البغداديون مازالوا يتذكرون صورة الربل وخيولها والحوذي (العربنجي) الذي يقودها وبيده السوط (القمجي)، وهو جالس في مكان مرتفع من مقدمة عربة الربل بلباسه البغدادي التقليدي (الصاية أو الزبون) ويعتمر في رأسه (الجراوية) أو الكوفية، وصوته الغاضب الذي يخاطب فيه خيوله (دي مال العمى).
هذه العربة التي يسميها العراقيون بـ (الربل) كانت مصنوعة على هيئة صندوق خشبي ولها غطاء يغطى به الراكبون ليحفظهم من المطر في فصل الشتاء وحرارة الشمس في فصل الصيف، وفي بعض الاحيان تكون مكشوفة وهي مغلفة بالربل او الجلد وعليها نقوش بديعة مرسومة بدقة متناهية، وتسير العربة بأربع عجلات خشبية مؤطرة بمادة (التاير) ويجرها حصانان يفصل بينهما ما يسمى بـ (الاوخ) وتوضع في فم كل حصان ما يسمى (قنطرمة) وهذه المواد تصنع من قبل الحرفيين الشعبيين (السرّاجة) والمتخصصين بصناعة المواد والاداوت التي تحتاجها الربلات انذاك. وعن تاريخ دخول اول عربة ربل الى بغداد، حدثنا الباحث التراثي المعروف جميل الطائي قائلا: ان عربة الربل، عجلة خشبية تجرها الحصن مخصصة لنقل الناس بالأجرة، وقد دخلت بغداد بعد دخول القوات البريطانية الغازية للعراق وكانت تسمى عند دخول شوارع بغداد بـ (عربة لندن) لكونها انكليزية الصنع، وقبل دخولها كانت هناك وسائل نقل قديمة مثل الكاري، والتراموي، والبرشقة. ويضيف الطائي: ان عربة الربل كانت تعتبر من وسائل النقل الراقية حيث استقلها الملوك والامراء والوزراء ووجهاء بغداد، كما يذكر لنا الحاج مهدي العزاوي المكنى (ابو عمشة) وهو عربنجي قديم، وان عربة الربل كانت مظهراً من مظاهر الحياة البغدادية القديمة ووسيلة نقل مريحة واجورها مناسبة قياسا بأجور السيارات انذاك.
وقبل فترة غير قصيرة اختفت عربة الربل عن شوارع بغداد الحبيبة ولم نعد نجدها الا نادرا في بعض المناطق البغدادية الشعبية كالكاظمية والرحمانية. وبهذا الصدد نناشد الجهات المعنية أن تعيد الربلات الى الخدمة وقصر سيرها على شارع الرشيد بعد ان تم اعتباره شارعا سياحيا ولايسمح لمرور السيارات فيه الا سيارات الخدمات العامة والربلات، كون شارع الرشيد شارعا تجاريا وتراثيا وسياحيا. اما عن اشهر (العربنجية) ايام زمان فقد ذكر الباحث التراثي المرحوم فخري الزبيدي في احدى مقالاته التراثية اسماء منهم: عبود محمد احمد،عباس الحقار، طه علوان حمزة، شاكر حسون علوان، حميد مزعل، جلوب ابو طالب، سليمان القاضي، غانم المصلاوي، مهدي صالح، ومحمد شيخ عبود .أما اشهر الصنّاع المهرة للربلات في بغداد فهم (أسطة مهدي، صبحي حسين النجار في منطقة الكاظمية، ومحمد حجي اسماعيل.( وفي بغداد كانت هناك اماكن لمبيت عربات الربل تسمى (الطولة) وجمعها (طوايل)، يعمل فيها اناسا متخصصون في رعاية الحصن وتهيئة الربلات صباحا مقابل اجور تدفع لهم، وهذه (الطوايل) منتشرة في بعض المناطق الشعبية البغدادية كالفضل وباب الشيخ والرحمانية وقنبر علي وغيرها. ومن عادة هذه (الطوايل) ان تفتح ابوابها في وقت الفجر، لأن اغلب (العربنجية) يخرجون للعمل مبكرين صباحا،خاصة ايام الاعياد والكسلات.