سافرت إلى كندا قبل إقرار برامج الابتعاث ، والدي هو من تكفل
بمصاريف دراستي لعدة سنوات قبل أن تبتعث الدولة طلابها إلى أنحاء
العالم ،وتضمني إلى كنفها بعد ذلك .
أن تبتعث على حساب والدك يختلف تماماً عن أن تبتعث على حساب
الدولة ؛ فالفشل على حساب الدولة لن يكلفك غضب العائلة
و لا لومها ، بينما فشلك الذي يكلف والدك مئات الآلاف سيبقى كوشم
في جبينك لا يمحى ، ولن يغفره لك أحد من العائلة .
لذا ، وعلى الرغم من أن راتب الابتعاث لم يكن يعادل نصف المصروف
الذي كان يرسله إلي والدي شهرياً ، إلا أن الضائقة المادية التي كنت
أعانيها في نهاية كل شهر كانت أرق وأحب إلي بكثير من (( منة ))
الرغد الذي كنت أعيشه أثناء تكفل والدي بمصاريفي .
شعرت أن إلحاقي ببعثة الدولة قد هطل عليَّ من السماء وأحياني ،
فتغيرت ملامح الغربة عيني ، وتلونت بعد فترة رمادية
شاحبة وطويلة .
الغربة لا تفسير لها و لا هي حالة محددة ، في الغربة نرتفع كثيراً
بفعل الحرية والانعتاق من كل القيود التي تربطنا بالمجتمع والعائلة
والوطن ، وفي الغربة تسقط كثيراً بفعل الشوق والحنين والحاجة
للذين يحبوننا ويخافون علينا .
عندما جئت إلى هنا ، قررت أن لا أعود إلى الرياض إلا زائراً ، لذا كان
الزواج من فتاة كندية أمراً لا بد منه بعد تخرجي ، وهذا ما أقررته حينما
تعرفت على ياسمين التي كانت تكبرني بستِ سنوات كاملة !
كانت ياسمين خطتي المثالية للحصول على الجنسية والبقاء في
الغربة اختياراً ، لكن خطتي تبعثرت ، وتشتت رغباتي حينما التقيتكِ ،
لكنني ، وعلى الرغم من شغفي بكِ لم أقطع علاقتي بياسمين ،
كانت علاقتنا متقطعة ، أغيب عنها أيام في أيام رضاكِ وأهرع إليها
عندما تغضبين مني أو تغضبينني منك ، وهي لم تكن تمانع في ذلك ،
على العكس تماماً ، ناسبت علاقتنا المزاجية ياسمين
وتعايشت معها .
كانت تسألني أحياناً بسخرية إن كانت هناك من تشغلني عنها ،
كنت أجيبها بأن الكثيرات يشغلنني عنها ، وعلى الرغم من أن ظاهر
كلامي كان مداعباً لها ، إلا أنها كانت تدرك في قرارة نفسها بأن في
حياتي امرأة أخرى ، لكنها لم تكن تكترث لأمر كهذا ، ربما لأن في
حياتها غيري أيضاً ، وربما لأنها لم تحبني أساساً ، لذا اتفقنا من دون
أن نصرح على أن لا نزعج بعضنا بالخوض في تفاصيل سخيفة كهذه ،
وهكذا عشت معكِ ومعها لأربع سنوات متتالية من دون أن تعرفي
وبدون أن تعارض !
***