كانت ليلة قاسية جداً!
كنت أقضي إحدى سهرات السكر في بيتِ صديقي محمد، وقد كان بمعيتنا زياد الذي لا يشرب الخمر لاعتبارات «فلسفية ودينية»، ليلتها كان كل واحد منا مثخناً بجراح الحياة والغربة، الجراح التي تتشابه وتختلف في حالات كثيرة وصور كثيرة، لم نتحدث تلك الليلة كثيراً، توسط كل منا إحدى الأرائك، وغرق في خيبته الخاصة بصمتٍ لا يليق بسكارى وفيلسوف يصلي الصمت كزياد!
لم يكن هناك سوى صوت طلال مداح، وتنهدات الخيبة التي جمعتنا، كان طلال مداح يبكي غناءً حينئذٍ وكأنه يشاركنا العزاء.
ما أوعدك من يضمن ظروف الزمان
لا تصدقي من قال لك الدنيا أمان
ميعادنا خليه بكف الظروف
لا تحرجيني بالزمان وبالمكان
ما أوعدك!
كثر الليالي أشتاق لك كثر السنين
أنتِ حنان العمر ما غيرك حنان
لم أشعر إلا بكفّي زياد تهزانني بقوة، ومحمد ينظر إليّ بقلق!
كنت أشهق بقوة، لم أكن أبكي، ما جرى في تلك الليلة لم يكن بكاءً، كنت أشهق، كنت أشعر بروحي تتفاقم وكأنها تناضل لتفارق جسدي المتعب.
لا أعرف ما الذي أصابني تلك الليلة، لكنني أعرف بأنني قد أفرغت بعضاً من أكوام الحزن المتراكمة في أعماقي، كنت أشعر بأن طلال مداح يعاتبني! يعاتبني على وعود قد قطعتها ولا أعرف إن كنت سأفي بها يوماً.
لم أتمكن وقتذاك من أن أرد عليكِ، أنتِ التي كدتِ أن تهشمي هاتفي بمكالماتك المتواصلة طوال الليل، لم أكن قادراً على التحدث، فظللت أبكي في بيتِ محمد حتى بزغ الفجر.
أوصلني زياد إلى البيت بعد أن غادرت بيت محمد منهكاً، شبه ميت.
كنت جثة ثقيلة ومتثاقلة، لم أكن قادراً على المشي، كانت هذه آثار الخيبة، صدقيني لم أكن ثملاً إلى ذلك الحد، كنت متعباً يا جمان، لم أكن غارقاً في السكر مثلما ظننتِ!
حينما دخلت البيت، وقعتْ عيناي عليكِ، كنتِ تجلسين مع باتي وروبرت بوجه ممتقع.
أذكر بأن بوب قد قال لي شيئاً، لكنني فعلاً لم أفهم شيئاً مما قاله، مشيت حتى وصلت إليكِ، وسقطت عند قدميكِ، وضعت رأسي على ركبتيكِ وقلت لك بأني أريد أن أنام!
أذكر أنكِ سألتني بصوتِ مخمر بالشك: أين كنت؟!
صحت فيك وأنا أبكي: أحبكِ، أرجوكِ!
أسندتني بجسدك وأخذتني إلى الفراش، بقيتِ بجواري حتى نمت وأنتِ تمسكين بيدي بحنان لا أفهم كيف تغدقين عليّ فيه!
لم يكن ينقصني يا جمانة سوى أن تحشري جسدكِ الصغير بجواري، صدقيني لم أكن لأمسّكِ، أقسم بأني لم أكن لأفعل، كنت أحتاج لأن تضميني فقط، لأن تحميني من حزني، من خوفي ومن نفسي.
لكنكِ لم تفعلي، ولم أجرؤ على أن أطلب شيئاً كهذا، ظللتِ ممسكة بيدي حتى غرقت في النوم، فنمت ليلتها كما لم أنم في أية ليلة!
*****