النتائج 1 إلى 8 من 8
الموضوع:

" نهب حضارة وتاريخ العراق "

الزوار من محركات البحث: 126 المشاهدات : 902 الردود: 7
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    qamar
    تاريخ التسجيل: February-2014
    الدولة: Nasiriyah
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 27,507 المواضيع: 3,131
    التقييم: 7377
    مزاجي: الحمدالله
    المهنة: Student
    أكلتي المفضلة: ڊوُلُمْة
    موبايلي: x1 + note3
    آخر نشاط: 4/March/2024
    مقالات المدونة: 5

    " نهب حضارة وتاريخ العراق "

    " نهب حضارة وتاريخ العراق "
    تحليل ودراسة موجزة
    لكتاب " كيف نهب العراق تاريخاً وحضارة "
    لمؤلفه الصحفي " فيليب فلا ندران " .

    أعدّها عادل الشمّري
    مقدمة :
    إنّ الكتاب المذكور يحمل عنواناً مهماً يخصّ تراث العراق الحضاري ، هوية هذا الشعب ذو التاريخ الممتد لأعماق التاريخ الطويل للإنسانية وعلاقة هذا التاريخ بالحضارة العالميّة . إنّ الشعب العراقي تعرّض لأبشع عملية إبادة بشرية وقمع وحشي وتشويه المكوّنات الحضاريّة والإنسانيّة وتمّت سرقة آثاره الحضاريّة وثروته التي وهبها الله لـه.
    ولم يستطع هذا الشعب بسبب القهر والتدمير الذي تعرّض لـه على يد الديكتاتوريات على طول تاريخ تكوينه والتي أدّت في آخر المطاف إلى فتح الأبواب للاحتلال ودخول أبشع الجيوش التي أباحت كرامة هذا الشعب وقدسية أرضه ، فكانت نهاية الظلم والقتل لهذا الشعب ليحلّ محلّه الخراب والدمار والنهب المنظّم بسبب تواجد الاحتلال وقواته الغازية .
    ومن خلال مطالعة الكتاب ومعرفة ما ورد فيه من أفكار وإشارات من هنا وهناك نلاحظ أنّ هناك جهات منظمة عملت على نهب التراث الحضاري وهي :
    أولاً- تجار الآثار وسرّاقها أثناء الحملات والبعثات التي أرسلت للبحث والتنقيب على آثار وادي الرافدين خلال فترة الحكم العثماني والانتداب البريطاني وحتّى فترة الخمسينيات وهي البعثات البريطانية والفرنسية والألمانية ، وخلال هذه الفترة نقلت أهم المستكشفات الأثرية التي تدلّ على تاريخ وحضارة وادي الرافدين قبل عصور التاريخ وبعده .
    ثانياً - الأفراد والجماعات المنظمة التي أشرف عليها ابن الطاغية ( صدام ) الأكبر " عدي " حيث نقلت أهم المقتنيات الأثرية وبيعت بأغلى الأثمان .
    ثالثاً- اللصوص والسرّاق والذين أطلق عليهم المؤلف ( علي بابا ) بعد الاحتلال وأمام أنظار القوات الأمريكية وعلى معرفة تامة بها .
    رابعاً- العصابات الدوليّة المنظمة والتجار المتعاونين معها التي نهبت المتاحف وخزائن المصارف الرسمية هادفة إلى الحصول على الأموال الطائلة من وراء ذلك النهب المنظّم .
    خامساً- والأهم من كلّ ما ذكر وهذا هو اعتقادنا أنّ هناك أهدافاً سياسية عالمية تسعى إليها الصهيونية وهي سرقة تراث العراق لإفراغه من أهميته التاريخية والحضاريّة.
    إنّ الحقيقة التي يعرفها الكثير من الباحثين والسياسيين هي أنّ هناك الكثير من اليهود الأمريكيين والبريطانيين الذين كانوا ضمن القوات المحتلة ، والذين لهم اهتمام بالبحث عن الآثار والتراث اليهودي في أرض الرافدين من أجل نقله إلى إسرائيل ، وربما كانت المنظمات العالميّة لتجار الآثار وبالتعاون مع اللصوص والسراق المحليين قد أخرجوا الكثير من هذه التحف الأثرية المسروقة من المتاحف أو المناطق الأثريّة أثناء الحرب وبعدها واستطاعوا إخراجها إلى خارج الحدود لأسواق الأردن والكويت والسعودية وهناك تكون الجهات والمنظمات الصّهيونيّة والأوروبيّة لها بالمرصاد وشرائها بأغلى الأثمان ، وهكذا تمّ التخريب والدمار وتحققت أهداف العدوان بما فيها إفراغ العراق من حضارته وتاريخه .
    بين الاحتلال الأمريكي واللصوص نهب العراق حضارة وتاريخاً
    إنّ كتاب " كيف نُهب العراق " هو مبادرة قيّمة لكشف حقيقة النهب والسرقة المنظّمة ، وربما كان ذلك مدبّراً ومقصوداً لشبكات عالمية أرادت الحصول على أكبر قدر ممكن من الآثار المهمّة المعبّرة عن حضارة وتاريخ وادي الرافدين ، والدليل هو حجم الكارثة الكبير في عملية نهب متحف بغداد والمواقع الأثرية في أور ، وآشور ، وبابل، وآكد .
    إنّ القوات المحتلة أطلقت أيدي اللصوص والتجار للنهب والتخريب لحضارة وادي الرافدين رغم أهميتها البالغة التي لا تقلّ عن أهميّة تراث مصر القديم .
    أما ما ورد في الكتاب من أنّ الرئيس الأمريكي " جورج بوش " قد حذّر القوات العسكريّة الأمريكيّة ووزارة الخارجي ووكالة الاستخبارات المركزيّة والجمعية العليا قبل الحرب حيث أشار في تحذيره إلى وقوع عمليات نهب وسرقة للمؤسسات الثقافية الكبرى مثل المكتبة الوطنيّة والمتحف العراقي في بغداد ، أثناء الحرب ، وخلال تواجد القوات الأمريكيّة في أرض العراق ، هذا التحذير الذي جاء قبل الحرب بقليل ، ولم تتخذ لتطبيقه إجراءات فعلية ، نعتقد وكلنا ثقة بأنّها عملية تمويه دون اهتمام كبير لإيهام العالم عند حدوث الكارثة التدميرية بأنّها غير مقصودة ولم يكن بالإمكان السيطرة عليها ، والذي أكّد اعتقادنا هو ( حماية وزارة النفط ) دون غيرها من مؤسسات العراق الكبرى ، وقد تمّت التغطية لذلك بحملة إعلامية واسعة تدعو إلى الاهتمام من قبل القوات الأمريكيّة في إعادة كافة المسروقات المهمّة ، ومنها آثار ومقتنيات المتاحف والمواقع الأثرية ، وأظهرت الحملة الإعلاميّة الأمريكيّة اهتمام الجيش الأمريكي بالجمع والتفتيش والإعادة ، لكلّ الآثار المسروقة ومتابعتها في الأسواق العالميّة ، هذه هي الخطة التمويهية للاحتلال حول نهب اللصوص وعوام الناس الذين سهّل لهم الاحتلال وسمح بذلك جيش الولايات المتّحدة القوة العظمى التي ادّعت عدم إمكانية حماية المؤسّسات العراقيّة تلك الادّعاءات الباطلة والمقصودة الهدف .
    إنّ ما حدث في العراق من نهب وتدمير أرادت القيادة الأمريكيّة من وراء ذلك تحقيق هدف سياسي هو أنّ ذلك سببه رغبة الجمهور في تحطيم غطرسة الحاكم ونزعته " الديكتاتورية " وكبريائه وشعوره بالعظمة والتعالي التي كان يشعر بها بأنّه مرتبط بماضٍ مهم ومجيد يمتدّ ما قبل الحضارة وما بعدها ، هو تاريخ أجداده العظام ، في بابل، وآشور ، وسومر .. إنّ تدمير التراث هو تدمير الأمّة بروحها وقيمها .. إنّ هذه الكارثة لها أثر مهم في التاريخ الإنساني العالمي ولم يهتم بها السَّاسة في واشنطن واعتبروها قضية ثانوية وبدأوا يناقشون الأهمّ منها حسب اعتقادهم وهو موضوع الدولة وحكومتها وتشكيلاتها من المكونات التي رُسمت لها حسب التقسيم الطائفي المقيت ( الشيعي والسنّي والكردي ) واعتبروا هذا التقسيم وتشكيل الحكومة على أساسه هو الذي يرضاه ويهتم بـه الشعب العراقي وحسب رأيهم أنّه أفضل من صيغة 1921م التي جاء بها الإنكليز من حكومة قهرية سنيّة ودموية صدامية. هذا هو المنطق الباطل حقاً لما يراه شعبنا ويرفضه.
    إنّ عدم النظر والإشارة إلى التقصير المسيء والمتعمّد لحكومة الولايات المتّحدة وترك الفوضى التي حدثت في نيسان 2003 وسرقة الحضارة وآثار العراق وعدم الاهتمام من قبل الإعلام العالمي ماهو إلاّ عدم اعتبار للشعب العراقي وتراثه .
    كما أنّي من خلال مطالعة الكتاب وجدت وصفاً للمواقع الأثريّة في العراق والسفرة الصحفية لكشف المعالم الأثريّة وموجوداتها ، كان الهدف منه حب الإطلاع والمعرفة الصحفية أكثر مما هو البحث عن الحقيقة المفقودة ، ولم يحمّل الكتاب القوات الأمريكيّة ولا حكومة جورج بوش أيّ تبعيّة على ما حدث ، كما أنّني فهمت أنّ العنوان لا ينطبق على مضمون الكتاب .
    " نهب بلاد سومر "
    إنّ تحطّم النظام العام في نيسان 2003 وانهيار الدولة العراقيّة كان من نتائج ذلك النهب للخيرات الخاصّة والعامّة في مجمل البلاد ، وأكثر ما استهدف اللصوص والمجرمون من كلّ لون وجنس هو الأماكن الأثريّة الغنيّة بكنوز لا تقدّر بثمن ، لقد اختفى الكثير من الشواهد الأثريّة التي تمثّل حضارة ما بين النهرين ، واستمر النهب بالحفريات غير الشّرعية التي تجري بالمدن القديمة ، ومنها مدينة " سومر " ، وسبب ذلك فقدان القانون والأمن نتية للاحتلال ، وانهيار الدولة ومؤسساتها . إنّ نهب سومر وبقية المدن الأثريّة خسارة كبيرة ليس للعراق فحسب بل للإنسانية جمعاء .
    إنّ مرتكبي هذه الجرائم هم " ألمافيات " التي تسيطر على النهب والتهريب العالمي للتحف الفنيّة والآثار المهمة ولا ندري ما هو السبب الذي جعل الجيش الأمريكي يترك الأمور سائبة وترك من هبّ ودبّ ليقوم بالتخريب والسرقة ؟! إنّه أكبر جيش ديمقراطي لدولة كبرى كما يدّعون .
    " أور وبيت علماء الآثار "
    بدأت رحلة كشف الدليل ومعرفة الجاني ( لتدمير وسرقة الآثار " صيف 2003م الساعة الثانية ظهراً ومن ( تل عبيد الأثري ) الذي ترقد فيه أرواح أسلاف حضارة وادي الرافدين ، إنّ ثقافة هذا الموقع الأثري بزغت في بداية الألف السادس وانتشرت على مدى ألف وخمسمائة سنة ، كما تحدّث عن ذلك " أمير الحمداني " المرشد لآثار هذا التل الذي رافق البعثة الإعلاميّة التي أرادت معرفة حقيقة ما حدث للكنوز العراقيّة الأثريّة نتيجة هذه الحرب العدوانية على حضارة وادي الرافدين .
    احتكت ثقافة ( تل عبيد ) بثقافة ( تل خلف ) في الأناضول والعربشاهية قرب الموصل . وقد صنع سكان ( تل عبيد ) خزفاً نقياً وصدّروه بطرق نهرية وبحرية إلى شمالي ما بين النهرين وشواطئ الخليج ( العربي ) وإلى بلاد العرب . وكانوا يسكنون في منازل عائلية واسعة ويحبون تماثيل النساء ويشيدون المنصات لكي يجعلوها قواعد " للزقورات " التي تكون على شكل أبراج تسكن فيها الآلهة كما يعتقدون، وفي الممات تدفن فيها الحلي والآنية الفخارية .. كان ذلك في الألف الرابع .
    إنّ ( أمير دوحي ) مرشد الآثار السومرية هو ابن العشيرة العربيّة التي جاءت من الجزيرة في الفتح الإسلامي وقد رافق وأرشد البعثة الصحفية مع مترجمه (أمير دوشي) الذي قال بفخرٍ : " إنّهم أجدادنا " ، ويقصد بذلك التراث الذي يوجد في هذه الموقع الأثريّة.
    إنّ الموقع الذي نحن بصدده هو ( تل عبيد ) صاحب الحضارة والثقافة الأم في فجر سومر ومنطقة ( أور ) قرب زقورة القمر ، أحد أبراج بابل ، التي تحدث عنها (سفر الخروج ) ، ويشير البحث عن المعرفة في هذه الأماكن . إنّ هذه المنطقة أصبحت موقعاً عسكرياً للقوات الأمريكيّة وإنّ أهم معلم أثري فيها هو ( زقورة نانّا ) التي ترتفع اثني عشر متراً على قاعدة مستطيلة ، تمّ اكتشافها في سنة 1922م -1923 م من قبل ( السير تشارلز ليونارد ) مبعوث المتحف البريطاني ، وقد أسهب الكتاب في شرح مطوّل لهذه المواقع وما فيها من قصص وملاحم وحكايات يطول وصفها ، للتعرف على ثقافتها وتاريخها وملوكها وصناعاتها والأناشيد التي قيلت في الآلهة التي تعبد ، وهذا ما نراه في كثرة الوصف والشرح الطويل ، غير ما فهمناه من عنوان الكتاب ، حيث فهمنا منه ، المعنى السياسي والكارثة التي حلّت بسبب دخول القوات المحتلة ، ولم يراودنا أنّنا سنجد أناشيد وحكايات وملاحم مطوّلة لما مضى من التاريخ ووصف معمّق لما كان وصنِّع في هذه المواقع ، كنا نريد أن نعرف حقيقةً هي : " ما هو دور الاحتلال بسرقة الآثار " ؟
    إنّ هذه المواقع بعد دخول القوات الأمريكيّة وسرقات اللصوص ( علي بابا ) لآثارها وحدوث التخريب والدمار ، أصبحت ممنوعة الدخول لأهل البلاد إلاّ بموافقة القوات التي جاءت من خلف البحار .
    وفي مدينة ( أور ) آثار مدينة ( أريدو ) أولّ مدينة بناها الإنسان على هذه الأرض.
    إنّ أفراد الجيش الأمريكي هم الوحيدون المسموح لهم بالتجوّل في هذه المواقع الأثرية ولهم ما يريدون من دون ناظر أو رقيب ، وهم يرون أنّ هذه الآثار والمواقع القديمة قدم التاريخ تربطهم بتاريخهم ودينهم وماورد في ( التوراة ) عن موقع ( أور ) دليل قاطع للعلاقة الوثيقة كما تراها الرقيبة العسكريّة في الجيش الأمريكي ( هلتون ) المهتمة بقراءة ( التوراة ) بشكل دائم كما تقول وتحمله معها ، أنّها عرفت أهمية ( أور ) من خلال قراءة آية في ( سفر التكوين ) تثبت أنّ ( أور ) هي موطن إبراهيم ، ولذلك أثارت فيها الحماسة وطلبت من مرشد الآثار ( أمير الحمداني ) أن يشرح لها عن هذه المدينة المقدسة والتي ورد ذكرها في (التوراة ) في آية من ( سفر التكوين ) تقول : " وأخذ تارحُ أبرامَ ابنه ولوط بن هاران ابن ابنه وساراي كنته امرأة ابرام ابنه فخرج بهم من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان فجاؤوا إلى حاران وأقاموا هناك " .
    هذه الآية ، وهذا الاهتمام من الرقيبة ( هلتون ) الذي أوردها الكتاب ، نتساءل : ماذا يريد المؤلف من كلّ ذلك الاهتمام والوصف وما علاقته بالنهب والسرقة ، وأيّ ترابط بينهما ؟ لا يوجد حسب اعتقادنا ، إلاّ اللهم إذا كان أمراً خفياً وزاغ عن الأبصار .
    أما ( أمير دوشي ) وهو من نفس المنطقة ، ومن عشائرها العربيّة فهو مترجم لمرشد الآثار ( أمير الحمداني ) يفضّل نظرية ( فرويد ) الخاصّة بالأفعال الناقصة ، كما أنّ وجود الجيش الأمريكي لا يزعجه بل وجوده يسبب لـه الرضا والارتياح حيث أنّ صدّام كان بالنسبة لـه وللآخرين من سكان المنطقة شيطان ، والعراق في عهده جهنم حقيقية ، ويبقى الأمل الذي أعطاه ( ابراهيم ) لمدينة ( أور الكلدانيين ) المحررة على يد عشاق (التوراة ) . إنّ هذا التحرير الذي جاء بـه الأمريكيّون بنظر ( أمير الحمداني) ومترجمه ( أمير دوشي ) هو أبواب الفردوس والانطلاق . إنّ هذين الشخصين هما من أبناء العشائر العربيّة الكبيرة الشيعية في المنطقة التي تتقاسم جنوب هذا البلد والسؤال : ما علاقة هذا الوصف بعنوان الكتاب ؟ لا نريد التعليق . بل يضيف المؤلف بكتابه أمراً آخر يستحق السؤال من قبلنا ، وهو للأسف : يصف سكان المنطقة بأنّهم من ( الشيعة المعارضين ) . وهنا قادنا إلى فكرة أخرى مفادها ( سنية موالية ) و ( شيعية معارضة ) ويقصد بالمعارضة والموالية ( للنظام السابق ) .. وهذه ليست الحقيقة كما يراها المؤلف، اللهم إلاّ إذا أراد ( شيئاً في نفس يعقوب ) ، والحقيقة التي يقولها الشعب العراقي بكلّ طوائفه وقومياته إنّ نظام صدام لم يفرّق بين هذا وذاك في القتل والإبادة . فلماذا أثار المؤلف وفي وقت مبكّر من دخول قوات الاحتلال هذه النظرية ، هل هو يقصد أمراً ما فيها ؟ نرجو أن لا يكون ذلك وأن يكون حدسنا في غير محلّه .
    ولكن نرى أنّ المؤلف سوّّق لنا فكرة أخرى عن قبائل الجنوب العربيّة القادمة من الجزيرة واليمن واختلاطها مع العشائر ( الآرية ) الموجودة في المنطقة منذ العصور السومرية كما ذكر لنا . ولا نعلم هل كان القصد من كلمة ( اختلاطها ) هو فقدانها لعروبتها وجذورها الأصليّة في الوقت الحاضر . نرجو أن لا يكون القصد من وراء ذلك يحمل معنيين ( مخفي ومعلن ) . إنّ الكثير مما ورد في الكتاب لا يشير إلى معنى الكتاب ولا يوجد ربط بينهما .
    ثمّ يقودنا الكتاب إلى أمر آخر وهو ظلم ( صدام ) وكرهه لأهل المنطقة وحقده عليهم وإشعاله الحرب العراقية الإيرانية التي أزهقت الأرواح وسفكت الدماء الكثيرة ، ويصف لنا الرعب والخوف الذي حلّ بأهل الجنوب حيث زجّهم بالمحرقة المرعبة " محرقة الحرب " . ثمّ يصف لنا الكتاب أنّ شعوب بلاد الرافدين كيف عاشت بسلام ومحبة في ظل ( السّلطة العثمانية ) كما في ظلّ ( الخلافة العباسية ) .
    إنّ ما اكتشف من آثار ومصنوعات ذات قيمة تاريخية لهذا الشعب في مدينة (أور) أصبحت تلك المكتشفات رمزاً لهوية شعب بلاد الرافدين المجتمعين في قلب العراق . كما تشهد ( قبور أور ) ببلاغة وعظمة المدن للدول الأولى لهذا الإرث العام . وهي تؤكّد أيضاً على قوة الأفكار التعبيرية قبل ولادة الفلسفة بزمن طويل.
