صفحة 7 من 11 الأولىالأولى ... 56 789 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 104
الموضوع:

رواية فلتغفري .."للـكاتبة أثير عبد الله - الصفحة 7

الزوار من محركات البحث: 9210 المشاهدات : 39074 الردود: 103
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #61
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    تاريخ التسجيل: October-2014
    الدولة: Iraq
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 15,523 المواضيع: 479
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 7035
    المهنة: صيدلانية
    موبايلي: iphone 8 plus& note5& iphone 7
    آخر نشاط: 12/August/2022
    مقالات المدونة: 8
    لا أعرف إن كنت سأصبح أباً يوماً !

    الحقيقة أن الأطفال لم يكونوا بالنسبة إلي حلماً أو رغبة في يوم من

    الأيام ، لم أتخيل يوماً شكل أطفالي و لا حتى أسماءهم ، على

    العكس تماماً دائماً ما كنت أقول بأنني لن أفكر بإنجاب طفل ما إلى

    هذه الحياة ، كنت أقول إنني قد أتزوج في نهاية المطاف لكنه سيكون

    زواجاً بلا أطفال .

    لا أعرف حقيقة لماذا كنت أخشى فكرة أن يكون لي أطفال ، من

    المؤكدة أنني لا أحبذ فكرة العائلة والمسؤولية وارتباط مصائر مجموعة

    من الأفراد ببعضهم بعضاً ، كانت تخيفني فكرة التنازلات ، التضحيات ،

    الالتزام ، الارتباط ، المسؤولية وكذلك الفقد الذي قد نتعرض له يوماً .

    لكن قناعتي تبدلت ما إن احببتكِ يا جمانة ، أصبحت أتخيل دوماً ملامح

    أطفالنا ، طباعهم ، أصواتهم وروائحهم ، أتخيل المزيج الذي قد ينتج

    مني ومنكِ ، فيبهرني جمال الخيال والتوقع وأذوب شوقاً ليوم أحمل

    فيه طفلة أو طفلاً يشبهني ويشبهك .

    أنا مؤمن تماماً بأنني لن أصبح أباً إلا معكِ ، وبأنني لن أفكر بالأبوة مع

    امرأة غيرك ، أنتِ أيضاً تدركين ذلك في قرارة نفسكِ ، لذا ، وعندما

    تطلبين مني شيئاً أو أمراً أرفضه تقولين لي : بو صالح !

    عشان خاطري .

    تسألينني دوماً باسم طفلنا (( الحلم )) لأنك تدركين بأنني لن أقاوم

    نشوته وسأستجيب .

    أدرك أنكِ تبتزينني بـ (( أبوصالح )) ، لكن ابتزازكِ يعجبني ،

    فأنساق خلف استغلالكِ للاسم منتشياً به وبفكرته .

    أفكر أحياناً بـ (( حلا وصالح )) ، طفلينا اللذين خلقا فينا قبل أن يخلقا

    منا ، أفكر فيما لو خسرتهما قبل أن يجيئنا ، فيما لو خذلتهما بخذلاني

    لكِ فأفقدهما بفقدي إياكِ ، أشعر أنني تورطت معكِ بأطفال لم يتكونوا

    بعد ، وهذا يخيفني كثيراً على الرغم من توقي الحاد إليهم .

    في الحب تتضاد الأشياء ، نريد و لا نريد ، نخشى ونأمل ، نسعى

    ونهرب بسبب الرغبات والحاجات والأشياء ذاتها ، لذا أنا متناقض

    الأفعال معكِ ، لا لأن التناقض سمة شخصية بل لأنه ضرب من ضروب

    الحب ، وأحد وجوهه الكثيرة .

    أنتِ تريدين الكثير وأنا أريد الكثير ، والحب يريد أكثر فأكثر فأكثر فأكثر !


    ***

  2. #62
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    لم أكتب منذ مدة طويلة ، تركت الكتابة أو هي من تركتني ، لن أقول

    بأنني هجرتها أو أنها هجرتني ، سأقول إننا انفصلنا منذ رجوعكِ إلي .

    لا أعرف ما لذي يحدث لي ، أشعر أنني فقدت القدرة على الكتابة ،

    الحق أنني لم أكن أكتب إلا لأبقيكِ مشدوهة ، لكنني لم اعد أقدر على

    الإنتاج منذ أن عدتِ وكأن التوقف هو ثمن عودتك الذي لا بد لي من

    سداده .

    تستنزف الكتابة فيّ أشياء كثيرة ، و لا أظن بأنني قادر على أن أمنحها

    ما تستحقه وما تحتاجه في هذه الفترة ، الكتابة تتطلب تركيزاً وجهداً

    عاطفياً ونفسياً ومعنوياً وجسدياً ، جهد لا قدرة لي على بذله ،

    فتركيزي الآن منصب عليكِ و لا حاجة لي للتركيز على غيرك حتى

    وإن رغبت بذلك .

    أطلع على البريد الإلكتروني الخاص بالصحيفة الإلكترونية التي أكتب

    بها ، لأجد عشرات الرسائل أسبوعياً لقراء زاويتي من زملاء مبتعثين

    ومواطنين مهتمين وفتيات مررن في حياتي لا يزلن يتابعن ما أكتبه

    فضولاً وحنيناً ومكيدة أحياناً !

    يثير هذا النوع من الرسائل اشمئزازي ، يضحكنني اللاتي يظهرن في

    حياتك بعد انقطاع إما لثروة حققتها وإما لشهرة وصلت إليها

    وإما لإفساد علاقة عاطفية تعيشها !

    كان استرجاع الفتيات اللاتي عبرن في حياتي في ذهني ممتعاً أحياناً

    ، استرجاع المواقف ، الذكريات ، المخاطر ، الأحداث ، البدايات

    والنهايات كلها كانت تمتعني ، لكنها لم تعد كذلك الآن .

    الآن أحاول صرف أي فكرة تقودني لامرأة ماضية ، لا أعرف لماذا

    أصبحت هكذا ! لا أعرف لماذا باتت تزعجني الذكرى ، لماذا غدت

    تؤذيني !

    أذكر بأننا كنا في إحدى دور السينما قبل عامين ،كان قد تبقى على

    عرض الفيلم أكثر من نصف ساعة فبقينا نحتسي ما تبقى من قهوتنا

    في الخارج ، كنتِ تحكين لي بحماس قصة الرواية التي حولت إلى

    ذاك الفيلم الذي كنا نتعزم مشاهدته ، حينما وقعت عيني على

    (( غادة )) ، إحدى الفتيات اللاتي كنت على علاقة بهن قبل معرفتي

    بكِ بسنة واحدة فقط .

    كانت غادة تقف مع صديقاتها على بعد أمتار مني ومنكِ ، كانت تسدد

    نظراتها إلي مباشرة ، لدرجة أن رعشة دبت في جسدي من هول

    المفاجأة ، ومن بجاحة النظرات ومباشرتها !

    كان توتري ملحوظاً لدرجة أنكِ التفتِ إليها ، لم يكن الأمر محتاجاً للكثير

    من العبقرية لتفهمي من نظراتها المباشرة إلي أن شيئاً ما يحدث ،

    نظرتِ إلي وعقدتِ حاجبيكِ متسائلة ، قلتِ : من هؤلاء ؟

    -من تقصدين ؟

    قلتِ بعصبية : أتتغابى ؟! ، هؤلاء الفتيات ؟!

    -لا أعرف!

    -كيف لا تعرف ؟! ، هل تعتقد أنني عمياء أم غبية ؟

    -لاعمياء و لا غبية ، شدتني ملامحهن الشرقية ، و لا بد أن ملامحنا

    شدتهن أيضاً .

    قلت بعصبية وسخرية : لا والله !

    -طبيعي ، فضول سعوديين .

    -أشعر بأنك تكذب عليّ .

    سحبتكِ من يدك قائلاً : دعكِ من هذه الأفكار المجنونة ، تأخرنا على

    الفيلم .

    دخلنا دار العرض ، و لا أظن بأن أحداً منا شاهد الفيلم فعلاً ، كنتِ أنتِ

    غارقة في ظنونكِ وغيرتك ، وكنت أنا غارقاً في خوفي من أن تسلم

    غادة أو أن تقوم بأي فعل يدينني أمامك ، كان قلبي مقبوضاً طوال مدة

    العرض ، أدعو اللي في جوفي أن لا نصادف غادة في طريقنا عند

    الخروج وأن لا نقابل غيرها يوماً .

    سحبتكِ من يدك نهاية الفيلم وخرجنا مسرعين ، سألتني في الطريق

    أن كنت أعرف الفتيات أو إحداهن وحلفت بالله كذباً ، صدقتني لأنك

    تصدقين من يحلف بالله ، وبقيت أتلوى لأيام طويلة من كذبي عليكِ

    ومن حلفي الكاذب .

    في تلك الليلة ، جاءتني رسالة هاتفية من رقم غير مسجل لدي :

    مساء الخير عبد العزيز ، كيف حالك ؟

    لم أكن أعرف صاحب الرقم فأجبت : بخير ، من معي ؟

    -أنسيتني بهذه السرعة ؟ أنا غادة .

    شعرت بالتورط حينما قرأت الرسالة ، فكرت بأي فتاة وضعية هذه التي

    ترسل لرجل كانت على علاقة سابقة به بعدما رأته مع فتاة أخرى ،

    كتبت لها بحزم : ستندمين لو أرسلتِ لإلي مرة أخرى .

    أجابت بعد عدة دقائق وكأن الرد قد فاجأها : الله !

    لماذا كل هذا التهديد ؟! على كل حال أردت أن أسلم عليك فحسب .

    لم أجب على رسالتها ، تركتها لتفهم من صمتي أنني جاد في طلبي

    منها بأن لا ترسل مجدداً مثلما أنا جاد في تهديدي أيضاً .

    في تلك الليلة ، فكرت كثيراً فيما لو صادفت حبيبة سابقة أخرى ، فيما

    لو سلمت علي إحداهن أو تعرفت إحداهن عليكِ ، فكرت في

    الخسارة التي ستحل بي ، وفي العلاقة التي قد تنهار من وطأة

    الماضي الذي لا يموت .

    لم أنم تلك الليلة من وجع الضمير ، ألمني كثيراً أنني كذبت عليكِ ،

    وأنني حلفت بالله كذباً ، الحق أنني لم أنزعج من كذبي عليكِ بل من

    تصدقكِ إياي !

    سألتكِ يوماً : لماذا تغارين من اللواتي عبرن في حياتي ؟!

    من اللواتي مضين وانتهين بالنسبة إلي ؟

    قلتِ : لو مر في حياتي رجل ما ، ألن تنزعج ؟

    -بلى .

    قلتِ : عندما تحيرك ردود أفعالي وتثير مشاعري استغرابك ، ضع

    نفسك في موقفي وفي مكاني ، تخيل لو كنت أنت من يتعرض لهذا

    الموقف ، ما الذي كنت ستشعر به ، وما الذي كنت ستفكر فيه ..

    صدقني حيئنذ ستهفم أفكاري وستشعر بمشاعري .

    وعدتكِ أن أفعل وفعلت ! تخيلت في أيام كثيرة لو أنكِ كنتِ على علاقة

    بأحد من قبلي ، تخيلت لو أنك نمتِ مع غيري ، أو أنكِ كنت على علاقة

    برجل آخر أثناء علاقتنا ، فكرت بالكثير يا جمانة ! ، والحق أن تلك

    الأفكار عذبتني لدرجة جلد الضمير ، لمنني لم أقدر على دفن الماضي

    أو شطبه ، يطل الماضي علي وعليكِ برأسه بين الحين والآخر

    و لا قدرة لي على أن أحجبه عنكِ إلى الأبد .


    ***

  3. #63
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    أشتاق لله على الرغم من خطاياي وذنوبي !

    تظنين أنتِ بأنني منتصل من الدين تماماً ، تلمحين إلى ذلك دوماً ،

    وتصرحين به أحياناً قليلة ، يخيفكِ بعدي عن الله ، تقولين إن من

    لا يصون الله لا يصون الناس مهما أحبهم ، قلت لك يوماً : ومن قال لكِ

    بأنني أخاف من الله ؟

    -من الواضح أنك لا تخافه .

    وهل دخلتِ قلبي واطلعتِ على نياتي ؟

    أجبتِ : لو كنت تخشاه لما عصيته ، الخوف من الله ينهى عن الفحشاء

    والمنكر .

    -أنتِ أيضاً عاصية يا جمان ، مثلاً أنتِ لا تتحجبين ، ألا تخافين الله ؟

    قلتِ بانفعال : أنا لا أرتكب الكبائر ، مرتكب الكبائر ملعون ، هناك فرق

    بين المعصية وبين الخطيئة والكبيرة .

    -أنتِ تبررين معصيتكِ ليس إلا ، أنا أيضاَ قادر على تبرير معاصيّ

    وخطاياي .

    -الكبائر لا تبرر .

    -الله وحده من يطلع على النفوس ، ومن يعرف ما فيها يا جمان ،

    ولا حاجة لي بتبرير أي شيء لأحد .

    أشحتِ بوجهكِ بغير اقتناع ، وأنا أفكر كيف كيف لك كل هذه الجرأة

    للجزم أنني لا أخاف الله ؟! ، كيف تفعلين بنفسكِ ذلك ؟

    صدقيني يا جمانة ، أنا متعلق بالله أكثر مما تتخيلين ومما يتخيل

    الآخرون ، يظن الجميع أنني منحل دينياً لمجرد أنني عاصي ، لكنني

    أعرف يا جمانة بأن الله يسكنني على الرغم من معصيتي له ، وأعرف

    أن كل الناس ترتكب الخطايا ، وأن لا أحد معصوم عن المعصية ،مؤمن

    أنا بأن طريقي سيقضي إلى الله في نهاية المطاف ، لأنني لا أريد أن

    أنتهي في طريق غير الله ، لكنني أخاف كثيراً أن أموت قبل ذلك ،

    أخشى أن لا يمنحني الله التوبة فأموت قبل التطهر بها .

    أستعيذ دوماً من الموت الفجائي ، أسأل الله أحياناً حسن الخاتمة

    بنفس منكسرة من ثقل المعاصي ، أطلب من الله كثيراً أن لا يعاقبني

    بكِ ، أن لا يكون ابتلائي فيك ، وأن لا يحرمني منكِ مهما أخطأت

    وقصرت وعصيت .

    أنا لم أنشأ نشأة دينية يا جمان ، لم يأمرني والدي عليها بسبع ولم

    يضربني عليها بعشر ، لم يأخذني يوماً معه إلى المسجد ، ولم

    يسألني يوماً إن كنت قد أقمت صلاتي ، وحينما كنت أرفض مرافقة

    أهلي لأداء مناسك العمرة في كل رمضان من كل عام ، لم يضغط

    عليّ أحد منهم لأرافقهم ، ومع ذلك ، لا أحد منهم يشبهني ، فجميع

    أفراد عائلتي من بنين وبنات ملتزمون بالعبادة وكأن أصولهم زرعت

    فيهم بالفطرة ، وبدون أن يأمرهم أحد بها .

    أنا أيضاً أحب الله وأخشاه بفطرتي ، لكن الشيطان متمكن مني بفعل

    الكثير من الأمور ، أدرك بأنني أعين الشيطان على نفسي أحياناً ،

    وأدرك بأن يد الله لطالما كانت ممدودة إلي مرحبة بالتوبة ، والله

    يشهد كم مددت يدي نحوه راجياً العفو والمغفرة ، فيزلني الشيطان

    من جديد وتتوه خطواتي عن الطريق مرة أخرى .

    أفكر في كل مرة أخدعكِ فيها كم سيقتص لك الله من ! ، أتقيأ أحياناً

    من ضخامة ذنبي ومن ضعف نفسي أما الذنب ، أفكر هل سيغفر الله

    لرجل عاص يتلاعب بطاهرة تحاول أن توصله إلى درب الله ؟! ،

    فتفزعني الفكرة وتبث فيّ الرعب .

    صدقيني يا جمانة ، أنا لا أريد الاستمرار على هذا الحال ، أنا لا أريد أن

    يجتثكِ الله مني بسبب معصيتي ، أخاف الله يا جمانة وأحبه كما

    لا أحب أحدً ، أحبه وأطلب منه أن يحفظ لي من أحب ، أن يحفظكِ ،

    أنتِ التي بعثها الله إليّ لتذكرني بقصد ومن دون قصد أن أبواب الله

    دائماً مفتوحة ، وأن الله غفور رحيم لمن تاب وندم .

    أدعو الله كثيراً أن لا يأخذني عاصياً ، وأن يأخذني تواباً نقياً صادقاً في

    توبته ، لكن لا أحد منا يدرك متى يموت وكيف يموت وبأي أرض يموت ،

    لذا أدعوه أن لا يأخذني عاصياً أينما مت وكيفما مت ، ربي لا تأخذني

    عاصياً ، ربي لا تأخذني عاصياً !


    ***

  4. #64
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    تباً للنسيان !

    تباً لنسيان ينسيني اللقاء الأول ، أحاول أن أذكر أول لقاء جمعني بزياد

    و لا أستطيع استرجاع تفاصيله على الرغم من أن اللقاءات الأولى

    هي ما تحفر عادة في ذاكرة البشر .

    نحن نذكر دائماً تفاصيل اللقاء الأول ، نذكر المظهر العام ، تسريحة

    الشعر ، الملابس التي كنا نرتديها وحتى الحوارات الأولى ، لكنني

    لا أذكر شيئاً من لقائي الأول بزياد وكأنه لد معي فكبرت وأنا أعرفه !

    لا أعرف كيف أصبحنا أصدقاء على الرغم من اختلافنا الكبير ، كيف

    نلتقي دوماً من دون أن تلتقي أفكارنا وتتشابه هواياتنا ،أحلامنا

    و مساعينا .

    لا أظن بأننا أردنا شيئاً واحداً مشتركاً عداكِ يا جمانة ، أنتِ النقطة

    الوحيدة التي كانت تجمعنا من دون أن نعترف بذلك لا لبعضنا

    و لا حتى لأنفسنا .

    لطالما أنكرت في داخلي مشاعر زياد تجاهك على الرغم من يقيني

    اللاوعي أو الواعي المتعامي .

    كنت أعرف أن أنبل أخلاق زياد لن تشكل خطراً بالنسبة إليّ ، كنت

    أعرف أنه لن يقترب منكِ يوماً شهامة ونبلاً ، زياد رجل أخلاقي بالفطرة

    ، مجبول على الوفاء .

    مؤمن أنا يا جمانة أن خسارة زياد هي من أعظم خساراتي بعد

    خسارتي إياكِ ، صديق كزياد لا يعوض على الإطلاق مهما كان لدي

    من أصدقاء ، لا أحد كزياد ، لا أحد !

    أذكر بأنني أقمت عنده لأكثر من أسبوعين أثناء ترميم باتي وروبرت

    لبعض ملاحق منزلهما ، تعلمت في تلك الفترة ما لم أتعلمه طوال

    حياتي ، أذكر بأننا كنا نشاهد فيلماً معاً ، مد إلي بجهاز التحكم عن بعد

    وقال : لا توقف الفيلم ، أكمل المشاهدة ، سأعود بعد قليل .

    التفت إلى غرفة المكتب المجاورة حيث توجه ، رأيته يفرش السجادة

    ليصلي بهدوء وخشوع صادق ، عاد إلي بعد صلاته واستكمل الفيلم

    معي ، وظل يقوم بالأمر عينه خلال إقامتي ، يقوم من مكانه وقت

    الصلاة ليؤدي فرضه ويعود إلي من دون أن يدعوني لأداء الصلاة

    أو أن يسألني لِمَ لم أصلي ، كل ما فعل هو أن جاء إلى غرفتي في

    أول ليلة أقمت فيها عنده ، طرق الباب وبيده سجادة الصلاة وضعها

    على الكرسي وقال : السجادة هنا ، وأشار بيده إلى زاوية الغرفة

    قائلاً : القبلة بهذا الاتجاه .

    شكرته وخرج مبتسماً ، بعد ذلك بأيام كننا نتحدث عن أخلاق العرب

    وشهامتهم ، كان يحاول إقناعي بأن العرب الحقيقين هم أرقى من

    شعوب الأرض خلقاً ، قال لي : أتعرف المطعم ابن عدي والبختري

    ابن هشام ؟

    -أهما من شعراء العرب ؟

    -بل من كفار قريش وسادتها ، أحدهما أجار الرسول صلى الله عليه

    وسلم بعد أن عاد إلى الطائف على الرغم من كفره ، والآخر نقض

    عهد الحصار الذي أقيم على الرسول وصحبه على الرغم من كفره

    أيضاً .

    -ولماذا فعلا ذلك إن كانا كافرين ؟

    -لم يفعلا ذلك حباً في الرسول الله و لا نصرة للإسلام ، بل لأنهما من

    أصحاب الخلق العربي الأصيل .

    -لم أكن أعرف أن من كفار قريش من يفعل هذا .

    استرسل بحماس : لا حظ كم هي عظيمة أخلاق العرب ، وكم هي

    أعظم أخلاق الأسلام ، فحينما انتصر المسلمون في بدر و أسروا

    الكثير من قبيلة قريش قال الرسول صلى الله عليه وسلم :

    (( لو كان المطعم بن عدي حياً فكلمني في هؤلاء النتنى

    لأطلقتهم له )) ، أي لو تشفع لهم لقبل شفاعته فيهم على الرغم من

    كفره وذلك وفاة من الرسول عليه الصلاة والسلام للمطعم بن عدي .

    دمعت عيناي فجأة ، شعرت بالدمع ينسكب على وجنتي من عظيم

    خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ، شعرت بقلبي ينقبض وبروحي

    تنتفض من جمال وفائه ، شعر زياد بتأثري فاسترسل : كما أن الرسول

    أوصى الصحابة من المهاجرين وأنصار ممن شاركوا في غزوة بدر بأن

    لا يقتل أحد منهم البختري ابن هشام والعباس ابن عبد المطلب على

    الرغم من مجيئهما غزاة وعلى الرغم من كفرهما وذلك عرفاناً لهما

    عن دفاعهما عن رسول الله عليه أفضل الصوات والسلام .

    قلت له وأنا أمسح دمعي بيدي : سأبحث عن هذه القصة هزتني جداً .

    قال زياد وهو يضرب بيده على ركبتي : إقرأ معي سيرة الرسول عليه

    أفضل الصلوات والسلام ستدهشك أخلاق العرب على الرغم من

    جهلهم ،وستبهرك أخلاق الإسلام أكثر ، ألم يبعث الرسول عليه الصلاة

    والسلام ليتمم مكارم الأخلاق ؟

    -طبعاً .

    قرع جرس المنزل ليقطع محمد يومذاك علينا ذلك الحوار ، كنت أفكر

    أثناء تبادل زياد ومحمد أطراف الحديث ، أفكر في كم تتشابهان أنتِ

    وزياد ! ، كم تتحدثان بشغف عن العروبة وعن الدين ، وكم تغضبان

    لو مس أحد ما شيئاً يتعلق بهما حتى لو كان عن طريق المزاح ، أفكر

    أحياناً كم أنك تلتقين وزياد في الكثير من الأمور من دون أن تدركي

    ذلك وكذلك هو .

    لطالما أزعجني ذلك وإن لم يخيفني ، فكلاكما يمجد أخلاق العرب

    وأخلاق المسلمين ، كلاكما لا يقدر على الخيانة و لا يعطن من الخلف

    ولا يكذب .

    أنا لا أشبهك يا جمانة و لا أشبه زياد ، لكنني لا أقدر على خسارة أحد

    منكما ، لماذا يجبرني القدر على ذلك ؟!


    ***


    __________________

  5. #65
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين

  6. #66
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    لا أعرف أن كان هناك ما سأحكيه يوماً ، فعلى الرغم من أن في

    جعبتي الكثير من الحكايات والذكريات ، وعلى الرغم من عشرات

    المغامرات والتجارب ، ومع ذلك أشعر بأنني لن أقدر على سرد شيء

    أو ذكر حكاية .




    أجلس أحياناً مع نفسي وأفكر فيما أنا عليه ، وكذلك بما وصلتُ إليه ،

    فيحبطني حالي ، وضعي ، وموقعي في الحياة .




    لكم هو مخيف أن تنتبه في منتصف الثلاثينيات من عمرك إلى أنك لم

    تنجز شيئاً بعد لكم هو مرعب أن تصل إلى حقيقة أنك لا تسعى فعلاً

    لأن تنجز أمراً ما في هذه الحياة !




    أشعر هذه الأيام وكأنني شخت فجأة ، وكأنني نمت ليلة البارحة وأنا

    في منتصف عشرينياتي لأستيقظ اليوم في منتصف الثلاثينيات ،

    أشعر وكأنني كبرت عقداً كاملاً في غضون ليلة واحدة .




    لا أعرف كيف مر هذا العمر بلمح البصر ! ، كيف عبرت السنوات برمشة

    عين ، وكيف عشت كل هذذا الزمن من دون أن أشعر بالعمر

    يتسلل مني .




    أتأمل وجهي في المرآة وأنا أحلق ، تدهشني الشعرات البيضاء

    الصغيرة النامية في ذقني ، يدهشني أنني لم أنتبه لها يوماً وكأنني

    كنت ضريراً ، أبحث في ملامحي بهلع لأجد خطين صغيرين وخفيفين

    في جبيني ، خطين لم يكونا موجودين من قبلاً !




    أعتقد بأن الشيب ، وشيئاً من التجاعيد التي بدأت ترسم آثارها بإبرة

    ناعمة خفيفة قد زادتني وسامة ، لكنها جاءت لتوقظني من عسل

    الباب وخمره اللذين لطالما شعرت بأنني لن أستيقظ من سكرتهما

    أبداً .




    أدرك اليوم أنني خسرت عقداً من عمري في لاشيء ، قضيت عقداً

    كاملاً لا أفعل شيئاً سوى المتعة ، كانت تلك الأيام ممتعة بحق ،

    تمتعت بليال شهية ، وقضيت أوقاتاً أخاذة ، لكن لا شيء تبقى لي

    منها الآن سوى الذكرى ، الذكرى التي لن تسند مستقبلي من دون

    شهادة ، ومن دون عائلة ووظيفة .




    أشعر اليوم وكأنني كتبت شيكاً بعشر سنوات من دون رصيد من العمر

    ، أشعر بأنني تورطت ، وبأن علي أن أسدد ديني من السنوات

    لأعوض ما فاتني قبل أن أتورط مع العمر والحياة أكثر فأكثر .




    وضعت خطة قصيرة الأجل وقليلة الأهداف للعامين القادمين ، كانت

    قائمتي تتضمن هدفين فقط : أن أنهي الماجستير وأن أحصل عليكِ

    قبل أي شيء ، وكل شيء !




    أخذت هاتفي وأرسلت رسالة إليك : أجندتي للعامين القادمين ،

    أنتِ والماجستير .




    أرسلتِ باختصار : يا حلوك !



    جاءت رسالتكِ القصيرة ، فرحة ، مؤازِرة ، مغازلة ومدللة !



    ابتسمت عندها قرأتها ، أخذت أفكر كيف تسعدينني بكلمتين ، كيف

    تبثين في داخلي كل هذا القدر من الأدرنالين من دون جهد ومن دون

    إسهاب .




    أسعدتني كلمتاكِ يا جمانة ، لكنني انتبهت (( أخيراً )) إلى أنكِ فقدتِ

    معي (( الثرثرة )) ، أخافني كثيراً فقدكِ إياها !





    ***

  7. #67
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    مات جدي !



    أيقظتني رسالة وليد ، شقيقي الصغير ، الغائب الحاضر في

    حياتي ،! كتب لي : (( أبوي عبد العزيز يطلبك حل ، توفى البارحة بعد

    صلاة العشاء وسنصلي عليه اليوم )) !




    جاءتني الرسالة هكذا ! باثني عشرة كلمة باردة ، تخبرني وأنا في

    فراشي بأن جدي مات ! جلست في فراشي ، فركت عيني وقرأت

    الرسالة مجدداً ، وسؤال كبير يصدح في أعماقي : أبهذه البساطة

    يموت جدي ؟!




    كيف يموت جدي فجأة ! كيف يبلغني وليد بموته هكذا ؟

    برسالة نصية سخيفة وقاسية وباردة ؟! كيف يموت أبوي عبد العزيز

    وأنا بعيد عنه في غربتي ؟!




    عدت إلى سجل المكالمات ، كان قد اتصل بي قبل خمسة أيام ولم أرد

    عليه ، كنت أتابع مباراة كرة قدكم مع أصدقائي أثناء مكالمته فآثرت أن

    أعاود الاتصال به لاحقاً لكنني نسيت ، نسيت أن أتصل به مجدداً ،

    ومات من دون أن أحدثه ، ومن دون أجيب !




    كل ما فكرت به في تلك اللحظة هو خذلاني إياه، فكرت في مدى

    حقارتي لأفضل مباراة كرة قدم على كهل كنت أنسلق ظهره وهو

    يصلي ، ليحملني على كتفه بعدما ينتهي من صلاته متجولاً بي في

    أنحاء منزله الكبير على الرغم من انحناء ظهره وووهن عظامه .




    تذكرت ابتسامته الكبيرة عند كل عودة إلى الرياض ، يستقبلني على

    باب مجلسه بابتسامة مشعة وهو يلوح بيديه وبالسبحة في يمناه :

    حيا الله الأمريكاني هلا ببوي هلا !




    أبتسم لكلمته ولإصراره على أنني أعيش في الولايات المتحدة

    الأمريكية ، أقبل رأسه ويده فيقبل رأسي ويدي ، أحتضنه بقوة

    لتتشرب ملابسي بدهن عوده الفواح ، أجلس بجواره وهو يربت بيديه

    الضعيفتين المترهلتين على كتفي وظهري ورأسي وكأنه يتأكد من أن

    كل عضو وجزء في بخير وكما كان ، يقول لي في كل استقبال وبفرح

    لا يعقل : ما شاء الله وجهك زين !




    وكأنه كان يصارع فكرة أن لا أكون بخير ، فيطمئن قلبه ويرتاح

    حالما يراني .




    لطالما استعاذ جدي من أرذل العمر ، كان يدعو الله دوماً بأن يجعله

    صغيراً في عينه وكبيراً في عيون الآخرين ، وها هو جدي يموت بصحته

    وبكامل قواه الذهنية ، صغيراً في عينيه وكبيراً في عيون الناس .




    فتحت درج مكتبي وأخرجت منه مظروفاً كان قد أهداني إياه في

    زيارتي الأخيرة إلى الرياض ، كان قد كتب على الظرف وبخط عربي

    جميل : (( إلى الابن عبد العزيز بن صالح، شرهة العيد من أبوك

    عبد العزيز )) ، كان داخل الظرف خمسة الآف ريال . عودني جدي أن

    يهديني إياها في كل عيد وفي كل زيارة .




    الغريب أنني لم أصرف هديته الأخيرة ولم أتصرف بها ، بقيت النقود

    في الظرف منذ أشهر من دون أن أصرف منها ريالاً واحداً على

    غير عادتي .




    وضعت الظرف على المكتب وأنا أعتصر رأسي ، كنت مختنقاً بالخبر ،

    لكنني لم أستطع البكاء ولم أحزن بمقدار الخسارة .




    بعدي عن الحدث ، عن أهلي ، عن الموت ، عن رؤية جدي وهو

    مسجى بكفنه أوقعتني في مأزق الاستيعاب .




    كان صعباً علي أن أفهم هذا الموت وبهذه الطريقة ، لم أكن قادراً على

    أن أفهم هذه الخسارة ، كيف أستيقظ فجأة لأقرأ رسالة تبلغني بسطر

    ونصف السطر أن جدي مات ورحل ، وأنني لن أتمكن من رؤيته

    مجدداً !




    كيف أستوعب فكرة أن أعود إلى الرياض من دون أن يستقبلني على

    باب مجلسه ، فاتحاً ذراعيه وملوحاً بيديه مرحباً ، والسبحة السوداء

    تنسدل من بين أصابع يده اليمنى .




    كيف أسامح نفسي على عدم الرد عليه ، وعلى حرمانه من قول

    ما أراد قوله لي ؟!




    أردت أن أبكي فالبكاء هو جزء من تقدير الخسارة ومن فهم مقدارها ،

    أردت أن أبكي كثيراً لكنني لم أقدر على ذرف دمعة واحدة .




    أخذت هاتفي واتصلت بكِ ، أجبتني بصوت ناعس : لا أصدق أنك

    مستيقظ في هذا الوقت !




    -صباح الخير .



    -صباح الورد حبيبي ، أقامت أمريكا بغزونا ؟



    -بل غزانا الموت .



    قلتِ بقلق : يا ساتر ! لِمَ هذا الحديث ؟



    -أبإمكانكِ المجيء إلي ؟



    سألتني بدهشة : الآن ؟!



    -نعم ، الآن .



    -خير أن شاء الله ! مابك ؟!



    -توفي جدي .



    شهقتِ بفزع : جدك عبد العزيز ؟!



    -وهل لدي جد غيره على قيد الحياة ؟



    -يلا يلا ، لن أتأخر !



    قمت واستحممت ، جلست تحت الماء الدافئ ، وصوت انهماره

    يملأ رأسي .




    دائماً ما أهرب في أوقات انزعاجي إلى الماء ، أجلس وأتركه ينهمر

    فوقي حتى يكاد أن ينقطع أو أن يتبخر حزني تحت وطأة حرارته .




    لطالما كانت قضية الماء هذه محل خلاف بيني وبين باتي وروبربت ،

    حتى انتهت بتكفلي بدفع فاتورة الماء كاملة سواء أكنت من أسرف

    باستخدامه أم لم أفعل ، جاء هذا القرار المريح بعد شجارات كثيرة

    بيني وبينهم حيال دفع حصتي من الفاتورة ، لذا طلبت منهم أن أقوم

    بدفعها كاملة من دون أن يشاركا بدفع أي مبلغ فيها مقابل أن لا يفسدا

    علي متعة الراحة تحت الماء ، وهكذا كنت أهرب من كل ألم يلم بي

    إليه من دون منة و لا فضل من أحد .




    كنت بحاجة لأقضي أياماً تحت الماء ، لكنني كنت أعرف أنكِ ستهرعين

    إلي ، بقيت تحته لدقائق عله يبت في شيئاً من السكينة ،ارتديت

    ملابسي وأعددت قهوة بانتظار مجيئك ، كان روبرت وباتي في الخارج

    يمارسان رياضة المشي مع بعض أصدقائهما كالعادة .




    جلست على الأرجوحة في الخارج أنتظرك ، كان صباحاً بارداً ملبداً

    بالغيوم ، يوماً رمادياً وكئيباً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان .




    رأيت سيارتكِ تقترب ، أوقفتها أمام المنزل ونزلتِ مهرولة ، لم أقف

    لاستقبالك ، شعرت بأنني منهك ، وبأن قدمي مكبلتان ، جئتِ وجلستِ

    بجواري ، وضعتِ مفاتيح سيارتك على الطاولة أمامنا ومن ثم وضعتِ

    يدك على رأسي، قلتِ وأنتِ تمسحين على شعري :

    ليش جالس هنا عزيز ؟ برد عليك .




    -حتى لا يصبح الشيطان ثالثنا .



    -لم أفهم !



    -روبرت وباتي في الخارج .



    رفعتِ حاجبيكِ : أهاااا ، دعابة يعني ؟



    ابتسمت على الرغم مني : دعابة .



    وضحكنا ! ، كنا دائماً ما نستخدم هذه الكلمة حتى في أكثر حواراتنا

    حدة وجدية ، دائماً ما كنتِ تسألينني بعدما أقول أي شيء يستفزك

    أوح حتى يزعجك إن كان ما قلته دعابة ، ساخرة من محاولتي

    للسخرية منكِ .




    أسنتدتِ ظهرك إلى مسند الأرجوحة وأخذتِ تتأملين الشارع معي

    بصمت ناعم ، مددت لكِ بكوب قهوتي ، أخذته وقلتِ من دون أن

    تنظري إلي : بماذا تشعر الآن ؟




    -لا أعرف بعد لحظة صمت واسترسلت قلتُ :



    -أتعرفين بأنني قد أخبرته عنكِ ؟



    -حقاً ؟!



    أومأتُ برأسي : نعم ، أتذكرين اليوم الذي قابلتكِ فيه في بيت

    عمك بالرياض ؟




    ضحكتِ : في حديقة البيت وبينما الناس ستناولون عشاءهم .



    ابتسمت : في ذلك اليوم ، وبعدما تركتكِ خلفي في بيت عمك ،

    توجهت إلى بيته ، كنت مضطرباً جداً من ذلك اللقاء ، كان حرماني من

    رؤيتك ومن عدم مقابلتك تلك الإجازة يكاد أن يقتلني ، لم يكن في

    مجلسه أحد حينما دلفت ، كان يجلس في مجلسه أمام النار ، فرح

    كثيراً لرؤيتي ، وأقسم بأن يصب لي القهوة بنفسه .




    ابتسمت : يا حبيبي هو .



    -سألتني بعدما شربت قهوتي عما بي ، قال لي بأنني لست على

    عادتي ، فسألته إن كان قد أحب يوماً ، فأجاب بأنه قد أحب ابنة

    الجيران أثناء مراهقته ، لكنه لم يتزوج منها لأنها كانت مخطوبة لابن

    عمها منذ أن ولدت ، وأخبرني أن والدي كان يحب فتاة فلسطينية

    اسمها هديل ، لكن جدي لم يسمح له بالزواج منها ، فتزوج من أمي

    وأسمى أختي هديل عليها من دون أن تدري أمي عن وجود تلك

    المرأة .




    -يؤ !



    -لم أكن أعرف هذه المعلومة من قبل ، لم أتخيلها أصلاً ، لا أستطيع

    أن أتخيل والدي رجلاً عاشقاً لدرجة أن يسمي إحدى بناته على اسم

    محبوبته التي افترق عنها منذ أكثر من أربعين عاماً .




    -أأخبرت أمك ؟



    -لا طبعاً لم أخبرها .



    -كان يفترض أن تخبرها .



    -ألا تلاحظين بأنكِ فتانة ؟



    -لا أحب أن أرى امرأة يستغفلها زوجها .



    -كل الرجال يستغفلون زوجاتهم ،تعايشي مع الواقع .



    -بدأت أعصب ! ، نعود إلى موضوعنا الأساسي .



    -المهم ، قال لي جدي بأنه وعلى الرغم من حبه لجدتي إلا أنه لا يزال

    يتذكر حبيبته التي كانت طفلة بين الحين والآخر ، وبأنه لا يزال يتذكر

    ملامحها وأحاديثها القصيرة العابرة ، مثلما يفعل والدي بشكل من

    الأشكال وبلا شك ، أتدرين لماذا ؟




    -لماذا ؟



    -لأنهما حرما من الزواج بمن أحبا ، الحرمان هو ما يبقي الآخر شهياً

    وما يبقيه مرغوباً وما يبقيه استثنائياً مهما مرت علينا السنوات ،

    قد لا يكون أي حب من هاتين العلاقتين حباً حقيقياً لكن عدم تمكنهما

    من أن يحصلا على المرأتين جعلهما صاحبتي تأثير وسطوة و ذكرى

    لا تنسى .




    -هذا منطقي .



    -أعتقد لو أنهما تزوجا من هاتين المرأتين لربما بات حبهما لهما أخف

    وأبسط بكثير مما هو عليه الآن ، الحرمان هو ما جعل هاتين المرأتين

    عالقتين بالذكرى .




    -وماذا قلت لجدك عنا ؟



    -قلت له عن كل شيء ، أحبك كثيراً ، وفرح كثيراً من أجلنا ، ووعدني

    أن يخطبكِ إلي بنفسه .




    همستِ : الله يرحمه .



    قلت بسخرية : الآن احلمي أني أخطبك خلاص ، ما في أمل .



    نظرتِ إلي وقلتِ بعد صمت : دعابة يعني ؟



    -دعابة !



    وضحكنا !



    شعرت بأن أفكاري ومشاعري بدأت تستقر بعد مجيئكِ ، وجودكِ

    بجواري أراحني كثيراً يا جمانة ، خيم الصمت علينا فسرحت بعيداً ،

    حيث الرياض ، الأرض التي تليق بالموت وحشمة الموت ، الرياض

    حيث أحب أن أموت وحيث ينام جدي عبد العزيز نومته الأبدية .




    أخذت أفكر في والدي وأعمامي ، في وليد وفي أبناء عمومتي ،

    أخذت أفكر في جدي الذي مات و لا تزال كلماته التي أراد أن يقولها

    لي عالقة في حلقه ، سألتكِ : ستكون الليلة أول ليلة ينام فيها داخل

    القبر وحيداً .




    أخذت يدي ووضعتها بين راحتيكِ ، استرسلت : سيكون القبر مظلماً

    كالليل الدامس ، أتعرفين بأنه يخاف الظلام و لا ينام إلا بجوار أبجورة

    خافتة مضاءة بقربة ؟




    كانت عيناكِ تلمعان وتدمعان : سيتركونه في القبر وحده يا جمانة ،

    في الظلام وحده .




    قلتِ : هناك أقوال بأن سكان المقبرة من الموتى يستقبلون الميت

    الطيب ، لا تخشَ عليه ، لقد ذهب إلى هو أرحم مني ومنك يا عزيز .




    -اتصل بي قبل أيام ، كان يريد أن يقول لي شيئاً لكنني لم أرد على

    اتصاله .




    -يحتاج إلى دعائك الآن ، وتركت الدمع ينسكب بلا مقاومة ، كنت

    تمسحين وجنتي بأصابعكِ وأنا أسمع نشيجكِ ، التفت إليكِ بعدما

    شعرت بروحي حتى تهدأ ، قلت : أنا أبكي على جدي ، أنتِ لماذا

    تبكين ؟


    أجبتني وأنتِ تمسحين دموعك : عشانك خلاص ما راح تخطبني .



    سألتكِ : دعابة يعني ؟



    انفجرتِ ضحكاً من بين دموعك : دعابة !



    أسندتِ رأسكِ إلى كتفي فأسندت رأسي إليه ، كنت قد عقدت العزم

    على أن أتصدق بما منحني إياه جدي حينما أعود إلى الرياض ،

    لا أعرف كيف سأعود إليها ! كيف تستقبلني الرياض يوماً من دون أن

    يستقبلني فيها جدي عبد العزيز ، كيف ستكون بعدما خسرت أجمل

    وأحن وأرق ما كان فيها !




    أخذت أفكر في حال والدي ، وكيف ستمر أيام العزاء عليه ، فكرت في

    الأيام الصعبة التي لطالما لم أكن موجوداً معه فيها ، وكيف اعتاد على

    أن تمر أفراحه وأحزانه من دون مشاركة مني أو حتى وجود .




    أخذت أفكر في رسالة وليد التي جاءتني كأي غريب عليه وعلى

    العائلة ، فكرت في إقصائهم لي ، وعلى نبذي عنهم بشكل

    غير مباشر .




    فكرت كثيراً في إن كان أحد منهم سينتظر عودتي هناك ، أحد يحتاج

    لأن أعود إليه ويشتاق عودتي حقاً ، أحد ما غير جدي عبد العزيز الذي

    منحني كل شيء بما فيه اسمه ، فكرت في الكثير يا جمانة ، في

    الكثير لكن سؤالاً واحداً ظل يتردد في وجداني

    (( كيف يموت جدي دون أن أجيب عليه )) ؟!


    لم فعلتها يا جدي !

    ***

  8. #68
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    كان عيد الأضحى في العام الماضي قاسياً عليكِ كثيراً ، تعبتِ ليلة

    العيد كانت هيفاء في زيارتها لأهلها في الكويت فمررتِ بوعكة الوحدة

    المعتادة .




    كنتِ تشتكين من الآم قولونكِ العصبية ومن عدم قدرتكِ على تناول

    شيء ، كنتِ تتقيأين كل ما يدخل جوفكِ حتى أعياكِ الجوع الألم ليلة

    العيد ، فحملتك تلك الليلة إلى المستشفى ، وقرر الأطباء تنويمك

    ليومين حتى تستعيدي صحتكِ تتجاوزي مرحلة الجفاف التي كادت

    تفتك بك .




    نمت تلك الليلة عندك ، على الأريكة وفي الغرفة ذاتها ، كنت أستيقظ

    بين الحين والآخر لأتفحص ملامحكِ أنتِ نائمة وقلبي يرقص من

    نشوة المشاركة .




    كانت تلك أول ليلة وآخر ليلة ننام فيها في مكان احد ، لم تكن المرة

    الأولى التي أراكِ فيها نائمة ، فلطالما نمتِ بجواري في السيارة ،

    لكنها كانت المرة الأولى التي أراكِ تنامين فيها على سرير ، المرة

    الأولى التي ننام فيها معاً تحت سقف احد وطوال الليل .




    قمت بعد منتصف الليل ، كان النوم على الأريكة مزعجاً بالإضافة إلى

    أنني كنت سعيداً لدرجة النشاط ، جلست على كرسي بجوارك ،

    أخذت أتأملكِ ، تنامين على جنبكِ محتضنة وسادة جانبية ، ويدكِ

    الصغيرة موصولة بأنابيب المغذي ، أخرجت هاتفي صورتكِ ، أضاء

    فلاش الكاميرا وجهكِ فتحتِ عينيكِ بانزعاج ،

    قلت لكِ : آسف حبيبتي ، أزعجتكِ .




    وضعتِ يدكِ على عينيكِ : ماذا تفعل ؟



    -أصورك .



    عشان شكلي مو حلو ، صح ؟



    -شكلك عصفورة .



    ابتسمت بعذبة ، فسألتك : تنامين دائماً على جنبك ؟



    -دائماً ، أنت ؟



    -أنام على ظهري وأحط رجلاً فوق رجل .



    -ما شاء الله ، حتى بنومك كاشخ !



    -طبعاً .



    -نومة وزراء هذي .



    ضحكت فابتسمتِ ، أخذت أتأمل ملامحك ، أنتِ جميلة حقاً ، جمالكِ

    هادئ حقيقي ووغير مفتعل ، لكن شيئاً ما يجعلك أجمل مما أنتِ عليه

    حقيقة ،شيء ما لا أعرفه و لا أفهمه ، سألتكِ : لماذا أراكِ أجمل من

    على هذه الأرض ؟




    قلتِ مداعبة : لأنني الأجمل .



    -لست كذلك ، لكنني أراكِ الأجمل بالفعل .



    ابتسمتِ : ربما لأنك تراني بعين الحب ، الحب هو من يجعلني

    في عينيك أجمل .




    -حكيمة أنتِ .



    اعتدلتِ في جلستكِ جلستِ على طرف السرير ، سحبتِ ساعتكِ

    الموضوعة على المنضدة ، قلتِ : اليوم العيد ، ما الذي يفعله أهلنا

    الآن باعتقادك ؟




    -يأكلون اللحم .



    امتقع وجهكِ فجأة ، رأيت الدماء تنفجر في وجهكِ وأذنيكِ ، ووضعتِ

    يديكِ على وجهكِ وبكيتِ كطفلة ، جلست على الأرض أمامكِ ، قلت لكِ

    وأنا أسحب يديكِ من على وجهك : لماذا تبكين يا وجعي ؟ ما بك ؟




    -لا أحب أعيادنا هنا .



    -أتفقدين أمكِ ؟



    -بل أفتقد الجميع ، أريد أن أعود إليهم .



    -أنا ؟ لمن تتركينني ؟



    -أشعر أحياناً بأنك لا تحبني .



    رفعتُ قدمكِ ضعتها على صدري ، فوق قلبي مباشرة ،

    قلت : أمتأكدة أنتِ من أنني لا أحبك ؟




    أومأتِ برأسك موافقة ، قلت لك : أنظري إلى عيني .



    سألتني بدهشة : ماذا ؟



    -أنظري إلى عيني مباشرة .



