما

    سمعته ، لأنني لم أنسَ صوتها ، فعلى الرغم من أنني أقمت علاقات

    كثيرة وطويلة على سماعة الهاتف ، ومع أنني لا أذكر أصوات جميع

    من عرفت ، لكن صوت ريما كان مرتبطاً بالنسبة إليّ بأشياء لا تنسى

    ، صوتها كان الصوت الأول الذي كان يجعل قلبي يخفق كلما سمعته .



    قلت لها : لم يتغير صوتكِ قط !


    قالت : ألا تزال تذكر صوتي ؟


    -قظعاً ، صوت المرأة الأولى لا ينسى .


    -وصوت الرجل الأول كذلك .


    ضحكت : لكنني لم أكن الرجل الأول .


    ضحكت أيضاً : لذا نسيت صوتك !


    أخبرتني بشكل مختصر أنها تعيش في الولايات المتحدة منذ قرابة

    العام للحصول على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي ، أخبرتها

    أنني لا أزال أسعى للحصول على الماجستير في إدارة الأعمال وأنني

    لا أزال في كندا ، استغربت أن نتجاور إلى هذا الحد من دون أن ندرك

    ذلك ، فقد ظننت أنني قد عدت إلى الرياض أو أنني قد سافرت إلى

    أرض أخرى بعدما أنهيت دراستي (( حسبما ظنت )) .



    سألتها : ما حكاية (( complicated )) هذه ؟


    -لم أفهم .


    -حالتكِ الاجتماعية في facebook لماذا هي (( معقدة )) ؟!


    -حكاية طويلة ، سأحكيها لك لاحقاً ، ماذا عنك ، ما هي حالتك

    الاجتماعية ؟



    قلت بلا تفكير : single !


    قالت باستغراب : أعزب تماماً ؟ ألا يوجد في حياتك أحد ؟


    -لا يوجد في حياتي حالياً أي علاقة جادة .


    قلتها وانقبضت معدتي بشدة مؤنبة إياي على الكذب !


    لا أعرف لماذا قلت لريما ذلك ، لم أكن أنتظر من ريما أي شيء حتى

    حوارنا وحديثنا كان عقلانياً محضاً ، لم أهتز لسماع صوتها ولم أشعر

    بأي إثارة من أي نوع كانت .



    كنت سعيداً لمعرفة أخبارها وكان لدي فضول شديد حيال حياتها

    حالياً وليس أكثر من ذلك ، ومع أن ريما لم تكن من النوع الذي قد

    تتحفظ عن الحديث مع رجل مرتبط إلا أنني تنصلت منكِ تماماً أثناء

    حديثي معها ، وكأن لاوعيي يأبى أن تطلبي على حديثنا بأي شكل

    من الأشكال ، شعرت بأنني أريد أن أقصيكِ تماماً من حياتي وقتذاك ،

    ربما هرباً من وجع قد يلحق بي إن شعرت بأنني أؤذيكِ بحديثي معها .



    تحدثنا لقرابة الساعتين ، تأكدت فيها من أن ريما لاتزال كما كانت ،

    المبادئ ذاتها ، وكذلك الأحلام والطموحات والقيم .



    كان من الواضح أن السنوات العشر الأخيرة لم تزدها إلا جموحاً وتحرراً

    وتنكراً لكل ما يبقيها مرتبطة بالوطن ، كنت أجد في أفكارها أشياء

    كثيرة مني ، نتشابه أنا وهي في أفكارنا مثلما تتشابهين أنتِ وزياد

    في أفكاركما ، كان ليخيفكِ هذا التشابه مثلما أخافني تشابهكِ

    أنتِ وزياد .



    تركتها لتكمل يومها ولأنهي يومي ، متفقين على أن نكمل حديثنا لاحقاً

    ، دخلت فراشي وأنا محموم الأفكار والمشاعر ، كنت سعيداً ومنزعجاً

    في الوقت ذاته ، سعيد لأنني التقيت بماضي بشكل من الأشكال

    ومنزعج لأنه عاد في وقت غير مناسب ، أزعجني أنني فتحت على

    نفسي هذا الباب ، أنني كذبت عليها وأنني سأختبئ عليكِ .



    وصلتني منكِ رسالة : (( مع من تتحدث لأكثر من ساعة ؟!

    هاتفك مشغول من أكثر من ساعة )) !



    عدلت إعدادات هاتفي ، فعلت خاصية انتظار المكالمات تحسباً

    لمكالماتكِ اللاحقة ، أرسلت إليكِ برسالة (( هاتفي كان مع صديقي

    عبد الله ، لم يخرج من عندي إلا الآن ، أشعر بصداع قوي

    و لا أستطيع الحديث معكِ الليلة ، تصبحين على خير )) .



    أجبتني (( سلامتك! ، تصبح على خير )) .


    كنت أعرف من طريقتكِ في الكتابة ومن اختياركِ للكلمات ماذا تعنين

    وما تشعرين ، أنتِ لم تصدقيني !



    تقولين (( بسم الله عليك )) حينما أخبركِ أنني متعب أو مريض ،

    وتقولين (( سلامتك )) إن كنتِ لا تصدقين ادعائي أو إن كنت غاضبة

    مني لسبب ما ، تقولين (( أنت الخير كله )) في كل مرة أقول لك

    (( تصبحين على خير )) وتردين : (( تصبح على خير )) إن كنا

    متشاجرين أو إن كنتِ تشكين في أنني سأنام !



    كان من الواضح أنك قد بدأتِ تشكين بي ، زادني هذا انزعاجاً ،

    وضعت هاتفي بجواري وأخذت أتقلب طوال الليل وأنا أفكر ،

    لماذا أورط نفسي دوماً في أمور لا أعرف ما قد تفضي إليه !




    ***
    __________________

  2. #82
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    كم أكره الإلحاح !


    أنا مؤمن بأن معظم علاقات الحب تنتهي حالما تطغى صفة الإلحاح

    على أحد الأطراف ، غالباً الفتيات هن من يمارسن الإلحاح وكأنه جين

    من جيناتهن ، لذا يهجر الرجل النساء عادة ، وغالباً ما يقدم الرجال

    على إنهاء العلاقة أكثر بكثير مما تقدم عليه النساء .



    أصبحتِ لحوحة فجأة ! تلحين على كل شيء ، (( لماذا لم تتصل ،

    لماذا لم تسأل عني ، أين كنت ، متى ستتصل ، متى ستعود ، من

    تكلم ، لماذا تغيرت ، لماذا ، متى ، أين ، كيف ،

    لماذا لماذا لماذا لماذا )) ! .



    أصبحتِ تسألين طوال الوقت ، وأصبحتِ تنتظرين إجابات ترضيك ،

    لا يرضيك اختصار ، و لا تقبلين بتأجيل أو صمت أو تحفظ ، ترغبين

    بإجابة كاملة ، مفصلة ، صادقة وغير جارحة !



    أنا أعرف أنكِ بت هكذا بسبب تعليقي لأمر زواجنا بلا أسباب ،

    أعرف أن انشغالي عنكِ في الفترة الأخيرة محل شك واستغراب

    واستهجان ، أعرف أن لديكِ أسبابكِ في الإلحاح ، أفهم ذلك لكنكِ

    لا تفهمين أنني بحاجة لأن تبتعدي عني لبعض الوقت ، وأن تمنحيني

    مساحة كبيرة أختلي فيها بنفسي بعيداً عنكِ لأفكر ، وأخطط وأجرب ،

    واستعرض المكاسب والخسائر والمزايا والمساوئ .



