صفحة 4 من 11 الأولىالأولى ... 23 456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 104
الموضوع:

رواية فلتغفري .."للـكاتبة أثير عبد الله - الصفحة 4

الزوار من محركات البحث: 9210 المشاهدات : 39066 الردود: 103
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #31
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    تاريخ التسجيل: October-2014
    الدولة: Iraq
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 15,523 المواضيع: 479
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 7035
    المهنة: صيدلانية
    موبايلي: iphone 8 plus& note5& iphone 7
    آخر نشاط: 12/August/2022
    مقالات المدونة: 8
    سافرت إلى كندا قبل إقرار برامج الابتعاث ، والدي هو من تكفل

    بمصاريف دراستي لعدة سنوات قبل أن تبتعث الدولة طلابها إلى أنحاء

    العالم ،وتضمني إلى كنفها بعد ذلك .

    أن تبتعث على حساب والدك يختلف تماماً عن أن تبتعث على حساب

    الدولة ؛ فالفشل على حساب الدولة لن يكلفك غضب العائلة

    و لا لومها ، بينما فشلك الذي يكلف والدك مئات الآلاف سيبقى كوشم

    في جبينك لا يمحى ، ولن يغفره لك أحد من العائلة .

    لذا ، وعلى الرغم من أن راتب الابتعاث لم يكن يعادل نصف المصروف

    الذي كان يرسله إلي والدي شهرياً ، إلا أن الضائقة المادية التي كنت

    أعانيها في نهاية كل شهر كانت أرق وأحب إلي بكثير من (( منة ))

    الرغد الذي كنت أعيشه أثناء تكفل والدي بمصاريفي .

    شعرت أن إلحاقي ببعثة الدولة قد هطل عليَّ من السماء وأحياني ،

    فتغيرت ملامح الغربة عيني ، وتلونت بعد فترة رمادية

    شاحبة وطويلة .

    الغربة لا تفسير لها و لا هي حالة محددة ، في الغربة نرتفع كثيراً

    بفعل الحرية والانعتاق من كل القيود التي تربطنا بالمجتمع والعائلة

    والوطن ، وفي الغربة تسقط كثيراً بفعل الشوق والحنين والحاجة

    للذين يحبوننا ويخافون علينا .

    عندما جئت إلى هنا ، قررت أن لا أعود إلى الرياض إلا زائراً ، لذا كان

    الزواج من فتاة كندية أمراً لا بد منه بعد تخرجي ، وهذا ما أقررته حينما

    تعرفت على ياسمين التي كانت تكبرني بستِ سنوات كاملة !

    كانت ياسمين خطتي المثالية للحصول على الجنسية والبقاء في

    الغربة اختياراً ، لكن خطتي تبعثرت ، وتشتت رغباتي حينما التقيتكِ ،

    لكنني ، وعلى الرغم من شغفي بكِ لم أقطع علاقتي بياسمين ،

    كانت علاقتنا متقطعة ، أغيب عنها أيام في أيام رضاكِ وأهرع إليها

    عندما تغضبين مني أو تغضبينني منك ، وهي لم تكن تمانع في ذلك ،

    على العكس تماماً ، ناسبت علاقتنا المزاجية ياسمين

    وتعايشت معها .

    كانت تسألني أحياناً بسخرية إن كانت هناك من تشغلني عنها ،

    كنت أجيبها بأن الكثيرات يشغلنني عنها ، وعلى الرغم من أن ظاهر

    كلامي كان مداعباً لها ، إلا أنها كانت تدرك في قرارة نفسها بأن في

    حياتي امرأة أخرى ، لكنها لم تكن تكترث لأمر كهذا ، ربما لأن في

    حياتها غيري أيضاً ، وربما لأنها لم تحبني أساساً ، لذا اتفقنا من دون

    أن نصرح على أن لا نزعج بعضنا بالخوض في تفاصيل سخيفة كهذه ،

    وهكذا عشت معكِ ومعها لأربع سنوات متتالية من دون أن تعرفي

    وبدون أن تعارض !


    ***

  2. #32
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين

  3. #33
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    حسناً ..

    أعترف بأنني لست بقادر على أن أحب ذلك الوطن ، الوطن الذي بات

    بعيداً جداً ، ليس بعيداً بالمسافة فقط بل عن قلبي أيضاً .

    كانت فرصة إكمال تعليمي بعيداً عنه ، ليست مجرد فرصة للحصول

    على تعليم أفضل ، بل كانت تعني أن أتحرر من كل قيوده التي لطالما

    كبلت عنقي قبل معصمي وقدمي .

    أفكر أحياناً ، لِمَ أكره ذلك الوطن ، بل أفكر لِمَ تحبينه أنتِ ؟!

    ومن أين لكِ كل هذه القدرة على أن تحبيه بكل هذا الصدق ؟!

    غالباُ الفتيات هن أكثر من يكره بلادنا ، ففيه يحرم عليهن كل شيء ،

    ويمنع عنهن فيه أي شيء ، لكنكِ تحبينه ببساطة وسذاجة

    وتسامح لا يفهم !

    قلت لكِ مرة : أشعر أحياناً ، وكأنكِ كنتِ تعيشين في وطن غير

    الذي كنا نعيش فيه !

    قلتِ : بل هو الوطن ذاته ، لكنني أراه من الزاوية الأخرى .

    سألتكِ : كيف تحبينه ؟!

    - ولِمَ لا أفعل ؟!

    - لأنه قاس !

    - ألا يقسوا عليك أبوك أحياناً ؟!

    ابتسمت بسخرية : أحياناً ؟!

    ضحكتِ : وعلى الرغم من ذلك تحبه كثيراً .

    ابتسمت فاسترسلتِ : إن كنت لا تعترف ببنوتك له ، لِمَ تقبل أن يكتفل

    بمصاريف تعليمك ومعيشتك هنا الآف الدولارات سنوياً ؟!

    - هو حقي !

    - لا حق لك على أب الآخرين ! ، قبولك لأمواله تعني قبولك لأبوته

    عليك ، فلا تكن عاقاً و لا جاحداً .

    قلت : أتدرين ! .. لدي إحساس قوي جداً .

    عقدتِ حاجبيكِ باهتمام : تحس بأيش ؟

    -أحس أنك دبوسة وجاسوسة !

    ضحكتِ فضحكت روحي معكِ .


    ***

  4. #34
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    كنت في طريقي إلى مونتيريال ، إلحاح ياسمين ومشاكلي معكِ في

    الفترة الأخيرة أغرتني بالذهاب إليها .

    كنت بحاجة لأن أستريح من ضوضاء غيرتك وضجيج شكوك ،

    لذا حجزت إلى مونتيريال في إجازة عيد الفصح ، كنت غاضبة جداً ،

    تراقبينني وأنا أعد حقيبة سفري الصغيرة بوجه محتقن استطعتُ

    أن أتجاهله عمداً .

    مددت لي بظرف مغلق بعدما انتهيت من إعداد الحقيبة ،

    قلتِ : ضعها في حقيبتك ، أقرأها في الطائرة !

    أمسكت بالظرف : ما هذا ؟! ، منشور توعوي عن الأيدز ؟

    - ماذا !؟

    - من عادات السيدات السعوديات ، عندما يسافر أزواجهنّ أن

    يضعن في حقائبهم كتيباً عن الإيدز ، أو يرسلن إليهم رسالة من إيميل

    مجهول على بريدهم ، يعني عشان لو فكر أحدهم !

    ضربتِ كتفي بهاتفكِ المحمول : سخيف ! فالتقرأه بالطائرة !

    أخذته منكِ مبتسماً ، وأنا أفكر متى ستتخلصين من عادة الرسائل !

    تحبين الرسائل كثيراً ، تدسين لي الرسائل دائماً في كل مكان ،

    في سيارتي ، في معاطفي ، في كتبي وفي أرجاء بيتي ،

    تكتبينها بلهفة مراهقة ، وحنان أم ، وخوف زوجة .

    تضحكني بساطة رسائلك أحياناً ، لكنها على الرغم من سذاجتها

    تمس قلبي بمشاعركِ البتول ، تعذبني أحياناً ، تشعرني

    بمدى وضاعتي وبمقدار قسوتي عليكِ .

    أشعر أحياناُ وكأن الله يعاقبني ببراءتكِ ، وكأنه يعاقبني بكِ ، أنتِ التي

    أخاف عليها مني وأخاف على نفسي منها ، أنتِ مأزقي الكبير ،

    الذي لا أدري كيف وقعت فيه ولماذا !

    أحبكِ ، لكنني لا أقدر على أن أكون نفسي معكِ ، أنتِ تحبين صورتي

    التي لا تشبهني والتي لا يراها أحد غيركِ ، صورتي التي لا توجد

    إلا في عينيكِ أنتِ فقط ، الصورة التي خلقتها أنتِ ، والتي جاهدت

    كثيراً لأشبهها وأتلبسها وأكونها فقط لأرضيكِ ، لكنني لم أتمكن

    من الصمود ، حاولت كثيراً أن أصمد لكنني انهرت كثيراً أيضاً ،

    حاولت استرجاع قواي وبقايا صورتي التي تحبينها لكنني لم أقدر

    على أن أفعل ذلك أكثر مما فعلت .

    لطالما آمنت يا جمانة ، أن علاقة الحب التي تتطلب منا أن نتغير هي

    علاقة مستحيلة ، متهالكة ، خائرة القوى ، لا قدرة لها على

    الصمود كثيراً .

    كنت مؤمناً بأن العلاقة التي تتطلب مني أن أكون شخصاً آخر

    هي علاقة لا تستحق الخوض فيها و لا حتى المحاولة ، لكنني

    وعلى الرغم من كل ما كنت أؤمن به ، حاولت كثيراً أن أستنسخ

    الصورة التي تحبينها ، وأن أرتدي قناعها فقط لأرى ذلك الشغف في

    عينيكِ حينما تنظرين إلي !

    أريد أن أكون كما ترغبين يا جمانة ، ليتني كنت مثلما تحلمين ،

    لكنني لست هكذا ، ومع ذلك أحببتني فلِمَ تمارسين ضغوطكِ علي

    بتحويلي إلى شخص لا يشبهني و لا أعرفه !

    إلهي ! لكم أكرهكِ عندما تفعلين بي ذلك !

    أتعرفين مالذي أحبه في ياسمين ؟!

    مع ياسمين أكون على سجيتي ، أمارس ذنوبي وأخطائي ومعاصي

    كلها ، ياسمين تحب عيوبي ، ربما لا تعنيها عيوبي و لا تكترث لها ،

    وهي لا تكترث لها ، وهي لا تنتظر مني خلقاً رفيعاً و لا صلاحاً ،

    تقبلني كما أنا ، بل تحبني لمساوئي هذه ! مساوئي التي

    تكرهينها وتجلدينني بها .

    لكنني وعلى الرغم من كل هذا ، وعلى الرغم من أن ياسمين

    تمنحني فعلياً كل شيء بلا مقابل ، معها لا أشعر بما أشعره معك ،

    أنتِ التي أشعر معها بمالم أشعر به مع أحد على الرغم من الحرمان

    الذي تمارسينه عليَّ .

    فتحت الظرف الذي أعطيتني إياه في المطار وليس في الطائرة ، كنت

    قد كتبتِ لي بحثاً كان يُفترض أن أسلمه إلى الجامعة بعد انتهاء

    الإجازة .مسستِ قلبي برقتكِ ، أنبني ضميري وكدت أن أعود أدراجي

    ، كنت أنظر إلى شاشة الإعلان عن الرحلات وشيء يصرخ داخلي

    مطالباً إياي بالعودة ، ترددت كثيراُ لكنني دست على ضميري وركبت

    الطائرة بضمير متوعك .



    لم أهاتفكِ عند الوصول ، أرسلت لكِ رسالة هاتفية ، وأجبتني في

    صباح اليوم التالي ، قرأت رسالتكِ بينما كنت أفطر مع ياسمين في

    يومي الأول معها ، كتبتِ لي : (( صباح الخير ، حمداً لله على سلامة

    وصولك ، أظن بأنك نائم ، حلمت بك ليلة أمس ، كنت تعصر قلباً بيدك ،

    كان الدم يقطر من بين أصابعك ، وكانت عيناك تدمع ألماً ، شعرت

    بالحلم وكأنك تعصر قلبي ! ، استيقظت فزعاً ، كان كابوساً مخيفاً ،

    مخيفاً جداً ! ، طمئني عليك حالما تستيقظ )) .



    أعدت قراءة رسالتكِ مراراً ، كنت أقرأ حروفكِ حرفاً حرفاً وكلي دهشة

    من إحساسك بي ، إحساسك بي يخيفني كثيراً ! تشعرين بي

    بطريقة لا تعقل ، وهذا يرعبني ، يرعبني جداً !



    سألتني ياسمين : what wrong baby?


    قلت : لا شيء !


    قالت غامزة : أشتقتلا ؟


    قلت مداعباً : هيك شيء !


    ضحكت : دخيلك يا دون خوان !


    ابتسمت : دخيلك يا دونا جاسمن !


    -طيب كانزنوفا السعودي ! ، أنا ظاهرة لشغلي .. تلفن لرفيقتك طمنا !


    - لما ترجعي صحيني !


    قبلتني : أكيد بيبي أكيد ، سلم ع رفيقتك هه !


    -I will!


    عندما خرجت ياسمين ، شعرت بالمرارة جداً ، وبأن معدتي تضطرب ،

    ليس لأن تلميحات ياسمين عنكِ لم تكن لائقة فحسب ، و لا لأنها كانت

    في غاية الاستخفاف بكِ ، بل لأنني شاركت بالحديث عنكِ بهذه

    الطريقة ، أشعر بأن وجودي مع ياسمين ومعاشرتي لها لا تعد خيانة

    لكِ بقدر ما يعد قبولي بالحديث عنكِ بهذه الطريقة التي تحدثنا أنا

    وياسمين عنكِ بها .



    تلك المحادثة السريعة والجمل غير المباشرة بيني وبينها لم تعكر

    علي مزاجي فحسب ، بل عكرت علي يومي بأكمله ، شعرت بمعدتي

    تتقلص وبالمرارة تتدفق منها .



    هكذا أنا عندما يؤنبني ضميري ، تثور معدتي وتضطرب ، لذا أعتقد

    أحياناً بأن الضمير عضوياً هو المعدة ، بينما تؤمنين أنتِ أن الأحاسيس

    السلبية حينما تترجم عضوياً يترجمها القولون .



    لهذا أخبركِ حينما تؤلمني معدتي بأن ضميري (( يعورني )) ،

    وتخبرينني أنتِ حينما تكونين منزعجة بأنك (( متقولنة )) ! .



    كانت تلك هي لغتنا التي لا يفهمها أحد غيرنا ، لغتنا التي تتضمن

    عشرات الكلمات التي ابتكرناها وتشاركنا بها وأحببناها ،

    والتي لا يشاركنا بها أحد في هذا العالم .



    لم لائقاً أن أقبل بأن تتحدث ياسمين بتلك الطريقة ، سيء أنا لأنني

    قبلت بأن تسخر منكِ من دون ذنب !



    شعرت بضميري يئن ، لذا اتصبت بكِ باكراً ، أجبتني سريعاً ،

    قلت مازحاً : متى تتركين عنك الرجة ؟



    -أي رجة ؟


    -أعطي التيلفون فرصة يستوعب مو على طول تردين ، أثقلي شوي

    يابنت !



    قلتِ بسخرية : شسوي ! خفت تهون !


    ضحكت من أعماقي من بساطة ردك ، لا أحد يرد علي مثلما تردين

    أنتِ ، تجيبينني ببساطة من دون أن تفكري بالإجابة ، وعلى الرغم من

    ذلك تجيبين علي دائماً بطريقة تضحكني .



    يومها ، قصصتِ علي حلمك ، كنتِ تروين الحلم بحماس وكأنه حكاية .


    -(( كنت لابس جينز وقميصاً أسود ، قميصك اللي لبسته لما رحنا

    المكتبة الأسبوع اللي فات ، عرفته ؟! ، وبعدين ناظرتك كان بيدك

    شيء وفيه دم ينزف من بين أصابعك ، ركزت بيدك وطلع اللي بيدك

    قلب ، قلب إنسان يعني )) .



    كنت أنصت لحماسك على الطرف الآخر مبتسماً ، وأنا أردد : وبعدين ؟!

    ، أيوه ؟! ، وبعدين ؟!



    قلتِ بعدما أنهيتِ سرد قصة الحلم على مسمعي : مرة كان يخوف !


    قلت بسخرية : والله يخوف مرة !


    -ع طاري مرة ، تدري هيفاء تقول أنتم السعوديين مو حلو بكلامكم

    إلا (( كذا و مرة )) ؟!



    شعرت حينها بمعدتي تزداد اضطراباً وبأنين ضميري يعلو ، قلت لكِ :

    أتعرفين ما الذي يطلق على التنقل من موضوع إلى آخر من

    دون مناسبة ؟!



    -ماذا ؟!


    -فسططة !


    -لاقيني أنت ؟!


    -أنتِ لاقيتني ؟!


    تقولين لي دوماً عندما (( أؤلف )) لكِ معلومة (( لاقيني أنت )) ؟!

    وأقول لكِ حينما تفعلين (( لاقيتني أنتِ )) ؟! ..

    وهي إحدى الخصال المشتركة (( القليلة )) ، بيننا بعد سنوات من

    التأليف المشترك ، دائماً ما تسندين قناعاتك إلى الأساطير ، ودائماً

    ما أسند قناعتي إلى الدراسات الحديثة ، والحق أننا ندعم قناعاتنا

    بالأساطير والدراسات الحديثة التي لم توجد إلا في عقولنا نحن .



    قلتِ لي ذات يوم : قرأت مرة عن أسطورة تتعلق بطول الرجل ،

    يقال أنه كلما كان الرجل طويلاً قل وفاؤه .



    قلت : على العكس ، أثبتت الدارسات الحديثة أن الرجل الطويل

    أوفى بكثير من الرجل القصير .



    وظللنا نناقش الفكرة قرابة ساعة ، قلتِ في نهاية الجدال وأنتِ

    ترفعين كوبكِ إلى فمكِ : ربما ما تقوله صحيحاً ، بصراحة الأسطورة

    من تأليفي !



    -بصراحة ، كل الدراسات الحديثة هي دراساتي الخاصة !


    قلتِ ضاحكة : بصراحة ! كل الأساطير التي أحدثك عنها هي

    أساطيري الخاصة أيضاً .



    ضحكنا كثيراً لانكشاف مصادرنا ، لكننا وعلى الرغم من ذلك تابعنا دعم

    أحاديثنا بمصادرنا الخاصة التي تطلقين عليها أنتِ (( أساطير ))

    وأطلق عليها أنا (( الدراسات الحديثة )) .



    لا أحد يملك مصادركِ في البحث يا جمانة ، و لا أحد يعرف ويفهم

    مصادري سواكِ ، فلِمَ أجازف فيكِ ؟!



    صدقيني لا أعرف !


    ***

  5. #35
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    أدرك مدى صلابتي وكم أشبه الخيل الحرون ، أعرف كم تمقتين

    قسوتي ، عنادي ، جموحي وحدتي ، كم تحبينني وكم تكرهينني ،

    وإلى أي مدى أنتِ عالقة معي ، لكني عالق معك أيضاً ومتورط بك

    جداً ، متورط أنا بهذه العلاقة ، العلاقة التي أشبه ما تكون بمخاض

    متعسر ، طويل بطيء ومؤلم .

    أنا مضجر بخذلانك ياجمانة ، لكنني مؤمن بكِ إيماناً تاماً ، قاطعاً

    ومطلقاُ على الرغم من براغماتيتي ، ومع أنني لا أؤمن إيماناً

    جازماً بأي شيء في هذه الحياة .

    أتصدقين بأنني لم أفكر يوماً بتكوين عائلة قبل لقائك ؟!

    ولم تكن تغريني مؤسسة الزواج و لا فكرة العائلة ، لم أشعر يوماً

    يأنني من هذا النوع من الرجال الذين يعتبرون الزواج محطة الاستقرار

    التي لا بد من أن نصل إليها في نهاية مطاف الحرية والعبث .

    كنت أعتقد دوماً بأنني سأظل طليقاًخارج القفص ، وبأنني لن أقايض

    حريتي مقابل أي امرأة ، لكنكِ حينما جئتِ تزعزعت قناعاتي واختلت ،

    أردتكِ وأردت الاستقرار معكِ في علاقة أبدية ، لكنني أردت الحياة

    التي أعيشها الآن ، لذا كنت مشتت الأفكار ، متناقض الرغبات

    ومضطرب المشاعر .

    أتذكر أول مرة ألمحت لك فيها بأنني أريدك يوماً ما كرفيقة درب

    وحبيبة وزوجة ، كنتِ قد عدتِ تواً من إجازتك الصيفية التي قضيتها

    في الرياض ، وكان قد مضى على تعارفنا ثمانية أشهر سريعة ،

    شغوفة ولذيذة .

    دعوتك لتناول كوب من القهوة ، قلت لك ونحن في الانتظار :

    تو ما نور المكان يا أم صالح !

    توقعت أن تسألينني لما كنيتك بأم صالح أو أن تستغرقي وقتاً

    لاستنتاج مقصدي ، لكنك كنت سريعة البديهة ، أحمر وجهك ، وأخذتِ

    تتشاغلين بكوب قهوتك وتحركينه على الطاولة ، قلتِ من دون أن

    تنظري في وجهي : (( يعني لازم نسمي على أبوك )) ؟.

    ابتسمت ، لأنني أحببت سرعة استيعابك ، أحببتُ موضوع حوارنا ،

    وأحببتُ أنك أجبتِ من دون أي أستغباء أو تجاهل كما يحصل مع

    الفتيات دوماً .

    أجبتكِ مبتسماً : وش تبينا نسمي أجل ؟

    -يلا مو مشكلة ، صالح صالح ، .. يستاهل عمي .

    قلتها وابتسمتِ ، كانت ابتسامتك مشمسة ، ربيعية وملونة ، وكان

    ذلك الحوار بمنزلة دبلتين من نور طوقنا بهما أصابعنا دليلاً على

    ارتباطنا معاً ، يومها انكسر غموض علاقتنا ، تحددت ملامحها ،

    وارتاحت علاقتنا أكثر مما كانت عليه من قبل .

    أظن أن المصير المبهم للعلاقات العاطفية وضبابية مقاصدها يفصلان

    بين الشرقيين من العشاق بحاجز ثلجي ، لذا أصبحت علاقتنا أكثر

    دفئاً واسترخت مخاوفنا .

    لا أعرف حقيقة لماذا ألمحت لكِ بالزواج بتلك الطريقة ، لا أدري لماذا

    لم أستعن بطرق أكثر رومانسية ، الحق أنني لم أخطط لمفاتحتكِ

    بالموضوع لذا انساب تلميحي بتلك البساطة ذلك اليوم .

    الغريب أنني عرفت فيما بعد من أصدقائي المتزوجين زيجات حب

    أن معظمهم قد تطرقوا لمواضيع الزواج والارتباط بأساليب متشابهة ،

    نحن نستعين بأطفال لم يأتوا بعد لنعبر عن مشاعرنا لحبيباتنا

    اللاتي نحلم بأن يصبحن يوماً زوجات لنا وأمهات لأطفالنا !

    أعتقد بأننا لا نرغب بالزواج إلا من فتيات نحب أن نتخيل أشكال أطفالنا

    منهن ، نتوق لأن ننجب منهن ونتشارك معهن متعة الأطفال .

    أتدرين يا جمان ! ، لطالما تخيلت ابنتي منكِ ، لطالما حلمت بأن نحظى

    بأبنة يوماً ما ، طفلة جميلة تحمل ملامحكِ الناعمة ، وترث روعة

    حاجبيكِ الرفيعين ، أنفك المستقيم ، شعرك الطويل المجعد ،

    بشرتكِ السمراء ، وغمازتك اليتيمة .

    لكم أردتُ جمانة صغيرة ! ولكم حلمت بأن يحمل أطفالك اسمي ،

    و لا أدري حتى الآن إن كان الله سيمنحني ذلك أم أن أحلامي

    ستبددها الحياة وهي تبتسم شامتة .

    لكم أخاف أن تفعل !


    ***

  6. #36
    ....
    sajaya ruh
    تاريخ التسجيل: January-2014
    الدولة: #ـــالعراق
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 25,847 المواضيع: 643
    صوتيات: 40 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 41412
    مزاجي: يبحث عن وطن
    أكلتي المفضلة: لا شيء معين
    مقالات المدونة: 46
    لا للغفران طريق مع تصرفات عزيز
    فهلك ان تغفري يا جمانه

    اكملي ياتها الابتسامة الفترة

  7. #37
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبضاتي عراقيه مشاهدة المشاركة
    لا للغفران طريق مع تصرفات عزيز
    فهلك ان تغفري يا جمانه

    اكملي ياتها الابتسامة الفترة
    حتماً سأفعلُ ذلكِ عزيزتي ..
    فقصة جمان وعزيز لا يجب ان نتغافل عنها!!

  8. #38
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين


    لطالما آمنت أن الأمهات أوطان صغيرة ، ففي كل أم وطن نسكنه ،

    نحبه ، نفخر به ، امرأة وطن ولاؤنا لها وانتماؤنا إليها ، وقد كانت أمي

    وطني الذي أتفرغ منه يا جمانة ، كانت وطني ولم يكن لي يوماً

    وطن سواها .



    أتدرين ، لطالما كنت أقدس الأمهات ، كنت مؤمناً أننا ندعي يوم القيامة

    بأسماء أمهاتنا ، وبأن الجنة تحت أقدام الأمهات ،

    ولم أعرف إلا بعدما كبرت أن كلا الحديثين ضعيفان ، وبأننا لا ندعي

    إلا بأسمائنا وأسماء آبائنا يوم القيامة ، عرفت الحقيقتين بعدما

    تلبستني الفكرة ، وبعدما آمنت بها واقتنعت بحقيقتها لسنواتِ طوال .



    الحقيقة أن الجنة ليست تحت أقدام أمي ، وأنني لن أدعى يوم

    القيامة باسمها ، لكنني وعلى الرغم من ذلك أعرف أنني لن أدخل

    الجنة من دون رضاها ، وأعرف أنني أفخر باسمها كثيراً حتى لو لم

    أُدع به يومذاك .



    لطالما أحببت اسم أمي يا جمانة ، على الرغم من أنه ليس اسماً

    ناعماً أو استثنائياً إلا أنني لطالما أحببته ولطالما شعرت

    بسلطته علي .



    أظن بأن الرجال يحبون أمهاتهم أكثر بكثير مما يفعلن النساء ،

    وربما لا يستطيع الرجل التعبير عن مشاعره لأمه مثلما تفعل المرأة ،

    لكن الحياة تصبح أصعب بكثير حينما يفقد الرجل أمه ،

    قرأت مقولة مرة تقول (( إن الرجل يظل طفلاً حتى تموت أمه فإن

    ماتت شاخ فجأة )) مؤمن أنا بهذه المقولة لكنني مؤمن أيضاً بأن

    موتها قد يكون مجازياً ، فقد يكون غضب الأم أحياناً موتاً بالنسبة

    إلى ابنها .



    عندما غضبت علي أمي من أجلك ، شعرت أنها ماتت ،

    وشعرت بأنني شخت كثيراً يا حمان على الرغم من أن خصامها لم

    يستمر إلا لأيام ، إلا أنني لم أقدر على أن أراها تبتعد عني لتموت

    حية ، و لا أصبح يتيماً وأمي على قيد الحياة .



    على الرغم من أنني أعرف بأن مقاطعة الأم لابنها ، بسبب اختياره

    لامرأة أحبها ، هي محاولة ابتزاز عاطفية ، وعلى الرغم من رفضي

    لابتزاز المشاعر إلا أنني لم أقدر على أن أقاوم ابتزازها لي ،

    لم أقدر إلا على مجاراتها فيما ترغب به ، وتسعى إليه على الرغم

    من إدراكي لرغباتها ومساعيها .



    عندما حسمت موضوع ارتباطنا في داخل نفسي ، كان والدي أول

    من فاتحته بذلك .



    أدرك أنه من الغريب أن يكون والدي أول من أحدثه عن مشروع زواجنا

    ، والدي الذي تفصلني عنه علاقتنا المتذبذبة والآف المشاعر

    المتناقضة ، لكنني كنت واثقاً من أنه سيتعاطى مع مشروعنا

    بعقلانية الرجال .

    غالباً ما يتعاطى الآباء مع زيجات أبنائهم الذكور بكثير من العقلانية ،

    التفهم والمرونة ، بعكس ما يفعلن الأمهات اللاتي يقفن كثيراً عند زواج

    أبنائهن ويتغاضبن كثيراً عند زواج بناتهن .



    لم تكن لدى والدي أية تحفظات على علاقتنا أو زواجنا ، تقبل فكرة

    الحب التي تجمعنا أو فلنقل تغاضى عنها عن طيب خاطر مرحباً بنسب

    عائلتك وبسمعة والدك .



    باختصار ، بارك والدي زواجنا من خلال مكالمة عمرها ثلاث وثلاثون

    دقيقة !



    تنبأ والدي برفض والدتي لكِ مثلما تنبأت أنا ، لكنه لم يصرح بذلك

    مباشرة مثلما لم أفعل ، لكنه أمرني قبل أن أنهي المكالمة أن لا أخبر

    أمي عن طبيعة علاقتنا قائلاً :



    -إذا سألتك الوالدة وين تعرف البنت ، قلها زميلتي بالجامعة وأشوفها

    من بعيد ، أعجبتني أخلاقها وكلن يمدحها .



    قلت ممتناً : أبشر .


    -أصحك تدري أنك تحبها وتحبك !


    -سم .


    أبداً ! ، تشوفها من بعيد وكلن يمدحها ، وسمعتها طيبة وبنت ناس

    واستخرت وقضينا .



    -أن شاء الله ، أبشر .


    -إحرص ياعبدالعزيز ، تخبر أمك !


    قلت متفهماً : أيه أيه ، أخبرها .


    -الله يكتب لك اللي فيه الخير ، إن كانت من نصيبك بتأخذها وإن

    ما كانت الله يسهل لك مع اللي أخير منها .



    كدت أن أخبر والدي متيقناً أن لا أحد أفضل منكِ ، لكنني خشيت

    أن أخسر تأييده لي باندفاعلي لك وإن كان اندفاعي مبرراً !



    كان يفترض أن أهاتف والدتي بعدما بارك والدي زواجنا ،

    لكنني لم أفعل ، كان صوت والدي وهو يحذرني (( تعرف أمك )) يتردد

    في أذني ، كان هناك خوف خفي في داخل نفسي ، كنت أخشى أن

    تجادلني فيكِ ، أن ترفضكِ ، أن تتحفظ عليك ، أن تشكك في رغبتي

    بكِ ، كنت أخشى أن تقتلني وتقتلكِ بالرفض ، لذا لم أفاتحها في

    شيء على الرغم من أننا هاتفنا بعضنا مرتين أو ثلاث لكنني لم أجرؤ

    على أن أتطرق للموضوع معها .



    اتصل بي والدي بعد ذلك بأسبوعين ، دهشت حينما رأيت اسمه

    على شاشة هاتفي ، فعلى الرغم من سنوات الدراسة الطويلة التي

    قضيتها في غربتي إلا أن والدي لم يكن يتصل بي إلا نادراً ،

    ومن أجل أمور تخص تجارته .



    قال : عبد العزيز وش بلاك ما قلت لأمك عن موضوعك اللي قلت لي ؟!


    -والله يبه مدري !


    قال بحزم : وش اللي ما تدري ؟! ، هونت يعني ؟!


    -لالا ماهونت ، بس قلت أشوف مناسبة أفتح معها الموضوع .


    -وش مناسبته هذي اللي تنتظرها ، أنا توقعتك كلمتها وخالص ..


    تفاجأت اليوم الحرمة ما تدري عن الموضوع !


    -عسى ما قلت لها شيء !


    -أيه قلت لها ، أجل كيف عرفت أنها ما تدري ؟! .. كلم أمك كلمها ! ..

    قلها شالسالفة ووش تبي .. ومرة ثانية خلك رجال ..

    لأجزمت على شيء كمله ، لا تقعد تسوف الأمور وتبلشنا مع أمك !



    أنهيت المكالمة مع أبي وأنا أنز عرقاً وخوفاً ، فعلى الرغم من عقود

    عمري الثلاثة ، والمشيب الذي بدأ يغزو رأسي ، إلا أن مكالمة حادة

    اللهجة مع والدي كانت كافية لتهزني هزاً ، خصوصاً وإن تعلقت

    المكالمة بأمر يخصكِ أنتِ يا جمانة ! ، لم أكن على استعداد لأن أخسر

    دعم والدي لزواجنا و لا لتأييده لي ، كنت أحتاجه كحليف يناصر حبنا ،

    ولم يكن والدي كأي حليف .




    ***

  9. #39
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    بعد أن يولد الفتى بعد عدة فتيات في مجتمع كمجتمعنا ، يكون مجيئه

    كمجيء الأنبياء ، ويحتفى به وكأنه المنتظر وهكذا جئت .



    ولدت بعد ثلاث فتيات متعاقبات ، فلا تفصلني عن أختي الكبرى سوى

    أربع سنواتٍ فقط ، خلقت ملكاً على عائلتي ، على أمي وأبي

    وشقيقاتي الثلاث .



    ولدت ملكاً وكبرت ملكاً ، لا أعاقب و لا أحتمل مسؤولية شيء و لا يرد

    لي أمر أو طلب ، حتى بعدما قدم أخي وليد على الحياة بعد سبع

    سنوات من مولدي ، فرح به والدي واحتفلت به العائلة إلا أنني بقيت

    صاحب الحظ الأكبر من الدلال ، ربما لأنني كنت الذكر الأول ،

    المنتظر الأول والفرحة الأولى .



    لا أزال أذكر كم كان كل شيء مني مقبولاً ولطيفاً ومضحكاً في

    طفولتي ، بالرغم من مشاغبتي وعنادي وقياديتي إلا أنني لم أشعر

    يوماً بأن شغبي مرفوض أو أن عنادي قد يتسبب بعرقلة حياتي

    في مستقبلي .



    والداي لم يسهما في إفسادي فحسب ، بل شكلا الرجل الذي أنا

    عليه الآن بيديهما ، غذيا لدي كل الصفات التي يرفضانها الآن .



    ولدت على الفطرة ، ربما كنت أجمل في جيناتي صفات القيادة وشيئاً

    من العناد ، لكن والديَّ هما من سقيا هاتين الشجرتين في داخلي

    فكبرت لا أقبل أن يقودني أحد ، و لا أقدر على أن أشارك جماعة ،

    كبرت رجلاً لا يقبل إلا أن يقود من حوله و لا يرضى أن يشاركه

    أحد الرأي .



    والدي لم يصبر على عيوبي ولم يكرهها إلا بعدما تقهقرت علاقتي

    به قبل سنوات .



    كنت في الثانية والعشرين ، أدرس إدارة الأعمال في جامعة الملك

    سعود ، وكانت دراستي تقف على قدم واحدة ، الحق أنني لم أحب

    يوماً الإدارة و لا فروعها ،لكنني أردت أن أكون رجل أبي ،

    ساعده الأيمن ، شريكه ، والابن الذي يتفاخر به أمام الناس .



    تعرفت في تلك الفترة على فتيات كثر ، مثلي مثل أي شاب في

    عمري ، لم تكن تتجاوز علاقتي بأغلب الفتيات سماعة الهاتف ، وقلة

    منهن اللاتي استطعت أن ألمحهن بعد خروجهن من أسوار الجامعة .



    كانت معظم العلاقات في تلك الآونة تدار عبر أسلاك الهاتف ، وكان من

    النادر جداً أن يلتقي عاشقان أو أن تتجاوز علاقة عاطفية المكالمات

    الهاتفية .



    عرفتني إحدى الفتيات والتي كنت أعتبرها صديقة لي على صديقة

    لها ، كان اسمها ريما ، وكانت تصغرني بعامين فقط .



    ربما لم تكن كأي فتاة تعرفت عليها في ذلك الزمن

    وفي ذلك المجتمع ، كانت على الرغم من نجديتها في غاية التحرر ،

    بل كانت في غاية الانفلات في مقاييس ذلك الزمن .



    لم تكن ربما تغطي وجهها ، كانت تدخن ، تتنقل بين الدول وحيدة ،

    والأغرب من كل هذا أنها لم تكن عذراء !



    أذكر كيف أخبرتني بذلك ببساطة وكأنها تتحدث عن فيلم سخيف ما ! ،

    لم يكن أمر عذريتها يهمها في شيء ، وكأنها لا تنتمي إلى مجتمعنا

    و لا تعيش فيه .



    أظن بأن هذا أول ما جذبني إليها ، جذبتني كل سيئاتها ، استثنائيتها ،

    تحررها ، وأنها لم تكن تشبه الأخريات .



    لذا ، سريعاً ما انغمست في علاقة معها ، كانت هي أول فتاة أحبها

    فعلاً ، وكانت هذه أول علاقة عاطفية كاملة أعيشها في حياتي .



    معها تذوقت الجنس لأول مرة ، ومارست الجنس لأكثر من مرة ،

    وأحببت فكرة أن أعيش معها خارج البلاد .



    تلبستني ريما لأشهر طويلة ، معها كنت أستطيع أن أكون على

    سجيتي ، لم تقيدني ريما بقيود الحب المعتادة ، كانت تتقبل صداقاتي

    وتتعامل معها ببساطة ومرونة الغربيين ، وهكذا أصبحت مثلها تلقائياً ،

    فعلى الرغم من حبي الجازف لها إلا أنني احترمت صداقتها

    مع الرجال ، وتمكنت من أن أفصل بين الحب وبين الصداقة ، وأن

    أتلخص من غيرة الشرقيين التي أقنعتني وقتذاك بأنها لم تكن إلا عادة

    من عاداتهم .



    زلزلتني علاقتي بريما كثيراً ، ربما لأنها كانت حبي الأول ، وربما لأنها

    كانت المرأة المختلفة الأولى التي أقابلها في حياتي ، ففي مجتمعي

    جميع النساء يتشابهن ، تتشابه أفكارهن وعاداتهن وأحلامهن ، حتى

    ملامحهن تتشابه ! وجاءت هي لا تشبه الأخريات بشيء ، فوقعت بها

    ووقعت بي لأنني كنت متقبلاً لختلافها ، ولأنني احترمتها على الرغم

    من ذلك الاختلاف وذلك الشذوذ الاجتماعي الحاد .



    لا أدري إن كنت قد فكرت بالزواج من ريما كثيراً وتقبلت أخطاءها ، معها

    اقتنعت بأن ممارسة الحب قبل الزواج لا تعني أن المرء فاسد ، وأن

    صداقتنا بالجنس الآخر لا تعني بضرورة الحال خيانة من نحب ، أو أننا

    قد نحب من نصادقه ، معها آمنت أنه من الواجب أن لا نتزوج إلا ممن

    نحب ، وأن زواجنا لا يعني أن ننهي علاقتنا بالجنس الآخر .



    اعتنقت مبادئ وقناعات ريما سريعاً ، ربما لأننا كنا نتشارك في عدة

    أمور ، ونتشابه في الكثير من الأشياء والرغبات والأحلام ، كنا

    مهووسين بالحرية وبالعيش في الغرب ، كنا نتقاسم الفضول حيال

    الجنس الآخر وبأي علاقة قد تجمعنا به ، مستندين إلى محاولة الفهم

    والتحليل وعلى فلسفة الأخلاق .



    كنا مختلفين عن مجتمعنا تماماً ، لذا جمعنا الاختلاف ، الجنس ،

    التحرر ، الهوس بمعرفة الجنس الآخر ، بأفكاره ومشاعره وسلوكياته

    وطبيعته .



    حدثتكِ يوماً عن ريما ، لم تحبي خوض التفاصيل معي ، حاولت أن

    أتطرق إلى الموضوع أكثر من مرة لكنك صددتني في كل مرة ،

    حينها سألتكِ : لماذا ترفضين معرفة تفاصيل علاقة مراهقتي الأبرز ؟



    أجبتني بأن طبيعة علاقتنا كانت مقززة ، وأنها تجعلكِ تكرهينني ،ليس

    غيرة علي بل قرفاً مني !



    تساءلتُ كثيراً في تلك الفترة ، إن كنت تنفرين مني لعلاقة كهذه في

    مراهقتي على الرغم من أنني أغفلت التفاصيل الحميمة فيها ،

    كيف ستحترمينني لو عرفتِ عن تفاصيل علاقاتي اللاحقة وعن

    علاقتي بياسمين !



    أعرف أنكلن تقدري تفهم ذلك ، ولن تستطيعي فهم أسبابه .


    أفكر أحياناً ، لو انقلبت الموازين والأمور ، لو كنتِ ريما ، أي أن ريما هي

    أنتِ الآن ، لكم كنت سأكون حراً ، لكم سأتحرر من مخاوف خسارتك ،

    ولكم كانت ستحترم علاقاتي ! ، لكنني أفكر أيضاً ، هل كنت سأستمر

    في حبها لأربع سنوات كما أحببتكِ وكما لا أزال أحبك ، وهل كنت

    سأفكر بأن تكون أماً لأبنائي ؟! هل كنت سأحلم بأن أشيخ معها ؟! ..

    وهل وهل وهل ..



    ربما مجيء ريما في مراهقتي لم يكن في مصلحتي ، ربما عززت

    صفاتها ومجيئها وقبولها لعلاقاتي الأخرى عدم الالتزام لدي .



    أدرك جيداً أنني غير قادر على الالتزام التام والكلي ، وأعرف أن

    معايشة ذلك طوال حياتي تجعل التزامي حالياً ومستثبلاً أمراً صعباً إن

    لم يكن مستحيل الحدوث .



    صدقيني أنني أحاول الالتزام بهذه العلاقة ، لكن كيف ألتزم بأمر أرى

    أن عدم الالتزام به لا يشكل فرقاً في طبيعة علاقتنا ، و لا في

    مشاعري تجاهكِ !



    أنا لا أستطيع الالتزام وأنتِ لا تستطيعين قبول ذلك ، أنا لا أقدر على

    خسارتك ، وأنتِ لا تقدرين على أن تستمري معي بدون التزام ،

    وهكذا لا تزال علاقتنا مرهونة باتفاق قد نصل إليه يوماً

    وقد لا نصل أبداً .

  10. #40
    من المشرفين القدامى
    جيل الطيبين
    أتعرفين ، علاقتي بريما لم تفسد علي حياتي فحسب ، بل أفسدت

    علاقتي بوالدي ، غريب أنك لم تسأليني يوماً عن سبب برود علاقتنا ،

    عن الخلاف البارد المستمر منذ سنوات طويلة ، والذي يبدو أن صقيعه

    سيستمر حتى يموت أحدنا أو يموت كلانا .



    ماتت علاقتي بأبي عندما دخل علي بملحقي في أحد المساءات التي

    كانت تزورني أثناءها ريما !



    لم يطرق والدي الباب ، أو ربما طرق ! .. الحقيقة أنني لا أعرف إن كان

    فعل أو لم يفعل ، المهم أنني لم أسمع طرقاته على باب ملحق منزلنا

    الذي أعيش فيه ، و لا أدري كيف غفلت عن إغلاق الباب على الرغم

    من أنني دائماً ما كنت أغلقه ، أظن أنني لم أتخيل أن يدلف علينا أحد .



    كان مساءً هادئاً من مساءات الشتاء ، وكانت عائلتي في مخيم شتوي

    خارج المدينة ، أما هو فكان يُفترض أن يمارس عادته بأن لا يعود إلى

    البيت قبل منتصف الليل ، لا أعرف لماذا خانتني عادته تلك المرة ،

    و لا أعرف لماذا جاء مبكراً على غير العادة .



    عندما دلف والدي كنت أحتضن ريما ، كانت قد وصلت قبل مجيئه بعشر

    دقائق ، رأيت والدي بقامته الطويلة يقف أمامي ، فتسمر كل شيء

    فيّ ، صمت جسدي وتوقف قلبي ،حتى ردة فعلي تجمدت !



    لم أتحرك ، ولم أنبس بشيء ، تعلقت عيني بوجه أبي ، بغضبه العارم

    الصامت ، وبعينيه اللتين بدتا ككرتين من لهب .



    شعرت ريما بي ، نظرت إلى وجهي والتفت بحدة ، ليطالعها أبي

    بسنواته الخمسين ، وتجاعيده المهيبة ومشيته الوقور .



    أنحنى أبي على عباءة ريما المرمية على الكنب الأرضي ، مدها إليها ،

    وقال بحزم : توكلي على الله ، الله يستر علينا وعليك !



    توقعت أن تقول ريما شيئاً ، أي شيء ، فلم تكن فتاة بجرأتها لتصمت

    في موقف كذالك ، لكنني وجدت جرأتها تتضاءل أمام ماقاله ،ارتدت

    عباءتها بصمت وحملت حقيبة يدها وخرجت من دون أن يسمع والدي

    بحة صوتها أو أن يميز نجدية لهجتها .



    رأيت ريما تغادر وقلبي يكاد أن يقف من هول الموقف ، اقترب أبي

    مني بخطوات بطيئة ومزلزلة فشعرت بأن دهراً يفصلني عنه ،

    وقف أمامي وصفعني بكل ما أوتي من غضب !



    أمسك بثوبي وشدني إليه قائلاً من تحت أضراسه وصوتٍ لم أنسَ

    يوماً نبرته : تبي تدرس برى ؟! .. انقلع ! ، من اليوم هالبيت مو بيتك ،

    هذا بيت أمك وأخوك وخواتك ، ما عاد أبيك ببيتي ، خلص أوراقك

    وطس باللي ما يحفظك !



    أفلت أبي ثوبي ، ونظر إلي بعينين رأيت من حلالهما خيبة العالم

    أجمع ... وخرج !



    غادر والدي وأنا أراقبه بأنفاس مختنقة ، كانت تلك صفعة والدي الأولى

    والأخيرة ، الصفعة التي تبرأ مني من خلالها .



    لم أنسَ هدير صوت والدي يوم ذاك ، لم أنسَ الشرر المتوقد في

    عينيه، لم أنسَ الغضب والخذلان والتقزز والكراهية التي رأيتها في

    ملامحه .



    ومع أنني لطالما حلمت بأن أكمل تعليمي الجامعي خارج البلاد ،

    لكنني لم أحلم أن يقبل والدي بهذه الطريقة وبهذا الشكل !



    لم يجردني أبي يومها من أبوته لي و لا من بنوتي له فحسب ، يومها

    جردني أبي من أي علاقة تربطني بالعائلة ، نبذني منها بصورة غير

    رسمية ، ومن دون أن يعلم أحد .



    كان قرار تركي الدراسة في الجامعة و السفر بعد ثلاث سنوات من

    النجاح فيها أمراً مفاجئاً للجميع ، لم تصدق أمي في بداية الأمر أنني

    سأتخلى عن السنوات التي قضيتها على مقاعد الجامعة فجأة وقد

    قاربت على التخرج ، لم تعرف لماذا هذا القرار المفاجئ ، ولم تفهم

    لماذا وافق أبي على سفري فجأة بعد سنوات من الرفض القاطع .



    قلت لها بأنني لم أقبل بإحدى الجامعات الكندية إلا هذا العام على

    الرغم من مراسلاتي المستمرة ، أقنعتها لأن الفرصة لم تسنح لي

    مرة أخرى ، وبأن التخرج من جامعة كندية لا يعادلها التخرج من أي

    جامعة سعودية .



    أما هو .. ذلك الحانق بصمت ، لم يولِ الأمر أية أهمية أمامهم ،

    فبدا لهم وكأنه يقبل سفري على مضض كأي أب يفارق ابنه .



    دفع والدي تكاليف معهد اللغة الإنجليزية الذي قبل التحاقي به ،

    ساعدني باستخراج تأشيرة السفر وأحيا رصيدي البنكي بما يكفي

    لأعيش مرتاحاً هناك .



    أفهم الآن أن والدي كان يعاقبني بالنفي ، كان يظن أن خمس أو ست

    سنوات قد أقضيها في بلاد الغربة ستعلمني كيف أحترم العادات

    والتقاليد وكيف أحبها ، كان يظن أنني سأعود آسفاً ونادماً ، و لا أظن

    بأنه فكر ولو للحظة أن المقام سيطول ، وأنني قد ر أفكر بالعودة أبداً .



    سافرت إلى مونتريال في البداية ، مخلفاً ورائي أماً ملتاعة من فرط

    الخوف والحب والاشتياق ، شقيقات يعولن كثيراً على عودتي ناجحاً

    و متميزاً يوماً ما ، وشقيقاً كنت أدرك أنه سيكون خير عوض

    لأبي مني .



    أما هو ، فقط تركته غاضباً ، مصدوماً ومخذولاً ، ومع أنني عدت كثيراً

    خلال السنوات الماضية إلا أنني كنت أجده كل عام كما تركته ،

    و لا أعرف لماذا لا يغفر لي أبي تلك الواقعة ،

    ولماذا خسرني من أجلها .



    أما ريما التي ابتلعت سريعاً مرارة دخول أبي علينا تلك الليلة ، فقد

    أخبرتني بعدما أنهيت إجراءات سفري ولم يتبق على رحيلي سوى

    أيام أنها ستسافر إلى استراليا لإكمال الماجستير ، حاولت اقناعها بأن

    تلحق بي ، لكنها أحبت أن تجرب الحب عن بعد ، ووعدتني أن نتناوب

    على زيارة بعضنا طوال سنين الدراسة .



    استمرت علاقتنا فعلاً بعد سفرها ، كنا نتحدث طويلاً من خلال شبكة

    الانترنت وأحياناً عبر الهاتف ، لكنني شعرت بعد شهرين أو ثلاثة أن

    البرود بدأ ينتابها تجاهي ، بدأت تنسحب تدريجياً من حياتي وكان هذا

    مخيفاً بالنسبة إلي لأني أحببتها فعلاً ، ولطالما تخيلت أن نتشارك

    الغربة بما فيها من متع وإثارة .



    على الرغم من أن انسحابها كان لئيماً ، حاداً وقاسياً علي ، لدرجة

    أنني مرضت لهجرها لي ، إلا أنني استجمعت قواي سريعاً ولملمت

    مشاعري وتجاوزتها .



    أدرك اليوم أن ريما تركتني من أجل غيري ،وأنني لم أكن إلا رجلاً من

    رجالها الكثر ، فمثلما لم أكن الرجل الأول لم أكن الرجل الأخير أيضاً ،

    وهكذا خسرت أبي من أجل فتاة لم أكن إلا حلقة من مسلسل متمرد

    طويل تعيش فيه .



    لذا كنت أخشى كثيراً مفاتحة أمي في موضوع زواجنا ، كنت أخاف أن

    أخسركِ أو أخسرها ، لم أكن لأقبل أن أكون يتيم الأم والأب معاً وفي

    حياتهما ، ولم أكن لأقدر أن أعيش من دونكِ وبعيداً عنكِ .



    اتصلت بأمي بعد مكالمة أبي لي لكنها لم تجيبني ، فأدركت بأنها

    تعاقبني بعدم الرد .



    هكذا هم وهن ، يعاقبوننا بالابتعاد ، ينفوننا بعيداً عنهم لأنهم يدركون

    أن الغياب سيتلف الحياة في أعيننا .



    عادوت الاتصال بها ثلاث مرات ، أجابتني في المرة الثالثة بصوتٍ

    يكسوه العتب ، قالت بتهكم معاتب : حيا الله العريس !



    -الله يحيك ، شلونك أم عبد العزيز ؟


    -زين أنك ذاكر أني أمك للحين .


    -شدعوة يالغالية ، حبيبة القلب أنتِ .


    -سبحان الله طالع على أبوك ، ما يجي منك إلا الحكي !


    عاتبتني أمي طويلاً ، أخبرتني بأنها لم تكن تتخيل أن أتزوج بهذه

    الطريقة ، ولم تكن تتوقع أن أقوم بالتطرق إلى هذا الموضوع مع أبي

    أولاً ، قالت لي بأنها كانت تحلم طوال حياتها أن تختار عروسي بنفسها

    خصوصاً وأنني تأخرت كثيراً (( برأيها )) .



    حاولت أن أمتص غضبها ما استطعت ، تحدثنا طويلاً ، كانت تهدأ قليلاً

    ومن ثم تعاود الثوران ، لكنني تمكنت في نهاية الأمر من أن

    أستعطفها ، وأن أبرر لها أسبابي ، سألتني عنك بعد ساعة

    من العتب ، قالت لي في نهاية المحادثة : بينك وبين البنت شيء ؟



    -لا ، أشوفها من بعيد واسمع عنها .


    -وأنت وش تبي بوحده تدرس معك ويعرفونها زملاؤك ؟


    -البنت مؤدبة ، وبكل الحالات لو فكرت أتزوج ماراح أتزوج إلا وحدة

    أشوفها بعيني وأعرف أخلاقها ، زواج (( شختك بختك )) ما أحبه

    و لا أبيه .



    أخبرتني أمي أنها تزوجت بهذه الطريقة ، وأن ثلاثاً من شقيقاتي

    تزوجن وفقها أيضاً ، وأن شقيقتي العازبتين ستتزوجان يوماً

    ما بالطريقة عينها ، طال حديثنا في الأمر ، تقبلت الأمر على مضض ،

    واتفقنا أن لا تخاطب أمك إلا حين عودتي إلى الرياض في الصيف ،

    الصيف الذي كان بعيداً جداً .




    ***

صفحة 4 من 11 الأولىالأولى ... 23 456 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال