Sunday 3 June 2012
من داخل قاعة محاكمة الهاشمي "دموع واعترافات"
دخل حميد المشهداني إلى قاعة المحكمة ووقف أمام القاضي ووضع يده على القرآن. كان بكاء الرجل مسموعا في القاعة.
أمره القاضي بأن يقسم على قول الحقيقة، فسكنت القاعة لدقائق. ثم تلا القسم شاهقا وبدأ بالاعتراف.
سرد المشهداني كيف أنه تلقى أمرا العام الماضي من مدير حماية نائب الرئيس طارق الهاشمي بتدبير هجوم على حاجز للشرطة كان قد أوقف موكب الهاشمي واستجوب حراسه.
أخذ المشهداني يوزع المهمات على الرجال الذين يعملون معه. أوكل شراء السيارة والإتيان بالانتحاري إلى أبو قيصر، وتحضير المتفجرات إلى أبو رقيّة. أما أبو علي، فكان عليه توفير المزرعة التي ستفخخ فيها السيارة.
في اليوم التالي، قاد الانتحاري سيارة كيا نيلية اللون إلى الحاجز وفجر نفسه.
وقال المشهداني للقاضي: "لم أعرف كم كان عدد القتلى والمصابين."
سأله القاضي إذا كان الانتحاري عراقيا، فأجابه أنه "بدا لي عراقيا، لكنني لم أتيقن من هويته لأنه لم يكن يُسمح لنا أن نتحدث إلى الانتحاريين."
وقال المشهداني إنه تلقى مبلغ عشرة آلاف دولار لتغطية تكاليف العملية. وأضاف أنه كان يتلقى ألف دولار من أحمد قحطان زوج ابنة الهاشمي ومدير مكتبه كمكافأة مقابل كل عملية كان ينفذها، وكان هو يوزع المبلغ على الرجال الذين يعملون معه.
نقاط التفتيش
سأله القاضي كيف كانوا يتمكنون من المرور عبر نقاط التفتيش بسيارات تحمل المتفجرات، فقال إنه حين يؤشر جهاز كشف المتفجرات إلى السيارة، كان تفسيرهم للشرطة أنهم يحملون العطور.
المشهداني كان أحد الشهود في المحاكمة الغيابية للهاشمي. كان قليل الكلام طوال الجلسة، وكان صوته منخفضا إلى حد الهمس أحيانا، فأخذ القاضي يردد أجوبته ليتأكد من أن الحضور يسمعها.
وقال المشهداني إن الهاشمي يتحدث عن المبادئ والديمقراطية أمام الكاميرات، لكنه شخص مختلف تماما خلف الأضواء.
قبل دقائق كان شاهد آخر يدعى رياض الكبيسي قد قال للقاضي إن الهاشمي حاول أن يلعب دور من يحمي السنّة في العراق، لكنه في الواقع كان يأمر بقتل السنة اللذين يعارضونه.
كان الكبيسي هادئا وواضح الكلام، على عكس المشهداني، وأوضح أنه انضم إلى فريق حماية الهاشمي عام 2005 حين كان الهاشمي أمينا عاما للحزب الإسلامي العراقي.
وحين أصبح نائبا لرئيس الجمهورية، تم تعيين الكبيسي معاونا لمدير حمايته.
وقال إنه ساهم في تنظيم وتنفيذ عدد من العمليات، من بينها اغتيال ابن شيخ سنّي رفض الامتثال لإرادة الهاشمي و"عارض نهجه".
رسالة
وكان القصد من الاغتيال إيصال رسالة إلى الشيخ لكي يرحل عن مسجد الشواف الذي كان يطمح الهاشمي في استخدامه لتجنيد عناصر جدد إلى الحزب الإسلامي، على حد قول الكبيسي.
وقال الكبيسي إنه في احد الأيام تسلم لائحة أسماء للتصفية، تحت عنوان "إعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة." وتبين له لاحقا أنها اسماء قضاة شيعة يعملون في مناطق سنية.
وقد استهل القاضي الجلسة برفض طلب الدفاع الاستماع إلى إفادة رئيس الجمهورية جلال طالباني وعدد من المسؤولين الكبار، معتبرا أن الدفاع لم يشرح ماذا يمكن أن تضيف هذه الإفادات.
وقد رد فريق الدفاع برفض المشاركة في الجلسة والاكتفاء بالحضور وتدوين الملاحظات.
ويحاكم الهاشمي ومدير مكتبه أحمد قحطان غيابيا بثلاث تهم، وهي إصدار أوامر بقتل مدير عام في وزارة الأمن الوطني ومحامية وضابط في الجيش.
ونفى المشهداني والكبيسي أي علم لهما بأي من الجرائم الثلاث.
وتسمح السلطات العراقية للصحافيين أن يحضروا جلسات المحاكمة، لكنها تمنع دخول أية كاميرات أو هواتف نقالة.
ويقيم الهاشمي حاليا في تركيا، التي رفضت تسليمه إلى السلطات العراقية.
يقول الهاشمي إنه بريء من كل التهم الموجهة إليه، ويعتبر أن رئيس الوزراء نوري المالكي يعمد إلى إضطهاد القادة السنّة في العراق، ووضع يده على القضاء.
وقد تسلح الهاشمي ومؤيدوه بخطاب ألقاه المالكي نهاية العام الماضي قال فيه إنه كان على علم بما قام به الهاشمي منذ سنوات، لكنه فضل أن يعطي "العملية السياسية" مجالا للنجاح.
كما لوّح المالكي آنذاك بكشف المزيد من المعلومات التي يملكها في حال لم يتوقفوا "عن عمليات التخريب والقتل."
سياسي
وقد اعتبر كثيرون هذه التصريحات دليلا على أن الملف سياسي بأكمله وأن القضاء غير مستقل.
أما أكثر ما اثار الشبهات فهو مقتل أحد حراس الهاشمي في السجن. وقد اتهم الهاشمي قوات الأمن بقتله تعذيبا، لكنها ردت بأنه توفي بسبب مرض كلوي.
لكن الهاشمي سبق أن قال إن جميع الاعترافات والإفادات أمام المحكمة في قضيته مفبركة وتم التوصل إليها تحت التعذيب.
رفع القاضي الجلسة إلى التاسع عشر من شهر حزيران/ يونيو. وبعد ساعات من انتهائها، التقيت بأحد ضباط الاستخبارات المرتبطين بالقضية.
قال إن كثيرين يسألونه وزملاءه ما إذا كانت الاعترافات صحيحة، وإن كان الموقوفون قد تعرضوا للضرب.
وأضاف "يمكنني أن أضربك لأقنعك أن تعترف أنك فخخت سيارة.
لكن هل يمكنني إجبارك على فبركة قصة معقدة بكل هذه التفاصيل؟"
ثم أضاف شيئا كنا قد سمعناه في المحكمة قبل ساعات:
"الهاشمي يظهر وجها للإعلام ووجها آخر حين يكون بعيدا عن الأضواء."
BBC