يضعنا العصر الحديث بمفرداته الكبيرة، وأهمها حرية التعبير، أمام معضلات أخلاقية كبرى أيضاً. قد يخطر لنا هذا التساؤل بينما وسائل الإعلام تتداول قصة الفتاة الأميركية ميشال كارتر التي دفعت حبيبها “روي” إلى قتل نفسه دفعاً عبر رسائلها النصية التي ظلت تمطره بها حتى قبل وفاته.
الفتاة التي تمر الآن بمحاكمة تثير الجدل، تتلقى دفاعاً شرسا عنها بحجة أن الرسائل النصية مكفولة ومحمية بحرية تعبير ولا يمكن أن تعتبر تحريضاً ولا أن تستخدم ضدها.
حسناً، ربما يكون في هذا الرأي شيء من الصواب إن أخذ بتجرد من دون الملابسات التي حوله، أنت قد ترسل لصديقة مستاءة من خلافاتها العائلية وتقول لها: انتحري احسن لك. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تأخذ الصديقة كلامك حرفيا وتطبقه، ثم تتلقى أنت اللوم.
لكن في حالة هذه الشابة، فقد كانت تعرف أن حبيبها يمر بأزمة نفسية عميقة وأنه يفكر في الانتحار، وعادة ما نحاول مساعدة أحبائنا للخروج من النفق المظلم، لكن ما فعلته هي أنها دفعته إلى قاع النفق.
الرسائل ليست عادية أبداً، بل إنها بشعة. وقد نشرت الصحافة العالمية جزءاً منها. وفي واحد منها يقول لها حبيبها: كيف كان يومك؟ فتجيبه: متى ستنفذ الخطوة؟
أصبحت الفتاة مهووسة بانتحاره، قامت بأبحاث ودلته على أفضل طريقة للانتحار دون ألم باستخدام الغاز (الطريقة التي نفذها فيما بعد). وفي كل مرة كان يتراجع كانت تغضب وتعود لتشجعه على الانتحار.
إذا سلّمنا أن حرية التعبير تشمل أن تدفع الآخرين إلى الجريمة وأن تحرضهم على قتل أنفسهم أو إيذاء غيرهم، خاصة وأنت تعلم أنهم في أشد حالاتهم هشاشة وضعفاً، فهذا يعني قبول الكثير من الممارسات الأخرى في عصرنا الحديث، كأن يروج إرهابي لفكره على يوتيوب ونقول حرية تعبير، أو يمارس علينا الإرهاب بحجة حرية التعبير، أو إهانة الآخرين والتقليل من شأنهم على صفحات التواصل الاجتماعي واعتبار ذلك حرية تعبير.