بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
سلام على مولانا الرضا ثامن الحجج وضامن المهج في ذكرى مولده المبارك الكريم، مبارك لكم وللمسلمين جميع هذا اليوم السعيد من أيام الله الخالد أعادها الله عليكم وعلى المسلمين جميعاً بكل خير وبركة
ولادة معدن العدل والرأفة
في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة مائة وثمان وأربعين للهجرة المباركة شهدت بيوت بني هاشم في المدينة المنورة حدثاً مباركاً كان سلوى خففت من مشاعر الالم والحزن التي عاشتها اثر استشهاد عميدها المقدس الامام الصادق (سلام الله عليه) في الخامس والعشرين من شهر شوال من العام نفسه. وكم كان مولانا الصادق (عليه السلام) يتمنى ان يدرك هذه الولادة المباركة ويرى حفيده المطهر علي بن موسى الرضا الذي شع نوره في المدينة المنورة في هذا اليوم السعيد
فقد قال مولانا الكاظم (عليه السلام): سمعت ابي جعفر بن محمد عليهما السلام غير مرة يقول لي: إن عالم آل محمد لفي صلبك، وليتني ادركته فإنه سمي امير المؤمنين علي (عليه السلام). أما والدة مولانا الرضا (عليه السلام) فهي السيدة تكتم المغربية، وهي الموصوفة بأنها كانت من افضل النساء في عقلها ودينها، كما ورد في روايات عدة رواها الشيخ الصدوق بأسانيد معتبرة، وكانت جارية عند السيدة حميدة المصفاة أم الامام الكاظم (عليهما السلام)، والسيدة حميدة قد توسمت فيها كل الخير وقالت لولدها الامام الكاظم: يا بني إن تكتم جارية ما رأيت قط أفضل منها، ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها وقد وهبتها لك فأستوص بها خيراً.
وجاء في رواية معتبرة أخرى ان السيدة حميدة سلام الله عليها رأت في منامها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ان اشترت أم الرضا نجمة ـ وهذا من أسمائها
فقال لها (صلى الله عليه وآله): هي نجمة لابنك موسى، فانه سيولد لها منها خير أهل الارض. وجاء في الرواية ان الامام الكاظم (عليه السلام) سمى هذه الامة الصالحة "الطاهرة" وذلك بعد ان ولدت له خليفته الرضا عليه السلام. وتنقل المصادر المعتبرة عن مولاتنا ام الرضا رواية معبرة بشأن حملها بوليدها المبارك وولادته: روي في كتاب عيون اخبار الرضا مسنداً عن أم الرضا السيدة تُكتم أنها قالت: لما حملت بأبني علي لم اشعر بثقل الحمل وكنت اسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني. فلما وضعته وقع على الارض واضعاً يديه على الارض رافعاً رأسه الى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل الي ابوه موسى بن جعفر عليهما السلام فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته اياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه اليّ وقال: خذيه فإنه بقية الله في أرضه. وجاء في رواية اخرى رويت في كتاب الدر النظيم للشامي وهو من حفاظ أهل السنة عن الامام الكاظم (عليم السلام) أنه جمع قوماً من اصحابه بعد انتقال هذه الجارية الى بيته عن طريق والدته السيدة حميدة، وقال لهم: والله ما اشتريت هذه الأمة الا بأمر الله ووحيه، فسئل عن تفسير ما يقول، فقال (عليه السلام): بينا أنا نائم إذ أتاني جدي وأبي ومعهما شقة حرير فنشراها فاذا قميص وفيه صورة هذه الجارية فقالا: يا موسى، ليكونن من هذه الجارية خير اهل الارض بعدك. ثم أمراني إذا ولده أن أسميه علياً وقالا لي: ان الله تعالى يظهر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده وعانده
ذكروا بطلعتك النبي
من الحوادث المهمة التي سجلها المؤرخون فيما يرتبط بسنين اقامة الامام الرضا (عليه السلام) في خراسان كولي لعهد المسلمين في زمن المأمون العباسي، قضية دعوة المأمون له لاقامة صلاة العيد وقصتها مشهورة روتها كثير من المصادر المعتبرة، هذه الصلاة لم تتم اذ ان جواسيس المأمون أخبروه بشدة تأثير طريقة خروج الامام الرضا لهذه الصلاة في نفوس الناس فخشي من عواقب ذلك على حكمه فأرسل جلاوزته وطلبوا من الامام (عليه السلام) أن يرجع الى داره، ولكن رغم ذلك فقد أثرت طريقة خروجه سلام عليه المتواضعة الى هذه الصلاة في نفوس المسلمين ليس من معاصريه بل جميع الاجيال الاسلامية لما وجدوا فيها من مظهر كامل للعبودية الحقة لله جل جلاله وإحياء للسنة المحمدية
كنز آيات الله
غلبت نبرات التشفي والتهكم على اصوات بعض حاشية المأمون وهم يقولون: انظروا الى الذي جاءنا من ولي عهدنا علي بن موسى الرضا؟! لقد حبس الله عنا المطر ببركة ولي عهدنا هذا!! لقد استغل هؤلاء الجفاف الذي عم خراسان في تلك الايام لكي يسيئوا الى قدسية هذا الامام الذي نفذت محبته في قلب كل من عرفه ورآه (عليه السلام).
وكان رجال البلاط العباسي قد عرفوا من رجال الفلك ان الامطار لن تصيب تلك الديار عن قريب، فاستغلوا الفرصة لكي يوجهوا ما ظنوه ضربة قوية لقدسية الرضا ومحبته في قلوب الناس، ولذلك طلبوا منه (عليه السلام) أن يستسقي لهم بسرعة بعد أن طمأنهم علماء الفلك أن من المحال أن ينزل المطر عن قريب
فقال المأمون للرضا: لو دعوت الله عزوجل أن يُمطر الناس! أجابه عليه السلام بطمأنينة: نعم، افعل. وكان المأمون في عجلة من أمره، فعاودوا السؤال قائلاً: ومتى تفعل ذلك؟
وكان الحديث يوم الجمعة، فأجاب الرضا (عليه السلام): استسقي يوم الاثنين، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني البارحة في المنام ومعه امير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا بني انتظر يوم الاثنين وابرز الى الصحار واستسق فإن الله عزوجل يسقيهم واخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون كي يزداد علمهم بفضلك ومكانك من رب عزوجل. علت البسمات الصفراء شفاه رجال البلاط العباسي وهم يسمعون بموافقة الامام على الاستسقاء، وقالوا في انفسهم ان يوم الاثنين قريب فقد كانوا بكلام الفلكيين أوثق منهم بكلام ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولما حل يوم الاثنين خرج الرضا (عليه السلام) الى الصحراء واحتشد الناس ورجال البلاط حوله ينظرون
ثم قام (عليه السلام) خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه، ثم قال داعيا ربه الجليل: اللهم يا رب، انك عظمت حقنا اهل البيت، وقد توسل الناس بنا كما امرت، وأملوا فضلك ورحمتك وتوقعوا إحسانك ونعمتك فأسقهم سقياً نافعاً عاماً غير رائث [اي غير بطئ] ولا ضائر وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم ها الى مستقرهم ومنازلهم.
وما ان اتم الرضا (عليه السلام) دعاءه حتى هبت الرياح وظهرت الغيوم وارعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر فناداهم (عليه السلام) قائلاً: على رسلكم ايها الناس، فليس هذا الغيم لكم انما هي لاهل البلد الفلاني، فمضت السحاب وعبر، وتكرر المشهد وجاءت غيوم اخرى والامام يخبرهم بأسماء البلدان التي تتوجه اليها، والناس في دهشة مما يرون من دلائل الامامة واستجابة الله لدعاء وليه الرضا بأن يكون الغيث عاماً سريعاً ينفع كل النواحي.
ثم كان أن اقبلت سحابة جارية فقال الرضا (عليه السلام): ايها الناس هذه السحابة بعثها الله لكم فأشكروا الله على فضله وقوموا الى منازلكم ومقاركم فإنها مسامتة لرؤوسكم ممسكة عنكم الى ان تدخلوا مقاركم ثم يأتيكم من الخير وما يليق بكرم الله جل جلاله
ثم نزل (عليه السلام) وانصرف الناس، فما زالت السحابة ممسكة الى ان قربوا من منازلهم، ثم جاءت بوابل المطر فملأت الاودية والحياض والغدران والفلوات وجعل الناس يقولون: هنيئاً لولد رسول الله كنز آيات الله أما رجال البلاط العباسي فقد إمتلأوا غيضاً وحسرة مثلما امتلأت الوديان بالمطر المبارك.
روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: وهو يشير الى ولده الكاظم (سلام الله عليه) سيخرج من صلبه رجل يكون رضا لله عزوجل في سمائه ولعباده في ارضه، ألا فمن زاره في غربته. كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله)