حديقة الشهداء في الموصل


تعد من اعرق حدائق العراق واكثرها جمالا وتنظيما ونالت في السنوات الاولى من انشائها عناية فائقة على المستويات كافة وقد تحولت الحديقة الى رمز كبير للبهجة والاحتفالات الشعبية والوطنية الرسمية . و تضم بين جنباتها الوارفة رفات شهداء العراق من اوائل الطيارين الذين شاركوا في انتفاضات ومواقف وطنية عدة في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي حيث جرى تخليدهم في هذه الحديقة بنصب جميلة جدا اضافة الى ضم الحديقة لرفات مؤسسها خيري الدين العمري الشخصية المرموقة الذي قدم خدمات جليلة الى مدينة الموصل ابان تسلمه مسؤولية ادارة بلديتها .
تأسست حديقة الشهداء في مدينة الموصل عام 1934 في المكان الذي كان يسمى وقتها (بساحة فانشو) ، نسبة الى القائد الانكليزي المعروف ، و كان المكان ، في مطلع القرن العشرين ، ساحة استعراضات للجيش الانكليزي ، ويقع في قلب مدينة الموصل ، وامام بناية القشلة العثمانية ( 1842 ) التي تضم الدوائر العسكرية والمدنية ويشغلها في الوقت الحاضر مبنى محاكم الموصل .
تعود فكرة انشاء الحديقة الى مؤسسها السيد خيري الدين العمري ( 1890 _1952) الذي اراد التعبير عن الحس الوطني من خلال حديقة بالغة الاناقة والروعة تزيل عن كاهل المواطن تعب الاحتلال وسوداوية سنواته . والعمري من الشخصيات المغامرة فقد عمل ايضا على تحديث الموصل وجعلها مدينة عصرية من خلال انجازات بلدية ماثلة الى الان وعجز العشرات من المسؤولين اللاحقين عن اضافة الجديد اليها ، بل على العكس ساهموا في تخريب افكار العمري النيرة وشواخصه الكثيرة التي منها ادخال الكهرباء والماء الى بيوت الموصل.
70 سنة من الجمال والتاريخ
تعد حديقة الشهداء في الموصل من الاماكن التي ارتبطت في الذاكرة الشعبية بطقوس حضارية بقيت عالقة في اذهان الاجيال . وبرغم موقعها الحساس الذي ارتبط قسرا بالسلطة الذكورية بسبب وجودها وسط اهم دوائر الدولة واكثرها سطوة الا انها التزمت بطابعها العائلي لفترة طويلة وقام المشرفون عليها بتنظيم الدخول الى الحديقة وتخصيص احد ايام الاسبوع للعوائل الموصلية وهو تقليد لا نملك الا النظر اليه باستغراب لان اهالي الموصل وعوائلها يميلون الى الخروج الى مناطق نائية للترويح عن النفس وخاصة في موسم الربيع الا ان لحديقة الشهداء تأثيرها الخاص الذي كان يجذب اليها العوائل بشكل غريب والسبب الاساس في هذا هو اناقتها وجمالية تنسيق اشجارها . والسمة الاخرى المميزة. ان هذه الحديقة كانت تتكيف مع الزمن ومتغيراته فقد تم ادخال التلفزيون اليها مع بداية البث التلفزيوني في العراق وكان تلفزيون حديقة الشهداء يجمع العوائل اذ خصص له ما يشبه الكشك ووضعت له المصاطب في صفوف طويلة وكان مشغل التلفزيون يلتزم باوقات محددة للعمل اضافة الى ادخال تقديم المرطبات المختلفة والاكلات الخفيفة . كما كان يوجد في الحديقة اذاعة داخلية وقد انشئت في وقت مبكر وكانت الفرق الموسيقية والشعبية تقدم عروضها في الحديقة ومنها الجوق الموسيقي التابع لموقع الموصل ( اللواء الخامس ) الذي كان يعزف الالحان الوطنية وسط جمهور كبير يشارك في الحفل بحماس بالغ ؛ فضلا عن اقامة الاماسي المختلفة في المناسبات الوطنية والدينية .
الطابع الثقافي للحديقة كان متنوعا ويعد مهرجان الزهور ونباتات الزينة من اشهر واكبر النشاطات التي كانت تحرص بلدية الموصل (ايام زمان) على اقامته سنويا في ايام الربيع حيث يقام اكبر معرض للزهور في العراق يشارك فيه اصحاب المشاتل وطلبة الجامعات والمواطنون ويتم فيه عرض اجمل الازهار واندرها ومن مختلف بقاع الارض وتقدم الجوائز للمتسابقين في نهاية المهرجان كما يتخلل ايام العرض العديد من النشاطات ومنها القاء المحاضرات وعقد الندوات والاماسي في اجواء خلابة تعبق بالروائح الزكية والمناظر الرائعة وكل هذا في احضان حديقة الشهداء .
سنوات الاهمال
عانت حديقة الشهداء في نهاية التسعينيات اهمالا كبيرا اخذ بالاتساع وصولا الى احداث نيسان من عام 2003 ؛ فقد كثرت التجاوزات على الحديقة وتم تأجير الارصفة الملحقة بسورها لتستخدم أكشاكاً متعددة الاغراض كما اخذت الحديقة نصيبها من اتساع نشاطات مبنى المحكمة المقابل لها لتتحول مرافقها الى مواقف للسيارات ومطاعم للاكلات السريعة ؛ فضلا عما لحق بها من اهمال فتوقفت فيها الرعاية والخدمات وتراكمت النفايات عند مداخلها وعانت اشجارها وورودها العطش والتجاوزات الاخرى كما تم اغلاقها فترات طويلة فضاعت ملامحها الجميلة وغاب تاريخها عن ذاكرة الناس الذين انشغلوا عنها باتقاء شر الاخطار اليومية والنكسات الحياتية المتتالية .
احياء حديقة الشهداء

مع نهاية عام 2004 جرت محاولات جادة لاعادة احياء الحديقة وانقاذها من التجاوزات المتكررة، و عملت بلدية الموصل على تطوير مرافق الحديقة بشكل يحقق نسبة مقبولة من التقدم لاعادة فتحها للجمهور من جديد . وفي نيسان من عام 2005 وصلت جهود بلدية الموصل الى ذروتها حين استعادت الحديقة بعض رونقها وجمالها السابقين .
التقت (المدى) المهندس الزراعي هاشم خليل يونس مسؤول قسم الحدائق في البلدية والمشرف على الحديقة الذي اجمل لنا عمليات التطوير قائلا :
وضعت بلدية الموصل خطة طموحة لتطوير حديقة الشهداء، فتم نصب شبكة ري متكاملة لتوزيع المياه الى جميع مرافق الحديقة كما تم نصبت مضخات ديزل ومولدة لهذا الغرض . وقامت البلدية باعادة بناء السياج الخارجي والداخلي للحديقة بحجر الحلان وتبديل المقاعد والمصاطب باخرى جديدة، فضلا عن زراعة الاشجار والازهار والشجيرات الحولية وتخصيص ملاكات تقوم بإدامة يومية للحديقة من قص الثيل وتقليم النباتات وزراعة الاشجار المزهرة .
وعن مشكلة وجود الاكشاك على الجهة المقابلة لمبنى المحافظة قال المهندس هاشم خليل يونس : وجود هذه الاكشاك يعود الى قوانين سابقة منذ التسعينيات وبموجب هذه القوانين تم ايجار تلك الاكشاك وقد اتخذ في وقته لزيادة موارد الدوائر والمؤسسات الحكومية ومن المؤمل ان يتم تغيير تلك القوانين حتى تستعيد الحديقة عافيتها بشكل كامل
.