    أعرف أنكِ لم تخطئي في شيء ، وأعرف بأن الذنب ليس ذنبكِ ،

    لكنني أحتاج لأن تعتقيني قليلاً ، أحتاج لأن تطلقي سراحي لبعض

    الوقت ، لعود متيقناً ومؤمناً بدل من أن أظل متشككاً ومنافقاً معكِ .



    إلحاحكِ لم يزدني إلا بعداً عنكِ يا جمانة ، وجدت في الحديث مع ريما

    شيئاً كنت أحتاجه في ذلك الوقت ، كنت أناقش معها أفكاري

    ومشاعري من دون أن تستهجن فكرة أو تزدري رغبة ، معها كنت

    على طبيعتي ، بعيوبي وأخطائي ، ربما لأنها كانت تشبهني في كل

    شيء ، وربما لأنني لم أكن أعنيها أصلاً .



    سألني والدي : (( الجماعة )) لم يتصلوا علينا ،ولم تجعل أمك تتصل

    عليهم ، ما الأمر ؟



    قلت : لا أمر ، نريد أن نرتب جداولنا وأمورنا قبل إعلان الخطبة ،

    عائلة جمانة لن يعلنوا عن خطبة طويلة ، لن يعلن لها خطبتنا ولن

    يباشروا في أي خطوة لاحقاً إلا أن حددنا تاريخ الزواج ، وهذا لن يحدث

    قريباً .



    -ولماذا لا يحدث قريباً ؟


    -تبقى لديها تسعة أشهر لتتخرج ، ترى هي أن الزواج في عامها الأخير

    من الدراسة الجامعية قد لا يساعدها على المذاكرة ، لذا ترغب أن

    تنهي دراستها أولاً .



    -لماذا خطبها الآن إذاً ، لماذا لم تؤجل خطبتها حتى تتخرج ؟


    -حتى تعرفوا ويعرف أهلها أنني أريدها ، يكفي أن يعرفوا هم بأمر

    خطبتنا ، لا داعي أن تعرف عائلتها الكبيرة و لا عائلتنا حتى يحدد موعد

    الزواج .



    أشار والدي بإصبعه مهدداً : عبد العزيز لا تفشلنا مع الناس و لا تحرجنا

    معهم ، بنات الناس مو لعبة !



    -لا تخاف يبه ، أرقد وآمن !


    خفت كثيراً من أبي ! تخيلت كيف ستكون ردة فعله إن تأكد من أنني

    قد تراجعت عن مشروع الزواج (( حالياً )) على أقل تقدير ! ،كنت أرى

    الشك في عينيه فيرتجف الطفل الذي في داخلي أمامه .



    كنت أعرف أنني أقحمت نفسي وإياكِ في دوامة كنت أستطيع أن

    أجنبكِ وأجنب نفسي الدخول فيها ، لكنني لم أختر أقداري يا جمانة ،

    ولم أكن أعرف أنني سأجبن ، صدقيني ليس من السهل علي أن

    أجرحكِ ، ليس من السهل أن أخذلكِ مجدداً ، لكن خذلاني لكِ الآن

    أفضل من أخذلكِ بعد زواجنا ألف مرة ومرة .



    كنت أحادث ريما فجراً حينما اتصلتِ ، كنت أرى اسمك في الشاشة

    وأعصابي تغلي من إلحاحكِ الغريب ، استأذنت ريما لدقائق ، اتصلت

    عليكِ ليجيبني صوتكِ الغاضب : مع من كنت تتحدث في هذا الوقت ؟



    قلت : كان هاتفي مع عبد الله .


    -مسكين عبد الله لا يملك هاتفاً لدرجة أنه يقضي الساعات على

    هاتفك ، فهاتفك طوال الوقت إما مع عبد الله وإما معك بحيث تقضي

    الساعات مع أختك هديل على الهاتف !



    -ما الذي تقصدينه يا جمانة ؟


    -أتظن بأنني ساذجة إلى هذه الدرجة ؟


    -كنت أتحدث مع الجن الأزرق ، ما دخلكِ أنتِ بي ؟


    صرختِ : لقد وعدتني أن تتغير ، ما الذي دهاك فجأة ، أين ذهبت

    وعودك ؟



    قلت : (( بليها وأشربي مويتها )) وأغلقت هاتفي !


    لم أكن أعرف ما سأفعل ، لم أكن أعرف ما أريد ! باتت مكالمتكِ

    تزعجني كثيراً بإلحاحكِ وشكوككِ وبتأنيب ضميري أيضاً .



    قررت أن أحسم أمري ، حجزت تذكرة سفر ، واتصلت عليكِ ، قلت لك

    إنني لم أعد أحتمل ظنونكِ وإنكِ ستظلين تشكين بي طوال الحياة

    وهذا ما سيدمر علاقتنا ، أخبرتكِ أن أي رجل يتمنى أن تكوني زوجته ،

    لكن زواجنا ليس بقرار سليم ، وأن انفصالنا الآن خير من أن ننفصل بعد

    الزواج ، قلت : أن ننفصل بحب أفضل بكثير من أن ننفصل لاحقاً

    ونحن نكره بعضنا .



    الحق أنكِ لم تسهلي علي المهمة الصعبة ، كنتِ تقاومين كلماتي

    ،تلومينني حيناً ، تذكرينني بحبكِ لي وبتضحياتكِ وتنازلاتكِ من أجلي

    حيناً آخر ، كان انهياركِ وعتبكِ جارفاً وقاسياً إلى حد الوجع !



    أخبرتكِ أنني عائد إلى تورنتو ، وأنه يتوجب عليكِ أن تخبري أهلك بأنكِ

    من تراجع عن الزواج حفاظاً على كرامتكِ وكرامتهم .



    أخبرت أهلي أن هناك مشكلة في جداولي الجامعية وأنه يتوجب

    علي أن أعود لأجلها ، طلب مني والدي أن أرجئ السفر لحين عودة

    الوليد الذي كان سيعود بعد سفري بيومين ، لكنني أخبرته بأن الأمر

    لا يؤجل .



    تركت أهلي ، وغادرت الرياض كارهاً لكل ذكرى تربطني فيها ،

    كرهتها أكثر بكثير مما كنت أفعل طوال حياتي !!




    ***

  3. #83
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين

  4. #84
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    معقدة !


    كانت حالة ريما معقدة فعلاً ، لم تكن على علاقة برجل متزوج فحسب

    ، ولم تكن المشكلة في أنه رجل يكبرها بأكثر من عقدين من الزمن ،

    كانت المشكلة أنها أحبت صديق والدها !



    قابلت ريم العم يوسف في بداية إقامتها في نيويورك في إثناء زيارة

    والدها لها ، طلب منها والدها أن ترافقه لزيارة أحد أصدقائه المقيمين

    في المدينة نفسها ، فرافقته لتصدم أقدارها بأقداره ، كان صديق

    والدها يقيم في نيويورك لأكثر من عامين بسبب ظروف زوجته الصحية

    والتي كانت تتعالج في أحد المستشفيات من مرض عضال .



    وقعت ريما في يوسف منذ اللقاء الأول ، كان رجلاً مثقفاً وحكيماً وجذاباً

    على الرغم من أنه يقارب عقده السادس ، عرفت منه أنه قد درس

    في الجامعة ذاتها التي تدرس بها قبل أكثر من ثلاثين عاماً ، وطلب

    منها أن تبقى على تواصل مستمر معه ، وأن تعده في مكانة والدها

    في الغربة .



    توطدت علاقة ريما بيوسف بعد سفر والدها ،كانت تقابله كل يوم وهي

    تعرف أنه يترك زوجته المريضة لوحدها فقط ليراها ، شعرت أنها

    شابت معه ، وشعر هو بأنه شبّ معها ، أحبت فيه رجاحته وحكمته ،

    وأحب فيها شبابها وجموحها وتمردها .