    نظرتِ إلي ، نظرت إليكِ ، كنت أحاول أن أحدثكِ من خلال عيني ، كنت

    أريد أن أقول لك إنني أحبكِ من دن أ أنطق بها ، شعرت بعينيكِ

    تشدانني إليهما ، رأيت حبكِ لي أكثر مما رأيتِ انتِ في عيني ،

    دخت من رقة ما في عينيكِ واضطربت ، شعرت بقلبي ينبض بسرعه

    لا تعقل ، رأيتكِ ترفعين جاجبيكِ بدهشة موطئ قدمكِ يهتز فوق

    صدري من سرعة تنفسي واضطراب نبضاتي ،

    قلت لكِ مبتسماً : أرأيتِ ؟




    -أحبك .



    رفعتُ قدمكِ وقبلتُ موطئها ، قلت لي : ألا يخدش غرورك أن تقبل

    قدمي .




    قلت وأنا ألعقها بلساني : لا ، لكن لا تخبري أحداً !



    ضحكتِ ، فرقص الفرح في قلبي انتشى !



    ***


    وجدت رسالة جديدة من ياسمين في بريدي ، كانت هناك ثلاث رسائل

    في بريدي منها ، ثلاث رسائل خلال الشهرين الماضيين ولم أتجرأ على

    قراءة ما فيها أو فتحها ، الغريب أنني لم أعد أقرأ حتى رسائلها

    الهاتفية ، فما أن أجد أسمها في خانة المرسل حتى أحذف الرسائل

    من دون قراءة كأنني أخشى قراءة ما فيها !




    بعض الرسائل هم ! تشعر بأنك مذنب حين قراءتها ،وبأن عيني

    مرسلها تتلصصان عليك أثناء القراءة ،فكرت أن احذف كل الرسائل

    الثلاث من دون قراءة ، لكنني قررت أن أواجه كلماتها هذه المرة .




    كنت أتوقع أن في رسائلها دهشة عتاباً من غياب مفاجئ وغير مبرر ،

    ربما لهذا السبب لم أجرؤ على قراءتها ، ربما لأنني لم أرغب قراءة

    عتابها ، ربما لأنني لم أرغب بأن تذكرني بما لا يزال عالقاً بيننا ، وكأن

    تجاهلي إياها سينهي ما بيننا، وكأنه لم يكن يوماً !




    كتبت برسالتها وباللغة الإنجليزية :



    (( عزيز ! لآ أعرف لماذا لا ترد على رسائلي ! و لا أعرف لماذا اختفيت

    فجأة بعد زواجنا ، من الواضح أنك ندمت على ما أقدمنا عليه ، الحق

    أن كلانا ندم على ماوقع ، لا أعرف بماذا كنا نفكر يومذاك ، المهم أنني

    حتى الآن لا أفهم لماذا اختفيت فجأة ، فحتى ل كنت نادماً على

    ما حدث فهذا لا يجعلك تختفي بهذا الشكل ، خصوصاً أنك لست

    مطالباً بشيء يخص هذا الزواج ، ظننت أن علاقتنا لا يقيدها قيد لكنك

    فررت هارباً ما إن تزوجنا كأنك تخشى أن أطالبك بشيء ما ، أريدك أن

    تطمئن ، فعلاقتنا ستظل كما هي مثلما ستظل مرحباً بك في بيتي

    في أي وقت ، ستظل علاقتنا بلا قيود وما يجمعنا أكبر بكثير من ورقة

    زواج ! على فكرة ، نحتاج لأن نبطل هذا العقد قريباً ، اتصل بي في

    أقرب وقت لنباشر في ذلك ، أرجو أن لا تتجاهل رسالتي

    هذه المرة أيضاً )) .




    نهارك سعيد .



    ياسمين



    شعرت أن عبثاً ثقيلاً أزيح من على صدري بعدما قرأت الرسالة الأخيرة

    ، وإن تبقى منه شيء لا يزال جاثماً على قلبي ، فكرت أن أتصل

    بياسمين ، لكنني خفت أن يفتح اتصالي بها باباً لا أريده أن يفتح ،

    فقررت أن أرسل لها رداً مختصراً على بريدها ، كتبت :




    (( الجميلة ياسمين ، أرجو أن تكني بخير ، أعتذر لعدم الرد عليكِ في

    الفترة الأخيرة ، مررت ببعض الظروف ، سأتصل بكِ قريباً لنباشر

    بإبطال الزواج ، كان جنوناً منا لكنها ستكون ذكرى لطيفة بلا شك ،

    انتظري اتصالي قريباً كوني بخير دائماً )) .




    محبتي



    عبد العزيز



    أرسلت الرسالة أنا أفكر ، إلى متى سيظل هذا الموضع معلقاً ؟!

    أدرك أن ما يوقعني في الكثير من المشاكل هو تسويفي لكل شيء ،

    أنا هكذا ، أهرب من مواجهة المواقف الصعبة كأنها ستنتهي أو تمحى

    بهربي من مواجهتها ، لكن ما يحدث حقيقة هو العكس تماماً ، تتفاقم

    الأمور كثيراً حينما أؤجلها ، تتعقد تتشابك وتتفرع وأنا وحدي من يندم

    في نهاية الأمر على تأجيلها ، لكنني أريد العودة إلى موضوع ياسمين

    الآن ، لا اريد مواجهته ، أريده أن ينتهي ويختفي من دن مواجهة وإن

    كنت أعرف بأن اختفاءه ليس إلا ضرباً من ضرب المستحيل .




    لست فخوراً بما فعلت ، ليس فيما يتعلق بياسمين فقط ، بل بأشياء

    كثيرة فعلتها في حياتي من دن تفكير مني ، أفكر أحياناً في بعض

    ما فعلته خلال حياتي ، في كل ما فرطت فيه وفي كل ما فقدته ،

    افكر في الصورة التي رسمت في أذهان الآخرين عني ، الصورة التي

    لم تكن تزعجني يوماً حتى بت أراها في عينيكِ أنتِ .




    لو تدرين لكم يخنقني أن لا تصدقيني حينما أكون صادقاً !

    تقتلني نظرة التكذيب في عينيكِ إن لم تنطقي بها ،

    يؤلمني هذا الشك الذي تعيشينه حيالي ، الحق أنه لم يكن

    يؤلمني سابقاً لكنه بات يفعل حينما أكون معكِ صادقاً .




    ليتكِ تصدقيني يا جمانة ، ليتكِ تفعلين وليت ياسمين تختفي !



    ***

  9. #69
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    انتهى العام الدراسي ، تبقى على تخرجكِ وعودتكِ النهائية إلى

    الرياض أقل من عام ، ستسافرين إلى الرياض بعد أسبوعين ، تقضين

    الصيف هناك قبل أن تنهي عامك الأخير هنا وتعودي لأهلكِ إلى الأبد .




    خشيت من عودتك إلى الرياض هذه المرة ، خشيت أن تؤثر عليك

    رواسب ما حدث بيننا حينما تبتعدين عني فأخسرك ، لذا قررت

    أن أحسم الأمر .




    اتصلت بوالدي ، سألته بعد حوار تقليدي ومعتاد : أتذكر الموضوع

    الذي حدثتك عنه قبل شهر ؟




    -أي موضوع تقصد ؟



    -موضوع يتعلق بي ، كنا قد تحدثنا عنه قبل عدة أشهر .



    قال بصرامة : ذكرني !



    -موضوع الزواج .



    -ظننتك صرفت النظر عن الموضوع .



    -ولِمَ قد أصرف النظر عنه ؟



    -لم تفتح الموضوع معي أو مع والدتك مرة أخرى ، فاعتقدنا أنك

    صرفت النظر .




    -كنت مشغولاً بالدراسة خلال الفترة الماضية ، بالإضافة إلى أنني

    لا أستطيع التقدم للفتاة وأنا هنا ، لا بد من حضوري عند طلبها .




    -أيعني هذا أنك لا تزال ترغب بالفتاة نفسها ؟



    -حتماً .



    -متى ستجيء إلى الرياض ؟



    -بعد ثلاثة أسابيع .



    -قل بعد ثلاثة أسابيع (( أن شاء الله )) .



    رددت خلفه كطفل صغير وأنا أرشح عرقاً : بعد ثلاثة أسابيع

    إن شاء الله .




    -نتفاهم على الموضوع حينما تصل إن شاء الله ، مبدئياً لا مانع لدي

    أخبرتك سابقاً ، تالمهم أن تكون جازماً على الأمر و أن لا تحرجنا

    مع الناس .




    -أنا جازم ...... إن شاء الله !



    تنفست الصعداء بعدما أغلقت من والدي ، إلهي كم هو صعب علي

    أن أحادثه ! في كل مرة أتكلم معه فيها أشعر بقامتي تتضاءل

    وبالأعوام تعود سريعاً إلى الخلف لأغدو أمامه طفلاً صغيراً مرة أخرى .




    لا أعرف متى أتخلص من عقدة (( والدي )) هذه ، متى ستنتهي

    هذه الأزمة التي تشأت بيننا منذ سنوات طويلة وظلت مثلما بدأت ،

    بالحجم ذاته والقدر ذاته ، والوطأة ذاتها .




    لكم كنت متمسكاً بأمل أن تمحي سنوات البعد ما حدث بيننا ،

    كنت آمل أن أعود يوماً ابن والدي ! ، أن أعود ابنه الكبير ، سنده ،

    ظهره والابن الذي يتفاخر به أمام العائلة والناس ، لكن البعد لم يزدنا

    إلا جفاءً وبروداً وتخلياً ، البعد منح وليد الأحقية بالفخر ، وهبه الأولوية

    في كل شيء يخص والدي حتى مشاعره ، وقد يكون هذا أحد أسباب

    برود علاقتي بوليد على الرغم من أنه شقيقي الوحيد .




    يخيل إلي أن علاقتي بوالدي ستعود مثلما كانت من خلالكِ أنتِ ،

    أشعر بزواجي منكِ قد ينقذ علاقتنا السقيمة ويشفيها .




    أشعر بأنني سأكسب عائلتي مجدداً بسببكِ أنتِ يا جمان ،

    أنتِ وحدك القادرة على أن تعيد أواصرنا من جديد .




    أعول كثيراً على زواجنا يا جمانة ، ليتكِ تعرفين كم أعول عليه !


    ***

  10. #70
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    دعوتك بعد العام الدراسي بمناسبة (( قرب )) تخرجك ، كنت أريد أن

    أفتح معكِ موضوع الزواج جدياً ونهائياً هذه المرة ، فكرت أن أدعوكِ

    إلى مكان استثنائي لكنني وجدت أن المقهى الذي التقينا فيه أول

    مرة قبل أربع سنوات هو المكان الأنسب ليوم كهذا .




    أنت فتاة رومانسية ،تفكر كثيراً في رمزية الأشياء ، تهمكِ هذه

    التفاصيل الصغيرة ، التفاصيل التي قد لا يلحظها غيرك وقد لا تهم

    أحداً سواك ، لذا كان المقهى الخيار الأفضل بالنسبة إلي على الرغم

    من تواضع المكان وبساطته إلا أنني اتكأت على رمزته بالنسبة

    إلينا نحن الاثنين .




    سبقتكِ إلى هناك على غير العادة ، عادة ما أجدكِ بانتظاري هناك

    حتى وإن جئت بموعدي ، دائماً ما كنت تسبقنني في الحضور إلى

    الموعد حتى أنني قد سألتكِ إن كنت تنامين في المقهى كل يوم !




    جئت مبكراً بساعة كاملة ، ذهبت أفكر فيما سأقوله ، وكيف سأفتح

    الموضوع معك ، كنت أدرك أن هذا الموضوع سيفتح مواضيع قديمة

    وكثيرة ، كنت أدرك أنني تأخرت كثيراً في هذا الطلب ، وأنني شوهت

    قيمته وجماليته في عينيكِ خلال العام المنصرم ، هذه المرة يا جمانة

    راودتني الشكوك فيما ستجيبينني به !




    طلبت لي كوباً من القهوة ، وطلبت لك قهوتكِ المعتادة وكعكة

    الزنجبيل التي تحبينها ، رأيتكِ تدلفين من باب المقهى بوجه منزعج

    على غير العادة وقفت قائلاً : تأخرتِ كثيراً !




    قلتِ بضيق وأنتِ تسحبين المقعد لتجلسي : لن يضيرك الانتظار !



    كان من الواضح أنكِ منزعجة لسبب ما ، لذا لم أجادلك هذه المرة ،

    تشاغلت بحاسبي المحمول ، وشعرت بكِ تفتحين حاسبكِ أيضاً ،

    أرسلت لكِ حينما رأيتكِ متصلة في برنامج الماسنجر : (( طلبت لك

    قهوتك وكعكة الزنجبيل )) .




    كتبتِ : متى تترك هذه العادة ؟



    رفعت عيني إليك لأجدك تبحلقين في شاشة حاسبك معقودة

    الحاجبين ، أجبتكِ على الماسنجر : أي عادة ؟




    -ان تقرر عني كل شيء .



    -أنتِ تشربين القهوة ذاتها وتأكلين الكعكة نفسها منذ أربع سنوات

    وحتى الآن ، ما الذي تغير بالموضوع ؟




    -فلنفترض أنني اشتهيت غيرها .



    -سأفترض أنك مضطربة الهرمونات اليوم لأغفر لكِ عنفكِ هذا .



    قلتِ بسخرية غاضبة : من الواضح أنك تفهم بأمزجة النساء أكثر

    مما أفهم !




    كان من الواضح أنكِ في أسوأ حالاتكِ ،فكرت في أن أؤجل طرح

    الموضوع معكِ ليوم آخر ، ترددت كثيراً لكنني خشيت أن يباغتنا القدر

    بحدث ما يعرقل حكايتنا من جديد ، شعرت بأنني فقدت الثقة بالقدر

    وبأنني لم أعد أأمن جانب الحياة وتقلباتها .




    جاءت النادلة بكوب القهوة لكِ ، سلمت عليها وشكرتها ،

    أخذت أراقبكِ وأنتِ ترتشفين القهوة من دون أن تنظري إلي وكأنكِ

    تجلسين وحدك فتحت على موقع
    Hallmark الشهير ، أخذت أتصفح

    بطاقات طلب الزواج الإلكترونية ، كانت هناك بطاقة باللونين الأبيض

    والأسود لحبل غسيل علقت عليه ملابس داخلية رجالية ونسائية ،

    راقت لي رمزية الصورة ، اخترت البطاقة وكتبت لكِ فيها :

    (( أحتاج لأن أشارككِ كل شيء ، حياتي ، أفكاري ، مشاعري ،

    مستقبلي ، بيتي وأطفالي وحتى ملابسي الداخلية ، تزوجيني

    ياعصبية )) ، سجلت عنوان بريدك الإلكتروني وأرسلت الرسالة إليه .




    سمعت صوت استقبال رسالة يعلو من جهاز حاسبك ، رأيتك تعقدين

    حاجبيك بتركيز ، ومن ثم ارتفع حاجباكِ بدهشة من دون أن ترفعي

    عينيكِ إلي وأن تنظري لي ، عدتِ بظهركِ إلى الوراء ، سحبت ربطة

    شعرك التي كانت تطوق معصمك ورفعتِ شعركِ على هيئة ذيل

    حصان ، كان وجهكِ وردي اللون فعلاً !




    انحنيتِ باتجاه حاسبك ، كتبتِ لي على الماسنجر : يا أخ ؟



    كتبت لك : نعم يا أخت !



    سألتني إن كنت جاداً فيما أرسلته ، أخبرتك أنني لم أكن جاداً كهذا

    اليوم ، وأنني أريد أن أمر بتجربة الزواج التي جعلت سقراط فيلسوفاً ،

    سألتني متى سأتقدم لكِ ، قلت : حالما تنزلين إلى الرياض ،

    بعد أربعة عشر يوماً !




    رأيتكِ تنظرين إلي ، رفعتِ أحد حاجبيكِ بغرور لذيذ ، ابتسمتِ وانحنيتِ

    من جديد على حاسبك ، ارتفع بعدها بدقائق صوت استقبال رسالة

    في بريدي ، كان عنوان بريدكِ المرسل ، فتحتها لأجد البطاقة

    الإلكترونية نفسها وقد كتب عليها بالإنجليزية (( فلنقم بذلك )) !


    ***

صفحة 7 من 11 الأولىالأولى ... 56 789 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال