Wednesday 6 June 2012
الساعون إلى سحب الثقة يخشون تفتت أصواتهم وتقوية المالكي
"العصائب" و"مقتل الخوئي" شرطا الصدر لرئيس الحكومة العراقية وخصومه
تدخل الأزمة السياسية العراقية في منعرج محرج وسط توقعات بأن يخيّب زعيم التيار الصدري أمل خصوم المالكي بعد تعرّضه لضغوط داخلية وخارجية ويتراجع عن مطلب سحب الثقة عنه.في وقت تتجه فيه الأزمة السياسية العراقية لخواتمها المفتوحة على أكثر من باب، ظهر موقف التيار الصدري كمعادل متأرجح بشكل جلي بين كفتي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أو خصومه.
فتصريحات قادة التيار، ابتداءً من زعيمه مقتدى الصدر، انتقلت من كفة معارضي المالكي ومطالبته بقوة بسحب الثقة عن حكومته إلى لهجة أخف وطأة، توحي بأن الغاية من المطالب المتشددة للتيار من حليفه في الائتلاف الشيعي، كانت تفعيل الإصلاحات التي تطالب بها الكتل، وفي مقتدمتها التيار الصدري.
لكن انتقال الصدر المتوقع من اليمين إلى اليسار في أزمة سحب الثقة عن رئيس الحكومة نوري المالكي كانت ورقة سعى ومازال التيار الصدري إلى استغلالها لتحقيق مطالب طالما أقضت مضجعه كورقة بيد مناوئيه.
وفي مقدمة هذه المطالب ورقة تنظيم "عصائب أهل الحق" المنشق عن الصدر والمدعوم من إيران بقوة خاصة خلال التواجد الأميركي في العراق من خلال العمليات العسكرية التي نفذها، وأبرزها عملية خطف أربعة ضباط أميركيين، وقتل خامس من مقر محافظة كربلاء في عملية نوعية عام 2007، حيث تنكر المنفذون بزي قوات أميركية ببشرة بيضاء وعدسات لاصقة زرقاء، وكانوا يقودون عربات رباعية الدفع خاصة بالأميركيين مع وجود شخص بينهم يتحدث الانكليزية بطلاقة، للمرور على الحواجز الأميركية والعراقية بين كربلاء وبغداد. وقتل المخطوفون لاحقًا بعد قطع الطريق بين كربلاء وبغداد، حيث اتجه موكب الخاطفين.
وعملية خطف خبير الحاسبات البريطاني بيتر مور مع أربعة من حراسه الشخصيين في 29 مايو (أيار) 2007 عملية نفذها أربعون رجلاً من العصائب، يرتدون زي الشرطة في مكتب تابع لوزارة المالية في بغداد، التي جتاءت ردًا على اعتقال قادة العصائب في البصرة، في مقدمتهم الأخوين قيس وليث الخزعلي، اللذان أطلقا ضمن صفقة ضمت المئات من عناصر العصائب مقابل إطلاق الخبير البريطاني بيتر مور وجثث حراسه.
وبعد الانسحاب الأميركي من العراق نهاية عام 2011 أعلنت العصائب تخليها عن السلاح والدخول في العملية السياسية، وهو ماعارضه الصدر ولما يزل، فيما دعمه رئيس الوزراء نوري المالكي.
ويرى الصدر في تنظيم العصائب نداً قوياً تدعمه إيران ضمن لعبتها في خلق المحاور التي لا تعتمد على طرف واحد، كما يرى متابعون. وظل الصدر يكرر تكفيره وتنديده بتنظيم عصائب أهل الحق في بياناته وردوده على أنصاره ومطالبته الحكومة العراقية بطردهم من العراق، أو أن يعلنوا التوبة له، ويعودون تحت وصايتهم، وهو ما ترفضه قادة العصائب بشدة في بياناتها.
ويرى قيادي في الائتلاف الشيعي تحدث لـ"إيلاف" أن الصدر طلب من رئيس الحكومة نوري المالكي إنهاء ملف عصائب أهل الحق وتجريد عناصره من أي دعم وعدم إشراكهم في العملية السياسية، لكن المالكي لم يرد بشكل واضح على طلب الصدر، رغم تكراره من خلال قادة في تياره. حتى تلقف مطلب زعيم التيار الصدري هذا خصوم المالكي لكسب الصدر في سعيهم إلى سحب الثقة عن رئيس الحكومة، من خلال امتعاضهم من دعم المالكي للميليشيات المتورطة في القتل، ورغبتهم في ملاحقة قادتها، فيما لو تم تغيير المالكي الذي يرون أنه يدعمهم.
وخلال الوساطة التي تمت من قبل قادة في ائتلاف العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني قبل نحو شهرين مع التيار الصدر بتجديد وعد كان تسرب من العراقية قبيل تشكيل الحكومة العراقية بإقرار حصانة من قبل مجلس النواب لمقتدى الصدر إذا ترأس أياد علاوي الحكومة العراقية، مقابل دعم كتلة الاحرار الصدرية (40 نائبًا) لعلاوي. الحصانة الموعودة ستعفو الصدر من ملف عبد المجيد الخوئي، الذي قتل في النجف عام 2003 طعنًا بالسكاكين في صحن الإمام علي بن أبي طالب، ووجّهت الاتهامات إلى أتباع الصدر وقتها وبإيعاز مباشر منه. وهو ما ينفيه الصدر وقادته، لكن ملف ملف القضية لم يغلق نهائيًا حتى الآن.
إنما مياه أربيل جرت بعيداً عن علاوي، ووعده للصدر، الذي نال وعداً مماثلاً من قبل المالكي بدراسة الموضوع، قبل أن يُنسى في حومة الخلافات السياسية. ويرى متابعون لتحركات الصدر السياسية أنه مازال بعيداً عن أي تحالف ستراتيجي، وأن ما يقوم به عبارة عن تحرك تكتيتي يسهل عليه تغييره، ويسهل أيضاً على المتصارعين كسبه كل لجانبه.
ويؤكد القيادي في التحالف الشيعي أن تحالفه يتجه نحو إقناع الصدر بحلحلة مطالبه من خلال وساطة مع العصائب وأخذ تعهدات من قادتها بالتخلي نهائيًا عن حمل السلاح ومطاردة من تورّط من عناصرها في جرائم قتل عراقيين. والأهم من ذلك منح التيار الصدري حقيبة وزارة الداخلية التي لما تزل مع حقيبة الدفاع تداران بالوكالة وبإشراف من المالكي نفسه، والإسراع في القبول بمرشح ائتلاف العراقية لوزارة الدفاع.
أما ملف الخوئي فتجري تسويته مع عائلته من خلال جلسة صلح مع الصدر أو من ينوب عنه برعاية قادة في الائتلاف الشيعي. في هذا السياق نشرت أمس الثلاثاء تصريحات حيدر عبد المجيد الخوئي بأن أحد قادة التيار الصدري، وهو عضو في البرلمان العراقي، طلب من أحد قضاة التحقيق في بغداد تغيير مجريات القضية اعتمادًا على شهود زور لإبعاد التهمة عن زعيم التيار وتثبيتها على عدد من أعضاء التيار المتهمين، وذلك من أجل التقرب من الصدر أولاً، والفوز في الصراع الداخلي الدائر داخل التيار بين المعممين وغير المعممين.
لم يستبعد القيادي الشيعي، الذي تحدث لـ"ايلاف" أن يجري استخدام هذا التصريح في الحوار مع الصدر للضغط عليه، مستعينًا بآراء القضاة بأن "مذكرة إلقاء القبض، وخاصة في قضية جنائية، لا تسقط بالتقادم، حتى لو مرت عليها أكثر من مئة عام، سواء كان المعني مقتدى الصدر أو غيره، فقانون المحاكمات الجزائية العراقي المعمول به لا يضع أي سقف زمني لمذكرة إلقاء القبض، بل يعتبرها نافذة حتى يتم تطبيقها".
وأكد أن سفر الصدر إلى إيران في مطلع الأسبوع الحالي يدخل ضمن الضغط عليه لعدم دعم سحب الثقة عن رئيس الحكومة نوري المالكي، خاصة بعد إصدار فتوى آية الله كاظم الحائري بترحيم التصويت مع العلمانيين في العراق، ويعتبر الحائري خليفة والد مقتدى الصدر في العودة إليه كمرجع أعلم في الأحكام الشرعية. لكن تفسير المقربين إلى الصدر للفتوى وعدم وضوحها، وأنهم يدعمون رئيس وزاء بديلاً من المالكي من التحالف الشيعي، أغضب الحائري، مما عجّل بطلب لقاء مقتدى الصدر ليقنعه بالتراجع عن قراره بالإصرار على سحب الثقة.
وإذا ما تراجع الصدر، وهو مايتوقعه المتابعون للشأن العراقي، عن مطلبي ائتلاف العراقي والتحالف الكردستاني بسحب الحكومة عن المالكي، سيعيد إلى الأذهان تراجع الصدر السابق عام 2010 حين كان الأكثر إصراراً على عدم القبول بالمالكي رئيسًا للوزراء قبل أن يخضع لضغوط داخلية، بتقوية التحالف الشيعي، وخارجية، بعدم تقوية خصوم النفوذ الإيراني في العراق، وتقوية العلمانيين في العراق.
وعلى مقربة من حركة الصدر، يراجع كل من إئتلاف العراقية والتحالف الكردستاني أوراقهما، والاستعداد لكل الاحتمالات من خلال العودة إلى الشروط ورقة أربيل الإصلاحية وإقرار تعهدات خطية برعاية إقليمية على المالكي، فيما لو أفلت من حصار سحب الثقة عن حكومته.
يذكر أن العراق يشهد خلافات منذ تشكيل الحكومة العراقية، التي جاءت بعد مخاض عسير، دام نحو تسعة أشهرعلى خلفية خلافات بين الكتل على تشكيلها، لكنها بقيت بدون الوزارات الأمنية الداخلية والدفاع والمخابرات، التي توزعت بين المكونات الرئيسة في العراق الشيعة والسنة والكرد.
لكنها بقيت تدار حتى اليوم بالوكالة وبإشراف رئيس الوزراء، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، الأمر الذي جعل بقية الكتل تتهمه بالتفرد والديكتاتورية، وعدم إشراك بقية الكتل في القرارات السياسية، وهو ماينفيه ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الحكومة نوري المالكي.
إضافة إلى الخلافات المالية بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بسبب عقود النفط ورواتب حرس الإقليم (البيشمرغا)، وكان رئيس الإقليم مسعود بارزاني هدد قبل نحو شهرين بالانفصال عن العراق، فيما لو بقي المالكي رئيسًا للوزراء.
ايلاف