    كان من الواضح بالمنسبة إلي أن استمرار علاقتهما ضرب من ضروب

    المستحيل ، لم يكن ليسمح والدها بأن تتزوج أحد أصدقائه حتى وأن

    كان من أكثر رجال جيله تحرراً ، لكنها كانت مؤمنة بأنها ستجد سبيلاً

    للوصول إلى يوسف ، كانت تؤمن أن بإمكانها تبسيط كل مقعد ، وأن

    كل مشكلة في العالم خلق لها حل ما ، حل موجود لكننا نجهل

    الوصول إليه ، وقد كانت مصرة هي على إيجاد حل !



    لم تكن حالة ريما المعقدة فقط ، كانت حالتي أشد تعقيداً من حالتها ،

    غادرت الوطن هارباً من قيد يكبل معصمي ومعصميكِ ، لتلفحني

    سموم فقدكِ ما إن وطأت قدماي أرض المطار .



    كنت أتأمل الشوارع والمباني في طريقي إلى البيت ، كيف سأمر منها

    كل يوم دون أن تكوني بجواري في السيارة ، أو أن تكوني معي

    على الهاتف ؟!



    كيف سيمر كل واحد منا منها كل يوم من دون أن يكون الآخر في

    حياته ؟!



    كيف سأعيش غربتي من دونك ؟ وكيف ستعيشينها بعيدة

    وقريبة مني ؟!



    لم يكن روبرت في البيت حينما وصلت ، استقبلتني باتي بوجه يشع

    من فرط الحماسة والترقب والفضول ، قالت لي ما إن دلفت إلى داخل

    البيت وهي تساعدني في جر حقيبتي الصغيرة : عزيز ، كيف جرت

    الأمور ؟



    -كل شيء على ما يرام باتي .


    -هل باركت عائلتك وعائلة جمانة زواجكما ؟


    -نعم ، لكن الأمور لم تجرِ مثلما أردنا .


    عبست باتي وقد ازدادت تجاعيدها تعرجاً : يا إلهي ! ماذا حدث ؟


    قلت لها وأنا أجلس : لا أعلم يا باتي ، صدقيني لا أعلم .


    -كيف لا تعلم ؟ أين جمانة ؟ ، ألم تأتِ معك؟


    -جمانة لا تزال في السعودية ، أظن أنها ستعود إلى هنا في نهاية

    الصيف .



    -كدرتني كثيراً ، ظننت أن الأمور ستجري جيداً ، كنت وروبرت في غاية

    الحماس لزواجكما .



    -كنت أتمنى ذلك أيضاً .


    -هل أنت بخير ؟


    -أظن ذلك .


    -ماذا عن جمانة ؟ ، كيف حالها ؟


    -ستكون بخير ، لا تقلقي .


    تنهدت بعممق : أتمنى أن تكون بخير ، جمانة فتاة رائعة حقاً ،

    أرجو أن تصطلح الأمور بينكما .



    -من يدري يا باتي ، قد تصطلح الأمور يوماً .


    -فعلاً ، من يدري !


    غمغمت وهي تتجه إلى المطبخ : أنت لا تستطيع العيش من

    دونها على أي حال !



    حملت حقائبي ودخلت غرفتي لأنام بعد رحلة العودة الطويلة المنهكة

    ، كانت صورنا معاً والتي كانت تملأ جدران الغرفة في استقبالي ،

    بدلت ملابسي وأخذت أتأملها صورة صورة ، كان لكل صورة عمر وتاريخ

    وحكاية ، صدمني نضج علاقتنا ، تغيرها من صورة لأخرى خلال أربع

    سنوات وكأننا عشنا عقوداً مع بعضنا على الرغم من ملامحنا الفتية ،

    كنت أتفرج على الصور مبتسماً وأنا أفكر ، كيف كنت سأقضي

    السنوات الأربع الأخيرة من دون أن تصغي على حياتي كل هذه

    الألوان ؟!



    افتقدتكِ كثيراً خلال الأسابيع الماضية ، افتقدتك بقدر ما أذيتكِ ،

    وبقدر ما خذلتكِ ، وبقدر ما جبنت .



    كنت أشعر بأنكِ تبحلقين بي من خلال الصور ، تنظرين إلي بخيبة

    وقسوة ومقت وعتب ، على الرغم من ابتسامتك الناعمة واللمعة التي

    تشع من عينيكِ في كل صورة .



    أفسدت الأمور بيننا ، بل أفسدت حياتي إلى الأبد ، أنا أدرك الآن أن

    لا شيء قادراً على إصلاح الأمور بيننا ، تراجعي وخذلاني إياكِ هذه

    المرة لن يصححه شيء ولن يخفف من حدته أحد .



    انتهى ما بيننا ، بل أنهيت أنا ما بيننا لسبب لا أعرف مكمنه ، لا أعرف

    لماذا أسعى إليكِ بضراوة ، وحينما أصل إليكِ أفر هارباً جزعاً ، وكأن

    ملائكتكِ الحارسة تدفعني بعيداً عنكِ لتحميكِ مني أو لتحرمني منكِ !



    قوة إلهية عظمى تفصلكِ عني وتردني عنكِ ، قد يكون الخوف والتردد

    والرهبة والجزع كلها موانع إلهية تحل بيني وبينكِ لسبب لا يعرفه

    إلا العظيم وحده عز جلاله .



    أطفأت الأنوار كي لا أراكِ حولي ، وضعت سماعة الـ ipod في أذني

    وأدرت أغنية
    Only time لـ Enya
    Who can say where the road goes
    Where the day flows , only time
    And who can say if your love grows
    As your heart chose ,
    Only time !


    أغمضت عيني بقوة وأنا أردد في نفسي :

    (( الوقت فقط يا جمانة هو القادر على إخبارنا ، الوقت فقط )) !


    ***

  5. #85
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    مرت ثلاثة أسابيع على عودتي ، قضيت معظمها وحيداً على غير

    العادة ، كان معظم أصدقائي في الوطن حيث يقظون أجازتهم الصيفية

    التي كانت تشارف على الإنتهاء ، كنت أعرف بأن كثيرين منهم

    سيعودون خلال هذا الأسبوع حيث أن أبواب الجامعات ستفتح خلال

    أيام ، مثلما كنت أدرك أن موعد عودتكِ قريب بلا شك ، فأقع بين

    انتظار عودتهم وبين الخوف من نتائج عودتكِ .



    لم أفعل الكثير منذ أن عدت ، شاهدت بعض بضعة أفلام وحيداً ، قرأت

    ثلاثة كتب ، أعدت ترتيب غرفتي ، أزلت صوركِ من على الجدارن ،

    ولملمت كل الأشيء التي تتعلق بكِ ووضعتها مع صوركِ في صندوق

    كرتوني أحكمت إغلاقه ، كتبت عليه
    My past وخبأته (( عني ))

    تحت السرير !



    لم أقدر على تحمل وجودكِ حولي ، كان الحنين يقرع أجراس قلبي

    كلما وقعت عيناي على صورة لك ، لذا بعدت كل الماديات التي

    تذكرني بك على أمل أن يجتثكِ النسيان مني .



