رغم ان الحديث عن الابداع الانساني بشكل عام، وخاصة الحديث عن الابداع الفني والسينمائي، مع انسان وهابي، اشبه ما يكون بالنفخ في قربة مثقوبة، ويتحول هذا الحديث الى ما يشبه المحال، اذا كان المُخاطب هو شيخ شيوخ الوهابية، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي السعودية، خاصة لو كان موضوع الحديث عن فيلم ايراني وعن النبي (ص)، الا اننا في مقالنا هذا سنتحدث الى اصحاب العقول الراشدة التي تسمع القول فتتبع احسنه.
هناك عداء فطري بين الوهابية والابداع الانساني وكل ما هو جديد بشكل عام، وهذا العداء يتضاعف الى درجة الهستيريا، لو كان هذا الابداع ايرانيا، عندها لا تسمع في النقد الوهابي الا عبارات الكفر والشرك والارتداد والفرس المجوس والروافض وهدم الدين والى اخر مصطلحات القاموس الوهابي المعروف.
بالامس شنت الوهابية على المخرج السوري مصطفى العقاد وفيلمه “الرسالة” حربا شعواء رغم انهم لم يروا الفيلم اصلا، تحت حجة تبجيل الصحابة وعدم الاساءة اليهم من خلال تجسيدهم في اعمال درامية، وللاسف الشديد وقف الازهر الى جانب الوهابية في تلك الحرب، وبعد ذلك بسنوات يُقتل المخرج العبقري العقاد على يد رجل عراقي امي متخلف يحمل ذات الافكار الوهابية التى طاردت العقاد في حياته، واليوم تشن هذه الحرب مرة اخرى وبشكل اشرس واقسى على المخرج الايراني مجيد مجيدي وعلى فيلمه “محمد (صلى الله عليه وآله)”، حيث اتسعت دائرة هذه الحرب من مجرد حرب ضد مخرج او فيلم الى حرب شعواء ضد المسلمين الشيعة وايران، وهذه الحرب الشعواء كانت متوقعة لمن يعرف الوهابية، فإناء الوهابية لا يمكن الا ان يترشح منه ما يترشح الان، ولكن للاسف كرر الازهر موقفه الداعم للوهابية، دون ان يتعض من موقفه السابق في رائعة مصطفى العقاد، فإذا كان هناك من يبرر للوهابية موقفها من كل ابداع انساني سامي، بسبب تخلفها ومنشأها ورموزها، ولكن من الصعب ان يضع الازهر نفسه في موقف يضعه الى جانب الوهابية، وهو موقف تكرر كثيرا خلال العقود الاخيرة وللاسف الشديد، مما دعا محبي الازهر الشريف في العالم اجمع يتوجسون خيفة من هيمنة الوهابية على الازهر والحياة الدينية في مصر من خلال الدعم السعودي للاحزاب والجماعات السلفية الوهابية.
كما قلنا ان الهجوم الوهابي على فيلم محمد (صلى الله عليه وآله) خرج، كعادته، من نطاق نقد فيلم، الى هجوم طائفي في غاية السفه على الشعب الايراني وعلى المسلمين الشيعة بشكل عام، فهذا كبير الوهابية والمفتي العام في السعودية و رئیس هیئة کبار العلماء فيها، الشیخ عبدالعزیز آل الشیخ، في تصريحات لصحيفة “الحياة” السعودية الصادرة في لندن يصف الفيلم بأنه “فيلم مجوسي وعمل عدو للإسلام.. هؤلاء يصورون شيئاً غير الواقع، فيه استهزاء بالرسول وحط من قدره .. هذا عمل فاجر، ولا دين له، وإنما تشويه الإسلام، وإظهار الإسلام بهذا السوء”.
وأضاف شيخ الوهابية :” أن من أراد تبيان حياة النبي عليه بنشر سنته، وليس بعمل هؤلاء المفسدين ..لأن هؤلاء غير مؤتمنين والكذب عمادهم، وهم غير صادقين في أمورهم”.
