جعفر الصدر : لا أؤمن بالاسلام السياسي

تاريخ النشر 19/06/2010 04:30

سيف الخياط (ايلاف) : قال النائب عن ائتلاف دولة القانون جعفر الصدر إنه لا يؤمن بأطروحات الاسلام السياسي كفكر الاخوان وحكومة طالبان والى حد ما التجربة الايرانية. وأضاف نجل الزعيم الشيعي الراحل محمد باقر الصدر أنه على رئيس الوزراء القادم في العراق أن يقبل بمشاركة جماعية في صياغة القرار ومساءلة البرلمان والمؤسسات الشرعية له واحترام القانون والعمل مع كافة مكونات المجتمع لبناء شراكة حقيقية ليس فقط لمواجهة مصاعب اليوم بل لتقاسم أمل الغد، مشيرا الى وجود اكثر من مرشح لهذا المنصب كرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي وأياد علاوي وعادل عبد المهدي. وتحدث الصدر في هذا اللقاء عن علاقته بمقتدى الصدر وموسى الصدر وسنوات الدراسة الدينية في إيران قبل أن ينتقل لدراسة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية في بيروت.
وقد اكتشف العراقيون قبل أشهر شخصية سياسية وطنية جديدة هي شخصية جعفر الصدر، نجل المرجع الديني محمد باقر الصدر. حمل اسمه في البدء العديد من مريدي أبيه ومقلدي ابن عمه المرجع محمد محمد صادق الصدر (والد مقتدى)، ثم توسعت الدائرة لتضم شرائح مدنية تجد فيه حلا توافقيا للخروج من أزمة الحكم المستعصية. ومع تزايد دائرة الاهتمام حتى انطلقت أقاويل من جهة من يخشاه تشيع بأنه شاب مستجد، غير مؤهل لتحمل وزر الحكم في بلد مركب كالعراق، وهو قليل الخبرة وأنه لم يكن يوما ناشطا في أحزاب دعوية، وهو بالتالي قد لا يشكل امتدادا سياسيا لأبيه. ثم زادوا بأنه "غير اسلامي" ليخلقوا التباسا كي يظهر من غير الهوية.

أولا، أبدأ من حيث يصوره البعض نقطة ضعفكم : هل لكم أن تخبرونا عن عمركم ؟ ومتى وأين ولدتم ؟ وكم لديكم من أخوة؟
ولادتي كانت في النجف الأشرف سنة 1970 ميلادية، وأنا الابن الوحيد للسيد محمد باقر الصدر مع خمس بنات. ولدي الان ولد وثلاث بنات.
يقال إنه لكم قرابة مع موسى الصدر؟
السيد موسى الصدر خالي وفي الوقت ذاته هو ابن عم والدي ولتجربة الامام موسى الصدر كما يلقب في لبنان وتحركه الجماهيري وانفتاحه وتسامحه صدى كبير في نفسي.
دعونا نعود قليلا للبدايات، أيام الطفولة وسنوات التكوين الأولى في ظل المرحوم الوالد ؟
نعم، أصول عائلة آل الصدر هي مدينة الكاظمية في بغداد. في الحقيقة، هجرة الوالد إلى النجف الأشرف كانت متأخرة لغرض الدراسة في حوزتها العلمية. لذا، ولادتي جاءت في النجف التي عشت فيها مدة قصيرة، بحدود 9 سنوات فقط. بعد السنة التاسعة استشهد السيد وشقيقته بنت الهدى ، أي سنة 1980، لنعود مباشرة إلى الكاظمية التي عشت فيها مدة طويلة نسبيا، قرابة الـ 14 عاماً. فيها أكملت دراستي الابتدائية والثانوية ثم دخلت الجامعة لدراسة القانون .
