بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من أبرز ما يميِّز المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات الجاهلية قديمها وحديثها: برُّ الوالدين وتبجيلهما وتعظيمهما وحفظهما على كل حال في الصحة والمرض، في السراء والضراء، في العافية والبلاء. وثنَّى الله تعالى بعد توحيده وعبادته دون غيره بالتوصية بالوالدين، عندما قال جلَّ جلالُه : "وقضى ربُّك ألاَّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً"( الاسراء ، 23 ).
فالتقرُّب من الوالدين، بمن فيهم الجدُّ والجدَّة عبادة بحدِّ ذاته لا ينتهي بتقدُّم عمر الابن ولا بزواجه ولا بانتقاله إلى بيتٍ مستقل ولا بأن يُصبح له أولاد وأحفاد ولا بأن يصير من أهل المنصب والشهرة... فكل هؤلاء، ولو بلغوا السِّتين والسبعين من العمر يبقى واجبُ برِّ والديهم قائماً، وإهمالُهُ عقوقا، له عواقب وخيمة يراها في الدنيا وتلقاه في الآخرة، نعوذ بالله تعالى.
فالدرجة العلمية والمواقع الرسمية والمناصب الاجتماعية... لا تُسقط حقَّ الوالدين ولا تُبرِّر إهمالهما أو أذيَّتهما لا سمح الله، فهما "جنَّتك ونارك" كما ورد عن نبي الرحمة والهدى سيدنا محمد (ص).
واقعنا اليوم!
نرى اليوم ممارسات لم نألفها من قبل في طريقة تعاطي الأولاد مع آبائهم وأمَّهاتهم، ناتجة عمَّا يرونه من نماذج سيِّئة من خلال التلفاز ووسائل الإعلام الأخرى، التي لا تبخل علينا بمشاهد يومية لأولاد من البنين والبنات ممَّن يتصرفون مع أهلهم بطريقة، في أحسن حالاتها تنمُّ عن استهتار وخفَّة ولا مبالاة ووقاحة...
وهناك حالات أخرى مُخْجلة. وما يزيد في هذه الصورة القبيحة، إهمال الأهل لتربية أولادهم على المفاهيم والقيم الإسلامية، ثم المدارس التي تتجاوز في كثير من الأحيان أخلاقيات وسلوكيات لا تستقيم الحياة الاجتماعية والأُسرية إلا بها، بتوهم الاهتمام بالمواد العلمية واللغات.
وهنا، لا نستطيع إلاّ وأن نُشير إلى أهمية سلوك الأهل أنفسهم مع آبائهم وأمَّهاتهم لأنَّهم يُشكلون قدوة لأبنائهم، بل في مرحلة ما هم القدوة الوحيدة والأقرب والأكثر تأثيراً.
فلا شك أنَّ الولد الذي يرى احتراما وتبجيلاً من والديه تجاه جدَّيه، سوف ينعكس هذا على مسلكه وطريقة عيشه بل وعقله الباطني ومخزونه العقلي لينفعه يوماً إذا تغيَّرت الأحوال أو استجدت الظروف. رُوي عن مولانا الإمام الصادق (ع) أنَّه قال: «برُّوا آباءكم يبرُّكم أبناؤكم».
سلوك الآباء والأمهات سببُ برهما:
فعندما يرى الأبناء أمامهم نموذجاً صالحاً يُلقي السلام على والديه، ويُبادر للاتصال بهم ولو هاتفياً، ولا يُهمل تفقّدهم، ويُقبِّل أيديهم ووجناتهم إذا لقيهم، ويجلس متأدِّباً أمامهم، ويُسرع إلى قضاء حوائجهم، ولا يتأفَّف من طلباتهم، ويُديم الابتسام في وجوههم، ويحرص على رضاهم، ولا يبخل بإدخال السرور إليهم، ويؤمن ببركة وجودهم ودعائهم... عندما يرى الأبناء هذه المشاهد فلا شك أنَّهم سوف يتأثرون بها، وإن بدرجات متفاوتة، فإن تتابع نقط الماء على الصخر لا بد أن يترك أثراً ما.
بالمقابل عندما يرى الأبناء آباءهم وأمهاتهم كثيري التأفف من والديهم، ويشتكون منهم ويتذمّرون ويغضبون.. ويُهملون صِلَتَهم، ويتهرَّبون من مسؤولياتهم، ويتأفَّفون من طلباتهم، ويَنسون حاجاتهم، ويظنُّون أنّ وجودهم يُشغلهم عن مصالحهم المادية والاجتماعية وأنهم يأخذون من أوقاتهم... عندما يرى الأبناء هذا، فلا غرابة أن يسيروا على هذا النهج.
أصناف العقوق التي استهان بها الناس في هذا الزمان:
أما المنكرات والمفاسد العامة التي لا تجوز مع المسلم من قبيل الأذيّة والغيبة والشتم والضرب والإهانة، فالأولى أنَّها لا تجوز مع الوالدين لحرمتهما ومكانتهما.
لكنّ هناك أمور استهان بها الناس في هذا الزمان كالصراخ في وجه الوالدين، والغضب، وتحطيم الأشياء أمامهما، وإغلاق الباب بقوة للتعبير عن الرفض، والتكلُّم معهما بشدّة، وتأنيبهما، كما «لو قصَّر» الأب في حاجة ابنه، أو الأم في «واجب» منزلي كالغسيل والطبخ... بل أنَّ البعض يتكلَّم معهما والعياذ بالله بصيغة الأمر وبطريقة فوقية أو مهددة أو متوعدة.
رُوي عن الامام الصادق (ع) أنَّه قال: «من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما». وعنه (ع): «مَنْ نظر إلى أبويه نظر ماقت، وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة»، هذا مع الظلم فكيف من دونه كما هي أكثر الحالات.
تأمل! هل هناك أدنى من «أف»؟
ولعظيم حرمة الوالدين، أنزل الله تعالى في حقهما قرآناً يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، أن قال سبحانه: «فلا تَقُلْ لَهما أفٍ»( الإسراء ، 24).
وعلّق الإمام الصادق (ع) على هذه الآية الكريمة بقوله: «ولو علم الله شيئاً أهون منه لنهى عنه».
هذا في قول «أفٍ» وهي أدنى ما ينطق به الإنسان، فكيف الحال بما هو أعظم من ذلك؟