يقضي معظمنا جلَّ وقته و هو يشعر بضغط شديد جرّاء تفكيره الدائم بضرورة شرب ثمانية أكواب من الماء يومياً للوقاية من الجفاف و البقاء بصحة جيدة، لكن وفقاً لرؤية أخصائي الأطفال آرون كارول خرّيج جامعة الهند في هذا المجال، فإنه في الحقيقة ليست هناك أية دليل علمي يدعم صحة هذا التصور.
لقد سبق لكارول المشاركة في كتابة ورقة بحثية موسّعة وكتاب فضح فيهما الكثير من الأساطير الطبية الشهيرة، و كان قد نقض في المقام الأول الفكرة المزعومة أن الإنسان يحتاج لشرب ثمانية أكواب يومياً. لكن الأسطورة لا تزول بهذه البساطة. خصوصاً مع الهجمة الإعلامية التي زعمت أن الجفاف يزداد لدى الأطفال الذين لا يتلقون كفايتهم من الماء. لذا قرر كارول أخذ مساحة في مجلة نيوورك تايمز الأمريكية لإيضاح فكرته آملاً أن يتفهم الجميع الأمر.
يقول كارول ” على العكس مما قد تسمعه، بالنسبة للكثير من الأشخاص الذين يسعون للحفاظ على صحتهم ليس هناك أي دليل علمي حقيقي يثبت أن شرب كميات إضافية من الماء قد يعود بفائدة صحية .
على سبيل المثال، لقد فشلت الأبحاث في إيجاد دليل على أن شرب الكثير من الماء قد يبقي البشرة رطبة أو يحميها من التجاعيد أو يجعلها تبدو نضرة أكثر.”
“إذن من أين أتت أسطورة المياه العظيمة هذه؟
في الحقيقة يعتقد أن هذه الأسطورة قد ظهرت عام 1954حين أعلنت توصية مجلس الغذاء و التغذية أن معدل المياه الذي يحتاجه الشخص البالغ تقريباً 2.5 لتر يومياً. نظراً لكون المقياس المعتاد لدى غالبية الأشخاص هو ملييلتر واحد من الماء مقابل كل سعرة حرارية من الطعام.” لربما تكون قد توقعت أن 2.5 ليتر تقدر بحوالي 8 أكواب من الماء. لكن ما يتم تجاهله غالباً في هذا الإعلان هو الجملة الحاسمة التالية “معظم هذه الكمية موجودة أصلا في الطعام “.
في الحقيقة، و بالاعتماد على نظامك الغذائي، ربما لن تجد حاجة للإسراف في شرب الماء مطلقاً. طالما أن الماء موجود أصلا في الفاكهة، الخضراوات، العصائر والبيرة حتى في الشاي والقهوة.
بالرغم من كوني أوصي بالماء كأفضل شرابٍ، إلا أنه دون شك ليس مصدرك الوحيد للحصول على السوائل. ليس عليك أن تتناول جميع حاجتك من المياه على شكل شراب.
قبل أن تعترض و تقول بأن القهوة و الشاي و الكحول تسبب لنا الجفاف ولهذا السبب فلا يمكننا أن نحتسبها ضمن كمية المياه اليومية التي نتناولها، فقد نقض العلم صحة هذه الأسطورة أيضاً !
في عام 2002 قدم الفيزيائي هينز فالتين من جامعة دارتموث في أمريكا دراسة استطاع من خلالها إثبات افتقار كلا الأسطورتين – أسطورة ضرورة شرب ثمانية أكواب يومياً، و أسطورة كون المشروبات الأخرى ( غير الماء) غير قادرة على منحنا حاجتنا اليومية من السوائل (المياه )- لدليل علمي يثبت صحتهما.
“هذا الاستنتاج مدعم بدراسات منشورة تظهر أن المشروبات التي تحتوي على الكافايين ( و إلى حدٍّ ما، المشروبات الكحولية المعتدلة ) بإمكانها في الحقيقة أن تحتسب ضمن معدل حاجتنا اليومية من المياه، طالما قد نشرت الكثير من التجارب التي تشهد على دقة و فعالية تنظيم التناضح في الحفاظ على منسوب المياه في الجسم.”
في ذات الدراسة، نقض فالتين أيضا الأسطورة التي تقول أننا نشعر بالعطش لكن بعد فوات الأوان. في الحقيقة، نحن نشعر بالعطش في ذات اللحظة التي من المفترض أن نشعر فيها بذلك : نتيجة لارتفاع تركيز الدم بنسبة تقل عن 2% ويعد ذلك مؤشراً دقيقاً على مقدار السوائل في جسدنا. بينما يعرّف معظم الخبراء الجفاف بكونه بداية لارتفاع تركيز الدم بنسبة لا تقل عن 5%.
بلا شك، من الجدير بالذكر هنا أن هذه التوصيات تأخذ بعين الاعتبار الأشخاص الأصحاء الذين يعيشون في نمط حياة مستقر، وفي درجات حرارة معتدلة. الأشخاص الذين يعيشون في أجواء حارة ، أو يقومون بممارسة الرياضات المختلفة، أو يعانون من أمراض معينة قد يحتاجون لشرب ثمانية أكواب يومياً أو أكثر للتخفيف من عطشهم.
وهذا ما يجدر أن يؤول إليه الأمر وفقاً للدراسة التي تقول اشرب أكثر كلما أحسست بالعطش. لكن لا تجهد نفسك بالالتزام بالكمية التي نصت عليها أية جهة صحية، لأنك لا تريد أن تركض باستمرار إلى المرحاض.