ربما صادفت يوماً مريضاً من مرضى التهاب الكبد الوبائي (Hepatitis B , C ) قد قرر الطبيب المعالج له أنه بحاجة إلى زراعة للكبد، وذلك لأن الكبد قد وصل إلى مرحلة التليف (Liver Fibrosis)، فضلاً عن مشكلة إيجاد المتطوع المناسب بالكبد أو بجزء منه، فإن المشكلات التي قد يواجهها المريض بعد زراعة الكبد قد تودي بحياته.
لكننا لن نكون بحاجة إلى مواجهة تلك المشكلات مجدداً، فكما قالت نانسي ريغان: “أبحاث الخلايا الجذعية تبعث فينا أملاً جديداً وتزود الباحثين بإجابات لأسئلة لم نكن نعرفها لفترة طويلة”.
الخلايا الجذعية مصطلح جديد نسبياً على الساحة العلمية، وهي تتطور بشكل كبير وغير متوقع وتمثل أملاً جديداً لعلاج الكثير من الأمراض التي كانت ولا زالت مستعصية في علاجها.
في هذا المقال نتناول باختصار الخلايا الجذعية من ناحية نشأتها وماهيتها وتميزها عن باقي الخلايا بالإضافة إلى أنواعها.
بداية مصطلح الخلايا الجذعية كان مع العالم الألماني إرنست هيكيل (Ernst Haeckel) سنة 1868، الذي وصف به كائناً حياً وحيد الخلية يعتبر هو السلف المشترك للكائنات متعددة الخلايا التي أتت بعده، كان ذلك في محاولة منه لإثبات نظرية التطور. استعار ذلك المصطلح العالم فالنتين هاكير (Valentin Hacker) سنة 1892 وأطلقه على نوع من الخلايا ينقسم ويعطي الخلايا البيضية (oocytes) في الغدد التناسلية (gonads).
في الستينات من القرن الماضي كانت بداية أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية بعد اكتشاف الخلايا الجذعية السرطانية على يد العالم ليوري ستيفينس (Leroy Stevens) الذي استمرت بعده التطورات حتى الثمانينات من القرن الماضي، حيث قام العالمان ميرو كابيتشي (Mario Capecchi) و مارتين ايفانس (Martin Evans) بعمل تعديل جيني في الخلايا الجذعية وتشاركا على إثر ذلك جائزة نوبل في الطب لعام 2007.
التفتت بعد ذلك أعين الباحثين والعلماء إلى اسكتشاف ذلك العالم الذي يكمن فيه حل جذري لأمراض مستعصية كأمراض تتعلق بالسكر والقلب والكبد، وسنكون أكثر دقة إذا قلنا تتعلق بالجسد كله.
العلاج بالإبر الصينية.. حقيقة أم دعابة؟
ما هي الخلايا الجذعية؟
هي مجموعة من الخلايا التي لها قدرة على الانقسام لتعطي أنواعاً متعددةً من الخلايا تختلف في الشكل والوظيفة. تتميز بقدرتها على التجديد الذاتي (Self-Renewal)، أي إنها تنقسم بطريقة تجعلها قادرة على نسخ نفسها بالإضافة إلى قدرتها على الانقسام وإعطاء خلايا ناضجة (Mature cells).
تنقسم الخلايا الجذعية بحسب أنواع الخلايا الناتجة عنها إلى:
الخلايا الجذعية الجنينية (Embryonic Stem Cells)، الخلايا الجذعية البالغة (Adult Stem Cells)، الخلايا الجذعية المستحثة متعددة الوظائف (Induced Pluripotent Stem Cells).
الخلايا الجذعية الجنينية (Embryonic Stem Cells): هي مجموعة من الخلايا لها قدرات متعددة حيث تنقسم إلى جميع أنواع الخلايا في الجسم، وذلك عن طريق توفير الإشارات ( العصبية أو الكيميائية .. ) المناسبة لنموها.
يمكن فصل الخلايا الجذعية الجنينية من الجنين في مرحلة مبكرة جداً من نموه تسمى الأريمة (blastocyst)، وهي مرحلة يكون فيها عدد الخلايا داخل الرحم حوالي 150 – 200 خلية. في هذه المرحلة لم تتكون أعضاء الجنين بعد ولا حتى الدم، بل يكون الجنين عبارة عن كتلتين متداخلتين من الخلايا، إحداهما تسمى كتلة الخلايا الخارجية (Outer cell mass) والأخرى تسمى كتلة الخلايا الداخلية (Inner cell mass) والتي منها يتم فصل الخلايا الجذعية الجنينية.
تم فصل الخلايا الجذعية الجنينية من مجموعة من الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان. على الرغم من قدرتها الهائلة على الانقسام لجميع أنواع خلايا الجسم إلا أن الخلايا الجذعية الجنينية تواجه بعض المشكلات الأخلاقية والدينية.
الخلايا الجذعية البالغة (Adult stem cells) : هي مجموعة من الخلايا التي تخصصت نوعاً ما داخل الجسم، بمعنى أن كل نوع من الأنسجة داخل الجسم يحتوي على الخلايا الجذعية البالغة الخاصة به، والتي تعمل على تجديد الخلايا التالفة داخل هذا النسيج المعين، بالإضافة إلى قدرتها على تجديد نفسها (كما ذكرنا من قبل).
على سبيل المثال فإن الجلد يحتوي على نوع معين من الخلايا الجذعية البالغة الخاصة بالجلد، والتي تعمل على تجديده وتعويض الفاقد منه في حالات الجروح وغيرها. بعض الخلايا الجذعية البالغة لها القدرة على النمو والانقسام إلى أنواع متعددة من الخلايا الناضجة كما هو الحال في الخلايا الجذعية الموجودة في المخ، حيث أن لها القدرة على الانقسام إلى خلايا عصبية (neurons) بالإضافة إلى نوعين من الخلايا الداعمة للخلايا العصبية (glial cells).
تم التعرف على أنواع من الخلايا الجذعية البالغة داخل أنسجة متعددة من الجسم كالدم والجلد والقناة الهضمية وحتى في الأنسجة التي ليست لها القدرة على التجدد كالمخ. تمثل الخلايا الجذعية البالغة عدداً محدوداً جداً من الخلايا داخل الجسم مما يجعل عملية التعرف عليها وعزلها وإنمائها في المعمل صعبة إلى حد ما.
أعداؤنا المجهريون الذين عملنا على تقويتهم دون أن نشعر!
الخلايا الجذعية المستحثة متعددة الوظائف (Induced Pluripotent Stem Cells): أظنك قد كونت فكرة عن هذا النوع من الخلايا من خلال هذه الصورة القادمة، فهذا النوع من الخلايا تم اكتشافه أو برمجته في عام 2006 من قبل العالم الياباني شايني ياماناكا (Shinya Yamanaka) الذي استطاع إعادة برمجة الخلايا البالغة كخلايا الجلد، من خلال إدخال أربعة جينات إضافية (وُجدت أنها مهمة في نمو الخلايا الجذعية الجنينية) إلى الحمض النووي (DNA) للخلية باستخدام بعض الفيروسات وتحويلها إلى خلايا جذعية غير متخصصة.
ومن المثير للاهتمام أن هذة الخلايا التي تمت إعادة برمجتها أصبحت قادرة على إعطاء كل أنواع الخلايا في الجسم كما هو الحال في الخلايا الجذعية الجنينية (Embryonic Stem Cells)، ولكن كيفية عمل هذه الجينات الأربعة مازالت غير مفهومة فهماً كاملاً من قبل العلماء وهذا ما يجري عليه البحث الآن. استحق العالم شايني ياماناكا بذلك الإنجاز الهائل أن يحصل على جائزة نوبل في الطب لعام 2012.