    اتصلت بياسمين ، هربت إليها كعادتي ، اعتذرت لها عن غيابي في

    الفترة الماضية ، أخبرتها أنني مررت بظروف قاهرة ، ومن ثم سافرت

    إلى الرياض ، كانت ياسمين مستاءةً مني على غير عادتها ، كان قد

    مضى على آخر اتصل جمع بيننا أكثر من خمسة أشهر ، حاولت أن

    أحتوي غضبها وأن أتفهمه ، وعدتها أن أزورها خلال أسابيع لنتفاهم

    لى كل ما يربط بيننا فأغلقت راضية ، لا أعرف ماذا انتابني في الفترة

    الأخيرة ، وكأن لعنتكِ قد أصابتني حقاً ، أشعر بالزهد في كل الناس ،

    وبالملل من كل شيء . تراجعت صداقتي أنا وريما خلال الأسبوعين

    الماضيين ، انحسرت مياه الفضول بعد أسابيع من النهل منها ، فتبقت

    بيننا بضع رسائل تجيء بين الحين والآخر ، مجاملة أحياناً وباحثة عن

    شيء يكسر الملل أحياناً أخرى .



    رأيتكِ ليلة البارحة في حلمي ، استيقظت مبتسماً ، فرحاً برؤيتكِ !


    رأيتكِ تخرجين الصندوق من تحت السرير ،قمتِ بفتحه وأخذتِ تعيدين

    الصور مكانها بينما كنت أراقبكِ مضطجعاً على سريري ، شعرت

    بالراحة حينما اتسيقظت ، لا أعرف إن كانت رؤيتك قد أسعدتني أم أن

    رمزية الحلم هي التي فعلت ذلك ، قد يكون الحلم مجرد حديث من

    أحاديث النفس لكنني أحببته كثيراً .



    ظللت طوال اليوم أفكر في الحلم وما خلفه في نفسي من راحة

    وأمل ، أخذت أفكر فيكِ ، في العصفورة التي ملأت حياتي تغريداً

    فحاولت إسكاتها مللاً ، لأصدم بأيام صامته ومملة بلا تغريد ولا تحليق

    و لا عصفورة .



    فكرت أن أتصل بكِ عندما حل الليل ، لم أكن لأتصل على هاتفكِ

    المحمول كي لا يظهر رقمي لديكِ ، لذا قررت أن أتصل عبر هاتف

    المنزل ، علي أحظى بشيءٍ من صوتك وإن لم أكن متأكداً من عودتك .



    كانت أنفاسي مضطربة ، وضعت يدي على السماعة كي لا تسمعيها

    ، أدرت رقمكِ وبقيت أنتظر ، فقدت الأمل بإجابتكِ بعد النغمة الخامسة

    ، ظننت بأنك لم تعودي بعد ، أبعدت الهاتف عن أذني لأنهي التصال

    لأسمع صوتكِ يهمس من بعيد :
    Hello !


    كنت قد عزمت أن أسمع صوتكِ ، وأن أتأكد من عودتكِ فقط ، لكنني

    وجدت نفسي أقول : عدتِ إذاً !



    صمتَّ ، حبستِ أنفاسك فلم يصلني منكِ أي شيء ، ظللتِ صامتة من

    دون كلمات و لا حروف ولا أنفاس ، كنت أعرف أنك ستنفجرين دمعاً ،

    قلت : أرجوكِ جمان ، لا تبكي ، لا تغضبي و لا تنفعلي ، لا تهدري

    عمراً آخر في حزن وبكاء .



    جاءني صوتكِ قاسياً بهدوئه : لماذا تتصل ؟


    -تعرفين لماذا أتصل !


    -لا تتصل بي مجدداً .


    -تعرفين أنني لن أقدر على أن أعدكِ بهذا .


    -أعرف بأنك تقدر على كل شيء ، لا تتصل بي مجدداً .


    -لا بأس يا جمانة ، اتصلي بي إن احتجتِ لأي شيء ، سيسعدني

    كثيراً أن أكون حاضراً في أي وقت تحتاجين فيه لشيء .



    قلتِ بعتب : لا والله فيك الخير !


    ودعتكِ وأنهيت الاتصال ، كنتِ مختلفة هذه المرة ، كنت صارمة ، باردة

    وحازمة أكثر من أي وقتِ مضى ، الحق أنك لم تكوني يوماً هكذا ، ولم

    أتخيل أن تصبحي يوماً بهذه الصورة القاسية مهما فعلت بكِ

    وفيكِ ومعكِ .



    بدا لي من مكالمتنا القصيرة أنكِ انتهيت مني وأنكِ تجاوزتني ، لكن

    قلبي لا يصدق هذا يا جمان ! ، كيف تنتهين مني وأنا غير قادر على

    الانتهاءِ منكِ ؟!



    كيف تقدرين على فعل هذا يا جمان ؟!



    ***

  6. #86
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    عاد زياد أيضاً ، كنت في بيت محمد حينما جاء ، يعيش زياد ومحمد في

    البناية ذاتها ، لذا يتزاوران دوماً من دون مواعيد و لا استئذان .



    كان كل واحد منهما يملك مفتاح بيت الآخر ، ومع ذلك ، لم يستخدم

    زياد مفتاحه بل قرع الجرس ، ليفاجأ بي حين دخوله مثلما تفاجأت

    به أيضاً .



    ارتبك زياد حينما رآني ، وراتبكت كذلك ، كنت جالساً على الأريكة ،

    مد يده إلي وأنا جالس : السلام عليكم ، هلا عبد العزيز !



    وقفت واحتضنته مثلما يحتضن الأصدقاء بعضهم بعضاً بعد طول غياب ،

    جلس وهو الذي كان قد وصل صباح اليوم ، وأخذ يحكي لنا عن رحلته

    التي تأخرت ، وعن تعقيدات الرحلة التي كانت من أصعب الرحلاته ،

    لاعناً الخطوط الجوية التي سافر عليها محذراً إيانا من التفكير بالسفر

    عليها يوماً .



    أخذنا نتحدث عن أفضل الخطوط الجوية وعن أسوئها ، وتحدثنا عن

    بعض الرحلات الصعبة التي مرت بنا ، سألني محمد مغيراً للموضوع :

    فلتترك عنك هذا الموضوع وأخبرنا ، أنبارك لك ؟



    قلت باقتضاب : لا .


    -أوف ؟ ماذا حدث ؟


    -تراجعت عن الزواج ، رفضتني .


    صاح محمد : لابد من أنك تمزح !


    كان زياد يتأملني صامتاً واضعاً يده على فمه مفكراً وكأنه يجبر فمه

    على الصمت وعلى أن لا يفلت منه حرف ، قلت : هذا ما حدث ،

    أظن بأنها خافت .



    -لم أتخيل لثانية واحدة أن يحدث هذا ، جميعنا نعرف كم أن جمانة

    تحبك .



    -ربما في الأمر خيرة لي ولها .


    قال زياد وهو يقرب كوب القهوة من فمه الخيرة فيما أختاره الله دوماً ،

    كيف كانت إجازتك يا محمد ؟



    أنهى زياد الحديث عن الموضوع بسرعة ، لا أعرف إن كان قد أنهاء

    لعدم رغبته بمعرفة التفاصيل ، أم أن الموضوع بمجمله لا يعنيه حقاً .



    أخذت أفكر في السبب الحقيقي الذي جعلني أدعي أنكِ من تراجع

    عن الزواج ، أهو محاولة لاشعورية مني للحفاظ على كرامتكِ ، أم هي

    غبة شديدة في أن لا أتلقى لوم أحد !



    كنت أتأمل زياد وهو يحدث محمد عن إجازته بدوره ، وأنا أفكر أتراه

    سيخذلني من جديد محاولاً الوصول إليكِ ؟! وهل سيدفعكِ ما حدث

    بيننا إلى زياد هذه المرة ؟!



