يتناول هذا الملف موضوعا هاما وشيقا ويشغل شريحة كبيرة من الناس هو موضوع الكولسترول وعلاقته مع تصلب الشرايين وامراض القلب. وتنبع اهمية ارتفاع كولسترول الدم من كونه احد اهم عوامل الخطورة للاصابة بالتصلب الشرياني والداء القلبي الاكليلي اضافة لامكانية السيطرة عليه من خلال الحمية الغذائية وتغيير نمط الحياة والمعالجة الدوائية احيانا.
وقد حاولنا التبسيط قدر الامكان دون الاخلال بدقة المعلومات واعتمدنا في ذلك على احدث المراجع العلمية والتوصيات الحديثة للجمعية الامريكية لامراض
نرجو في النهاية ان نكون قد وفقنا في معالجة هذا الموضوع وتبسيطه قدر الامكان، وحققنا الهدف الذي نطمح اليه.
اصبحت كلمة
الكولسترول من الكلمات الشائعة والمتداولة جدا على السنة الناس، بل اصبحت الشغل الشاغل لهم فكثيرا ما تتردد على اسماعنا في البيت او العمل او الشارع عبارة (عندي كولسترول)، وقد يتساءل البعض:
لماذا كل هذه الضجة عن الكولسترول وما هي الخطورة الناجمة عنه وكيف اتخلص منه؟
لنتامل قليلا في الاحصائيات التالية ولنقرر بانفسنا مدى خطورة الكولسترول على صحة الانسان. تقدر الاحصائيات الامريكية ان هناك حوالي 61 مليون شخص في امريكا مصاب بشكل من اشكال المرض القلبي الوعائي (الذبحة الصدرية، احتشاء العضلة القلبية، التصلب الشرياني) وان هذه الامراض ادت الى وفاة حوالي 945 الف شخص عام 2000 وهو ما يعادل حوالي 40% من كل الوفيات (علما بان السرطانات كانت مسؤولة عن وفاة حوالي 553 الف شخص عام 2000 وادت الحوادث في نفس العام لوفاة حوالي 98 الف شخص اما الايدز فكان مسؤولا عن وفاة 14500 شخص).
ينجم المرض القلبي الوعائي عن تصلب الشرايين الاكليلية (تسمك وصلابة الشرايين الاكليلية (Coronary arteries) المسؤولة عن تروية العضلة القلبية)، ويعتبر الداء القلبي الاكليلي السبب الرئيس للوفيات في امريكا اليوم (سبب حوالي 515 الف وفاة عام 2000).
قد يتساءل البعض ما علاقة كل هذه الارقام والامراض مع الكولسترول؟
لكن الاستغراب لن يطول كثيرا عندما نعرف ان ارتفاع كولسترول الدم احد اهم عوامل الخطورة المؤدية للاصابة بتصلب الشرايين وداء القلب الاكليلي، وهو من العوامل التي يمكن تغييرها والسيطرة عليها وبالتالي انقاص حدوث هذه الامراض القلبية والوفيات الناجمة عنها.
وسوف يساعدك الملف التالي على فهم الكولسترول وفهم الاسباب التي تدعوك للاهتمام به، وكيف يمكن انقاص مستواه في الدم والمحافظة على اجسامنا سليمة معافاة.
الكولسترول مادة توجد بشكل طبيعي في الجسم حيث تستخدم في بناء اغشية الخلايا وانتاج بعض الهرمونات الجنسية ويتم انتاج الكولسترول في الكبد وينقل الى الدم محمولا مع بروتينات شحمية خاصة.
هناك نوعان رئيسيان من الكولسترول حسب البروتين الشحمي له وهما كولسترول LDL وكولسترول HDL. يدعى كولسترول HDL بالكولسترول الجيد او الحميد لانه يقوم بالتقاط الكولسترول من جدران الشرايين ويعيدها للكبد فهو بذلك يقي من تصلب الشرايين والداء القلبي الاكليلي والنوبات القلبية، اما كولسترول LDL فيدعى الكولسترول السيئ لانه يترافق مع تصلب الشرايين، حيث يقوم البروتين الشحمي LDL الحامل للكولسترول بترسيب الكولسترول على جدران الشرايين مؤديا مع الوقت لصلابة هذه الشرايين وتضيقها وخاصة الشرايين الاكليلية المغذية للعضلة القلبية، وقد يسبب النوبات القلبية والداء القلبي الاكليلي.
