ميثاق سعد آباد (أو معاهدة سعد آباد؛ بالفرنسية (لغة المعاهدة): Traité de Sa'dabad؛ بالفارسية: پیمان سعدآباد وبالتركية: Sadabat Paktı؛ وبالروسية: Ближневосточная Антанта، وتعني "وفاق الشرق الأوسط"؛ وبالإنگليزية: Treaty of Saadabad) كان معاهدة عدم اعتداء وقعتها تركيا، إيران، العراق وأفغانستان في 8 يوليو 1937. وقد استمر الميثاق خمسة أعوام. وقد وُقـِّع الميثاق في قصر سعد آباد بطهران وكان جزءاً من مبادرة لعلاقات الشرق الأوسط الكبير تزعمها الملك محمد ظاهر شاه من أفغانستان. وقد تم تبادل التصديقات في طهران في 25 يونيو 1938 ودخل حيز التنفيذ في نفس اليوم. وقد سُجـِّل (أودع) ضمن سلسلة معاهدات عصبة الأمم في 19 يوليو 1938.[

الميثاق خططت له المملكة المتحدة، فقد سعت الدبلوماسية البريطانية إلى تقوية نفوذها في الشرقين الأدنى والأوسط، واستخدام هذا التجمع الجديد في سياساتها المناهضة للاتحاد السوڤيتي، وكذلك ضد تنامي الاهتمام الألماني والإيطالي بالمنطقة. بالإضافة لذلك، فقد كانت ثلاثة من الدول الأربعة الموقعة على الميثاق منخرطة في جهود مشتركة لمكافحة الانفصالية الكردية في العراق وإيران وتركيا. وكان الأكراد في تلك الدول قد حاولوا إنشاء دولة مستقلة بإسم جمهورية أرارات 1927-1931.




الفريق بكر صدقي


في العراق، كانت الحكومة العسكرية ذات الميول اليسارية بقيادة بكر صدقي (1936-1937) أقل ميلاً للقومية العربية عن الحكومات العراقية الأخرى. وكان صدقي كردياً ورئيس وزرائه، حكمت سليمان، تركمانياً. ولذلك فقد كانا ميالان لتقوية الأواصر مع جيران العرب من غير العرب. وقد سعت تركيا إلى علاقات صداقة مع جيرانها أثناء لعقها لجراح هزيمتها في الحرب العالمية الأولي.
المفاوضات المبدئية حول ميثاق سعد آباد بدأت في 1935 بسبب تعقد الوضع السياسي، بسبب العدوان الإيطالي على إثيوپيا. وفي 2 اكتوبر 1935، اجتمع وزراء خارجية إيران وتركيا والعراق في جنيڤ، قبيل انعقاد جلسة مجلس عصبة الأمم، وصاغوا نص الميثاق ووقعوا عليه بالأحرف الأولى.




صفحتان من النص الأصلي لميثاق سعد آباد، باللغة الفرنسية.


وفي نوفمبر 1935، انضمت أفغانستان إلى الميثاق المقترح. إلا أنه مر نحو عامين بين التوقيع بالأحرف الأولى والتوقيع النهائي على الميثاق إذ اعتقد المشاركون أن فعالية الميثاق يجب أن تكون كاملة قبل التوقيع النهائي ، وذلك بحل الخلافات الحدودية بين الدول المشاركة قبل التوقيع النهائي على الميثاق. تلك القضايا كانت عالقة بين إيران وأفغانستان، وإيران وتركيا، وأكثر حدة كانت بين إيران والعراق. وقد تمت تسوية الخلافات بين إيران وأفغانستان في نفس العام بوساطة تركية. القضايا الشائكة بين إيران وتركيا تطلب حلها سفر بعثة تركية خاصة إلى طهران في أبريل - مايو 1937 .المقالة الرئيسية: معاهدة الحدود الإيرانية العراقية 1937
وأخيراً في اليوم السابق لتوقيع الميثاق، 7 يوليو 1937، انزاح الخلاف المستمر بين إيران والعراق حول ترسيم الحدود في نهر شط العرب، وكان اتفاقاً نهائياً في تلك القضية قد وقـِّع في 4 يوليو 1937 في طهران. وفي نفس ذلك الوقت، اجتمع في العاصمة الإيرانية وزراء خارجية الدول الأربع، حيث وقعوا ميثاق سعد آباد، وبذلك مشكلين "وفاق الشرق الأوسط" Middle East Entente. تبادل التصديقات جرى في طهران في 25 يونيو 1938، ودخل الميثاق حيز التنفيذ في نفس اليوم، وأودِع في سجل عصبة الأمم في 19 يوليو 1938.

نالت إيران مرادها من تعديل حدود شط العرب، لأن السيادة كانت كاملة للعراق على شط العرب قبل هذه المعاهدة، وبالتالي كل السفن المارة إلى ميناء عبادان كانت تحت السيادة العراقية. إيران قالت في مفاوضاتها قبل سعد أباد ان الحدود القائمة في شط العرب هي انتهاك لسيادتها الوطنية على أساس أن ظروفا غير اعتيادية رافقت عملية ترسيمها بين انجلترا وإيران، في فترة اضطرابات وضغوط سياسية وعسكرية تعرضت لها من تركيا عامي 1913 و1914. المهم هنا أن إيران ربطت بلا مواربة بين موافقتها على انضمام العراق إلى عضوية عصبة الأمم بإزالة الغبن الذي أصابها من جراء توقيعها على "بروتوكول الاستانة 1913"، وهو البروتوكول الذي عين خط الحدود بين تركيا العثمانية التي امتلكت وقتئذ السيادة الكاملة على شط العرب (العراق وريثها القانوني في السناجق الثلاث البصرة وبغداد والموصل) وإيران الشاهية. واستند بروتوكول الاستانة 1913 على اتفاقية أرضروم الثانية 1847 التي ضمنت حرية كاملة لمرور السفن الإيرانية ولكن مع سيادة الدولة العلية العثمانية على كامل شط العرب.
خدمت اتفاقية "سعد آباد"، من منظور مادي وسياسي، مصالح الحكومة الإيرانية وبلاد تركيا وأفغانستان والعراق، لأن جبال أرارات ذات الوضعية الاستراتيجية المهمة ذهبت إلى سيادة تركيا. ومع تعيين خط الحدود الفاصل بين إيران والعراق على أساس ملكية رضا شاه لمنابع النفط في غرب إيران مع السيادة على نصف شط العرب (نهر أروند) على أساس المبادئ الدولية خط القعر أو الثالڤگ[2]، الذي أعطى العراق السيادة على ناقلات النفط الواصلة من وإلى ميناء عبادان والتي توجب عليها دفع مبالغ إلى إيران والعراق الواقع تحت الحماية الإنجليزية. وبعد التوقيع على اتفاقية "سعد آباد" وفي خطبة ألقاها أمام البرلمان الإيراني في افتتاح دورته الحادية عشرة قال رضا شاه: "اتفاقية سعد آباد غير مسبوقة في الشرق في هذا الوقت المضطرب من تاريخ العالم، وهي مساعدة كبيرة لإدامة السلم العالمي."
كان لإيران ما أرادات في النهاية، ثم عادت طهران وعدلت الحدود المشتركة مع العراق في شط العرب مرات أخرى (لاحظ التعبير وتدحرج الموقف من سيادة كاملة للعراق إلى مناصفة إلى تدحرج خط الحدود باتجاه إيران وانتهاء بتفوق إيراني في شط العرب!) مرات أخرى وصولاً إلى "اتفاقية الجزائر" 1975 الشهيرة، التي أعطت إيران أكثر بكثير من حصتها قبل معاهدة "سعد آباد" ناهيك عن بروتوكول الاستانة أو اتفاقية أرضروم الثانية 1847.
وفي 1938، تمكنت تركيا، جزئياً بفضل مشاركتها في وفاق الشرق الأوسط من تحقيق الاستيلاء على سنجق الإسكندرونة من الانتداب الفرنسي على سوريا بزعم أن أغلبية سكانه من التركمان. وأسست على أرضه دولة هاتاي المستقلة، ثم في 1939 أجرت استفتاء ضمت بموجبه اللواء إلى تركيا. إلا أن الفرع التالي من الوفاق (مثل وفاق البلقان ووفاق البلطيق) لم يتطرق إلى السياسة الخارجية كجبهة موحدة، إذ بدت السياسات الخارجية للدول الأعضاء متباينة لتباين مصالحهم وتفضيلاتهم، مما جعل خلق حلف سعد آباد كوفاق الشرق الأوسط غير مؤثر في العلاقات الدولية العامة. وشابهته في قصر العمر جهود تسوية الخلافات الحدودية بين إيران والعراق لتطبيع العلاقات بين البلدين.




مقاتلة بلنهايم MK1 بريطانية دمرتها غارة جوية إيطالية منطلقة من شرق أفريقيا الإيطالي على القاعدة الجوية البريطانية في خورمكسر، مستعمرة عدن، في يونيو 1940. وكانت تلك الغارات الإيطالية أحد الأنشطة التي عمل وفاق الشرق الأوسط على مكافحتها وتطويقها.


وأثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، اتخذ أعضاء وفاق الشرق الأوسط مواقف غير متناسقة تجاه التحالفات المتحاربة. فقد خططت ألمانيا للسيطرة على الشرقين الأدنى والأوسط الغنيين بالنفط، راضين، ولو مؤقتاً، بوجود سوريا ولبنان تحت إمرة نظام ڤيشي الفرنسي التابع للرايخ الثالث، كما قام الألمان بتشجيع الحركات القومية العربية في المناطق الواقعة تحت السيطرة البريطانية مثل فلسطين والعراق، وحاول الألمان كذلك أن يجروا إلى دائرة نفوذهم كل من تركيا وإيران. كما قامت إيطاليا بعدد من المحاولات لإخضاع دولاً عربية لتأسيس دائرة نفوذ لها في اليمن الشمالي، وبالقيام بسلسلة من الغارات العسكرية غير الناجحة على القواعد البريطانية في الجنوب العربي (وبالذات القصف الجوي لمستعمرة عدن). إلا أنه في 1941، تمكن الحلفاء من تحرير سوريا ولبنان، وقد أعقب ذلك إنقلاباً عسكرياً في العراق موالي لألمانيا أدى إلى الحرب الإنگليزية العراقية التي دامت ثلاثين يوماً وهزيمة العراق فيها، أفعال الاتحاد السوڤيتي والدبلوماسية أجبرت تركيا على التخلي عن خططها لدخول الحرب ضد الاتحاد السوڤيتي في جانب ألمانيا. وكنقطة من سلسلة الأحداث في المنطقة، جاء الاحتلال الإنگليزي السوڤيتي لإيران، فإخضاع إيران منع سقوطها في التكتل الفاشي.