خانقين، حين تمتزج الأصالة بالحداثة تأوي المدينة اليوم أكثر من 22 ألف أسرة نازحة من مدن السعدية والمقدادية وجلولاء ديالى – غسان العزاوي / تركمان نيوز
مدينة عريقة ، مزجت بالماضي بالحاضر ، واحتضنت أبنائها من مختلف الأعراق والانتماءات لتكون منهم قوس قزح بألوان جميلة ، تمكنت من توحيد القلوب بعد أن شتتها الظروف والحروب ، جمعت نخيل ديالى وجبال كردستان معا ، لتلملم شتات ما مزقته سياسات النظام البائد الخاطئة ،
عرفت بمدينة المعلمين لولادتها أوائل المعلمين في العراق وكذلك مثقفين ومبدعين ، فامتدحها أكثر من شاعر كردي وتغنى بها العرب وتغزل بها التركمان ، حين تسير في أزقتها القديمة الضيقة وتشاهد بناياتها التاريخية تدرك أن خلف كل نقش على جدرانها حكاية وبين كل لبنة وأخرى قصة لم تقصص بعد ،
فهي المدينة التي عاش بها المسلمون والمسيحيون واليهود عبر قرون وعقود على الرغم من النهضة العمرانية التي تشهدها المدينة التي تشق طريقها نحو التطور ألا أنها ما زالت تحتفظ بموروثها من الأبنية التاريخية التي شيدت على أيدي أبنائها القدماء ومازالت الأحياء السكنية القديمة بمظهرها الذي كانت عليه منذ عشرينات القرن الماضي ،
مقاهيها الشعبية ما زالت كما هي ، وجسر الوند التاريخي الذي يعد المعلم الأكثر شهرة في المدينة بقى على مظهره بالرغم من وجود جسر حديدي حديث إلى جانبه حيث يقصده سكان المدينة للعبور بشكل مستمر نظرا لأهميته ،
بقي الجسر بأناقته المعهودة على الرغم من تعرض المدينة لضربات موجعة أبان الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي ناهيك عن عمليات التغيير الديموغرافي الذي مارسه النظام البائد تجاه سكان المدينة الأصليين ممن عرفوا بنضالهم ومقارعتهم للظلم ،
أنجبت المدينة مثقفين ومناضلين وأوائل المعلمين في العراق كما ذكرنا سلفا ، منهم الأستاذ محمود الزهاوي والمشرف التربوي المرحوم عزت نوري والأستاذ عزيز بشتيوان الذي وضعوا اللبنة الأولى للتعليم في العراق وكذلك الفنانة التشكيلية ابتهال توفيق والمذيعة المعروفة خيرية حبيب والمطرب الشاب ماهر احمد ،
إضافة إلى مبدعين آخرين في مجالات الطب والأدب والفن ، معظم أبناء المدينة من الخريجين ومن حملة الشهادات العليا لكنهم مازالوا يحافظون على العادات والتقاليد الدينية و القومية ، وللاطلاع على واقع المدينة المهمة على مستوى القطر اعددنا هذا التحقيق عله يبين أهميتها الإستراتيجية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والسياحية لكونها حلقة الوصل بين ديالى وكردستان أهمية المدينة تقع المدينة شمال شرقي محافظة ديالى على الحدود العراقية – الإيرانية وتبلغ مساحتها الإجمالية 3915 كم مربع فيما تشغل المدينة التي يشغلها المواطنون ما يقارب 1288 كم مربع ،
من توابعها معبر المنذرية الحدودي الذي يعد بوابة العراق الشرقية والطريق الدولي الرئيس الذي يقصده مواطنو دول آسيا للعبور إلى العراق والدول العربية لا سيما أولئك الذين يرومون أداء مناسك الحج المتجهين الى السعودية أو لزيارة العتبات المقدسة في العراق وسوريا ناهيك عن أهميته الاقتصادية لكونه الطريق التجاري الذي يربط العراق بإيران ودول آسيوية أخرى تستورد وتصدر للعراق ،
تتميز المدينة عن غيرها بجوها اللطيف ومناخها المعتدل بسبب موقعها الجغرافي بين المنطقة الجبلية والمنطقة المتموجة وللمدينة نواح تتبعها كالسعدية وقرة تبة وجلولاء وكفري ومئات القرى الزراعية ،
أما نهر الوند فيقسم المدينة إلى قسمين شرقي وغربي ويعد من أهم مصادر المياه في خانقين حيث يسهم في تطوير الزراعة الا انه يقطع بين الحين والآخر لكونه ينبع من المرتفعات الإيرانية وهذا ما اثر سلبا على الإنتاج الزراعي في القرى المحيطة بالمدينة ونواحيها والتي كانت تنتج آلاف الأطنان من الفستق والحنطة والشعير ومحاصيل البساتين من الحمضيات التي تشتهر بها ديالى قبل 2003 حيث يتكون النهر من التقاء ينابيع عديدة تنبع من مرتفعات الحدود الإيرانية وللمدينة أهمية اكبر لاحتوائها على مصفى نفطية كبيرة لا تقل شأنا عن غيرها من مصافي العراق إذ أنها تحتل المرتبة الثانية بعد كركوك من مصافي المنطقة الشمالية ألا أنها توقفت عن العمل في ثمانينات القرن الماضي بسبب الحرب ،
وشهدت خانقين تطورا عمرانيا ملحوظا بعد أن شيدت فيها الجامعات والأسواق الحديثة والعمارات السكنية يبلغ عدد سكان المدينة بحسب آخر إحصائية 180 ألف نسمة بعد عودة سكانها الأصليين ممن هجروا قسرا أبان الانتفاضة الشعبانية والأنفال ، فيما قصدها كثيرون بسبب الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي ووفرة فرص العمل ، معظم أبناء خانقين من الموظفين فيما يعمل البعض بالتجارة بين بغداد واربيل ،
يتحدث اغلبهم اللغة الكردية والتي تنقسم إلى لهجتين السورانية والفيلية الى جانب العربية والتركمانية الأديان في خانقين كانت في المدينة أكثر من ديانة وقومية ولغة ، وهذا ما يميز العراق عن غيرة من البلدان العربية ، في المدينة مساجد كثيرة توازيها حسينيات بعدد اكبر وقد تم استهدافها من قبل المجاميع الإرهابية قبل سبع سنوات ألا أن السلطات في الحكومة المركزية والإقليم أعادت تأهيلها بصورة أفضل مما كانت عليه لتعيد استقبالها للمصلين ،
أما بالنسبة للديانات الأخرى فكانت موجودة كالمسيحية واليهودية ألا أن حرب 1948 أجبرت يهود خانقين على ترك ممتلكاتهم والرحيل كبقية يهود العراق ليقصدوا إسرائيل كدولة مستحدثة تاركين معبدهم المسمى ( التوراة ) والذي يقع في منطقة حاجي محل ليتحول بعدها إلى أكوام طينية بسبب إهماله من قبل الجهات ذات الشأن التاريخي ،
أما مسيحيو المدينة فلم يبقى منهم سوى عدد قليل بعد أنا تركت الأغلبية خانقين متجهة إلى شمال العراق بسبب الحرب التي شهدتها المدينة وقربها من الحدود وما زالت كنيسة (البشارة ) واجهة لخانقين لكنها تشكو الإهمال بعد أن تصدعت أجزاء منها بفعل الظروف المناخية وهو تقصير واضح من الجهات المختصة إزاء صرح تأريخي عريق خانقين والسياحة لا تقل المدينة عن غيرها سياحيا ،
فجمال طبيعتها واعتدال مناخها على مدار السنة جعلها مرفق سياحي مهم ووضعها في مقدمة المدن السياحية ما دفع السائحين إلى قصدها من داخل محافظة ديالى وخارجها لقضاء أوقات ممتعة والتمتع بالمناظر الخلابة التي تمثلها طبيعة المدينة ، وسائل التواصل وأجهزة الإعلام عززت من إظهار الصورة الجميلة للمدينة وهي بمثابة إعلان يستقطب المواطنين لمدينة قريبة منهم لا تختلف عن منتجعات الشمال السياحية بتكلفة اقل أما موقعها القريب من إيران ومحاذاتها لمعبر المنذرية الحدودي اجبر الكثير من المسافرين الأسيويين والعرب على أن يحلو بها ضيوفا للمكوث والراحة خلال فترة السفر ليقصدوا بعدها أماكن سفرهم ،
ولقد أنشأت الحكومة المحلية أكثر من منتجع سياحي ومتنزه وحديقة عامة إضافة إلى مدن الألعاب وفق مواصفات عالمية حتى تجاوز عدد سائحي المدينة الـ 75 ألف سائح خلال أعياد نوروز الأخيرة أي قبل أيام وبالرغم من محاولة النظام البائد اجتثاثها بأكثر من طريقة ألا أنها عادت للحياة من جديد بعد صراعات طويلة هدفت لطمس هويتها العراقية الأصيلة بل تحولت إلى المدينة الأكثر أهمية في ديالى حتى أنها أضحت محل إقامة سياسيين و وزراء في حكومة إقليم كردستان ونوابا ومسؤولين ،
وتحتضن المدينة اليوم أكثر من 22 ألف أسرة نازحة من مدن المقدادية والسعدية وجلولاء وقره تبة يتوزعون في أكثر من أربعة مخيمات كبيرة ، ها هي اليوم تنهض من جديد كاسرة القيود متناسية ماضيها الأحمر الحافل بالأحداث حيث خسرت فيه الكثير من أبنائها النجباء ، ألا أنها لم تخسر مكانتها التاريخية والمعاصرة ، فحين تسمى مدينة متنازع عليها لا تبال لأنها اكبر من ذلك لكونها عراقا مصغرا يحتضن أبنائه من ألوان الطيف العراقي