يعتبر الداء القلبي الاكليلي اكثر اسباب الوفيات شيوعا في امريكا (حوالي 515 الف وفاة سنويا). وهناك مجموعة من عوامل الخطورة التي تزيد احتمال الاصابة بالداء القلبي الاكليلي اهمها التدخين، داء السكري، ارتفاع ضغط الدم، البدانة، نقص النشاط الفيزيائي (الكسل والخمول) اضافة الى التقدم بالعمر، التاريخ العائلي وارتفاع كولسترول الدم (ارتفاع كولسترول LDL مع نقص كولسترول HDL).
يجب فحص كولسترول الدم كل 5 سنوات بعد عمر العشرين، وتعتمد توصيات المعالجة للكولسترول المرتفع على مستوى الكولسترول الاجمالي وكولسترول LDL وكولسترول HDL ووجود عوامل خطورة اخرى للمرض القلبي الاكليلي.
يعتمد تدبير ارتفاع كولسترول الدم على الحمية الغذائية وتغيير نمط الحياة وفي حال فشلهما يمكن اضافة المعالجة الدوائية تحت اشراف طبي.
يجب ان يكون الطعام فقيرا بالكولسترول والدهون المشبعة، ويشمل الغذاء الغني بالكولسترول اللحوم خاصة اللحوم العضوية (
الكبد - النخاعات - المخ - الكلاوي - القلب…) اضافة الى الحليب ومشتقاته (
الزبدة - القشدة)،
السمن الحيواني وصفار البيض. اما الغذاء الغني بالشحوم غير المشبعة مثل بعض الزيوت النباتية
(زيت الذرة - زيت الزيتون - زيت دوار الشمس) فيمكن ان يقلل من كولسترول الدم.
تشمل وسائل تغيير نمط الحياة انقاص الوزن، التوقف عن التدخين، الامتناع عن شرب الكحول وممارسة الرياضة بشكل منتظم.
اما بالنسبة للمعالجة الدوائية فلا يجوز استخدامها الا تحت اشراف طبي، لان الطبيب وحده الذي يقرر نوع المعالجة ومدتها وجرعتها خاصة ان هناك عدة مجموعات دوائية يمكن ان تخفض كولسترول الدم. ويعتمد اختيار دواء معين على عوامل عديدة اهمها مستوى الكولسترول LDL والكولسترول HDL والشحوم الثلاثية اضافة الى عمر المريض ووجود عوامل خطورة اخرى.
ان استخدام الدواء ليس امرا حتميا في علاج ارتفاع كولسترول الدم حيث يكفي في كثير من الحالات الالتزام بالحمية الغذائية وممارسة الرياضة بشكل منتظم اضافة الى التوقف عن التدخين وشرب الكحول وانقاص الوزن الزائد.
ما هو الكولسترول وما هي انواعه ؟
الكولسترول مادة شحمية لا تذوب في الماء ضرورية لعمل الجسم بصورة سليمة، وهو يوجد في الدماغ، الاعصاب، الكبد، الدم والعصارة الصفراوية ويستخدم الكولسترول في الجسم من اجل:
1. بناء اغشية الخلايا.
2. انتاج الهرمونات الجنسية.
من اين ياتي الكولسترول؟
ياتي الكولسترول من طريقين رئيسيين هما:
1. الكبد:
حيث يقوم الكبد بانتاج 80% من كولسترول الدم.
الكبد هو المكان الرئيسي لانتاج الكولسترول
2. الوارد الغذائي:
حيث ياتي 20% من كولسترول الدم من مصادر غذائية اهمها اللحوم، الدجاج، السمك، البيض، الزبدة، الجبنة والحليب الكامل، في حين لا يحوي الطعام النباتي (الفواكه – الخضار – الحبوب) على الكولسترول.
يتم بعد تناول الطعام امتصاص الكولسترول من الامعاء الى الدوران الدموي حيث يوضع ضمن محفظة بروتينية، ويدعى الكولسترول مع محفظته البروتينية بالدقائق الكيلوسية او الكيلومكرون (Chylomicron)، ويقوم الكبد بعد الوجبة بازالة الدقائق الكيلوسية من الدوران الدموي اما بين الوجبات فيقوم الكبد بانتاج وافراز الكولسترول مرة ثانية الى الدوران الدموي.
شكل يبين انتاج الكولسترول في الجسم.
ما هي انواع الكولسترول؟
ان الكولسترول مثل الزيت لا ينحل في الدم الا اذا ارتبط مع بروتينات خاصة ندعوها البروتينات الشحمية (Lipoproteins). وهذه البروتينات تقوم بنقل الكولسترول من والى الخلايا، وهناك ثلاثة انواع من البروتينات الشحمية هي:
(1) البروتين الشحمي منخفض الكثافة جدا (Very low density lipoprotein - VLDL).
(2) البروتين الشحمي منخفض الكثافة (Low density Lipoprotein - LDL).
(3) البروتين الشحمي عالي الكثافة (High density lipoprotein - HDL).
يرتبط الكولسترول الذي يفرز من الكبد مع VLDL او مع HDL ويتم استقلاب (تحويل) VLDL الى LDL بسرعة في الدوران. يدعى الكولسترول الذي يرتبط مع LDL الـكولسترول LDL (او الكولسترول الضار او السيئ - bad cholesterol)، اما الكولسترول الذي يرتبط مع HDL فيدعى الكولسترول HDL (او الكولسترول الجيد او المفيد - good).
تصنيف البروتينات الشحمية.
كيف يسبب كولسترول LDL مرض القلب؟
يدعى كولسترول LDL بالكولسترول السيئ لان ارتفاعه يترافق مع زيادة خطر حدوث مرض القلب الاكليلي (التاجي) (Coronary artery disease)، حيث يقوم البروتين الشحمي LDL الحامل للكولسترول بترسيب الكولسترول على جدران الشريان مسببا تشكل مادة سميكة قاسية تدعى لويحة الكولسترول، ومع الوقت تسبب هذه اللويحة تسمكا في جدران الشريان وتضيقا في اللمعة وتدعى هذه العملية بالتصلب العصيدي (atherosclerosis) او تصلب الشرايين.
يمكن تشبيه هذه العملية بترسب الكلس والاملاح الاخرى داخل مواسير المياه التي تنقل المياه المالحة حيث يؤدي ذلك مع الزمن الى تضيق هذه المواسير وقد تنسد كليا.
تدعى الشرايين التي تنقل الدم والاكسجين الى العضلة القلبية بالشرايين الاكليلية، وعندما تتضيق هذه الشرايين بسبب التصلب العصيدي (تصلب الشرايين) فانها تصبح غير قادرة على تزويد العضلة القلبية بكفايتها من الدم والاكسجين اثناء الجهد، ويؤدي نقص الاكسجين (نقص التروية) عن القلب الى حدوث الم صدري شديد (الذبحة الصدرية - Angina)، كذلك يمكن ان تتشكل خثرة دموية في احد الشرايين الاكليلية وتؤدي الى انسداد تام في الشريان وبالتالي موت العضلة القلبية او جزء منها (احتشاء العضلة القلبية او النوبة القلبية).
وكما ذكرنا في المقدمة فان تصلب الشرايين الاكليلية (داء القلب الاكليلي) هو اكثر الاسباب شيوعا للوفاة في الولايات المتحدة ويسبب حوالي 500 الف وفاة سنويا.
التصلب العصيدي: يؤدي ارتفاع الكولسترول في الدم الى ترسب الكولسترول الزائد في جدار الشرايين وبالتالي يسبب تضيقها وينقص الجريان الدموي.
لماذا يدعى كولسترول HDL بالكولسترول الجيد؟
يدعى كولسترول HDL بالكولسترول الجيد او الحميد لانه يقي من حدوث تصلب الشرايين الاكليلية حيث تقوم جزيئات HDL بالتقاط الكولسترول من الدم وجدران الشريان بعد ان تاخذ الخلايا حاجتها منه وتعود به للكبد، وهناك يمكن ان يطرح من الجسم عن طريق الصفراء او يدخل مرة اخرى في تركيب كولسترول LDL. ويشكل كولسترول HDL حوالي ربع الى ثلث الكولسترول الجائل في الدم ويبلغ مستواه الطبيعي عند الرجال 40-50 ملغ/دل، اما عند النساء فيبلغ مستواه الطبيعي حوالي 50-60 ملغ/دل. وتعتبر مستويات كولسترول HDL دون 40 ملغ/دل مستويات منخفضة وتزيد خطر حدوث الداء القلبي.
يقوم كولسترول HDL بالتقاط الكولسترول من الدم وجدران الشريان وبالتالي يعمل على الوقاية من تصلب الشرايين الاكليلية.
ما الذي يحدد كولسترول HDL في الدم؟
ان الكبد لا يقوم فقط بانتاج الكولسترول LDL وافرازه للدم لكنه يقوم ايضا بازالة جزيئات كولسترول LDL من الدم. وحتى يقوم الكبد بهذه المهمة (ازالة جزيئات كولسترول LDL) فانه يعتمد على بروتينات خاصة تدعى مستقبلات LDL موجودة في الحالة الطبيعية على سطوح الخلايا الكبدية. ان العدد المرتفع من مستقبلات LDL الفعالة على سطوح الخلايا الكبدية يترافق مع ازالة سريعة للكولسترول LDL من الدم وبالتالي انخفاض مستويات كولسترول LDL، ويترافق عوز او نقص عدد هذه المستقبلات مع ارتفاع كولسترول LDL في الدم وبالتالي زيادة خطر المرض القلبي الاكليلي.
ان كلا من الوراثة والنمط الغذائي لهما تاثير هام على مستويات الكولسترول الاجمالي ومستوى كولسترول LDL وكولسترول HDL. على سبيل المثال يعتبر فرط كولسترول الدم العائلي اضطرابا وراثيا شائعا يحدث فيه عند المصابين نقص (او غياب) في عدد مستقبلات LDL على سطح الخلايا الكبدية. ويؤدي ذلك الى تحدد قدرة الكبد على ازالة كولسترول LDL من الدم، وبالتالي يحدث عند افراد العائلة المصابين ارتفاع غير طبيعي في مستويات كولسترول LDL في الدم ويكونون مؤهبين لحدوث نوبات قلبية في عمر باكر.
كذلك فان الغذاء الغني بالدهون المشبعة والكولسترول ينقص فعالية مستقبلات LDL في الكبد وبالتالي يؤدي لارتفاع مستويات كولسترول LDL في الدم.
نصائح للتعايش مع الكولسترول واساليب مواجهته :
يوصى باجراء فحص لشحوم الدم (الكولسترول الكلي، الكولسترول LDL، الكولسترول HDL والشحوم الثلاثية) عند كل بالغ فوق عمر 20عاما، ويكرر الفحص كل 5 سنوات اذا كان كولسترول LDL دون 130 ملغ/دل، وكل 1-3 سنوات اذا كانت مستويات كولسترول LDL حدية (130-160 ملغ/دل)، وهذا الامر ذو اهمية خاصة عند المرضى الذين لديهم قصة داء قلبي اكليلي.
هل من الضروري اجراء فحص لحجم جزيئات الكولسترول LDL ومستويات الكولسترول (LP(a؟
هذان الاختباران غاليان حيث يكلف اختبار حجم جزيئات الكولسترول LDL حوالي 200-300 دولار، اما قياس مستويات الكولسترول (LP(a فيكلف حوالي 100 دولار. كذلك لا يتوافر هذان الاختباران بشكل شائع، وتختلف النتائج بشكل واضح بين مختبر واخر (لم يتم توحيد النتائج حسب المختبرات المختلفة حتى الان).
على كل يجرى هذان الاختباران في حالات خاصة فقط يحددها الطبيب مثلا حدوث الداء القلبي الاكليلي عند مريض صغير السن دون وجود مســتويات عالية من كولسترول LDL او وجود عوامل خطورة اخرى.
كيف يمكن الوقاية من تصلب الشرايين؟
1. انقاص كولسترول الدم (انظر لاحقا).
2. التوقف عن التدخين.
3. الامتناع عن تناول الكحول.
4. معالجة ارتفاع الضغط الدموي.
5. انقاص الوزن الزائد (عن طريق الحمية الغذائية وممارسة الرياضة).
6. ممارسة الرياضة بانتظام.
7. تعديل نمط الحياة وخاصة ما يتعلق بالنمط الغذائي (انظر لاحقا).
8. ضبط سكر الدم بشكل جيد عند المصابين بداء السكري.
كيف يمكن تدبير فرط كولسترول الدم؟
هناك ثلاث خطوات رئيسة في تدبير ارتفاع شحوم الدم بشكل عام والكولسترول بشكل خاص وهي:
1. الحمية الغذائية.
2. ممارسة الرياضة.
3. المعالجة الدوائية.
ما هي اهمية الحمية الغذائية في تدبير ارتفاع كولسترول الدم؟
كما ذكرنا سابقا فان حوالي 20% من كولسترول الدم ياتي عن طريق الغذاء من مصادر مختلفة حيوانية مثل: اللحوم، الزبدة، الجبنة والبيض..، ولذلك فان انقاص الوارد الغذائي من الكولسترول امر هام في تدبير فرط كولسترول الدم. ويجب عند الاشخاص غير المصابين بمرض قلبي اكليلي الا يزيد الوارد اليومي من الكولسترول عن 300 ملغ اما عند الاشخاص المصابين بمرض قلبي اكليلي فيجب الا تزيد كمية الكولسترول اليومية عن 200 ملغ.
ويظهر الجدول التالي محتوى بعض الاغذية من الكولسترول.