سافرتِ قبلي إلى الرياض ، أردتِ أن تطرحي موضوع ارتباطنا مع
أهلكِ أولاً ،كنتِ مختلفة الأيام الأخيرة قبل سفرك ، ففي كل مرة
نتناقش فيها بخصوص الموضوع ، كنت أرى سحابة من التردد تبرق
في عينيكِ ، كانت هناك لحظات من التراجع الخفي تنتابكِ وتجتاحكِ ،
وإن حاولتِ مقاومتها .
طلبتِ مني أن أتحفظ على موضوع زواجي من ياسمين وأن لا أتطرق
إليه معهم مهما حصل ، قلتِ بأن عائلتكِ لن تسمح لكِ بالزواج من رجل
سبق له الارتباط مهما كان نوع هذا الارتباط ومهما كانت أسبابه .
في حديثكِ عن الموضوع لم تسمي ياسمين و لم تسمي العلاقة ،
قلتِ باقتضاب : لا داعي لأن يعرف أهلي بما فعلت يا عزيز .
سألتكِ : أي فعل هذا ؟
قلتِ وأنتِ تشيرين بيدكِ بنفاذ صبر واشمئزاز : حكاية مونتريال تلك .
كان من الواضح أنكِ لا تريدين مناقشة الموضوع معي و لا تسمية
الأفعال والأشخاص والأشياء المرتبطة بهذا الموضوع ، فعلياً أنتِ لم
تفتحي هذا الموضوع منذ أن استعدنا علاقتنا ، لم تسأليني عن شيء
يتعلق به على الرغم من أنك امرأة سؤال ! ، امرأة فضولية تسأل عن
أدق التفاصيل عن أتفه الأشياء .
كنت أدرك أنتلك التفاصيل كانت لتؤلمكِ كثيراً ، لذا اخترت طوعاً أن
لا تسألي عنها ، وأن تبقى مجهولة بالنسبة إليكِ وباختياركِ ، فالحقيقة
قبيحة غالباً وأنتِ لم تعودي ترغبين إلا برؤية الجمال في علاقتنا .
قلت لك إنني لم أكن لأخبرهم بلا شك ، مثلما لن أخبر عائلتي بذلك ،
قلت : هو أمر سخيف على كل حال ، مضى وانتهى
ولا يستحق الذكر .
رمقتني بنظرة حقد لا تليق بك ، كنتِ دائماً ما تنظرين إلي بعتب ،
كنت أرى العتب في عينيكِ في كل مرة أقسو عليك فيها ، لكنني رأيت
الحقد في عينيكِ جلياً هذه المرة وإن لم تفصحي .
كنت مختلفة جداً يا جمانة ، شيء فيك لم يعد كما كان ! أعرف بأن
(( الحقد )) هو أبسط حقوقكِ بعد كل ما حدث ، لكنني لم أتخيل أن
تجديه يوماً ، امرأة مثلكِ لا تعرف أبجديات الحقد فكيف تثبته إلي بكل
مرة هذه المباشرة حتى وإن كان عن طريق النظر !
أوصلتكِ إلى المطار ، أمسكتِ معطفي بيديكِ حينما أعلن عن قرب
لإقلاع طائرتك ، قلتِ بشيء من الشك والخوف : أتظن بأن
الأمور ستجري على ما يرام ؟
-أظن ذلك.
-وعد ؟
قلت مطمئناً : أعدكِ يا جمان ، أعدك !
تركتكِ تلحقين بطائرتكِ مطمئنة بوعدي ، أخذت أرقبكِ وأنتِ تبتعدين
وسط الزحام ، كنتِ تلتفتين بين الحين والحين ، وكأن وجودي خلفك
يضمن الوفاء بوعدي ، كنت ألوح لكِ كلما التفتِ وأنا أفكر ،
ماذا سيخبئ لنا القدر في قادم الأيام وفي تلك البقعة البعيدة ؟!
فكرت كيف ستكون عودتكِ إلى هنا ، هل ستعودين وحدكِ أم سنعود
معاً على متن طائرة واحدة ؟وبأي صفة سنعود ؟
أخذت أبحث في سيارتي عن قرص للأغاني سجلت فيه منذ سنتين
أغنية طلال مداح (( ما أوعدك )) بصوتي ، جدت القرص بعد بحث ،
أدرته في طريقي إلى البيت ، أخذت أفكر وأنا أستمع إليه ، كم كنت
أظن أن صوت طلال مداح بائساً ومحبطاً هو يغني هذه الأغنية ، لكنني
اليوم أدركت بأن صوتي وأنا أغنيها أكثر بؤساً وإحباطاً ،
كان صوتاً معبراً عن اليأس :
ما أوعدك من يضمن ظروف الزمان
لا تصدقي من قال للدنيا أمان
ميعادنا خليه في كف الظروف
لا تحرجيني بالزمان وبالمكان
أخذت أردد في نفسي : من يضمن ظروف الزمان يا جمانة ؟ ،
من يضمن ظروف الزمان ؟!
***