أي جامعة؟
جامعة بغداد. ولكني عدت بعد ذلك إلى النجف للدراسات الفقهية وأمضيت في حوزتها سنتين حتى اضطررت إلى الخروج من العراق بفعل تزايد مخاطر الوضع الأمني ليس فقط عليّ شخصيا بل وعلى العائلة ككل.
أي سنة غادرتم العراق والى أين ؟
مغادرتي للعراق كانت سنة 1998 م، متوجها سرا إلى مدينة قم بطلب من الشهيد محمد محمد صادق الصدر الذي استشعر بتزايد خطر نظام صدام حسين على العائلة. أيضا أراد مني السيد محمد أن أدير مكتبه في قم وأكون وكيله فيها.
ماذا اكتسبت من محمد الصدر؟
كان أستاذي مثلما كان راعيا ومربيا لي من الناحية العلمية والأخلاقية، هذا إضافة إلى وشائج القربى التي بيننا. وكنا في تسعينات القرن الماضي نؤمن بأن حركته كانت معينا وأملا لنا لإسقاط النظام. عليكم أن تضعوا أنفسكم في ذلك السياق القاسي الذي عاشه العراق في تسعينات القرن الماضي كي تفهموا أهمية وخطورة حركة السيد الشهيد الثاني وما مثلته من قيمة في الوجدان الشعبي في وقت كانت فيه الجماهير تكتوي بنار الاضطهاد والقمع الداخلي من جهة والحصار المدمر الذي فرضه العالم الخارجي على العراقيين من جهة أخرى. نعم كانت هناك منظمات سياسية سرية، غير أن السيد محمد كان قطبا يجمع حوله آلاف البسطاء والمحرومين الذين يشعرون بالتهميش والتغريب. . في الحقيقة، خطورة مشروع السيد محمد كونها متحررة تماما من آليات سيطرة الدولة. جيشها الأساسي هم من العامة وبسطاء الناس الناقمة على دولة البعث. كانت الجماهير يومها تبحث عن رمز يتحدى الإرهاب ويمتلك شرعية القيادة. رغم ثقافته الفقهية العميقة، استطاع السيد محمد أن يجد ليس فقط الكلمات المناسبة للتخاطب مع الجماهير بل وأن يتصدر حركتها. كان يعي تماما ما هو مقدم عليه وجسامة ما يتطلبه ذلك من تضحية.
أين وصلتم في دراستكم الحوزوية ؟
مع انتقالي لقم، كرست حوالى ثماني سنوات أخرى للدراسة في حوزتها حتى وصلت مرحلة ما يسمى (دراسات الخارج) وهي ما تقابل الدراسات العليا، غير أني لم أطلب شهادتها. شعرت، في تلك اللحظة باكتفائي بالدراسات الفقهية.
حول ماذا انصبت الدراسة في الحوزة ؟
ندرس بشكل تقليدي العلوم الدينية النقلية كالفقه والتفسير والادب اضافة للعلوم العقلية كالمنطق ومناهج البحث والفلسفة الاسلامية بمختلف مدارسها وقد انصب اهتمامي بصورة خاصة على اشكالية علاقة الإسلام بالحداثة، وكيف أن الإسلام بنصوصه المقدسة يتعامل مع الحداثة بمعانيها الفكرية والسياسية والاجتماعية.
إذن، بعد 8 سنوات أوقفتم الدراسة الفقهية في الحوزة لتنتقلوا إلى بيروت ...
نعم، فيها درست علم الاجتماع والانثربولوجيا في الجامعة اللبنانية.
عند مغادرتكم إيران إلى بيروت قيل إنكم قد واجهتم مشاكل مع السلطات الإيرانية ؟
في الحقيقة، سبب مغادرتي إيران يعود إلى إنهائي الدراسة في الحوزة. عندها لم يعد من مبرر لبقائي أكثر. كانت رغبتي تتجه نحو الدراسة الأكاديمية التي اشعر أنها تخدمني في تعميق دراستي عن الإسلام والحداثة. في إيران كنت منصرفا للدراسة فقط.
