خطب الامام عليّ عليه السّلام يوما فقال في خطبته:
«اعلموا أنّكم ميّتون و مبعوثون من بعد الموت، و موقوفون على أعمالكم، و مجزيّون بها، فلا تغرنّكم الحياة الدّنيا فانّها بالبلاء محفوفة، و بالفناء معروفة، و بالغدر موصوفة، فكلّ ما فيها إلى زوال، و هي بين أهلها دول و سجال، لا تدوم أحوالها، و لن يسلم من شرّها نزّالها، بينا أهلها منها في رخاء و سرور إذا هم منها في بلاء و غرور، أحوال مختلفة، و تارات متصرّفة...، العيش فيها مذموم، و الرّخاء فيها لا يدوم، و إنّما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، و تقصّمهم بحمامها و كلّ جيفة فيها مقدور و حظّه منها موفور، و اعلموا عباد اللّه أنّكم و ما أنتم فيه من هذه الدّنيا على سبيل من قد مضى ممّن كان أطول منكم أعمارا، و أشدّ منكم بطشا، و أعمر ديارا، و أبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلّبها، و أجسادهم بالية، و ديارهم خالية، و آثارهم عافية، استبدلوا بالقصور المشيّدة، و السرر و النمارق الممهّدة الصخور و الأحجار المسنّدة في القبور اللاطئة الملحدة، فمحلّها مقترب، و ساكنها مغترب، بين أهل عمارة موحشين و أهل محلّة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، و لا يتواصلون تواصل الجيران و الإخوان، على ما كان بينهم من قرب الجوار و دنوّ الدّار بالدّيار،وكيف يكون بينهم تواصل و قد طحنتهم بكلكلة البلى و أكلتهم الجنادل و الثرى و أصبحوا بعد الحياة أمواتا، و بعد غضارة العيش رفاتا، فجمع بهم الأحباب، و سكنوا التراب، و ظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات كلا إنّها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى، و الوحدة في دار المثوى، و ارتهنكم ذلك المضجع، و ضمّكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قضيت الأمور، و بعثرت القبور، و حصّل ما في الصدور، و أوقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب، و هتكت عنكم الحجب و الأستار، و ظهرت منكم العيوب و الأسرار، هنا لك تجزى كلّ نفس بما كسبت إنّ اللّه يقول:«ليجزي الّذين أساؤا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى»و قال تعالى:«و وضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه»جعلنا اللّه و إيّاكم عاملين بكتابه و متّبعين لأوليائه و أحبّائه حتّى تحلّنا و إيّاكم دار المقامة من فضله إنّه حميد مجيد