قبر البنت معلم تاريخي
اهالي الموصل كلهم يعرفون القبر الواضح في الصورة والمعروف بـ(قبر البنت)
والموجود في باب سنجار في الساحل الأيمن من الموصل.. فقد تعددت الاقاويل والقصص عن هذا القبر، فمنهم من قال هو قبر لطفلة، ومنهم من قال هو قبر لشابه ظلمت في حياتها، ومنهم من قال هو قبر لأمراة ومنهم من قال هو نموذج قبر وليس بالقبر اي لايحوي شيء!
ومن احد القصص المتوارثة
قبل مئات السنين كانت مدينه الموصل محاطة بجدران تحميها من الدخلاء واللصوص، وكانت هناك فتاة اصيلة وشريفة تخرج يوميا خارج اسوار المدينه لترعى غنمها، وفي احد الايام حاصرتها مجموعة من قطاع الطرق واللصوص في محاوله منهم لاغتصابها، فأبت هذه البنت الاصيلة بأن يدنس شرفها ومعه شرف مدينتها، فأرتفع صوتها عاليا بالبكاء والدعاء من الله ان يحميها من ايدي اللصوص، فأنشقت الارض وابتلعت الفتاة.. وبائت محاولات الجميع بالفشل لاخراجها فماتت بمكانها واقيم لها مقام صغير هناك]..!
كل هذه الاقاويل هي من نسج الخيال ولا أساس لها من الصحة على الاطلاق.. فهذا هو قبر العالم المؤرخ العظيم (عز الدين أبي الحسن علي الجزري) الملقب بـ(ابن الاثير الجزري)، والذي عاصر دولة صلاح الدين الايوبي ولازمه في بعض غزواته. وهو صاحب كتاب (الكامل في التاريخ) وكتاب (الباهر في الدولة الأتابكية).
ولد إبن الأثير عام 555 هـ في جزيرة ابن عمر، وهي كانت مدينة عربية خالصة خرجت العديد من الفقهاء والعلماء والذين تسموا باسم (الجزري) نسبة الى (الجزيرة).. وهي الآن داخلة ضمن حدود الدولة التركية حالياً قربا من الحدود السورية. وقد عني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم رحل إلى الموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، فسمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي.. وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار.
ثم رحل إلى دمشق وتعلم من شيوخها وعلمائها واستمع إلى كبار فقهاء الشام واستمر فترة من الزمن في رحلته الطويلة لطلب العلم وملاقاة الشيوخ والأخذ منهم. درس ابن الأثير الحديث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات، غير أنه اختار فرعين من العلوم وتعمق في دراستهما وهما: الحديث والتاريخ، حتى أصبح إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، حافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، خبيرا بأنساب العرب وأيامهم وأخبارهم، عارفاً بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة..!
ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف، فقد توافرت لابن الأثير المادة التاريخية التي استعان بها في مصنفاته، بفضل صلته الوثيقة بحكام الموصل، وأسفاره العديدة في طلب العلم، وقيامه ببعض المهام السياسية الرسمية من قبل صاحب الموصل، ومصاحبته صلاح الدين في غزواته - وهو ما يسر له وصف المعارك كما شاهدها- ومدارسته الكتب وإفادته منها، ودأبه على القراءة والتحصيل.. ثم عكف على تلك المادة الهائلة التي تجمعت لديه يصيغها ويهذبها ويرتب أحداثها حتى انتظمت في أربعة مؤلفات، جعلت منه أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري..!