يقال إن كثيراً من الأطفال تحت سن الخامسة يدمنون مشاهدة التلفاز، ولكن إذا تمت تنشئتهم على أن يصبحوا مشاهدين انتقائيين فإن بإمكانهم في الواقع أن يتعلموا كثيراً من هذا الصندوق القابع في الركن، فكيف يتم ذلك؟ الآباء يجدون عنده السلوى بعد عناء يوم طويل، والأطفال يجدون عنده الأشكال الأروع والألوان الأكثر إبداعاً والآفاق الأوسع.
ويحتل التلفاز الآن محوراً مركزياً في ثقافتنا، فهو دواء عالمي لتعطش الشباب للمعرفة إذا ما أحسن استغلاله، وهو الذي يشبع فضول الأطفال ويجعلهم يجلسون في هدوء حوله بينما تنشغل أمهاتهم بالأعمال المنزلية. وبالنسبة لمعظم الأسر في العالم فإن الحياة دون ذلك الصندوق السحري في غرفة المعيشة قد تبدو وكأنها لا تطاق، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن التلفاز يقدم كثيراً من البرامج المفيدة؛ التعليمية والترفيهية على حد سواء، ولكن أين يكمن الخطر؟
إن مجموعة من الدراسات الحديثة أكدت على أهمية التلفاز وقوة تأثيره على الأطفال بصفة خاصة، ففي دراسة أجريت في جامعة مانشستر على مدى عشر سنوات خلصت نتائجها إلى أن مشاهدة الأطفال الصغار للتلفاز ولفترات طويلة قد تعوق بشدة قدرة الطفل على التخاطب والكلام بالإضافة إلى مهاراته الاجتماعية، لأن جلوس الطفل أمام التلفاز صامتاً دون أن يتحدث أو يتفاعل اجتماعياً مع أفراد أسرته والمحيطين به ولساعات طويلة قد يحرمه من القدرة على التواصل الكلامي السليم ومن فنون التخاطب القويم ومن تكوين علاقات اجتماعية مع أسرته والآخرين.
وتقول الدكتورة (سالي يارد) المختصة في الصوتيات واللغات أن على الآباء معاملة جهاز التلفاز بحذر شديد لأنهم يعتقدون أنه جهاز تعليمي وحسب وهنا يكمن الخطر ففي الحقيقة كلما زاد الوقت الذي يقضيه الأطفال أمامه قل الوقت الضروري لهم لتعلم كيفية التعامل والتفاعل مع الناس فالانتباه والرعاية الشخصية هما اللذان يساعدان الطفل على التعرف على محيطه، ولا يمكن أن يكون التلفاز بديلاً في هذا المجال. وفي ختام دراستها خلصت الدكتورة يارد إلى أن تأخر الطفل في اكتساب لغته في مرحلة مبكرة من عمره ينعكس على تأخره في اكتساب السلوك التخاطبي والتعليمي والعاطفي ويؤدي في نهاية الأمر إلى تزايد المشاكل الاجتماعية.
وتحذر الدكتورة يارد قائلة: (إن الأطفال الذين يدمنون الشاشة لا تنمو لديهم المهارات الشخصية وإذا استمر هذا الادمان فترة طويلة ينشأ خطر أن يتحولوا إلى أناس يعيشون في وحدة وانعزال عندما يتقدم بهم العمر).
ومن الأسباب التي تؤدي إلى إدمان الطفل على شاشة التلفاز انعدام أو نقص الاهتمام والرعاية والدافع في المنزل، وهناك سبب آخر هو أن يكون للطفل أم أو أب من النوع الذي ينام على الأريكة أمام التلفاز.
وللتغلب على هذه الحالة ينصح الخبراء بتشجيع الآباء على قضاء مزيد من الوقت في أنشطة خلاقة كالرسم مثلاً.
ومن عوامل الجذب التلفزيوني أن مشاهدته لا تحتاج لأي مجهود سوى الضغط على زر التشغيل، وفي الحال تضيء الشاشة وينتقل الطفل إلى عالم آخر من ا لخيال، وإذا افترضنا أن الطفل يقضي في مشاهدة التلفاز ساعتين في اليوم فقط، فإن ذلك يعني أنه يقضي ما يعادل 30 يوماً وليلة في السنة أمام التلفاز وهو وقت طويل يقضيه الطفل في ترفيه سلبي وخيال غير خلاق. لذلك ترى الدكتور يارد أن إتاحة ساعة واحدة فقط في اليوم للطفل ليشاهد خلالها برامج أعدت له خصيصاً يكون مفيداً للأطفال قبل سن الدراسة، فالطفل في ذلك السن لا يشاهد التلفاز عادة من أجل المعلومة أو الترفيه فأحياناً يقدم له التلفاز فرصة عظيمة ليعيش بعض الوقت مع أحلام اليقظة أو ليطوف بأفكاره بعيداً، وفي هذه الحالة لا تجد الطفل مستغرقاً بشدة في المشاهدة ويحدث ذلك عادة في أوقات بعينها عندما يكون الطفل بحاجة لبعض الوقت ليخلو بنفسه.
ومحطات البث التلفزيوني تعرف جيداً الأساليب التي تستثير بها خيال واهتمام الأطفال كما يبدو جلياً في أفلام الكرتون، ولكن في الواقع فإن الطفل لا يستفيد كثيراً من هذه الصورة المتحركة الجذابة والمؤثرات الصوتية التي تصاحبها.
والسؤال المطروح هو كيف يحقق المرء استخداماً أمثلاً للتلفاز داخل منزله؟
إن أهم نقطة يجب أن يدركها المرء هي أن سياسة (التفاحة المحرمة) أو الاستغناء عن جهاز التلفاز كلياً لا تجدي كثيراً فما لا يستطيع الطفل مشاهدته في منزله يمكن أن يشاهده في منزل الجيران وهناك قد يبدو الصندوق الأسود أكثر جاذبية وفقاً لمقولة (كل ممنوع مرغوب) وعلى سبيل المثال يكفي أن تمنع طفلك من مشاهدة برنامج بعينه لتجده يتحين الفرصة لمشاهدته سراً وفي مكان آخر.
إن إجبار الطفل على مشاهدة التلفاز في أوقات وجود الأب أو الأم تبدو غير واقعية ويصعب على المرء أن يجلس لفترات طويلة ليرغم نفسه على مشاهدة ما يحب طفله مشاهدته. إن أمثل أسلوب لاستخدام التلفاز في المنزل بالنسبة للأطفال هو أن تجعل طفلك يدرك منذ البداية أن هناك قواعد يجب اتباعها ومن الأفضل أن تنشىء أطفالك ليكونوا مشاهدين (انتقائيين وانتقاديين) وعلى الطفل أن يدرك أن هناك فرقاً بين العالم التلفزيوني والعالم الواقعي الحقيقي، وهنا يجب على الطفل أن يفكر في المسلسلات التلفزيونية كقصة وليس كحياة حقيقية وذلك من خلال استثارة روح النقد لديه، وكمثال على ذلك أن تسأله (ماذا سيحصل في الحلقة المقبلة برأيك؟)، أو (ماذا كان على الشخصية الفلانية أن تفعل في موقف كذا؟).
وهكذا نخلص إلى أن عدد المرات وطول الفترات التي يقضيها الأطفال أمام الشاشة هي من مسؤولية الآباء والأمهات في المنزل، والاختيار المقصود للبرامج والذي يتم من خلال الأب أو الأم والطفل معاً ومن خلال دليل برامج التلفزيون واختيار أفضل ما يمكن مشاهدته.
أما عن أجهزة الفيديو فهي من وسائل الترفيه والتعليم الجيدة لأنها تتضمن قراراً مقصوداً لما تريد أن تشاهده ومتى تريد ذلك وبالإمكان الاختيار بسهولة بين أكثر الأشرطة فائدة ويمكن توزيع الوقت في مشاهدة الأشرطة الجيدة وانتقاء المفيد والجيد منها على ألا يصبح الفيديو بديلاً للأصدقاء أو لمجرد ملء الفراغ وقتل الوقت.