    كنت أعرف أنكِ أصبحتِ حرة الآن وبشكل رسمي لا يقبل الشك

    أو التحفظ ، ما حدث بيننا كان طلاقاً بائناً من دون زواج ، لذا لن يلومك

    أحد لو فكرت في الخوض بعلاقة حب جديدة ، لكنكِ جمانة التي

    لا تقبل الخوض في مجازفات عاطفية و لا تجرؤ على التجريب فيها ،

    فهل ستتخلين عن حذرك وحرصك لتجربي علاقة جديدة ، وتسمحي

    لنفسكِ بالتعرف إلى شخص قد تفضي معه الأمور إلى حب جديد ؟!



    أزعجتني الفكرة كثيراً ، احتمالية الأمر أرعبتني ، شعرت بأن المكان

    يضيق بي ، تسارعت نبضاتي بقوة وبدأت أنفاسي تثقل حتى بت غير

    قادر على التنفس ، شعرت بأطرافي تتشنج وأنا أحاول أن أشهق

    الهواء ، التفت محمد وزياد اللذان كانا يتحدثان عن إجازتهما إلي ،

    قاما من مكانهما بسرعة ، أخذ محمد يهزني : عبد العزيز ، عبد العزيز ،

    ماذا بك ؟



    لم تستطع الحروف أن تتجاوز حلقي ، علقت الكلمات في حنجرتي ،

    لا هي خرجت و لا هي سمحت للهواء بالمرور ، شعرت بجسدي يزداد

    تشنجاً وأنا أمسك رقبتي بيدي بقوة ليفهما أنني لا أقدر على التنفس

    ، كان محمد يصرخ في وهو يهزني بقوة ، ضارباً بيده على ظهري ظناً

    منه بأنني قد غصصت بشيء ، قال له زياد : نوبة هلع ، ليست إلا نوبة

    هلع ، عبد العزيز ، أنت تعرف أنها مجرد نوبة خوف ، تعرف أنك بخير

    وأنك لن تموت ، أنظر إلينا نحن حولك .



    صاح به محمد : ما الأمر ؟ ، ما به ؟


    قال زياد : لا تقلق ، امنحه بعض الوقت ليهدأ .


    أمسك زياد بيدي اليسرى بينما جلس محمد على يد الأريكة التي

    أجلس عليها واضعاً يديه على كتفي ، قال لي زياد : عبد العزيز تنفس

    ببطء ، أنت بخير ، أنت تتنفس ، أنا أراك تتنفس ، فكر في شيء جميل

    وبعيد ، تخيل أنك في المالديف الآن ، أنظر إلى البحر الفيروزي ، وإلى

    الرمال البيضاء وإلى الخضرة التي تطاول السماء .



    أغمضت عيني بقوة استحضار الصورة البعيدة ، بدأت أرى الأشجار

    والرمال وأسمع موج البحر في أذني ، شعرت بالهواء يتدفق إلى رئتي

    ونبضاتي تهدأ ، لانت أطرافي وتمددت وبرد العرق الذي تصبب

    مني حاراً وفزعاً .



    قلت لهما وأنا أتنهد : أنا بخير ، أصبحت بخير ، لا تقلقا .


    قال زياد : لم نقلق عليك ، تعرف أنك بخير .


    -أنا آسف إن كنت قد فزعتكما .


    قال محمد ممازحاً : أعرف بأنك ارتحت حينما تخيلت عري النساء في

    المالديف !



    ابتسمت وأنا أمسح بيدي جبيني الذي كان ينز عرقاً بارداً : أنا آسف

    جداً ، لم تباغتني هذه الحالة منذ فترة طويلة .



    جلس زياد في مكانه : لابد من أنك تمر ببعض الضغوط ،هدىء من

    روعك ، كلنا نمر بظروف بين الحين والآخر ، المهم أن تنفس عنها حتى

    لا تتكابد الضغوط عليك .



    سألني محمد : منذ متى تأتيك النوبات ؟


    -منذ سنوات ، تختفي لفترات طويلة ، وتزورني لفترات .


    -ألم تستشر أحداً فيها ؟


    -بلى ، مثلما قلت لك ، هي نوبات تذهب وتعود .


    سألني محاولاً تلطيف الأجواء : أعلاجُها دوماً فتيات المالديف ؟ أخبرني

    حتى أنقذك أن عاودتك بوجودي .



    قلت ساخراً : فلتبتكر فكرة جديدة مع كل نوبة ، فلتكن خلاقاً يا محمد .


    ضحك محمد وزياد وحاولا تغيير الموضوع بعيداً عما حصل ... شعرت

    بالحرج الشديد وبالخوف أيضاً ، كانت معاودة نوبات الهلع لي آخر

    ما أتمناه وما أنتظره ، عودتها إلي في هذه الليلة تعني أنها ستزورني

    كثيراً في الفترة القادمة .



    كانت نوبات الهلع آخر ما أتمناه الآن ، بئساً لعودتها ، وبئساً لمن أعادها

    إلي ، بئساً لكِ يا جمان !




    ***

  7. #87
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    كنتِ حازمة تجاه انفصالنا هذه المرة .


    اكتشفت حينما تركت الرياض أنني كنت مقتنعاً في لاوعيي أن الأمور

    ستعود بيننا مثلما كانت ! ربما لأننا لطالما تشاجرنا ، وربما لأن ما حدث

    بيننا خلال العام الماضي وعودتكِ إلي قد جعلتني أشعر بأن مصائرنا

    مرتبطة مهما حدث بيننا .



    الحق أنني لا أزال أشعر أن دروبنا ستلتقي في نقطة ما ،

    في يوم ما وفي حياة ما .



    لن أكذب عليك ، ولن أخفيكِ فبالرغم من كل ما حدث ، وبالرغم من

    حرارة الاشتياق ، إلا أن رسولاً خفياً في داخلي ينبئني بأن ما يجمعنا

    أكبر بكثير من أن يدمره ما حدث .



    رأيتك اليوم في الجامعة ، كانت بداية العام الدراسي ، وكان معظم

    الطلبة قد عادوا بعد إجازة شبه طويلة قضوها في أوطانهم ، رأيتك

    من بعيد ، تمشين مبتسمة ، تسلمين على من تصادفينهم في طريقكِ

    ممن تعرفين ، كنتِ مضيئة ملونة وباسمة على الرغم من بقايا الحزن

    المترسبة على ملامحك .



    اقتربت منكِ ، كنت مقابلة لي تماماً ، ابتسمتِ حينما رأيتني ابتسامة

    صغيرة ، ناعمة وشامخة ، ضممتِ الكتب التي معكِ إلى صدركِ بيديكِ ،

    وقلتِ وأنتِ تضمينها إليك : صباح الخير !



    مددت يدي إليك ، فصافحتني وأنتِ ما زلتِ تضمين كتبكِ إلى صدركِ

    بيسارك ، قلت : صباح النور جمان ، كيف حالك ؟



    أجبتني وأنتِ تنظرين إلى ياقة قميصي : أنا بخير ، الحمد الله ،

    كيف حالك أنت ؟



    قلت : سأكون بخير !


    تجاهلتِ ما قلت وسألتني وأنتِ تنظرين حولنا : كيف حال روبرت

    وباتي ؟



    -إنهما بخير ، يسألان عنكِ دوماً .


    -أحبائي ! ، فلتبلغهما السلام .


    هممت بقول شيء ، لكنكِ نظرتِ إلى ساعتكِ في إشارة إلى تأخركِ

    أو ربما شعوركِ بالملل ! ، ابتسمتِ : بداية عام ناجح وسعيد

    عبد العزيز .



    جرحني أنكِ ناديتني باسمي كاملاً ، قلت لك : ولكِ أيضاً يا جمانة !


    هززت رأسكِ بامتنان وتركتني ، التفتُ إليكِ أراقبكِ وأنتِ تبتعدين

    بخطوات خفيفة ، شعرت بأنكِ أخذت قلبي معك ، رأيتكِ تبتعدين ،

    وقفت أتأملك من دون أن أبرح مكاني بخطوة واحدة ، رأيتك تصعدين

    الدرج الجانبي ومن ثم التفت ، التقت عينانا ، فأشحتِ بعينكِ مبتعدة .



    في حوارنا لم تنظري في عيني قط كنت تنظرين بعيداً ، بعيداً عني

    على الرغم من وقوفي أمامكِ ، كان جلياً أن في قلبكِ علي ما هو أكثر

    من العتب ، أرسلت إليك برسالة : (( أنتِ زعلانة مني )) ؟!



    أجبتني : عادي !


    حاولتِ تسخيف ما كان بيننا ، أن تشعريني بلا مابالاتكِ لدرجة أن يكون

    لقاؤنا عادياً ، وأن يكون ما حدث بيننا عادياً ،أرسلت إليك معاتباً

    (( عادي ! ، يا كبر شرهتك علي )) !



    لم تردي علي ! ، تركتني أتجرع علقم انتظارك بقسوة لا تليق بك ،

    اتصلت بكِ بعد لقائنا ذاك أكثر من مرة ، ليصدمني عدم ردك ،

    وليدب الخوف في قلبي أكثر فأكثر فأكثر .



    كنت أعرف أنكِ تعاقبينني ، لكن استمرار تجاهلكِ بات بالنسبة إلي

    أكثر من مجرد عقاب ، بات يخيفني هذا الغياب وهذا التجاهل ، أصبحت

    أشعر بأنك بدأت تنغمسين في حياة جديدة لست فيها ، وهذا

    ما أرعبني كثيراً ، وما بدأ يفقدني توازني .



    اتصلت بي ياسمين قبل أيام ، دعتني لزيارتها ، شعرت بأنني غير

    مهيئاً نفسياً و لا عاطفياً لتلك الزيارة ، أحسست بأنني متشنج القوى ،

    غير قادر على الحركة ، على الانتاج ، على الاستمتاع ، وعلى

    ممارسة الحياة ، لذا اعتذرت منها واعداً إياها بزيارة قريبة حالما

    تتحسن أموري التي لم تكن ولن تصبح يوماً إلا أنتِ .



    صادفتكِ في الجامعة أكثر من مرة ، كنت تشيرين إلي من بعيد أحياناً

    وكنتِ تقفين للسلام علي أحياناً أخرى ، لم يكن في أحاديثنا أي حب !

    كانت أحاديث زمالة سريعة باردة ومجاملة ، حاولت أن أطيل معكِ

    الحديث أكثر من مرة لتقابلي رغبتي بالصد الحاد ، ومع ذلك أصبحت

    الجامعة أحب الأماكن إلي بعدما كان مقهانا هو مكاننا الأثير الذي

    أحببنا وتعارفنا على بعضنا فيه ، لكنكِ لم تعاودي زيارة المقهى .



    أنتِ لم تهجريني فحسب ، بل هجرتِ المقهى الذي لطالما جمعنا

    لسنوات طوال ، فبات كل من يعمل فيه يسألني عنكِ في كل مرة

    أذهب إليه ، أنا الذي كنت أذهب إليه في كل يوم وفي التوقيت ذاته

    حيث كنا نلتقي ، على أمل أن تظهري فيه يوماً !



    كان صدودكِ يزداد ثباتاً ، وكانت محاولاتي تزداد تضرعاً ، صدكِ لي كاد

    أن يزعزع ثقتي بالحب الذي كان يربط بيننا ، بتّ أشك في إمكانية

    أن نسترجع الحكاية يوماً .



    وعلى الرغم من كل ما كنت أصارعه في داخلي ، إلا أنني حاولت أن

    أبعد أصدقائي عنه ، قطعت كل دروب الأسئلة ، وتجنبت أي حديث قد

    يفضي إليكِ ، أدركوا هم بدورهم ما كنت أحتاجه ، فلم يجرؤ أحد منهم

    على أن يتطرق إليكِ أو إلى ما كان و لا يزال بيننا .



    دعاني محمد إلى بيته ، أخبرني أنه سيسهر هو وزياد ليتابعا

    التصفيات المؤهلة لكأس العالم ، عرجت على أحد المقاهى ، ابتعت

    كعكاً طازجاً وقهوة لكل منا وتوجهت إلى بيت محمد .



    كان زياد في المطبخ ، يستعد لإعداد (( كبسة )) لتناولها قبل المباراة

    ، كان محمد يحدثني عن بحث طلب منه إعداده حينما ارتفع صوت

    هاتف زياد الذي كان على الطاولة ، صاح محمد منادياً زياد ليرد على

    هاتفه ، قائلاً بصوت عال إنه سيرد عليه لاحقاً .



    كان رنين الهاتف مزعجاً بنغمته الكلاسيكية ، وقد كان محمد متحمساً

    في حديثه ، سحب هذا الأخير الهاتف ليضعه على وضعيته الصامته

    وهو يقول : أزعجنا هذا !



    عقد محمد حاجبيه حينما نظر في الشاشة ، ومن ثم رفع عينيه إليه

    بحركة لا إرادية مندهشة ، لا أعرف لماذا فهمت في أقل من الثانية

    أنكِ من يتصل !



    قفزت من مكاني لأسحب الهاتف ، فأخذه مني محمد بقوة كي لا أرى

    اسمك على شاشته ، سحبت الهاتف من يد محمد بكلتا يدي ، لأجد

    اسمك في قائمة المكالمات الفائتة .



    شعرت بأطنان من الثلج تهطل فوق جسدي ، سمعت صوت محمد

    وهو يقول : لا يضحك عليك الشيطان ، يمكن تبي تسأل عنك!



    فتحت قائمة الرسائل لأجد آخر رسالة منكِ (( اشتقت إليه )) ! ...

    شعرت بأنني قد وجدت مخرجاً لكرامي أمام محمد ، رفعت الهاتف أمام

    وجهه ليقرأ الرسالة وكأنها الدليل الوحيد الذي سينقذ كرامتي أمامه !



    قال محمد وهو يتنهد وكأن الموقف قد أحرجه أيضاً : أرأيت !

    مثلما قلت لك .



    -محمد أبيك توعدني بشيء .


    -آفا عليك أنت تأمر .


    -ما أبي زياد يعرف أني شفت جواله .


    -أبشر ، بس ليه ؟


    -مابيه يعرف وبس .


    قال محمد متفهماً : أبشر أبشر .


    قلت مؤكداً :وعد يا محمد ؟


    -آفا عليك أكيد .


    أكملت سهرتي معهما على مضض ، حاولت أن أبدو طبيعياً ، لكنني لم

    أقدر على ذلك ، من حسن حظي أن المباراة قد بدأت بعدما أنهى زياد

    إعداد (( كبسته )) ، متابعة المباراة جعلت حوارتنا قصيرة وتتعلق بما

    يجري في الملعب غالباً ، استأذنت منهما حالما انتهت المباراة وغادرت

    البيت وقلبي يغلي من نار الغيرة والحقد والغضب !




    ***
    _____
    _____________

  8. #88
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    دخل يونيو واقترب موعد عيد ميلادك ، لا قدرة لي على نسيان يوم

    مولدك ، اليوم الذي جئتِ فيه إلى الحياة لتغيري مجرى حياتي ، دائماً

    ما أتخيل اليوم الذي ولدتِ فيه ، فيما كنت أفعله ساعة رأت عيناك

    النور ...



    أخبرتني أنكِ ولدتِ في العاشرة صباحاً من يوم الأثنين ، أي أنه كان

    يوماً دراسياً بالنسبة إلي ، أفكر في اللحظة التي جئتِ فيها ، هل

    خفق قلبي بسرعة ؟ هل أنقبض ؟ هل شعرت بأي تغير في الحياة

    أو في مشاعري ؟!



    لا أزن بأنه كان يوماً عادياً بالنسبة إلي ، من غير المعقول أن تولدي

    بينما كنت ألعب في ساحة المدرسة أوبينما كنت أتثاءب في حصة

    الرياضيات ، لابد أن مجيئكِ هزني بقدرة ما ، ومسني بيد ما وإن لم

    أكن أعرفكِ .



    أربع وعشرون سنة مرت على مجيئكِ إلى الدنيا ، واقترب ربع قرنك ،

    دائماً ما تقولين لي إنك ستتزوجين في عامكِ الخامس والعشرين ،

    وستنجبين أول أطفالكِ في السابع والعشرين ، أنتِ تخططين لكل

    ما في الحياة ، تحسبين الأرقام والتواريخ وتستعدين نفسياً ومعنوياً

    لها وكأنها حقيقة ثابتة .



    هل تتزوجين فعلاً في عامكِ القادم يا جمانة ؟ ومن ستتزوجين ؟

    أتكونين زوجتي أم زوجة لرجل آخر لا يعرف تواريخكِ و لا استعدادتكِ

    للزواج وللأمومة وللحياة ؟!



    اليوم قرعت كل أجراس التنبيه ! كل شيء ينبهني أن تاريخكِ قد

    اقترب ! هاتفي الجوال ، جهاز حاسبي، التقويم الورقي ، كل الأشياء

    تصدح (( جاء يونيو ، جاءت جمان )) !



    أنتِ تحبين يونيو كثيراً ،تتباهين دوماً أنكِ تشتركين أنتِ وشهركِ في

    معظم الحروف وفي كل مرة يجيء فيها ذكر يونيو ، تشرحين لي

    بحماس الطفولة ، (( أنا خلقت في
    june واسمي juman ، نتشارك

    أنا وشهري في معظم الحروف ونتشابه في اللفظ بعض الشيء )) ،

    تخبرينني بذلك في كل مرة بحماس المرة الأولى ، فأضحك من

    أعماقي على ذاكرة السمكة التي تحتل رأسك الصغير .



    كنت دائماً ما أضع تنبيه تاريخ ميلادكِ قبل حلوله بأسبوع لأستعد

    لمفاجأتك ، جاء التنبيه مبكراً كالعادة ليطيل فترة وجعي من بداية

    يونيو وحتى تاريخ مولدك .



    لا قدرة لي على فرض نفسي عليكِ هذه المرة ، كل إشاراتكِ توحي

    إلي بأن لا أقترب ، لكن كيف أعيش يونيو بدون أن أعيشك

    وهو
    june وأنتِ juman مثلما تخبرينني دوماً !


    خرجت لأتجول في المدينة قبل مولدكِ بيومين ، علي أطردكِ وأطرد

    يونيو من رأسي ، مررت بمتاجر عديدة حتى وصلت إلى محل لبيع

    الحيوانات الأليفة ، دخلت إليه لأتفرج ، كانت هناك قطة بيضاء صغيرة

    طليقة لم يتجاوز عمرها الأسبوعين ، كان البائع يعرضها على طفل

    ووالده ، تمسكت القطة بقدمي وكأنها تستنجد بي ، نظرت إليها

    فأخذت تمسح بوجهها على قدمي متضرعة إلي أن آخذها .



    حملت القطة بيدي ، كانت صغيرة وناصعة لدرجة لا تعقل ! وقعت في

    غرامها بسرعة ، قال لي الرجل الذي يرافق الطفل : يبدو أنها أحبتك !



    ابتسمت : لابد من أنه الحب من أول نظرة ، فأنا أيضاً أحببتها كثيراً .


    قال وهو يضحك : لا نريد أن ندمر حبكما ،خذها أن أردتها سنبتاع نحن

    قطة أخرى ، يريد طفلي قطاً رمادياً على كل حال .



    شكرته كثيراً وشكرت الطفل ، ابتعت القطة وبعض حاجياتها وحملتها

    معي إلى البيت ، أخذت أفكر طوال الليل في اسم لها ، كنت محتاراً

    ما بين
    june و pure ناديتها بــ june فلم تلتفت إلي ، والغريب أنها

    نظرت إلي مباشرة حينما ناديتها بــ
    pure ، وهكذا أصبحت القطة

    (( نقية )) باختياري واختيارها .



    أعتنيت بالقطة ليومين كاملين ، أخذتها إلى المحل الذي ابتعتها منه

    في اليوم الثالث والذي كان يصادف يوم مولدكِ من أجل تنظيفها ،

    اشتريت قفصاً جميلاً وضعتها فيه ، وبطاقة كتبت عليها قصيدة لكِ

    وتوجت إلى بيتكِ .



    كنت أفكر طوال الطريق ، ماذا سأقول لكِ لو صادفتكِ خارجة من

    المنزل أو داخلة إليه ، دعوت الله أن لا أصادفكِ هذه المرة ، كنت حذراً

    وأنا داخل العمارة حينما وصلت ، وضعت الصندوق أمام الباب ونزلت

    مسرعاً ، كتبت لك رسالة هاتفية في طريق عودتي إلى البيت :

    (( كل عام وأنتِ وجع قلبي ، هديتكِ على الباب )) ! .



    مضت دقائق طويلة لم تردي علي فيها ، تقليت رسالتكِ وأنا أمام

    الإشارة ، كتبتِ تسألينني : (( ما اسم القطة )) ؟!



    أجبتك : pure ، مثلك !


    -أحببتها .


    -كم أحسدها !


    كتبتِ : لطالما أحببتك !


    جاءت رسالتكِ تلك معاتبة : فكتبت مداعباً (( لكنك بطلتِ )) .


    -أفعلت حقاً ؟


    -كتبت لك مبتسماً : أفعلتِ ؟


    جاءتني رسالتك الأخيرة بعد عدة دقائق متجاهلة سؤالي :

    شكراً على الهدية .



    ارتحت كثيراً بعد رسائلك التي جاءت ناعمة على الرغم من العتاب ،

    شعرت بأنكِ قد فتحتِ لي الباب مجدداً من خلالها ، فتحتهِ باستحياء

    وبحذر ، المهم أنكِ فتحته في نهاية المطاف ، لم تكن تهمني الطريقة

    بل كانت تهمني التنيجة فقط ولا شيء غير النتيجة .



    أخذت هاتفي واتصلت بكِ بعد دقائق من التفكير ، لم أكن متأكداً من

    إجابتكِ علي لكن رسائلك أغرتني بأن أقدم على المحاولة ، أجبتني

    بعد عدة نغمات ، قلت لك إنني ترددت كثيراً بالاتصال لكن رسائلك

    منحتني الأمل في أن تقبلي دعوتي على العشاء الليلة .



    قلتِ بتردد : لا أظن بأنها فكرة سديدة ، لا داعي لأن نفتح باباً

    قد أغلقناه منذ فترة .



    قلتُ برجاء : أرجوكِ جمان ، الليلة فقط ، فلننسَ جميع خلافاتنا .


    سألتني : ولماذا نخدع أنفسنا ؟


    -لأنها ليلة عيد ميلادك ، أرجوكِ يا جمان ، فلنسهر معاً ونثرثر مثلما

    كنا نفعل في الماضي ، الليلة فقط يا جمانة .



    سألتني بصوت متردد : أين نلتقي ؟


    -أتريد أن نلتقي في المقهى ؟


    -لالا ، لا أريد المقهى ، لا أريد أن يرانا أحد نعرفه .


    -حسناً ، سأمر عليكِ لآخذكِ إلى مطعم جميل ، متى ستكونين

    جاهزة ؟



    -في السابعة .


    -سأكون أمام البيت في السابعة تماماً .


    أغلقت معكِ وأنا أتنهد ، لكم هو كريم يونيو !


    ***


    __________________

  9. #89
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    الصفحة الأخيرة :


    حضرتِ كما الماضي ، برقتكِ ذاتها ، وكذلك نعومتكِ وتوهجكِ

    المقهورين ، جئتِ كما كنتِ تجيئين ، بقلب كبير ،محب وصاف .



    ضحكنا كثيراً ، مزحنا كثيراً وثرثرنا أكثر من دون أن نتطرق لصيف

    الرياض وما حدث فيه ، كنتِ تواقة إلى المغفرة مثلما كنت تواقاً إليها ،

    كنتِ بحاجة لأن تغفري لأنك لاتجيدين غير المغفرة ، وكنتُ محتاجاً لأن

    تسامحيني لأنني لا أقدر على أن أبقى قصياً عنكِ .



    كانت عيناكِ تلمعان بالحب مثلما كانتا تلمعان طوال السنوات

    الماضية .. لقد عادت تلك اللمعة التي يرتجف أمامها قلبي ،

    عادت إلى عينيكِ فأضاءت روحي من خلالها .



    كنت أتأملك وأنتِ تتحدثين ، أنتِ قدري ! مهما هربتُ منكِ ستظلي

    قدري ،فأنتِ الفتاة الصغيرة التي أحبها وتحبني مهما كبرنا وشخنا ،

    ومهما فعلت بنا الأيام والسنوات ، أنتِ المحطة التي ستنتهي عندها

    حياتي مثلما كنتِ المحطة التي بدأت فيها الحياة الحقيقية .



    جاءتني خمس رسائل على هاتفي أثناء عشائنا ، كانت إحداهن من

    ريما وأخرى من ياسمين ، وكأنهما يسعيان لإفساد عودتنا ، كتبت ريما

    في رسالتها (( عزوزي ، أنا في حالة نفسية سيئة ، تعقدت الأمور مع

    يوسف ، لا أعرف ماذا أفعل ، اتصل بي حالما تقدر )) ... مسحت

    رسالتها فظهرت رسالة ياسمين تحتها (( زيزو ، أين أنت )) ؟



    مسحت الرسالة ورحت أتأملكِ ، كنتِ تقرأين في لائحة الحلويات

    والمشروبات ، رفعتِ رأسك وابتسمتِ : أيحق لفتاة عيد الميلاد بكعكة

    جزر وقرفة ؟



    ابتسمت وقلت : سأغير رقم هاتفي !


    رفعتِ أحد حاجبيكِ باندهاش :حقاً ؟ ، لماذا ؟


    -لأني أريد هذا .


    -وهل سيحل تغييرك لرقمك كل مشاكلك ؟


    -سيحل جزءاً منها .


    -أرجو لك التوفيق !


    قلتها وابتسمتِ ابتسامة ذات مغزى ، كنت أعرف ما يجول في خاطركِ

    ،أنتِ تخافين من المخاطرة معي من جديد ، لكن على الرغم من أنكِ

    ما زلتِ تحبينني ، ربما لم تعودي تحبينني بالقدر ذاته ، لكنكِ ما زلتِ

    تُحبينني و لا تزالين .



    كان عشاؤنا سريعاً على الرغم من الساعات الثلاث التي قضيناها ،

    وددت لو قضينا الليل بأكلمه معاً ، تمنيت أن لا تنتهي الليلة التي كانت

    بالنسبة إلي أجمل ليالي العمر وأغلاها ثمناً .



    أظن أحياناً أن يوم العودة الأول بعد الانفصال غالباً ما يكون أكثر عذوبة

    من يوم التعارف الأول ، لأن العودة بعد الفراق تعني أن الحب قد وقع

    لا محالة ، وأن الحياة من دون الطرف الآخر باتت مستحيلة .



    غادرنا المطعم من دون أن أرغب في المغادرة ، كان الطريق قصيراً

    إلى بيتك على الرغم من أن المطعم لم يكن قريباً منه ، وقفت أمام

    العمارة وأنا أفكر كيف سأتركك هذه الليلة ، لم تبرحي مكانك عندما

    توقفت ولم تلتفتي إلي ، قلتِ بصوت خافت تملأه الحيرة :

    لماذا فعلت بي هذا ؟!



    كان سؤالكِ صعباً ، صعباً للغاية ، أنا نفسي لم أكن أملك إجابة واضحة

    عنه ، لم أعرف بماذا أجيبكِ ، ترددت كثيراً وقلت : لا أدري ! ،

    أظن بأنني قد جبنت .



    سألتني : مِمَ جبنت ؟


    -لا أدري !


    خيمت علينا غيمة الصمت ، أشعلتِ سيجارة وأخذت أتأمل الشارع

    الذي بدا متوحشاً بصمته ... قلتِ بصوتٍ أقرب إلى الهمس :

    أأحببتني يوماً ؟



    بدا لي تساؤلكِ صادقاً محتاراً ، جرحني كثيراً أنكِ بت تشكين بكل

    سنواتنا وأيامنا ومشاعرنا ومواقفنا وحكايتنا ، شعرت بدمعي ينهمر

    على وجنتي ، وكانت روحي تنتحب في داخلي ، قلت : لو تدرين

    كم هو مؤلم سؤالكِ هذا ؟!



    -لماذا لا تجبني عليه ؟


    -ولد حبنا وولد وطننا في التاريخ ذاته ، أنتِ وهو مقدران لي وعلي ،

    ستبقيان قدري مهما حاولت أن أتنصل منكما ، مهما كانت أقدرانا

    شقية ، سنظل معاً ستظلين حبيبتي وسيظل وطني ، لذا أحتاج أن

    لا تتخلي عني يا جمانة ، لا تتنصلي مني ، لا تكفي عن حبي ،من

    يدري يا جمانة إلى أين ستفضي الحياة بنا ! قد يجمعنا في نهاية

    المطاف بيت واحد ، وطن واحد ، أسرة واحدة ومستقبل واحد .



    كنت تستمعين إلي وأنتِ وأنتِ تنتظرين إلى البعيد من خلال الشباك ،

    وليس إلي ، شعرت بأنني غير قادر على أن أتركك في هذا الوقت ،

    كانت الكلمات تستعر في أعماقي ، وفي داخلي أحاديث طويلة ،

    قد تنفجر إن لم أحدثكِ عنها وأخبركِ بها ، قلت لك : لا يزال الوقت مبكراً

    ، ما رأيكِ أن نكمل حديثنا في مقهى ما ؟



    للم تردي علي ، استرخيت في مقعدكِ وأمسكتِ بالدبلة المصنوعة

    من الذهب الأبيض ، والتي تتدلى على نحركِ الرقيق كنجمة مضيئة ...

    أخذتِ تعبثين بها بشرود ، وكأنكِ في أرض بعيدة ، أرضِ أضعت طريقها

    ، أرضٍ يخيفني أن لا أستدل دروبها بعد اليوم .



    غارقة أنتِ في خيبتكِ ، وغارق أنا في معصيتي ،

    لكنني أحبكِ يا جمانة ،
    فاغفري !

  10. #90
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    وهكذا انتهت الرواية ..
    شكرا لكل من تابعني في القراءة والانصات ..
    شكرا لكل من تواجد ها هنا ..

    كانت هذه نهاية رواية جمان وعزيز ..
    أتمنى ان تكون قد أعجبتكم ..
    مودتي التي لا تفنى

    ____________________

صفحة 9 من 11 الأولىالأولى ... 78 91011 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال