كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
من أعظم الأمور التي يُبتَلى بها العبد المسلم في هذه الدنيا الدنيئة الفانية هو أن يوليه الله شيء من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم, لما صح الخبر من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي أصحابه بعدم التشوف للولاية, فعَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَىٰ مَنْكِبِي. ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا ذَرَ إنَّكَ ضَعِيفٌ. وَإنَّهَا أَمَانَةٌ. وَإنَّهَا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ. إلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا ". رواه مسلم
قال النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلاً لها أو كان أهلاً ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط.أهـ
وجاء في لسان العرب أن معنى الوِلاية هو أسم شامل لكل إِمارة ونِّقابة، لأَنه اسم لـما توَلَّـيته وقُمْت به.أهـ
فالحاكم والأمير والمدير والرئيس والمشرف والكفيل والمدرس والأب والزوجة وكل من تولى شيئاً من أمر الأمة أو أفراد منها يشملهم هذا المسمى لقوله صلى الله عليه وسلم: " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " فالخطاب للجميع.
ولتعلم رعاك الله بأن هذه الأحاديث عامة في جميع الولايات عظيمة كانت أو حقيرة, فقد أخرج الإمام احمد في المسند, ما صح عن أبي إمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز وجل مغلولاً يوم القيامة يده إلى عنقه، فكَّه بِرّه أو أوبقه إثمه، أوّلها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة».
فنعم الخاتمة خاتمتك يا عبدالله إن كنت ممن قَالَ فيهم رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الْمُقْسِطِينَ، عِنْدَ اللّهِ، عَلَىٰ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ. عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَـٰنِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ". رواه مسلم
ولا تكن ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليُوشِكنَّ رجل أن يتمنى أنه خرّ من الثُّريَّا ولم يَلِ من أمر النّاس شيئاً ".[صحيح خرجه الألباني في الصحيحة برقم 2620]
فيجب على كل مسلم ممن اُبتلي بهذا الأمر أن يراجع نفسه قبل الندم ويحاسبها قبل أن يقال له { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }, فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل و { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }.
ونعم النصيحة نصيحة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وَتَزَيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية» والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين