باتت الأيام تتشابه ، لم أعد أميز من أيامي شيئاً ، أستيقظ في كل يوم
بانتظار أن يمن الله علي بعودتك ، لكن انتظاري يطول بلا عودة
و لا استجابة ، فأنام كل لليلة على يأس ، واستيقظ كل صباح على
أمل ورجاء .
دفعني انتظار عودتك لأن أكره كل شيء ، ولأن يثير حنقي أي شيء ،
لم أتوقع غيابكِ يوماً ، على الرغم من أنني أغيب عنكِ كثيراً إلا أنني
كنت أدرك في كل مرة أغيب فيها ، ومهما طال الغياب أنني سأجدكِ
في نهاية غيابي بانتظاري .
عبثتِ بي بغيابكِ كما لم تفعلي قط ، لم تجرؤئي يوماً على أن تجازفي
بالغياب لمدة طويلة ، لم تغيبي عني خلال السنوات الأربع التي
جمعتنا مثلما غبتِ هذه المرة ، على الرغم من خلافاتنا وشجاراتنا ،
وكذلك غيابي !
لم أتوقع منكِ هذه القسوة يا جمانة ، أنتِ المرأة التي خلقت من
مغفرة ، كيف تنتقم مني بكل هذا العنفوان ؟!
أعود إلى الحكيم أوشو في كل مرة تغضبينني فيها لأنتقم منكِ من
خلال أفكاره ، تكرهين أوشو كثيراً ، تظنين أنه دجال ، وأنه شاذ
الرغبات ، يعبث بأفكار البشر ومشاعرهم عن طريق إيهامهم بالسلام
والروحانية ، أذكر أننا كنا نتناقش عن البعد يوماً ، قلت لكِ إنني مؤمن
بما قاله أوشو عن البعد ، حيث يؤمن أن الوهم الجميل يخلقه البعد ،
وأن القرب يفضح حقيقة الإنسان وجوهره .
سألتني : ألا تؤمن إلا بما يقوله الدجالون ؟!
هو حكيم وليس بدجال .
-بل هو أعظم الدجالين ، أوشو مريض ، مدعٍ ، كاذب ، مجنون ، أوشو
كراسبوتين وكأحمد القدياني ، جميعهم دجالون لا فرق بينهم .
-لا يهمني أن تؤمني به أو أن تصدقيه ، المهم أن ما ذكره بخصوص
البعد حقيقي وواقعي .
قلتِ باستنكار : ومن قال إنه حقيقي ؟!
-إلا تؤمنين أن البعد يجعلنا أجمل ، وأن القرب يخفف من لهيب العاطفة
ويفضح عيوبنا ويكشفها ؟!
قلتِ بعناد : لا ، لا أظن ذلك .
قلت لكِ بسخرية : أنتِ تخشين فكرة المسافات والغياب والابتعاد ،
لذا ، لا تريدين الاقرار بالحقيقة .
-أنا مؤمنة أن البعد يجعلنا نعتاد الغياب ن قد يدخلنا في حالة شوق
في بداياته ، لكننا في نهاية المطاف سنعتاده ، لذا لا أؤمن بأن البعد
يجعلنا أجمل .
-أنتِ تفكرين بعقلية النساء ، هناك مفاهيم من الصعب أن نتفق عليها
، تنظرين إلى الأمور من خلال ثقب أنثوي ضيق ، وأنظر إليها من خلال
زاوية ذكورية واسعة ، وشأن رجولي بحت .
قلتِ بقهر لم تتمكني من إخفائه وأنتِ تنظرين بعيداً :
شؤونك الرجولية سخيفة ! ، تعزي كل الأمور السيئة إلى الشؤون
الرجال ، كل خطيئة ترتكب هي شأن رجولي ، كل سلوك خاطئ ،
وكل تصرف لا يليق ، وكل فكرة بذيئة ، وكل نظرة وقحة هي شأن
رجولي يجب علي تفهمه واحترامه واعتياده .
قلت لك بسخرية محاولاً تغيير الموضوع : على العموم لا تقلقي ،
على الرغم من أن البعد أجمل ، إلا أنني سأتزوجكِ يوماً وسأستر
عليكِ !
أحمر وجهكِ غضباً ، قلتِ وأنتِ تقاومين دموعك : الحمد الله ، أنا
مستورة من قبل أن أعرفك !
حملتِ حقيبتكِ وخرتِ مسرعة ، ناديتك لكنكِ لم تتوقفي ، كنت أعرف
بأنني جرحتكِ كعادتي ، و لا أعرف حقيقة إن كنت قد تعمدت إيلامكِ
بمزحة لاذعة أم أنني فعلاً لم أقصد إهانتك !
أشعر أحياناً بأن قوة داخلية خفية تدفعني لأن أجرحكِ ، أفكر كثيراً في
أسباب إهانتي إياكِ و لا أصل إلى قناعة أو سبب .
لم أشعر يوماً تجاه أحد مثلما أشعر حيالك ، شيء فيكِ يستفز رغبتي
بالتجريح ، لكنني وعلى الرغم من ذلك أندم كثيراً على تجريحي لكِ ،
أظن أحياناً أنني مريض ، الرغبة العارمة التي تنتابني بين الحين
والآخر بأن أؤلمك بكلامي لم تكن طبيعية قط ، و لا أعرف حتى الآن
مصدرها أو أسبابها !
أظن أحياناً أنني أرغب في لاوعيي بأن تكرهيني ، وأظن أحياناً أنني
سادي يتلذذ بإهانة من تحبه وتحتاجه ، بكل الحالات ، أدرك بأنني
معتل بشكل من الأشكال وبطريقة ما لا أفهمها .
سألتني ذات مرة : لماذا تعاملني بفوقية ؟!
أجبتكِ : لأنني رجل ولأنك امرأة .
قلت : وإن يكن ! أنت رجل يدعي الديمقراطية الجنسية ، والإيمان
بالمساواة ، فلماذا تظن أنك أفضل مني لكونك رجلاً ؟!
قلت بلامبالاة محاولاً إنهاء الحديث : هو موروث اجتماعي نفسي لن
أقدر على الخلاص منه .
قلتِ بسخرية : من يعامل الآخرين بفوقية هو شخص يشعر بالدونية
من قبل أشخاص آخرين .
-أتقصدين أنني أشعر بالدونية أمام المرأة ؟
-ليس بالضرورة ، لكنك تشعر بالدونية من قبل أحد ، لذا تمارس
الفوقية على من تستطيع ممارستها عليه .
قلت لكِ محاولاً استفزازكِ : بمناسبة المرأة والرجل ، أوشو يؤمن أن
في داخل كل رجل امرأة ورجلاً ، وكذلك في داخل كل امرأة ، امرأة
ورجل ، وهو يؤمن بأننا جميعاً آدميون وحوائيون ، حوائيون وآدميون !
قلتِ : ويؤمن أن البعد أجمل .
-صحيح !
قلتِ بعتب ساخر : وعلى الرغم من ذلك ستتزوجني وستستر علي !
كان قد مضى على قولي ذلك أكثر من شهرين ، لكنكِ كنت لا تزالين
مجروحة منه ، قلت لكِ مداعباً : خلاص يا حقودة لا تزعلي ، ما راح
أتزوجك و لا راح أستر عليك ، أنا مدري وش لقفني وقلت اللي قلته ،
أنا مو راعي زواج !
أحمرت أذناكِ غضباً ، وقمت من مكانك مغادرة المكان ، وأنا أضحك !
كانت نظرية أوشو عن البعد ، مصدر ألم بالنسبة إليكِ وأداة إزعاج
أجلدكِ بها وأزعجكِ فيها ، لكنني لم أعد أؤيد نظرية البعد تلك ، أصبحت
أخاف البعد يا جمانة ، بعدكِ لم يبق لي حائطاً أستند إليه ، نزعتِ عني
ستري ببعدكِ عني .
بت أخشى اعتيادك بعدي ، بت أخشى البعد والمسافة والغياب
، كفرت بأوشو ، فهل عدتِ لتؤمني بي ولتستري علي ؟!
***