هذا كان موقف شيخ الوهابية من فيلم محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا الموقف كاف للكشف عن حقيقة النظرة الوهابية للانسان والحياة والاسلام ونبي الاسلام والمذاهب الاسلامية وللحياة بشكل عام، فالرجل كمشايخه مازال ينكر كروية الارض، لايعترف بالمرأة بانها صنو الرجل ونصف المجتمع، وفي عداء مستمر مع كل شيء جديد حتى لو كان لا يتعارض مع الدين وفي خدمة الانسان، والتاريخ شاهد على فضائح الوهابية المتمثلة بمواقفها من التلغراف والهاتف والمذياع والسيارة، معتبرين كل هذه الاختراعات من البدع، لذلك مازالوا يذبحون الناس بالسيف، فالاعدام بغير السيف بدعة، لذلك من الطبيعي جدا ان يكون موقف الوهابية من السينما ومن الابداع الفني، كما عبر عنه شيخهم عبد العزيز.
المخرج الايراني مجيدي، اكد وفي اكثر من مناسبة انه تعامل مع شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) في الفيلم وفقا لتوجيهات وارشادات كبار العلماء من الشيعة والسنة، وانه لم يكشف عن وجه النبي(صلى الله عليه وآله) في الفيلم مطلقا، وان هدفه الاول والاخير من اخراج هذا الفيلم، الذي يعتبر اكثر الافلام كلفة في تاريخ السينما الايرانية، هو التصدي للهجمة الشرسة التي يتعرض لها النبي (صلى الله عليه وآله)، من جهتين في غاية التعصب والجهل والحقد، وان كانتا في الظاهر متعارضتان، الا انهما اضرتا كثير بالاسلام، وهاتان الجهتان هما الوهابية، وما تخرج من رحمها من الجماعات التكفيرية من القاعدة و “داعش” واخواتهما، والجهة الاخرى هي المجموعات اليمنية المتصهينة في اوروبا والغرب، الذين ما انفكوا يتعرضون بالسوء لشخص النبي (صلى الله عليه وآله) عبر الافلام والرسوم المسيئة.
يقول شيخ الوهابية ان الفيلم يقف وراءه من يحاول تشويه الاسلام، بينما بات العالم اجمع يعرف وفي مقدمتهم المسلمين، ان الغرب والصهيونية لم يستطيعوا ان يسيؤا لنبي الاسلام (صلى الله عليه وآله)، بقدر اساءة الوهابية الظلامية له، فكل الجرائم البشعة والوحشية التي تنفذها العصابات الوهابية في العالم اجمع ترتكب تحت اسم نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) ورايته، حتى تحولت مفردات اسلامية في غاية القدسية، بسبب افاعيل الوهابية الظلامية التكفيرية، الى مرادفات للارهاب والقتل والسادية والوحشية.
ترى هل هناك من فرق بين خطابات “داعش” والقاعدة وكل الجماعات التكفيرية، وبين رد شيخ الوهابية على فيلم المخرج مجيدي؟، نفس خطاب التخلف والكراهية والطائفية، والحقد الاعمى على الاخر وعلى العلم والابداع والحضارة والتاريخ، انه ذات الصوت النشاز القادم من الجهل والظلام، لذلك قلنا في اكثر من مقال ونكررها الان، ان كل ما تفعله “داعش”، هو تطبيق حرفي لما يدور في عقل شيخ الوهابية وامثاله، وهو ما اكدته استطلاعات الراي، التي اشارت الى ان اغلب السعوديين، الذين غسلت الوهابية ادمغتهم، يعتقدون اعتقادا جازما بان ممارسات “داعش”، التي شوهت صورة الاسلام واساءة الى نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله)، هي الاقرب الى الاسلام الحقيقي!!.
يمكن اعتبار فيلم “محمد (صلى الله عليه وآله)” للمخرج الايراني مجيد مجيدي خطوة صغيرة على طريق طويل، لتصحيح صورة الاسلام السمح التي شوهتها الوهابية، حتى وصل الامر باحدهم وهو مقبل الوادعي الى تاليف كتاب اسماه “تحفة المجيب” مطبوع في السعودية، يؤكد فيه وبشكل مستميت ضرورة هدم قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فهو ليس الا صنما!!، كما اعلن الالباني الوهابي وبصراحة في كتابه “الجنائز”، انه لا يصلي ”في الحرم النبوي لوجود القبر فيه” ويطالب باخراجه.
حقد الوهابية على النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي عادة ما يُستبطن تحت حجة الدفاع عن التوحيد الخالص الذي فرخ لنا “داعش”، وصل الى مديات رهيبة، فهي تحرم الاحتفال بمولد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وتحرم زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي ذلك قال بن باز ان كل الاحاديث التي تشير الى ذلك (زيارة النبي) مكذوبة، كما اعتبرت السلام على النبي (صلى الله عليه وآله) شرك وضلالة، والصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد الأذان بدعة، وحرمت السفر لزيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولو للحاج، كما حرم احد كبار مشايخهم هو ابن عثيمين القول ان النبي (صلى الله عليه وآله) اشرف الخلق، ففي كتابه المناهي اللفظية، يصف هذه العبارة بانها من عبارات الصوفية، مستندا بذلك الى الاية “ويخلق ما لا تعلمون” ، فقد يكون هناك من هو اشرف من النبي(صلى الله عليه وآله) حسب اعتقاده، اما محدث الوهابية الالباني ففي كتابه “التوسل وانواعه” حرم حتى مدح النبي (صلى الله عليه وآله) من باب سد الذريعة!!.
هذا بعض جوانب النظرة المشوهة والجاهلية الحاقدة للوهابية، الى اشرف الخلق وسيد الكائنات، ترى هل تركت الوهابية شيئا للصهيونية من اجل النيل من الاسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله)؟، هذا اذا اضفنا اليها التطبيقات العملية لهذا الفكر العبثي المتخلف، التي تقوم بها “داعش” على مرأى ومسمع العالم كله، وتحت راية النبي (صلى الله عليه وآله) واسمه الشريف، حتى وصل الامر بالمسلمين، ان يقوم تاجر يهودي من كندا، بارسال الاموال الى سوريا عبر وسطاء لشراء “سبايا” “داعش” الوهابية، ومن ثم اطلاق سراحهن، في اجراء يعكس مدى التناغم بين ممارسات الوهابية والصهيونية. ان مجرد التفكير بمستقبل الاسلام، في ظل انتشار الفكر الوهابي السعودي في المنطقة والعالم، يثير في النفس الما لا يوصف.
نحن ومن هنا ندعو جميع المخرجين في العالم، من الذين يشعرون خطورة الوهابية الجاهلية على الاسلام والمسلمين، ان يحذوا حذو المخرج مجيدي ومن قبله المخرج مصطفى العقاد مقتول الوهابية، باخراج افلام تخاطب المسلمين وغير المسلمين، وتعكس الجانب الوضاء والانساني لنبي عظيم وصفه ربه بانه “رحمة للعالمين”، وخاطبه بالقول “انك لعلي خلق عظيم”، والا يخشوا من الهجمة الوهابية مهما كانت، فهناك مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتق هؤلاء، لتعرية الوهابية كما تم تعرية الصهيونية، ان تعرية الوهابية هي الاولى، لانها تهدم الاسلام من داخله، وتعرية الوهابية تبدأ في اظهار شخصية نبي الاسلام (صلى الله عليه وآله) بالشكل الذي رباه الله عليه، وهي صورة تتناقض كليا مع الصورة الوهابية المشوهة، كما ادعو جميع القراء الى مشاهدة فيلم “محمد (صلى الله عليه وآله)”، للمخرج مجيدي، كي يتلمسوا قبسا ولو ضعيفا من نور هذه الشخصية العظيمة، التي حاولت الوهابية بفرعيها النظري (مشايخها) و العملي (دواعشها) ان يحجبوها بحقدهم الاسود، لكنهم فشلوا كما فشل من قبلهم كفار قريش وكل الطغاة والمستبدين والمستعمرين والصهاينة.. “يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”.

قناة العالم