من أجمل قصص حب العرب
كثير عزة
ذكر عن كثير بانه لايملك من المال والجمال مايحب لاجله ولكنه امتلك القلب وفصاحة اللسان .
كان كثير شاعرا كبيرا يقارن بجرير والأخطل والفرزدق . ذات يوم كان يرعى بغنمه . فمر على مجموعة من النسوة، أرسلن إليه فتاة صغيرة لتطلب منه أن يبعهن كبشا، ويأتمنهن على ثمنه حتى الغد . نظر كثير إلى الفتاة الصغيرة فسحرته عيناها، ومن أجل خاطرها قبل الصفقة، وأعطاها الكبش ثم مضى في طريقه . عند عودته التقى كثير بالنسوة، فأرسلن إليه ثمن الكبش مع إحداهن، فراح يسألها عن الصبية التى جاءته في المرة السابقة وعرف اسمها، عزة . وصار يتغنى بها . وكما يحدث لكل العشاق، فكر كثير في الاقتران بحبيبة القلب، ولكن المحظور كان قد وقع .. لقد وصل أمر تشببه بها إلى أهلها، فرفضوا، على عادة العرب أن يزوجوها له . أما عزة فكان لها شأن آخر، لقد أحبت كثيراً، ورضيت أن تلتقى به سراً .
وكان كثير يروي قصص لقاءاتهما في أشعاره، وأكثر من ذلك حتى أن البعض تشكك في صحتها، وتشكك آخرون في إخلاصه لعزة . ومما رواه كثير، ويشبه الاعتراف، أنه سار ذات يوم خلف امرأة منقبة تميل في مشيتها، وظل يطاردها ويطالبها أن تتوقف وتتحدث معه وتعرفه بنفسها .
قالت المرأة المنقبة : ويحك ! هل تركت عزة فيك بقية لأحد ؟!
أجاب كثير : بأبي أنت، والله لو إن عزة أمة لي لوهبتها لك .عندئذ أسفرت المرأة عن وجهها، وكانت المفاجأة المذهلة :
إنها هي عزة بدمها ولحمها !
ويقول كثيراً لخلانه إنه ندم
أشد الندم وراح ينشد :
ألا ليتنى قبل الذي قلت شيب لي عن السم خضخاض بماء الذراح
أقسمت ولم تعلم على خـيانة وكم طالب للريح ليس برابح
حكي أن زوج عزه أراد ان يحج بها فسمع كثير الخبر فقال :والله لاحججن لعلي افوز من عزه بنظره. فقال فبينما الناس في الطواف اذ نظر كثير لعزة وقد مضت الى جمله فحيته ومسحت بين عينيه وقالت :حييت يا جمل فبادر ليلحقها ففاتته فوقف على الجمل وقال:
حيتك عزه بعد الحج وانصرفت فحي ويحك من حياك يا جمل
لو كنت حييتها ما كنت ذا سرف عندي ولا مسك الادلاج والعمل
قال فسمعه الفرزدق فتبسم وقال له: من تكون يرحمك الله؟ قال انا كثير عزه فمن انت يرحمك الله؟ قال:انا الفرزدق بن غالب التميمي قال : انت القائل:
رحلت جمالهم بكل اسيلة|| تركت فؤادي هائما مخبولا
لو كنت املكهم اذا لم يرحلوا|| حتى اودع قلبي المتبولا
ساروا بقلبي في الحدوج وغادروا|| جسمي يعالج زفرة وعويلا
فقال الفرزدق :نعم.قال كثير:والله لولا اني بالبيت الحرام، لاصيحن صيحه افزع بها هشام بن عبد الملك وهو على سرير ملكه . فقال الفرزدق والله لأعرفن بذلك هشاما ، ثم توادعا وافترقا . فلما وصل الفرزدق الى دمشق دخل الى هشام بن عبد الملك فعرفه بما اتفق له مع كثير .فقال له : اكتب اليه بالحضور عندنا لنطلق عزه من زوجها ، ونزوجه اياها .فكتب اليه بذلك فخرج كثير يريد دمشق فلما خرج من حيه وسار قليلا رأى غرابا على بانه، وهو يفلي نفسه وريشه يتساقط فاصفر لونه ،وارتاع من ذلك وجد في السير ،ثم انه مال ليسقي راحلته من حي بني فهد وهم زجرة الطير فبصر به شيخ من الحي فقال:يا ابن اخي أرأيت في طريقك شيئا فراعك؟ قال نعم يا عم رأيت غرابا على بانه يتفلى وينتف ريشه . فقال له الشيخ : اما الغارب فانه اغتراب ، والبانه بين ، والتفلي فرقه فازداد كثير حزنا على حزنه لما سمع من الشيخ هذا الكلام وجد في السير الى ان وصل الى دمشق ، ودخل من أحد ابوابها فرأى الناس يصلون على جنازه فنزل وصلى معهم، فلما قضيت الصلاة صاح صائح:لا اله الا الله ما أغفلك يا كثير عن هذا اليوم؟ فقال: ما هذا اليوم يا سيدي فقال: ان هذه عزة قد ماتت وهذه جنازتها فخر مغشيا عليه فلما افاق أنشأ يقول :
فما اعرف الفهدي لا در دره|| وأزجره للطير لا عز ناصره
رأيت غرابا قد علا فوق بانة|| ينتف أعلى ريشه ويطايره
فقال غراب واغتراب من النوى|| وبان بين من حبيب تعاشره
ثم شهق شهقة فارقت روحه الدنيا , ومات من ساعته, ودفن مع عزه في يوم واحد.
منقول