متى رجعتم إلى بغداد ؟
بعد سقوط النظام مباشرة، في 2003. ومنذ ذلك الوقت وأنا أتنقل بينها وبين بيروت لإنهاء الدراسة الأكاديمية.
ومتى قررتم دخول المعترك السياسي ؟
دعوني ادقق بعض المعلومات التي تداول هنا وهناك. لا أظن بوجود بيت عراقي واحد يخلو من آراء ومواقف سياسية، فما بالكم ببيت الصدر ؟ العراقي بالفطرة يأكل ويشرب السياسة التي تعني له (كما تعني لبقية الشعوب) فن وقدرة إدارة الشأن العام. وفي ما يتعلق بي، فأنا لم انفصل أبدا عن المتابعة السياسية واللقاءات اللاشكلية ليس فقط بسياسيين معارضين عراقيين بل والأهم بناشطين من المجتمع المدني. ابتعادي إذن عن أضواء السياسة الاعتبارية والمؤسساتية لا تعني انفصالي عن الناس. حتى الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث قررت، بعد دراسة وتأن طويلين، أن الوقت قد حان أن أساهم أكثر في عملية إعادة البناء، وتحقق ذلك من خلال ترشيحي للانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ولكن لماذا اخترتم بالذات ائتلاف دولة القانون ؟
في الحقيقة لهذا الاختيار (ائتلاف دولة القانون) مجموعة اعتبارات أساسية : منها مشروعها المرحلي الذي يطمح إلى ربط إعادة البناء بالقانون وتقوية مؤسسات الدولة. إن أي قراءة علمية وموضوعية لتاريخ المجتمع العراقي تخلص الى نتيجة بأنه لا يمكن تصور نظام يضمن التعددية ويقبل بالتداول السلمي للسلطة دون تصور دولة قانون تتمتع فيها المؤسسات الدستورية بالسيادة والاستقلال وتكفل للمواطنين الحريات المختلفة بعيدا عن المحاصصات والطائفية. وشعرت للحظة ما أن ائتلاف دولة القانون قد يكون أقرب الممكنات لهذه التصورات من غيرها. أنا لا أقول إنه يمثلها بالكامل ولكن كان وقتها الأقرب إلينا.
هل أنت عضوٌ في أي حزب سياسي، مثلا حزب الدعوة الإسلامية ؟
كلا لست عضواً في أي حزب سياسي.
لماذا هذا الابتعاد ووالدكم هو الذي أسسه ؟ وهل هذا يعني انكم تختلفون مع أفكار محمد باقر الصدر (الصدر الأول) ؟
سبق وان واجهت مرات هذا السؤال. دعوني أجيبكم، هنا أيضا، وبصراحة مطلقة : حسب قناعتي وتجربتي الشخصية ودراساتي الدينية أيضا، لا أؤمن بأطروحة الإسلام السياسي كما تطرح من بعض المنظرين لذلك، كفكر الاخوان وحكومة طالبان والى حد ما التجربة الايرانية وهي تتناول الموضوع من خلال الاطار الفقهي الشكلي. وانما اؤمن ان الدين الذي هو موجه اساسي ومكون اصيل في ثقافتنا قد عالج المسائل المجتمعية المختلفة مراعيا روح التغيير والتطور ولذا لم يقدم صيغا شكلية محددة يمكن ان تصاب بالجمود والابتعاد عن سياق التطور والتغير الطبيعي بل ان مقاربة الدين وخاصة الاسلام كانت في اطار المبادئ والقيم والمعاني السامية التي تؤكد ضرورة وجودها في هذه المجالات سواء كان الامر يتعلق بتنظيم الاسرة او الدولة او عمل المؤسسات الاقتصادية او غيرها. ففي مجال الدولة عنى الاسلام باعطاء الامانة الى الامة لتدير شؤونها بنفسها من دون ولاية لاحد عليها ودعا الى مبادئ العدل وتحقيق العدالة والاستقامة وعدم الظلم والتي متى تحققت كان حكما مرضيا في الاسلام مهما كان شكله التنظيمي فالدين همه الجوهر لا الشكل ولذا فان اشكالية الفصل كما تطرح على القراءة المتعارفة لا تتوجه الى ما ذكرته ومن يراجع كراس خلافة الانسان وشهادة الانبياء الذي كتبه السيد الوالد اواخر حياته يجد الكثير مما اقوله وادعيه وانا اعتقد ان السيد الشهيد كان ذا فكر علمي ونقدي وقادر على تجاوز نفسه ولذا نراه يمر من فترة التنظير للشورى وهي الفترة التي شهدت تأسيس الحزب الى تبني ولاية الفقيه التي اهتم فيها بالمرجعية الرشيدة الى طرحه لخلافة الانسان والتي افهمها بما ذكرت سابقا ودعا في بياناته الاخيرة الى الانتخابات وتحكيم ارادة الامة وتحقيق دولة العدل والمساواة. هكذا اقرأ فكر السيد الشهيد بنفس وروح اليوم وكما هو منهجه وعلى فرض ان قراءتي خاطئة واني مختلف فما الضير في ذلك فهل توقف العقل والابداع يوما !
أنتم قضيتم ثماني سنوات في إيران حيث السياسة والدين لصيقتان بل متداخلتان، لكنكم خرجتم منها بأفكار مختلفة ؟
نعم، تجربة العيش في إيران كانت عاملا مساعدا للتحرر من عدد من التصورات والأفكار التي كانت اقرب منها للإيديولوجية من التصور الموضوعي لحركة المجتمع وتناقضاته.

هل تعتقدون ان الثورة الإيرانية ارتكبت أخطاء؟
في كل تجربة بشرية على ارض الواقع يكون فيها الكثير من الأخطاء كما فيها العديد من الايجابيات، المهم هو عدم الإصرار على الخطأ. وهنا بالذات يكمن اشتباه بعض المسؤولين الإيرانيين الذين يغضون النظر عن الواقع.
وما هو الواقع ؟
الواقع حسب فهمي هو أن الحالة البشرية في تطور مستمر، والمفاهيم الإنسانية في حالة تغيير ولا يمكن الجمود عند مفاهيم ونظريات أصبحت في عهدة التاريخ. يجب القبول بمكتسبات الإنسان الحاضر من الديمقراطية، والتعددية، وحرية الفرد، والمساواة بين جميع البشر. إذا حاولت أن تصادر هذه المكتسبات بالعنف فسوف تكون خارج الواقع ومعيقا للتاريخ. ولكن بالمقابل علينا أن نتحاشى الصور الكاريكاتورية التي تلقى على المجتمع الإيراني. فهناك في إيران مجتمع مدني متحرك، وأفكار نقدية تتداول وتتنقل بسرعة كبيرة، ومنتديات في الداخل والخارج. لا يمكن لأحد أن يتجاهل وزن النخبة الإيرانية المثقفة إن كان داخل البلد أو خارجه وهناك المئات من الباحثين والمفكرين الإيرانيين ليس فقط داخل بلدهم بل نراهم متألقين في أهم الجامعات والمراكز البحثية الدولية ويقدمون اطروحات مهمة واصيلة في مواضيع الحداثة والدين والمجتمع والعلاقة بينهم
انتم قلتم إنكم لا تؤمن بالأحزاب التي تستخدم الدين لأغراض سياسية. ولكن حزب الدعوة الذي يشكل الجزء الأهم من ائتلاف دولة القانون هو حزب إسلامي ؟ والمالكي هو رئيس حزب الدعوة الذي حصل على أكثر الأصوات ضمن قائمة دولة القانون. هل تستطيعون أن تقولوا بأنكم أكثر ليبرالية من مرشحي حزب الدعوة ؟
دون شك قائمة دولة القانون تضم العديد من أعضاء حزب الدعوة ولكن إذا رجعتم إلى شعارات الائتلاف (دولة القانون) وبرنامجها الانتخابي فلن تجدوا إلا سقاطات الإيديولوجية للحزب على اللائحة الانتخابية، بل تجدون مبادئ أولية لمشروع وطني متحرر من الأطر المذهبية والعرقية، وهذا الشيء الذي كان جذاباً ليس فقط بالنسبة لي بل وللكثيرين من العراقيين.
وهذه الشعارات التي رفعت هل تعتقدون ان رئيس الوزراء نوري المالكي كان يؤمن بها ؟
من الممكن أن يُسأل عنها السيد المالكي، لكن من المؤكد ان هناك نوعا من التسليم أو الإذعان لدى كافة الحركات الإسلامية في العراق بأن الشعارات الدينية والمذهبية الضيقة باتت غير مستحبة. وهذا ما دفع بهم جميعا لطرح شعارات وطنية جامعة وان كانت هذه الشعارات تحمل في داخلها معتقدات إسلامية.
هل حاولت بعض القوائم والائتلافات الأخرى الطلب منكم الالتحاق بها؟
نعم كانت هناك العديد من الدعوات، خاصة من التيار الصدري، باعتبار العلاقة التاريخية مع الأسرة وأيضاً لكوني أحد طلبة السيد الشهيد محمد الصدر. لكنني شعرت في تلك اللحظة بأن التيار الصدري لم يطرح بعد مشروعاً متكاملا، خاصة في ما يتعلق بنبذ العنف وحصره بمؤسسات الدولة الشرعية ووفق ضوابط دستورية صارمة. ولكن ألاحظ اليوم أن التيار يسير بشكل جدي نحو الانتقال من الحالة الأولى إلى حالة تقر بأولوية العملية السياسية والقبول بها، وهذا شيء ايجابي جدا ويجب تشجيعه. التيار الصدري يمثل شريحة واسعة من المجتمع العراقي ويصبح من الجنون إقصاؤه لأغراض سياسية ضيقة، مثلما على التيار أن يكون إحدى القنوات الشرعية لإدخال هذه الجماهير الشعبية العريضة التي تؤمن به في العملية السياسية والدستورية للبلد.
ما هي علاقتكم بمقتدى الصدر ؟
السيد مقتدى، من حيث القرابة، هو ابن عم لي وهناك علاقة عائلية كونه زوج أختي. الى جانب انه صديق لي وكنا زملاء في بعض حلقات الدرس في النجف وإلى جانب هذه الاعتبارات الطبيعية، أكن له الكثير من الاحترام لمواقفه الوطنية الشجاعة، خاصة في ما يتعلق بالوجود الأجنبي وأيضاً مواقفه الداعية إلى الانفتاح على المكونات الأخرى. ولكن، هذا لا يعني عدم وجود اجتهادات بل واختلاف في وجهات النظر حول الكثير من القضايا، كطريقة التعامل مع الوجود الأجنبي في العراق، إيماني منذ البداية بالعملية السياسية وضرورة حل الخلافات بشكل سياسي، وغيرها.
لقد قلتم طريقة التعامل مع الوجود الأجنبي خطأ، ما هو الخطأ في هذا التعامل ؟ دعوني اسأل بطريقة أخرى، فهل اعتماد المقاومة العسكرية خطاً ؟
المقاومة حق طبيعي لكل شعب يرفض الوجود الأجنبي على أرضه وهذا الحق مكفول دولياً وقانونياً وأيضاً شرعياً. أما طريقة رفض هذا الوجود، ولحظة اتخاذ قرار المقاومة فيجب ان تدرس من جميع جوانبها. ولهذا يجب أن يكون خيار المقاومة العسكرية هو الحل الأخير. وباعتقادي الشخصي، فان الخيار العسكري المباشر لم يكن موفقاً لأن الظروف لم تكن مهيئة.

هل كنت غاضبا لأنكم لم تلتحقوا بقائمته ؟
كلا، العلاقة بيننا أكثر طبيعية مما تتصورون، وانا شرحت له وجهت نظري وتقبلها بروح رياضية.
وماذا عن علاقتكم برئيس الوزراء نوري المالكي؟
دون شك علاقتي الشخصية بالسيد المالكي جيدة وهو يعرف ذلك. ويعرف أيضا أني ارتبطت بائتلاف دولة القانون بمقدار التزامه بالشعارات التي طرحها أمام العراقيين. السياسة لا تقوم على أساس ارتباطات وولاءات شخصية بل على برامج ذات أهداف مرحلية ومستقبلية. وعلى ضوء كل هذه المعطيات يقرر المرء أن يكون في هذا المكان أو ذاك.
انتم قلتم إنكم لا تؤمنون كثيراً بالإسلام السياسي بالمعنى المتعارف ترى ما هو رأيك بالعلمانية ؟ هل تعتقدون بأنه يجب أن يكون للعراق نظاماً علمانياً ؟
يواجه مصطلح العلمانية في مجتمعاتنا مأزقا ومشاكل تاريخية وتراثية بل وحتى نفسية ثقيلة. لذلك أفضل في خطابي أن استخدم مصطلح (المدني) او الدولة المدنية وهي الصيغة الأقرب إلى النموذج البريطاني والألماني في التعاطي بين الدولة والمعتقد وهو ما شرحته لكم سابقا
هل تعتقدون أن على الشخص الأعلى في الدولة العراقية أن يكون متديناً ؟
متدين او غير متدين هذا شأن شخصي ويتبعه علاقته مع الله عز وجل. في المقابل أساند دولة تحترم تراث وتقاليد ومعتقدات الناس. ولكني أعارض كل سياسي يدعي بأنه يستمد شرعية حكمه من الله أو انه يحكم بأمر من الله، إنما يستمد شرعيته من الشعب.
ماذا تعتقدون المشكلة الكبرى في العراق ؟
المشاكل كبيرة وكثيرة ولكن المهم هو الجانب المأسوي للخدمات، الفساد المستشري على كل المستويات وحتى في القطاعات الأمنية ، غياب الكفاءة الحقيقية في إدارة مؤسسات الدولة، المحاصصة التي تعني للأحزاب الاقتطاع، عدم الكفاءة وتراجع الواقع الخدمي والاقتصادي والتعليمي. الفقر الشديد الذي يضرب أكثر من ربع سكان العراق، البطالة التي تلتهم الشباب العراقي، سوء توزيع الخيرات التي خلقت مظالم كثيرة. اضافة الى المشاكل السياسية كعدم الثقة بين الفرقاء وعدم اكتمال المصالحة الوطنية، وتسييس مؤسسات الدولة وغير ذلك.
وما رأيكم بمسألة اجتثاث البعث وهذا الاندفاع القوي نحوه ؟
اعتقد أن أي إقصاء لأي مكون أو عنوان أو فكرة او جماعة بقول مطلق هو أمر غير قانوني ويخالف الديمقراطية. يجب حل هذه المسألة من خلال القضاء، كونها المؤسسة الدستورية المخولة محاسبة المجرمين أو المذنبين ومحاكمتهم إن ثبت ذلك. أما أن توضع وتفعل هيئة مسيسة للقيام بهذا الدور الاقصائي فهو أمر غير صحيح.
أنتم من بين القلائل في عراق اليوم لديه علاقات طيبة مع مقتدى الصدر ومع رئيس الوزراء نوري المالكي، وتتبادلون الاحترام المتبادل مع عمار الحكيم ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي. ولكم صلات متميزة برئيس الجمهورية جلال الطلباني، وفي الوقت ذاته، التقيتم مرات رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي وفوق هذا وذاك تكنون احتراما شديدا لعلي السيستاني. والعديد بدأ يلمس لديكم فهما ووضوحا سياسيين لعراق الغد، هذا دون أن نذكر مقام العائلة المبجلة بين العراقيين وذكرى والدكم رحمه الله. كل ذلك يشكل منكم مرشحاً مثاليا لمنصب رئيس وزراء توافقي للعراق. ماذا تقولون ؟
انا دخلت الانتخابات عضوا في قائمة ائتلاف دولة القانون الذي اضحى مكونا في التحالف الوطني ومرشح دولة القانون هو السيد المالكي ولم ارشح نفسي لهذا المنصب وانا احترم واثمن من طرح اسمي ثقة بي او تفاعلا مع برنامجي ولكن المهم بالنسبة لي ليس المنصب بذاته بل خدمة الوطن والشعب. على المسؤول القادم، أيا كان أن يضع نصب عينيه مهمة مكافحة الفقر أولا، توفير الخدمات الأساسية للشعب والتصدي للفساد، بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطنين، تقوية الوضع الأمني، تحريك الآلة الاقتصادية، الخ. حول كل ذلك وغيره أحمل تصورا سأعمل على تحقيقه أينما كنت، نائباً في البرلمان أو في أي منصب آخر. ليست لديّ طموحات شخصية، بل رغبة حقيقية في خدمة بلدي، أما بقية الأمور فهي تفصيلات.
ماذا تعتقدون عن فرص المرشحين لرئاسة الوزراء ؟
الجميع يدرك أن العراق يواجه مشاكل كبيرة. ولكنه، ولحسن الحظ، يملك عددا مهما من الشخصيات السياسية المرموقة ذات الكفاءة العالية والقادرة على تولي منصب رئيس الوزراء. منهم السيد نوري المالكي، أو رئيس القائمة العراقية الدكتور اياد علاوي والدكتور عادل عبد المهدي، وقد يظهر شخص آخر في الساحة من خارج هذه الأسماء. ولكن على المسؤول القادم أن يقبل بمشاركة جماعية في صياغة القرار ومساءلة البرلمان والمؤسسات الشرعية له واحترام القانون والعمل مع كافة مكونات المجتمع لبناء شراكة حقيقية ليس فقط لمواجهة مصاعب اليوم بل ولتقاسم أمل الغد. لا اعتقد أن العراقيين سيقبلون بعد تجربتهم التاريخية المريرة بالمسار الانفرادي في الحكم، أو حكم البلد من خلال حزب واحد ذي انتماءات لا تقر أولا وحقا بالمواطنة.
ماذا تفضل في المستقبل ان تكون علاقة العراق الخارجية ؟
يجب إقامة علاقات متوازنة مع الجميع، تقوم على أساس احترام سيادة واستقلال الطرفين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ورعاية المصالح المشتركة. باختصار، عمق العلاقة مع أي طرف سوف تحدده هذه الثوابت. طبعا العراق بعمقه العربي وتاريخه يتطلب الحرص على اقامة علاقات متميزة مع جيرانه العرب كالشقيقة سوريا والعربية السعودية ومصر لانني اعتقد ان عمق العراق هو عالمه العربي وتكامله لا يتم الا مع دوله من اجل بناء منظومة اقليمية تبدأ بالعرب ولتتكامل مع الدول الاخرى كايران وتركيا حتى تأخذ المنطقة دورها الحضاري في عالم اليوم.
والعلاقة مع الولايات المتحدة ؟
سنكون بعد انسحاب القوات الاميركية حريصين على اقامة علاقات مميزة مع الولايات المتحدة إن كان في المجالات الاقتصادية او العلمية اوالثقافية. لا أحد يستطيع أن يتجاهل قدرة وأهمية الولايات المتحدة في عالم اليوم. وهي (الولايات المتحدة) عليها التزام اخلاقي لتعويض الشعب العراقي على ما عاناه بسبب بفعل الاحتلال ومآسي الحروب ومظالمه وذلك بالحرص على نجاح التجربة الديمقراطية والعمل على الارتقاء بالواقع الخدمي والعلمي والثقافي وحتى الامني للعراق.
هل هذا يشمل بقاء بعض القوات الأميركية لمساعدة العراقيين في المستقبل؟
الاتفاقية الأمنية كانت واضحة في هذا الجانب. هناك جدول زمني التزم به الطرفان وضمن انسحاب مسؤول للقوات، هذا الموضوع اعتقد أصبح منتهياً ولكن هذا لا يمنع بناء علاقة متينة مع الولايات المتحدة، في المجالات التي أشرت إليها أعلاه.
هل تؤيدون الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة ؟
الاتفاقية الأمنية تلك كانت الطريق السليم والقانوني لتنظيم العلاقة بين دولة العراق والوجود الأميركي واعتقد أنها كانت، من هذه الناحية، إيجابية.
هل أيدتم الحرب الأميركية على العراق عام 2003؟
لا، لا أظن أن هناك احدا يؤيد غزو بلاده. اعتقد انه كان سلوكاً خاطئاً والحياة قد أجابت على هذا السؤال. الجميع يتفق على أن العراق كان يعاني دكتاتورية بغيضة والشعب كان الضحية الأولى. وكما قلت سابقاً لا يمكن للعنف أن يكون حلاً وحيدا للأزمات. من الممكن تصور أشكال أخرى لمساعدة العراقيين أكثر فائدة، ليس فقط عليهم بل على أميركا أيضا وسمعتها في المنطقة والعالم.
البعض يقول لولا أميركا لما كان بالإمكان إسقاط نظام صدام؟
لقد حاول الشعب العراقي مرات القيام بثورات وانتفاضات ضد نظام صدام حسين ولم يفلح. كان العراقيون بحاجة إلى مساعدة وتفهم من لدن الشعوب المحبة للحرية والمعادية للظلم في العالم ولم يكن بحاجة لغزو واحتلال. ما هو مهم اليوم للشعب العراقي هو كيفية الخروج من الأزمة وبناء مستقبله.
كيف ترون التحالف الوطني الجديد؟
انا اؤيد كل ما من شأنه تقريب وجهات النظر والعمل على خدمة هذا الشعب المظلوم وتسريع العمل بواجباتنا تجاهه واي تقارب بين القوائم هو أمر ايجابي وخطوة على الطريق الصحيح ولعله يكون بداية خير للانفتاح على كل القوائم والتنسيق معها ولكن احذر من ان يكون هذا التحالف شكليا او لا يصل الى الهدف المنشود او ان يوجه ضد احد. عند ذاك نكون بالاتجاه الخاطئ.
واين موقعكم فيه؟
طبعا لم استشر في موضوع الاندماج وهذا واحد من المؤاخذات التي نسجلها على سير ادارة عمل ائتلاف دولة القانون وآلية صنع القرار فيه التي يغلب عليها الحالة الاقصائية للمكونات المشتركة في الائتلاف والشخصيات المستقلة فيها ويتم صنع القرار من خلال افراد معدودين وعدم استيعاب الاختلاف او وجهات النظر المختلفة وكان الله عز وجل خلق الناس على شاكلة واحدة فاما ان تكون معي او انت ضدي وهذا المنحى هو الطاغي مع الاسف الشديد في كل مؤسساتنا الاجتماعية بدءا بالأسرة والى الدولة. وعلى كل حال فانا اعتقد ان وضع المكونات المختلفة داخل التحالف الوطني سوف يعاد تشكيلها وقد تحصل بعض الاصطفافات الجديدة اما عن وضعي فانا اعتبر نفسي نائبا مستقلا منتخبا من قبل الشعب واحمل مسؤولية وامانة لهذا الشعب على طول بلدي الحبيب العراق كما كنت ضمن دولة القانون او في داخل التحالف الوطني الجديد بعد الاندماج