    ويستمر الكتاب في سرد القصص والأناشيد والحكايات ، ويستمر في وصف المكتشفات الأثريّة في ( أور ) وبقية المناطق الأثريّة ، حيث يسهب كثيراً في هذا الوصف ليعطينا دلالات حقيقية لحضارة هذه المدن وكيفية تعامل شعبها مع قادته وحكامه القساة في ذلك الزمن القديم قدم الحياة الإنسانيّة . نورد مثلاً واحداً من تلك الملاحم القديمة التي وردت في الكتاب رغم أنّنا لا نعرف ما هي العلاقة بين ( نهب العراق حضارة وتاريخاً ) وبين ما أورده الكاتب من قصص وملاحم وأوصاف كثيرة .
    إنّ مثلنا الذي نريد عرضه مما ورد في الكتاب وهو قليل من كثير حيث أنّ من الروائع التي عثر عليها في ( أور ) لوحة تمثّل ( علماً ) موجودة الآن في المتحف البريطاني ، هذه اللوحة بها صفحتان تمثلان ( الحرب والسلم وهي أول رسم متحرك كما يراه ( أندره باور ) .
    فصفحة الحرب تمثل ثلاث مراحل هي (1) سهرة للسلام (2) انطلاق الجيش أي المسيرة (3) الهجوم الشرس الضاري ، وهي أقدم معركة بالمركبات والمشاة . وتشير اللوحة إلى انتصار ( جنود أور ) على أعدائهم ، كما لا يظهر باللوحة تاريخ للمهزوم.
    أما صفحة ( السلم ) فمن مراحلها الطبقات الدنيا موكب المهزومين ، يتقدّم لدفع الجزية ، وتقديم الاحترام إلى ملك ( أور ) . ثمّ إقامة مأدبة ( نشيد الحرب والسّلام ) . كانت الأناشيد في بلاد الرافدين توضّح صورة البطل ( غلغامش ) وهو شخص أسطوي تشير إليه جميع الروايات التي ولدت أقدم أساطيرها في بلاد ( سومر ) . فملحمة (غلغامش) أنشدت قبل ولادة الكتابة ( المسمارية ) ومثلت صورة ( لطاغية دموية ) . من هذه الملحمة :
    ضمن أسوار أورك ، هو لايكفّ عن التجوال .
    يتظاهر بأنّه أقوى ، مثل جاموس ، شامخ الرأس .
    لا مثيل لقرقعة سلاحه ، يصغي إليه رفاقه وقوفاً .
    ثائر عنيف ليل نهار ، إنّه مع ذلك راعي أوروك ضمن الأسوار .
    هذا القسم من الملحمة يظهر ثقافة الحرب والقوة والطغيان في تلك الحقبة التاريخية لشعوب الأرض .
    ثمّ يستمر الكتاب بسرد مطوّل لهذه الثقافات والملاحم التي تستوجب على القارئ المهتم بمعرفة تلك الثقافة الحصول على الكتاب والاطلاع على ما جاء بـه .
    المترجم ( أمير دوشي ) يشرح مطولاً عن الملاحم للبعثة الصحفية في منطقة (أور) والتي كان يرافقها مرشد الآثار ( أمير الحمداني ) ويعبر من خلال الشرح أنّ التوازن الذي حدث في أسطورة ( غلغامش ) هو دخول ( إنكيدو ) على المسرح .
    ويظهر بشكل مفاجئ أمام البعثة الصحفية حارس الآثار ( غافر البلدي ) الذي لم يحضر من قبل ، ويعتذر عن سبب تأخّره في الحضور ، وأرشد البعثة ورجالها ومن كان معها إلى ( بيت علماء الآثار ) البيت الذي أسسه منقب الآثار ( وولي ) سنة 1922 الذي كان آنذاك مع البعثات الاستكشافية الأوروبية . وهو بيت مستطيل الشّكل تفتح أبوابه ونوافذ على فناء مكشوف ، اشبه بمساكن ( أور ) القديمة . وقد وصل ( وولي ) إلى (أور) برفقة وكيل أعماله ( خوجا حمودي ) والعالم بالنقوش ( سيدني سميث ) وقد تعرفا إلى (لورنس العرب ) سنة 1911م في ( كركميش ) على الشاطئ الغربي للفرات ، وعلى بعد ألف كيلو متر شمال (أور) . وكان لورنس العرب يتدرّب على علم الآثار بإشراف ( وولي) . وفي سنة 1913م سافر الثلاثة إلى إنكلترا بصحبة المصور ( داهوم ) الذي كان يصاحب لورنس العرب عشية الحرب العالميّة الأولى . حيث دخلوا إلى جنوب صحراء سيناء عند الحدود العثمانية في إطار مهمة ( تجسس ) على المواقع التركية لحساب مكتب الحرب ، وهذا ما يدعونا للربط بالحرب التي وقعت على العراق ودور عصابات التجسس وسراق الآثار المشاركين مع جيوش الاحتلال لكي تسرق آثارنا المتبقية ونعود ( لبيت علماء الآثار ) الذي أسسه ( وولي ) في ( أور ) حيث أصبح مقراً رفيعاً للحياة السّياسيّة والثقافية للانتداب البريطاني الذي استقر في العراق 1920م وللكتاب شرح مطول حول ذلك .
    عين الملك فيصل الأول 1922 ( جرترودبل ) مشرفة على الآثار العراقية وقد تعرّف عليها ( لورنس العرب ) في ( كركميش ) وهي عالمة آثار ورسامة خرائط وتعمل كذلك عميلة سرية للبريطانيين في العراق وتدخل على مسرح الآثار ( كاترين كيلنغ ) عالمة آثار ومثقفة أسكنها ( وولي ) في القاعة الكبرى قرب قاعة ( العاديّات ) . وكان (وولي ) يزورها دائماً ليعرف اكتشافاتها ، ولدت ( كاترين كيلنغ ) 1888م من أب ألماني مهاجر من إنكلترا ، تابعة دروساً في التاريخ المعاصر في جامعة ( اكسفورد ) وعملت في بغداد مع زوجها بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى ، وجميع من عمل في حقل الآثار العراقيّة تقريباً كانوا من العملاء السريين الغربيين وسرقوا ما فيه الكفاية من آثارنا سابقاً. أقام الكثير من علماء الآثار والقائمين عليها في ( بيت علماء الآثار ) في أور في سنوات 1928م و 1929م وأكثر من هذا التاريخ واكتشفوا الكثير من الآثار المهمة .
    فالحارس ( غافر البلدي ) الذي أرشد البعثة الصحفية إلى البيت المذكور كان حارساً لأكثر من عشرين سنة ، واليوم يمنعه النظام العسكري الأمريكي المقيم في الموقع الأثري من مغادرة المكان قبل الصباح الباكر ، لذلك لا يستطيع منع اللصوص الذين يسرقون الآثار أثناء الليل وفي الظلام ، هذه الآثار الغنية بتاريخها منها ( أختام أسطوانية، خزف ، مسلات ، منحوتات .... الخ ) ولا يستطيع أن يقول من هم اللصوص ، عراقيون أم جنود أمريكيون .. الإنكليز سرقوا آثارنا سابقاً والآن دور الأمريكان ومن يسمحون لهم .
    إنّ الروائية " أغاثا كريستي " التي جاءت إلى (أور) سنة 1928م وتزوجت بـ (ماكس مالوان ) 1930 تصور ( السير ليونارد ) في روايتها ( جريمة في بلاد مابين النهرين) التي طبعت في لندن 1935م أنّه دخل باسم ( الدكتور لايدنر ) الذي قتل زوجته لأنّها تثير المشاكل وتعتبر هذا الأمر لغزاً مشابهاً إلى الألغاز التي تمّت سرقة الآثار من خلالها . وقد تمّ اكتشاف شخص يدعى ( راوول مونيه ) نصاب تعرفه مكاتب الشرطة الفرنسية حقّ المعرفة يقوم بسرقة الآثار . وهذا الشخص اختصاصي في سرقة موجودات المتاحف من التحف الثمينة وهو مخادع مشعوذ يمتلك أنواع الهويات التي يصل بواسطتها إلى الكنور التي يريد سرقتها . ادعى ( مونيه ) في أور أنّه ( الأب لا فنيي ) العالم بالنقوش وقد جاء ينقل للدكتور ( لايدنر ) كلمة السر الخاصّة بالكتابات المدونة على الألواح المكتشفة : ويدخل ( مونيه ) تحت الاسم المستعار ( لا فنيي ) إلى غرفة ( الآثار المهمة ) ويضع قوالب يصنع فيها نسخ للتحف الأصلية التي يريد سرقتها ويضعها بدلاً منها ويشاركه صديقه التركي ( علي يوسف ) وهو صائغ ، وتباع المسروقات الأصلية بأسعار خيالية ، وهكذا تمّت سرقة آثارنا سابقاً وسنرى مستقبلاً ما يسرق من آثارنا اليوم. وهذا ما يحزّ في نفس ( أمير الحمداني ) الذي يرى أنّ آلافاً يعملون اليوم على سرقة التحف الأثريّة وإخراجها للأسواق العالميّة حيث يتمّ بيعها . عندما سمعت الرقيبة الأمريكيّة في القوات العسكريّة ( هلتون ) الموجودة في الموقع القصص الطويلة حول سرقة الآثار والتي أخبرها بها ( أمير الحمداني ) حيث أنّها أصيبت بصدمة من تلك القصص ، ووعدت بأنّها ستعلم النقيب ( ستوكل ) رئيسها المباشر بالأمر وسوف يتخذ بنفسه تدابير الحراسة المشددة على الموقع الأثري في مدينة ( أور ) ، ويبقى الحديث الذي أدلى بـه الحارس ( غافر البلدي ) عن اللصوص هل هم من خارج القاعدة ؟ أو من داخلها ؟ ولم يشر الكتاب التي تفسير ذلك غير أنّه أشار إلى أنّ اللصوص هم ( علي بابا ) . هذه هي التسمية التي أطلقت على سراق الآثار .
    " لا غاش ومواقعها "
    في الخامس عشر من آذار 2003م كانت الرقيبة ( هلتون - فادنر ) مع الجيش الأمريكي المحتل لبلاد ما بين النهرين هذه المنطقة التي كانت شعوبها تدعى ( ثريدة الشعوب ) موطن الكتابة والأدب ، خلف البحيرات التي جففها ( صدام ) حتّى يطرد شعبها المتمرد عليه ، في هذه الأرض من بلاد ( سومر ) القديمة ، بدأت الجيوش المحتلة مهاجمة الجيش العراقي من منطقة الناصرية ، حيث ( سهل أور ) جنوبها ، وشمالها (سهل لاغاش ) منافسة أور ، إنّ منظر هذه الجيوش يعيدنا إلى ذلك المشهد الذي حدث في أقدم العصور والذي تعرضه ( مسلة النسور ) التي ظهرت في عهد السلالات القديمة التي حكمت (لاغاش) وانتصرت بسلاحها على ( أومّا ) جارتها ، وكان هدف الحرب بينهما (بستان نخيل) يدعى (المروي بغزارة ) كانت المدينتان تتنازعانه . و ( مسلة النسور ) كـ ( مسلة العلم ) التي مرّ ذكرها ، لها وجهان ( خلفي وأمامي ) ترمزان إلى السلاح والجيوش والقادة والعربات المستخدمة في الحرب وفيها مهزومون ومنتصرون ولكلّ واحد صفاته ، ويقدّم الشعب ولاءه للملك الظافر ، رمز القوة ، والبطش بالأشرار ، الذين يلقى القبض عليهم .
    ويصفون العقاب والنسور والأسد في ملاحمهم وأساطيرهم ويتحدثون فيها عن الأبطال ، فهذا ( غلغامش ) بطل ملاحم مدينة ( أوروك ) .
    إنّ ( مسلة النسور ) الموجودة في متحف اللوفر في فرنسا تتحدث عن أشياء كثيرة وملحمة ذات قصة طويلة لسنا في مجال نقل ما ورد فيها ، فالحق لمن يريد الإطلاع على الملاحم والكنوز واللوحات الأثرية وقصصها مطالعة الكتاب الذي نحن نوجز شرحه وتحليله .
    إنّ ربط الحاضر بالماضي يرويه لنا ( أمير دوشي ) ليكرّر المأساة القديمة نفسها ( فصدام ) عبقري الشر جعل السهل صحراء جافة لينتقم من القبائل الشيعية التي ثارت ضده ، فبطولات الملاحم العسكريّة الخيالية في بلاد ( سومر ) وما يجري لشعبها تعيد نفسها في عهد صدام . إنّه ربط يهدف إلى أمر ربما يكون مقصوداً . فما هي حقيقة هذا القصد الذي يهدف لـه الكاتب وماعلاقة نهب العراق بثرواته وتاريخه بالشرّ والقسوة بين التاريخ القديم والحديث ؟ إنّها حقيقة ضاعت بين طاغية ومحتل وتاريخ قديم وحديث لشعب مظلوم . ويستمر (أمير دوشي ) بالترجمة القصصية أثناء المسير في الطريق التي توصل إلى مدينة ( لاغاش ) : " لقد جفف القنوات، والقرويون المجوّعون فرّوا ، وفقد ورثة سومر فردوسهم الأرضي ، فنكث ملك ( أومّا ) بقسمه ، وسقطت شبكة الآلهة الكبيرة عليه ! " ، إنّه الماضي يحاكي الحاضر وما على القارئ الكريم إلاّ معرفة تاريخهما .
    " قرية شترا "
    تمّ الوصول إلى قرية ( شترا ) الصغيرة التي تزدحم بالناس والمواد التي يحتاجونها ويشترونها من سوقها ، إنّ قرية شترا مدينة ( شيعية ) ومعقل للحزب الشيوعي، وكان لقبها في السبعينيات ( موسكو الصغرى ) وأعلامها الحمر ، وأعلام (العم سام ) المرفوعة فوق إحدى السرايا للقوات الأمريكيّة كلاهما ليس عراقياً وإنّما وافداً من دول كبرى ، فنلاحظ أفكار المؤلف من أوصافه لشعب المنطقة (شيعي وشيوعي) إنّها مقارنة باطلة وفكرة خفية تعني الكثير لشعب فقير وَوَصْفٌ في غير محلّه . يضيف المؤلف في وصفه لشعب الجنوب العراقي أنّه استقبل القوات الأمريكيّة بلطف لأنّه حرره من ظلم وتعسف نظام صدام . وإنّ القوات الأمريكيّة لم تستطع حماية المناطق الأثريّة من شرور اللصوص الذين يطلق عليهم ( علي بابا ) حيث تمّت سرقة المدن القديمة ( لاغاش ، جرسو ) وغيرها من المدن الأثريّة القديمة في جنوب العراق .
    فقائد السرية العسكريّة الموجودة في هذه المنطقة هو النقيب ( نيك فسكونتي ) من مدينة ( منهاتن ) مواطنٌ أمريكي أبوه من أصل إيطالي ، التحق في الجيش الأمريكي وهو آمر السرية الخامسة المتمركزة في قرية ( شترا ) إنّه مولع بالآثار مهتم بها ويريد حمايتها من اللصوص ولكن ليس لديه أوامر من رؤسائه ويطبق التعليمات العسكريّة العليا التي تمنعه من عداوة قبائل المنطقة ، فواجبه حماية المدن ومفترقات الطرق ، وترك الريف وشأنه دون تدخّل القوات العسكريّة . والفكرة مفادها أنّ النهب والسرقة تقوم بها عشائر المنطقة وأهلها وليس للجيش الأمريكي علاقة بالنهب والسرقة ولا مصلحة لـه بمنع الناس عن نهب الآثار وتخريب المناطق الأثريّة وغير مكلّف بحمايتها . وقد تمّت إعادة خمسين قطعة أثرية مسروقة بواسطة هذه السرية وقائدها . إنّ مدينة ( لا غاش ) شيخها (سالم جبار حسن ) الذي تسيطر قبيلته على الموقع الأثري وهو نسيب (أمير الحمداني) . وتستمر الروايات الكثيرة عن الآثار وأنواعها وأوصافها على لسان القيّم على الآثار ويتمّ تسويق أهداف الكتاب المراد إيصالها للقارئ عن ( السنة والشيعة ) لكي يرسخها في ذهن القارئ وهي تعابير لم تكن متعارفة في مفهومنا السّياسي قبل الحرب . فمفهوم سيطرة القبائل والعسكريين السنة الذين قاموا بانقلاب سنة 1968م الذي قاده حزب البعث ومقاومة القبائل الشيعية والتي تسكن بلاد سومر القديمة ، وأنّ هذه القبائل الشيعية متعاونة مع إيران وهي عميلة بمفهوم صدام وتريد أن تفرض حكماً إسلامياً بتعاونها وعمالتها لإيران. هذه المفاهيم وهذه القصص نرى أنها ليس لها علاقة بعنوان الكتاب ( كيف نهب العراق حضارة وتاريخاً ) .
    إنّ ثورة قبائل الجنوب بعد حرب الكويت سنة 1991م ورغبتها بإسقاط نظام صدام بمساعدة جورج بوش الأب لم تتحقق حيث تركها (بوش الأب) عرضة لقمع صدام وقطع عنهم الماء وجفف الأهوار وهجّرهم إلى محافظات كربلاء والنجف ، وفي سنة 1993م أصبحت سومر القديمة ذات أهمية سياسية وتجارية وأصبحت الآثار تُبادل بالسلاح ، إنّه تبادل تمّ بين التجار والمقاتلين . غير أنّ صدام سيطر على الآثار وأوكل إدارتها لابنه (عدي) وصهره ( حاشد ) . وهكذا تصرّف النظام ببيع الآثار وتهريبها لأنّها ثروة مهمة ومبالغ بيعها طائلة وهي قضية سياسية بالدرجة الأولى وذهبت آثارنا للمتاحف الأوروبية عن طريق ( حاميها حراميها ) ، إنّه عدي وحاشد وبموافقة رأس السّلطة في بلاد ما بين النهرين أرض الرافدين .
    " تل الشبهي "
    كان المسير باتجاه الجنوب حيث يقع ( تل الشبهي ) الأثري ، وعند الوصول شاهد مرشد الآثار ( أمير الحمداني ) ( كسر ) للخزف الأثري بألوان مختلفة التي تؤكّد عصورها القديمة هذا الموقع البابلي ، كان مأهولاً خلال القرن التاسع قبل عصرنا حتّى القرن الثامن من عصرنا وحتّى عصر الأمويين ، حكام الإسلام والعالم العربي . إنّ هذا التل لا تقل أهميّته التاريخية عن ( لاغاش ) .
    تحوّل هذا الموقع خلال فترة التسعينيات إلى حصن عسكري وموقع للتدريب لميليشيات حزب البعث التي دمّرت آثاره احتقاراً منها للتراث ، وبعد ذلك أصبح مسرحاً للمعارك بين ( البعث ) وقبيلة ( بني سعيد ) هزم خلال المعارك أنصار (صدام) وانتصرت قبيلة ( بني سعيد ) وكان يوماً مجيداً لها ، وأخيراً دمّر وخرّب هذا التل الأثري ولم يعد إلاّ مزبلة للتأريخ كما قال ( أمير دوشي ) المترجم المرافق للبعثة الصحفية . أصبحت قبيلة ( بني سعيد ) ورئيسها ( الشيخ سالم جبار حسن ) المقاتل القديم في أهوار المنطقة مسيطراً على الموقع الأثري وعلى المنطقة التي تعتبر ارضه منذ ألف وثلاثمائة سنة حيث سكنها أجداده وعشيرته عندما جاءت مع المقاتلين العرب الأوائل ، ولا يدّعي أحد ملكيتها غير هذه القبيلة التي طردت ميليشيات حزب البعث منها . كلّف الشيخ أحد أبناء أخيه بمرافقة البعثة حتّى تمّ الوصول إلى موقع ( لا غاش ) الذي يخص أبناء عمومته ( آل علي خان ) وهم من نفس القبيلة ، وكان في منطقة " تل الشبهي " نهر مسمى باسمها حوّل ( صدام ) مياهه وتركه جافاً .
    إنّ مدينة ( لاغاش ) الأثريّة اكتشفا ( إميل دوسازيك ) نائب القنصل الفرنسي (إميل دوسارزيك) في البصرة ، وقامت البعثات الأثريّة في الدول الأوروبية بالتنقيب بين 1877م - 1900م واكتشفت التماثيل البركانية التي تعود ( لفوديا ) أمير وكاهن لاغاش في نهاية الألف الثالث وتوجد هذه التماثيل في القاعة الكبرى في متحف اللوفر في فرنسا. في سنة 1929م تمّ اكتشاف اكثر من خمسين ألف ( نصّ مسماري ) من قبل علماء الآثار الفرنسيين .
    عرف تاريخ ( لاغاش ) وعرفت مسيرة الحياة في مدن ( سومر ) القديمة وسلطة (الكهنة) الدينية ، كما عرفت طريقة التعاملات التجاريّة ، وكانت السّلطة للهياكل التي تنظّم المقايضات والاقتصاد والمال .
    تأسيس ( لاغاش ) مثل أور في منتصف الألف الثالث في عصر ( تل عبيد ) وأصبحت مدينة في حدود 3700 ق.م ( في العصر الذي ظهرت فيه أوروك و أور ) وظهرت ( منفيس في مصر ) . سيطر ( الساميون ) الرحّل فيما بعد على (لاغاش) وفقدت استقلالها ، ثمّ تحررت بعد قرنين وعرفت عصراً ذهبياً في في ظل ملكها (غوديا) وعندما بزغ نجم بابل تهاوى سلطانها وهي ليست قوية مثل مدينة ( أور أو أوروك ) لكن أنوارها اخترقت الزمن حيث احتوت نصوصها المقدسة على الأساطير الشائعة لجميع السومريين . وشرعت قوانين الحكم والسّياسة والعلوم الحسابية والتنجيم والسحر وهي الثقافات للدول في عصر سومر . ولم يبق اليوم في ( لاغاش ) سوى تل عظيم عند طرف قرية ( الرباخ ) هذه القرية التي غادرتها عائلات ( آل علي خان ) من قبيلة بني سعيد بسبب تجفيف نهرها زمن صدام وعادت هذه العائلات للقرية بعد السقوط .
    دمّر النظام السابق موقع ( لاغاش ) الأثري كبقية المواقع الأثرية وبدأ النهب في هذه المواقع والتلال والبحث عن الآثار من قبل اللصوص (علي بابا ) بعد دخول قوات الاحتلال ، وقد ذكر شيخ عشير الرباخ (شاهر حاج راشد) أنّهم يقاومون اللصوص أثناء النهار ولكن في الظلمة والليل لم يتمكنوا من منع اللصوص ومقاومتهم لأنّ قتل أحدهم يكلف غالياً وهو ثمن ( الدية ) التي تعطى لأهل القتيل وهو أمر متعارف عليه بين العشائر ، ومن خلال حديث الشيخ للبعثة الصحفية تبيّن أنّ نهب وسرقة التحف الأثريّة يتمّ من قبل لصوص من نفس العشائر ويتاجرون بهذه الآثار التاريخية الثمينة ، ولم يتدخّل الجيش الأمريكي لحمايتها وطرد هؤلاء اللصوص حتّى لا تحدث عداوة بين القوات الأمريكيّة ورجال القبائل وشيوخها في هذه الأماكن التي أصبحت غنيمة بسبب غياب الدولة والقانون .
    وحقيقة الأمر السائد في منطقة المواقع الأثرية في جنوب العراق هي تدمير الزراعة وتجويع الناس وتهديم المجتمع القبلي في زمن ( صدام حسين ) وهذه هي السّياسة التي اتبعها النظام السابق وجفف (نهر شبهي) الذي يكون مصدر معيشة السكان، والملاحظ هو ما يقوله ( أمير دوشي ) إنّ أهل المنطقة لايريدون القتال من أجل (لاغاش) وآثارها التي فقدت من مسلة النسور لأنّ ذلك يكلّف غالياً ولهذا فإنّ شيخ (الرباخ) يتجاهل من أين يأتي اللصوص ولا يريد التعريف بهم أو الإخبار عنهم ، إنّها غنيمة تستحق القسمة بين السكان ، انتقاماً من النظام الذي هرب وتركهم في حالة الفقر والجوع .
    "مدينة جيرسو "
    إنّها المدينة المقدّسة لمملكة ( لاغاش ) ، إنّ حارس هذه المدينة هو الشيخ ( سيف نامي عبود ) حيث استقبل البعثة الصحفية ومرافقيها ( أمير الحمداني وأمير دوشي ) وقدّم لهم وليمة طيبة وشهية تدلّ على كرم عشائرها . وكان الشيخ يجري مفاوضات بين عشائر المنطقة التي فقد القانون فيها لعدم وجود الدولة . وقد رافق أبناء الشيخ ( سيف ) البعثة الصحفية إلى المنطقة الأثريّة ، وتقلدوا سلاحهم ولكن ليس لمقاومة اللصوص (علي بابا) وإنّما لمقاومة ( مسخ جيرسو ) ، هذا المسخ كما يعتقد أهل المنطقة هو موجود في خرائبها والذي تسبّب منع الناس من دخولها خوفاً منه ، وهذا الموضوع هو من الخرافات القديمة التي نقلت عن الآلهة التي تمّت عبادتها في ذلك الزمن القديم . عند الدخول إلى مدينة ( جرسو ) يلاحظ فيها ( قصر انتمينا ) أمير أول سلالة في ( لاغاش ) 2450 ق.م . اكتشف هذا القصر في الستينيات من قبل الفرنسيين ، كما يوجد تل يشرف على القصر وفي وسطه فوهة عميقة ، وقد وجد الفرنسيون في وسطه قصر ( إيانا ) خليفة (أنتيمينا ) الذي حكم في حدود 2350 ق.م وقد قرأ ( أمير الحمداني ) نصاً مكتوباً على لوحة : ( من أجل نينغرسو -المقاتل الباسل للإله انليل - بذل غوديا أمير لاغاش أقصى جهده .... الخ ) . ويذكر ( أمير دوشي ) أنّ سرقة الآثار في بلاد مابين النهرين لم يعد شيئاً جديداً حيث أنّ الأوربيين نهبوا المواقع الأثريّة ونفائسها منذ أصبحت الدولة العثمانية ضعيفة وسميت ( الرجل المريض ) وعند الانتداب الإنكليزي وحكومة الملك فيصل حيث أصبح الدبلوماسيون الإنكليز والفرنسيون علماء آثار وبدأوا بالتنقيب والاستكشاف لكلّ مواقع العراق الأثريّة من الشمال إلى الجنوب وقد نقلوا أهم المستكشفات إلى متاحفهم في فرنسا وبريطانيا . وهذا ما أطلق عليه ( أندريه باور ) بارتياح ( علم الآثار العسكري ) فكان كلّ موقع مباح للنهب اعتباراً من سنة 1855م حيث تمّ سرقة ( اللبوة الجريح ) التي اكتشفها الفرنسي ( فكتور بلاس ) في نينوى وكلّف صديقه الإنكليزي الكلداني المسيحي (هرمز رسام ) باختلاسها ، وكان العلماء الأوربيون يستأجرون عمالاً للحفريات والتنقيب عن الآثار بكلّ حريّة ودون رقابة . ولكن في الثمانينيات بدأت الرقابة عندما تمّ تشكيل مصلحة الآثار العراقيّة وأصدرت الدولة قوانين صارمة على كلّ من يتعرّض للمواقع الأثريّة أو يسرقها وصلت العقوبة التي شرعت وقتها إلى الإعدام .
    ولكن فقد زمام الأمر 1991 م بعد أحداث جنوب العراق وعادت السرقة والنهب أهدافاً عسكرية واقتصادية استغلها سكان المناطق وأركان الدولة في زمن صدام وقد قدّر عالم الآثار الأمريكي ( ماك غيرجبسون ) في بداية 2003 الآثار التي اختفت أو سرقت خلال عشرة أعوام ماضية هي ثلاثة آلاف ( أثر فني هام ) . وقد ساهم الابن الأكبر لصدام ( عدي ) في بيع وتهريب هذا الكم من الآثار إلى التجار الأوربيين والأمريكيين واليابانيين ، غير أنّ النهب والسرقة اتسعا بشكل غير معقول بعد الاحتلال وسقوط الدولة العراقية .
    خلال عودة البعثة إلى الناصرية قدم أمير الحمداني كتاباً هو عبارة عن مجموعة من النصوص ( السومرية ) تتحدث عن طاغية قرر فيما مضى ، ومن أجل السيطرة ، تجفيف البحيرات في جنوزب بلاد مابين النهرين ، ونلاحظ أنّ التاريخ في بلاد سومر القديمة يعيد نفسه وعلى الجميع معرفة فن الدبلوماسية مثلما فعله الشيخ ( سيف ) بين أبناء عمومته وحل نزاعاتهم بالطرق السلمية .
    وهكذا انتهت مرحلة أمير الحمداني وأمير دوشي وترك البعثة الصحفية لتفتش عمن يرافقها في رحلة طويلة .
    " أورورك "
    غادرت البعثة الصحفية مع سائقها ( مروان ) إلى مدينة السماوة ، المركز التجاري على نهر الفرات ولم يصبها دمار الحرب لأنّها مدينة مسالمة ، لم تعترض الجنود الأمريكييّن عند دخولهم أثناء تقدّم القوات المحتلة واستقبلتهم بسلام ، أسواقها كثيرة السلع وسوقها مزدحمة وفيها فنانون يروجون صناعة تصوير شعبية ، ولكن هذه الصّناعة (شيعية) المذهب ، إنّه مصطلح يحمل مفهوماً غامضاً يريد المؤلف تسويقه إلى شعب نكبته ودمّرته الحروب السابقة والاحتلال الظالم . إنّ فنها يختلط فيه الواقعي، والمدهش لـه معانٍ دينية وتاريخية ، أعمال فنية تمجد ملحمة علي وابنه الإمام الحسين الذي قتل عشية موقعة كربلاء ، إنّها هزيمة عسكرية ولكنها انتصار معنوي ( للشيعة ) المعارضة لخلافة السنة . ويتكرّر سؤالنا ودهشتنا بعلاقة هذه القصص والمصطلحات وماذا يعني ترويجها وتسويقها بهذه المفاهيم المكروهة في وقتنا هذا وما علاقتها بالنهب والسلب للحضارة والتاريخ الذي حمل عنوانه الكتاب ؟ نترك لأصحاب المعرفة السّياسيّة ذلك الأمر. فكفانا الله شرّ الفتنة وبلواها وندعو الله عزّ وجلّ إحباط أعمال مروّجيها .
    رافق البعثة الصحفية شرطيان بدويان من عشيرة ( آل نزّا ) ذات النفوذ الواسع في المنطقة وبأمر من المجلس البلدي من السماوة ، وكان الهدف إلى مدينة ( أوروك ) مملكة ( غلغامش ) التي تبعد مئة وخمسين كيلو متراً عن مدينة ( أور ) وتمّ المرور بقرى وتلال وقبائل متفرقة ، منازلها متواضعة وفيها مشاهد قنوات مائية تدلّ على زمن (غلغامش) تمّ الوصول إلى مدينة ( أوروك ) التي حدث فيها انفجار مدني بين 4350 - 4300 قبل عصرنا وتطورت الزراعة ، ومعيشة السكان وتحولت حياة الناس ونظامها من العشائرية القبلية إلى الإقليمية السّياسيّة ، وتكوّنت فيها مجالس للآلهة ( البانتيون ) . أوروك مدينة مقسمة إلى قسمين :
    القسم الأول ( الكلابة ) حيث هيكل ( آن ) سيد السماء ، والقسم الثاني (الأيانا) ، وهو محراب ابنة ( إنانّا ) نجمة الصباح . ويحيط المدينة سور عالٍ بناه غلغامش ، ولها نفوذ على بلاد الرافدين ، وفيها من الأساطير والملوك والتاريخ الأعمال الحضاريّة التي تناولها الكتاب تفصيلاً .
    حارس مدينة ( أوروك ) بدويّ من قبيلة ( النزّا ) التي ينتمي لها الشرطيان المرافقات للبعثة ، في المدينة زقورة ( إنانّا ) آلهة أوروك العظمى العظمى ويدوّن الكتاب الكثير من النصوص الواردة في ملحمة غلغامش التي تفسّر تاريخ المنطقة وما دار بـه من أحداث وأساطير الملوك وأسمائهم وتعاريف مفصلة عنهم وعن تاريخ وعظمة المدينة وفيها آثار خمسة آلاف سنة ظاهرة و أوروك على عكس ( لاغاش وجيرسو ) لم يدخلها اللصوص منذ فترة طويلة ، أوروك هي كنز ومكان أثري قديم جلب السياح والعلماء وتخضع هذه المدينة لحماية مشددة من قبل عشيرة الحارس .
    " نيبور "
    تقع نيبور على قناة ( بورّاتم ) المستقيمة الصالحة للملاحة في زمن ( إنانّا وغلغامش) حيث تنقل البضائع والمواد بواسطتها فبدون الماء لا وجود لسومر وبدون الماء تموت البلاد ، ففي سنوات مضت جفف صدام كلّ شيء ولم يعد مجرى ( بورّاتم ) سوى أثرُ جُرحٍ دنِسْ ومصدر ألم حاد . فعلى شواطئ هذه القناة أنشدت إحدى أقدم الأساطير في بلاد سومر .
    أسطورة إنليل وننليل ، اللوحات الأثريّة تروي هذه القصص ، إنليل هو إله (نيبور) وهي مدينة على قدر من الاحترام تاريخها كتواريخ ( لاغاش وأوروك ) وهذا الإله يقود الآلهة إلى الحرب في نظام عسكري ويحمل ( وجهاً خفياً ) للعنف والوحشية و( ننليل ) هي فتاة جميلة تعيش في مدينة نيبور التي تحمل أسماء كثيرة فلها رصيف وبئر ارتوازية ومرفأ ونهر جميل . لها سلسلة تلال تحكي مأساة ( ننليل وإنليل ) بالرغم من بعد الزمن فلا زالت معالمها قائمة ولم تشاهد آثار اللصوص الجدد فيها مدرج من التلال والآكام التي تحرس زقورة ( نيبور ) العجيبة هذه الزقورة التي تشكّل مع دعائمها وملحقاتها ( هيكل إنليل الضخم ) وقد تمّ تنقيب المدينة سابقاً من قبل الأمريكان الذين عمل معهم والد الحارس المرافق والذي يؤكّد أنّ اللصوص لم يستطيعوا الوصول إلى زقورة إنليل .
    إنّ الألواح المحررة باللغة الأكادية ومترجمة من السومرية وفيها ثلاثة عناصر أساسية : ( إيسو ) أي الماء العذب و(تيامات) يعني البحر و( محّو ) أي الضباب وفي الكتاب روايات وقصص مشوّقة وذات معانٍ تاريخية مهمة تدلّ على الثقافة القديمة في هذا الموقع.
    " إيسين "
    لا زال الحارس عطا ومعه بندقيته يرافق البعثة في مدينة ( إيسين ) المدينة القديمة التي تأسست بعد انتهاء حكم ملوك أور العظام من قبل أحد موظفي الملوك ثمّ تمّ التنقل في كلّ مكان من تلالها المتواضعة التي تكون ( إيسين ) مدينة آخر الكون ، وفجأة ظهر في المكان اللصوص الجدد ( علي بابا ) ، إنّهم يحفرون في الهضبة الأثريّة ويسرقون في العلن وفي وضح النهار ، إنّهم ينهبون كلّ شيء يعثرون عليه ، ليس سراً وإنّما أمام أنظار الحارس وأنظار الجميع ، إنّهم من منطقة الحارس ومعرفتهم بـه قوية تدلّ على الشراكة بين الجميع ، إنّها أرضهم ، إنّهم أحرار فيما يعملون ، رئيسهم حارسها . وتمّ التقاط الصور التذكارية معهم ومع حفرياتهم وسرقاتهم الأثريّة .,
    هذه هي العلامة الأولى الظاهرة والمعلنة على سرقة أهل المنطقة .
    واستمر المؤلف يسرد القصص عن الآثار والأحداث التاريخية ، ولم تمنع القوات الأمريكيّة المتواجدة في المنطقة الحفريات والسرقات ، وكعادتها ليس لديها أوامر عليا.
    وتقام في المنطقة القريبة من ( إيسين ) أسواق محليّة ينشط فيها تجار نصف الجملة لشراء الآثار التي تعرض من قبل اللصوص منها التماثيل والأختام الأسطوانية وتباع إلى تجار عراقيين وأجانب بأسعار مغرية حسب قيمة كلّ أثر فني تصل أحياناً إلى عشرين ألف دولار ، إنّها تعرض في سوق ( آفاك ) والمعروف بالعامية ( عفيج ) ثمّ تنقل إلى الحدود الكويتية والسعودية والأردنية دون حراسهال لتعرف طريقها إلى الأماكن التي تنتظرها .
    " بابل "
    ( بابل ) إنّها مدينة الملك حمورابي الذي حكمها اثنين وأربعين عاماً وقد وضع حداً لاستقلال ( إيسين ) سنة 1787 ق.م وأخضع سومر ، وآشور ، لحكمه ، ووضع شريعته (شريعة حمورابي) المكونة من اثنتين وثمانين مادة تستند للعدالة في الحكم . كان لبابل مكانة في قلب العالم ، لغة أهلها السومرية ، لغة العلم ، والآكادية لغة عامّة الشعب . فيها ستين هيكلاً وآلاف المذابح والمصليات ودينها واحد .
    زالت السلالة الأولى التي أسسها حمورابي 1595 ق.م بعد أن غزاها (الكاسيين) القادمين من جبال ( زغروس ) عند الحدود العراقيّة الإيرانية . إنّ لبابل وصف لا يمكن نقله في هذا الكراس الموجز، إنّ وصفها كبير ووصف أسوارها وأبوابها وتاريخها وخنادق المياه التي تحيطها في زمنها القديم ، فلها وصف ووصف وقصة وقصة ، والحديث عنها يطول ، وعن احتفالاتها ومسارحها وثقافتها ، لسنا في صدد ذلك ، إنّه موجود في الكتاب الذي نبحث فيه عن غايتنا المنشودة ، إنّها معرفة اللصوص (علي بابا) الذي سرق وخرّب آثارها ، وكما يشير الكتاب إنّ ( علي بابا ) خليفة صدام ، هو حارس إيسين وعطا حارس نيبور والفلاحون ، والمنقبون والرعاة ، إنّهم اللصوص الذين يعملون ويسرقون تاريخ العراق وحضارته في العلن وليس في الخفاء .
    إنّ سيدات بابل أشرف منهم وأخلاقهنّ أفضل من أخلاقهم حيث يستسلمن مرة في السنة للبغاء المقدس لقاء مبلغ من المال مهما كان مقداره لايمكن رفضه لأنّه (مال مقدّس) فأين شرف اللصوص الذين يسرقون آثار بلدهم على مدار السنة ويبيعونه بثمن بخس للأجانب ؟ إنّ شرف نساء بابل يباع مرة في السنة لأهل بابل ، وشرف السراق واللصوص والمخربين في بلدنا ينتهك باستمرار ويباع لغير أهل العراق .
    ثمّ يستمر الكتاب بوصف ملوك وحكام بابل والغزوات التي تعرّضت لها المدينة من قبل الفرس وتاريخها يمتد إلى عصر المسيح .
    إنّ بابل التي رآها ( هيرودوت ) كانت نصف مدمّرة على اثر عصيانها (لآرتحششتا) سنة 478 - 477 ق.م وقد احتلت من قبل الفرس ، لكن المجوس والمنجمين كانوا كلدانيين من بلاد سومر ، وتبقى رواية ( هيرودوت ) مهما كانت عيوبها أقدم وصف لبابل نمتلكه اليوم ، وقد أوصل لنا ملاحظة قيّمة عن الملاحة النهرية بين دجلة والفرات .
    وحدثت على (بابل) ترميمات وبناء وإعادة هياكلها ولكنها غير موفقة لأنّها كانت حسب ذوق وأمزجة من أراد الترميم وإعادة البناء .
    فهذا الديكتاتور صدام حسين كان مهووساً بصلاح الدين كما كان مفتوناً بنبوخذ نصر ، وقد وضع آجرات تحمل اسمه في جدران قاعة العرش الذي ابتناه الملك العظيم في القاعة الجنوبيّة .
    واليوم حلّ الجنود الأمريكان فيها ، إنّهم في قاعة العرش ، يشرح لهم قائدهم وهو عقيد في الجيش عن دخول الاسكندر الكبير إلى بابل سنة 325 ق.م لدى عودته من الهند. إنّ الاسكندر من مقدونيا فتح بابل وجلس على عرش ملوكها القدماء ، استقبل فيها مندوبي الأمم ، وقرأ عليهم مقاطع من ( أنا باز لأريان ) ، وكان الاسكندر يخطط لغزو بلاد العرب وأفريقيا . كان جنود المارينز الأمريكيّون يستمعون لما يقوله قائدهم عن تاريخ هذا الامبراطور حيث كانوا يعتقدون أنّهم ورثته ، وكان العقيد مزهواً بهذا النصر ( هكذا يفكّر المحتلون ) .
    ولكن للأسف تعرّضت بابل لنهب الفاتحين القادمين من العالم الجديد سابقاً الإنكليز واليوم معم الأمريكان ، إنّهم المحتلون . وظلت بابل لمدة عشرة أيام بمتاحفها وفسيفسائها وقاعاتها وشوارعها وممراتها فريسة لزمر مخربة من الناس ، حملوا ما حلا لهم وما خفّ حمله دون أن يتدخّل رجال البحرية الموجودون بدروعهم ومعداتهم في أرض بابل وفي نفس آثارها حيث جعلوه ثكنة عسكرية لهم هدمت دباباتهم أبنيتها وشوارعها وخربت آثارها .
    " نهب بغداد وتدميرها "
    بغداد اليوم لم تكن بغداد ألف ليلة وليلة بالأمس ، بذل صدام فيها جهده ، كما فعل في ترميم بابل ، ليمحو كلّ أثر للماضي ، أراد أن يفعل كما فعل مصطفى كمال ورضا شاه وآمان الله خان ، أراد أن يبني مدينة المستقبل ليبلغ قمة المجد والشهرة . صدام إرهابي خرج من ظلمات المؤامرات يريد امبراطورية ليصبح زعيماً حربياً . يشبه نفسه (بغلغامش) وبغداد هي (أوروك ) ، بهذه الكلمات المختصرة وصف الكتاب بغداد وحاكمها. فبغداد بناها المنصور وكان اسمها الأول دار السّلام . وكان في داخل سورها، القصر ، والمعسكرات ، ودار الخلافة ، وأصبحت مركزاً للعلم والمعرفة في القرن العاشر الميلادي ، حدثت فيها المناظرة الشهيرة " أنا الحقّ " التي أثارها الحسين بن منصور الحلاج ، على فكرة الصراع الطبقي أثناء ثورة القرامطة الذين أسسوا حكماً ثورياً في بغداد ، وكان الحلاج يعترض على سلطة رجال الدين الذين أصدروا عليه حكماً (بالصلب) بسبب دعوته إلى (العلمانية) . كان طلاب العلم يقصدون بغداد من مختلف أنحاء العالم لدراسة الكيمياء ، والفلسفة، والتنجيم ، وعلم الجبر وعلم الطب ، وكان فيها من أشهر علماء الدنيا . سقطت بغداد على يد هولاكو سنة 1258 م واجتاحها تيمورلنك سنة 1401 م واحتلها سليمان القانوني 1638 وأخيراً وفي سنة 1920م ولد العراق من جديد وتخلّص من الدولة العثمانية ( الرجل المريض ) وحل محلّها الانتداب البريطاني ، ونالت استقلالها فيما بعد ، ولا نريد أن نخوض بما جاء بالكتاب من شرح مفصّل لدخول القوات المحتلة إليها سنة 2003م ووصف الأبنية والأسلحة المحترقة والفوضى وفقدان الأمن وخراب المؤسّسات الرسمية ، الناس فيها أثناء الاحتلال هم خليط من القوميين والإسلاميين ، أنصار صدام منهم السنة والشيعة ، ومنهم عملاء من الخارج وعصابات سرقة ، وأصبح كلّ شيء مباحاً للصوص والسراق ( علي بابا ) وبعض الفئات بدأت المقاومة المسلّحة .
    أنواع التجارة فيها أصبحت مباحة ، أسلحة ، مخدرات ، تحف فنية ، آثار .. إنّها فوضى عامّة عارمة فيها السلب والنهب والابتزاز والهجمات المسلّحة وقتل الناس الأبرياء، ليست هناك سلطة ولا قانون يحمي الناس والمؤسسات ويمنع الخراب والنهب والسلب ، كما أنّ جيش الاحتلال لم يتدخّل للسيطرة على الأمر الذي أصيب بهياج الغوغاء الذي عمّ كلّ مكان في بغداد . وتخلصت القوات الأمريكيّة من كلّ مقاومة من أنصار صدام أو جيشه واحتلت كلّ مكان بأسلحتها المتطورة وبالانهيار الكامل للنظام وجيوشه وغطرسته . وهكذا نحن نسمع صراخ حارس المتحف يستنجد من القوات الأمريكيّة أن تحمي المتحف ( التراث والحضارة ) وفيه ثروات لا تقدّر بثمن فيه ( إرث بلاد الرافدين ) والعذر عند القوات الأمريكيّة أنّها لا تستطيع حماية أيّ شيء في بغداد لأنّ مهمتها في المرحلة الأولى هي مرحلة قتالية . ويتناول الكاتب الوصف الكامل للقوات الأمريكيّة وأسلحتها وأسماء قادتها والتعليمات الخاصّة الواردة لقادة الجيش من قياداتهم العليا ووصف مسهب لما جرى في بغداد من نهب وسلب وحريق مدمر، إنّها قصة حرب كاملة ، إنّها انتصار لجيوش غازية وهزيمة لأهل البلاد . وهكذا يهتم المؤلف بأمور الحرب من كلّ أشكالها ويورد كلّ شيء عنها ويعرض حقيقة ما جرى للتحف الأثريّة في متحف بغداد وسرقتها . دخل الناس قصور صدام ونهبوها والمؤسسات وكلّ الأبنية الحكومية كما أنّهم سرقوا ونهبوا المصارف الحكومية وأحرقوا كلّ شيء . إنّه انتقام من نظام هرب ولم يحمِ بغداد وحضارتها !! انطلقت عصابات منظمة للسلب والسرقة قام بها المجرمون الذين أطلق سراحهم صدام قبل الحرب ، سرقت الأملاك الخاصّة والعامّة . إنّ ما حدث في بغداد يطول شرحه وتفاصيل ما حدث وأورد الكتاب شرحاً مفصلاً لها وكأن ما حدث فيلم سينمائي بثته الفضائيات للعالم الخارجي ، إنّه فيلم مثير فيه البكاء والضحك حتّى الإغماء ، فيه التشفي للبعض والحزن لآخرين ، إنّه مأساة إنسانية تستنكرها الروح الإنسانيّة المحبة للسلام . أما الجنود الأمريكان فإنّهم نهبوا كلّ شيء في مطار بغداد ، العطور ، الكحول ، علب التبغ ، الساعات والحلي ، الألبسة الثمينة ، الحاسبات ... الخ هكذا كلّ شيء دمّر في مطار بغداد .
    " متحف بغداد "
    انتشرت آليات عسكرية وجنود من أجل حراسة المتحف ولكن بعد ( خراب البصرة) ، نهبت الآثار وتحطّم زجاج صالات العرض ، سرقت الآلات الحاسبة والطابعات والأثاث والملفات ، وكان " أمين المتحف " يرافق البعثة الصحفية ومؤلف الكتاب من ضمنها في قاعات المتحف وأجنحته الواسعة التي أصابها الدمار والخراب . وقد ظهرت في المتحف فتاتان هما طالبتان كانتا في انتظار الدكتور (دوني جورج) مدير الأبحاث في المتحف . وهنا يظهر لنا المؤلف ليسوِّق مايريده من (مصطلحات) ، هي : إنّ حداهما اسمها (أميرة) وهي مسلمة ( سنية ) والثانية اسمها ( ياسيمن ) فهي تدل عليها ملابسها بأنّها مسلمة ( شيعية) . على القارئ أن يدقق الوصف الذي تناوله المؤلف لملابس الفتاتين ليعلمنا المذهب ( السني والشيعي ) ، ياللعجب كلّ العجب من هكذا وصف في ظل هكذا محنة ( إنّ الملابس تدلّ على المذهب) يعرفه الأجانب ولا يعرفه أهل البلاد.
    الدكتور ( دوني جورج ) موظف مسيحي في متحف بغداد وهو مختص بالعصر الذي سبق سومر ، أي عصر ما قبل التاريخ ، وتحدّث للبعثة عن آلاف الأشياء المسروقة التي نهبت وسرقت أثناء دخول القوات المحتلة إلى بغداد . إنّ متحف بغداد لن ينافسه متحف آخر لثرائه بالتحف الفنية لبلاد ما بين النهرين التي جلبت لـه ، من كلّ المواقع الأثريّة ، من جنوب وشمال العراق . إنّ موجودات متحف بغداد طال شرحها وتفاصيلها وقيمتها الفنيّة وتاريخ حضارتها التي مثلت تاريخ وحضارة العراق القديمة .
    نُقِّبَ في آثار العراق علماء فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا ابتداءً من ضعف الدولة العثمانية ( الرجل المريض ) وحتّى نهاية الانتداب الإنكليزي ، واستمر التنقيب من قبل علماء أوروبا كافة حتّى الثمانينات من القرن الماضي ، وكان همّ علماء أوربا هو أنّ هذه الآثار تدلّ على تاريخهم وتربطهم فيه لأنّ المواقع الأثريّة في العراق ذكرت في ( التوراة ) وكلّ كتبهم الدينية الأخرى .
    إنّ تاريخ أوربا لم يعرف عنه شيئاً قبل اكتشاف علم الآشوريات وقد موّل مجلس نواب مملكة فرنسا سنة 1846م أعمال منقب الآثار الفرنسي ( بول إميل بوتا ) الذي باشر أعماله في الموصل وربط المؤرّخون الأوربيون صلة شعوبهم التاريخية مع الشعب (المصري والكلداني ) واهتموا كثيراً بمقولات كتابهم ( التوراة ) عن مدن العراق الأثريّة وربطها بتاريخهم ، كما وردت في سفر (التكوين) وفي أسفار الكتاب المقدّس، ومن هنا نفهم أطماع الغرب واليهود في بلاد ما بين النهرين لأنّهم يعتقدون أنّ تراثهم وتاريخهم القديم فيها .
    فالقناصل الألمان والفرنسيين والإنكليز وساستهم توافدوا إلى مدن العراق الأثريّة (لاغاش ، وأور ، وبابل وآشور ) وكذلك عمل الأمريكان في ( أسوار نيبور ) وكان ذلك خلال حكم السلطنة العثمانية وبعدها . وهكذا نهبت ثروات وتراث العراق قبل الاحتلال وبعده .
    كما أنّ هناك محور آخر أشار إليه الكاتب من محاور السّياسة ليربطها بالآثار ، حيث يرى الكاتب أنّ حزب البعث قومي أسسه ميشال عفلق يبحث عن هوية عربيّة حديثة ليس لها خصوصية ( دينية أو اثنية ) ويريد أن يرى جذوره في التاريخ وليس في الدين، وهكذا فعل صدام لكي يربط تاريخه لما قبل الإسلام ، فكان ينقش اسمه على كلّ حجر في بابل وكان يرى أنّ كنوز بابل الأثريّة هي كنوز أجداده القدامى ، هذا حب الجنون .
    عمل المشرفون على متحف بغداد من المختصين في علوم الآثار مثل ( د. دوني جورج ، وحسنة عبد الخالق وربيع القيس ) بعد حرب الخليج إلى نقل الكنوز الثمينة مثل ( كنوز نمرود وكنوز القبو الملكية في أور ) إلى أقبية البنك المركزي العراقي المحصنة، وكذلك سحبت من المتحف أكثر القطع الأثريّة الثمينة ، والألواح المسمارية والتماثيل الصغيرة ، والمنحوتات الطينة والعاجية والأختام الأسطوانية ، تمّ إيداع كلّ ذلك في المخازن المحصنة ، وعرضت مكانها آثار الأرياف المستخرجة من المناطق الأثريّة في الناصرية والموصل بابل ، وتكدّست كلّ الآثار المهمة في المخازن المحصنة للبنك المركزي والمتحف ، ونتيجة للقصف الأمريكي خلال العشر سنوات التي سبقت الاحتلال وانقطاع التيار الكهربائي غمرت المياه هذه المخازن وتأثرت المخزونات لعدم قدرة مكائن سحب المياه على العمل .
    "نهب العارفين "
    نهب متحف بغداد ( بعمل لصوصي خطير ) وأمام أنظار القوات الأمريكيّة وكانت عملية النهب لعبة أدوار بين اللصوص الذين يقودهم ( العارفون ) ، خبراء يعرفون أهدافهم بدقة ، كسروا الأبواب وقاعات العرض وسرقوا التماثيل والمنحوتات والتحف الأثريّة الثمينة ، ولم يبق في المتحف سوى مائة قطعة أثرية . ويستمر المؤلف كعادته بسرد المعلومات الطويلة عن الآثار وأسمائها وأماكنها وتواريخها . كما يسرد لنا أناشيد (غلغامش) وينقل لنا منها المقاطع الطويلة كما ذكرها لنا سابقاً في فصول كتابه موضوع البحث . كما يشرح لنا الكتاب تاريخ الحضارة في العصر الآشوري وأساليب هذا العصر الفنيّة ، إنّه عصر طويل شمل بابل ونينوى وبقية المدن في العراق وفي سورية وفلسطين ومصر ، كما شرح لنا مطولاً عن فنون هذا العصر وصناعة الصور والتماثيل والأشكال التي تميّز بها ليصبح فناً عالمياً.
    في الثالث عشر من نيسان 2003 عادت أمينة المتحف السيّدة (أمينة نبهال) المديرة المساعدة للمتحف وأطلقت صيحات عالية وصراخاً نبّه الجميع أنّ المسروقات بلغت مائة وسبعين ألف قطعة أثرية ، وتناقلت وكالات الأبناء العالميّة والفضائيات الإعلامية هذا الخبر . فكان الاستنكار العالمي وجرى الحديث عن جريمة بحقّ الإنسانيّة ، وفي الثامن عشر من نيسان 2003 تلقت القوات الأمريكيّة أمراً بالتدخّل وحراسة الآثار واستقال مستشار الرئيس بوش الثقافي الذي كان ينبه قبل الحرب لأكثر من عام حول الفراغ الأمني وخطورة الأمر .
    " واشنطن وأركانها قبل الحرب "
    عندما وقّع الرئيس ( كلينتون ) قانون تحرير العراق سنة 1998 م بموافقة أغلبية الجمهوريين في الكونغرس قد أصبح هذا القانون سياسة رسمية لواشنطن ، أتيحت الفرصة 2001 لوزير الدّفاع والجناح المؤيد لـه بعد فوز جورج بوش الابن ، للتخطيط لغزو العراق وبدعم من نائب الرئيس ( تشيني ) الذي أقنع الرئيس بتغيير نظام صدام بقوة السلاح . وكان هناك صراع داخل الإدارة الأمريكيّة بين وزارة الدّفاع والجناح المتشدد وبين وزارة الخارجية متمثلة بوزيرها ومؤيديه ، حول الوضع في العراق بعد سقوط النظام . جناح وزير الدّفاع يرى أنّ الجيش حين دخوله العراق يستقبل كجيش تحرير أما جناح وزير الخارجية فيرى عكس ذلك ، وكان الصراع حاداً تطرّق إليه الكتاب بتفصيل مطوّل ولكن هذا الصراع حسم آخر الأمر لصالح وزير الدّفاع .
    وكان رئيس الأركان الذي كلّف ببدء المعركة طلب زيادة في عدد القوات المسلّحة أكثر من العدد المتّفق عليه وهو مائتان وخمسون ألف وكان يريد الزيادة حتّى لا يحصل فراغ أمني داخل المدن أثناء سقوط النظام ، غير أنّ الأطراف المعارضة لطلب الزيادة في (البنتاغون) رفضت ذلك واكتفت بالعدد المقرر، ونتيجة لهذا الخلاف أحيل رئيس الأركان الذي طلب الزيادة إلى التقاعد ، علماً أنّ رأي رئيس الأركان دعمه خبراء أمريكيون عسكريون وسياسيون وأمنيون ، الذين أسفوا لنقص الأعداد وخصوصاً الشرطة العسكريّة التي تحفظ الأمن من الانهيار بعد سقوط النظام وغياب القانون كما توقّع الكثير من أركان الإدارة الأمريكيّة ومؤيدوها من السياسيّين وكبار موظفي وزارة الخارجية حدوث عمليات نهب كبيرة في المؤسّسات والمتاحف والمصارف بعد سقوط النّظام .
    ورأى كولن باول وزير الخارجية أنّ الانتقال من النّظام القديم إلى النّظام الجديد صعب ويجب توقّع الكثير من الفوضى ، ودعمت وكالة الاستخبارات المركزية موقف وزير الخارجية ورفعت تقريراً للبيت الأبيض بهذا الشأن ، وقبل الحرب كلف وزير الخارجية مستشاره الخاص للتحقق من الفرضية التي يتطلبها إعادة بناء الدولة والمجتمع العراقي وبناء المؤسّسات والوضع الاقتصادي والسياسي والنظام ... الخ .
    وكان ( واريك ) المستشار الخاص الذي كلّفه وزير الخارجية اختصاصياً لديه الكثير من الخبراء الأمريكييّن وأعضاء نوادي والأحزاب العراقيّة المعارضة في أمريكا في طليعتهم ( عدنان الباجه جي) كبير أعداء صدام ، وقد تمّ رفع تقرير لأركان الإدارة الأمريكيّة ، توقع التقرير الفوضى والتخريب والإجرام ولكن وزير الدّفاع ( رامسفيلد ) وأركانه اتهم أصحاب التقرير ولجنة ( واريك ) بأنّهم أعداء الديمقراطية ، الأمر الذي جعل عدنان الباجه جي يتساءل : ( ماذا يريد الرافضون ؟ " كيف يفرض احترام القانون والمحافظة على النظام بعد الحرب ) ؟ وكان جواب وزير الدّفاع ومن معه : ( لا تقلقوا ، ستعود الأمور إلى نصابها سريعاً ) .
    كما أنّ مسعود البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني يقول إنّه ( إذا لم تكن الحكومة البديلة جاهزة عند سقوط النظام تفقد السّلطة ويلي ذلك الفوضى والنهب ) . ولكن آراء المخالفين لوزارة الدّفاع لم يسمع منهم وكأن الأمر مدبّر ومقصود ، وقد سُمِعَ لبعض الآراء ، ولكن قبل الحرب بزمن قليل ، وبعد فوات الأوان وبداية الحرب وفوز آراء الذين لا يرغبون سماع النصيحة وكأنهم صمّ بكم لا يرون ولا يسمعون وليس لهم شأن بالكارثة والحريق الهائل لشعب وبلد عريق بحضارته وتراثه .
    والملفت لنظر المراقب السّياسي أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة إذا لم تقصد تخريب العراق ومؤسساته ومصارفه ومتاحفه وكلّ البنية الاقتصاديّة ، لماذا لم تفعل ما فعلته مع ألمانيا واليابان وفرنسا وإيطاليا عندما احتلتها ودخلت جيوشها الدول المذكورة ، إنّها صاحبة خبرة كبيرة وقادرة على حفظ كلّ شيء حيث شكلت حكومات مؤقتة وجمعيات علمية وأدخلت قوى عسكرية لحفظ الأمن من تلك الدول ، فما هو السبب لم يُتّبَّع نفس الأمر مع العراق ؟ ولكن نحن نعرف ويعرف الكثيرون أنّ الهدف من التخريب والنهب وحرق المؤسّسات كبير وعلمه عند أصحابه ، وقد تناول الكتاب الأمر بالتفصيل من حيث خبرة الولايات المتّحدة بموضوع حفظ الأمن والنظام . والغريب أنّ منظمة اليونسكو سلّمت جدولاً بالمواقع الأثريّة ومستندات وخرائط إلى دولة الحرب ولكن لماذا لم تسمع ؟ ولم تُجب ؟ كما أنّ الجنرال ( غارنر ) الذي أصبح مسؤولاً عن منظمة ( ORHA ) سلّم قائمة بست عشرة مؤسسة عراقية جديرة بالاهتمام وطلب المحافظة عليها من التدمير والخراب والسرقة للمؤسسات والوثائق منها المتحف الوطني ، كما طلب غارنر أن تضبط المسروقات ويوضع حدّ لنهب الآثار ، كما أنّ المحامي ( فيصل اللاستربادي ) من الأصل العراقي قد أنذر الشخص الثالث في وزارة الدّفاع ( دوغلاس فايث ) بأنّ النهب سيكون كبيراً إذا لم توجد شرطة عسكرية وسوف يصبح الفراغ مدمّراً . ما ذكرناه أقلّ بكثير مما ذكره صاحب الكتاب من التحذيرات التي وجهت للإدارة الأمريكيّة قبل الحرب ولكن ليس هناك من سامع ومجيب إلى أن وقعت الكارثة ودمرت البلاد ونظامها الأمني وعاث بها المتربصون من أهل البلد والغرباء فساداً وذهبت أموال الناس ودمائهم هدراً ، كلّ ذلك بسبب حماقات واستهتار قادة الحرب وعدم إصغائهم لنصائح الخبراء وأصحاب العقل والمعرفة فكان حقدهم على صدام حسين كارثة إنسانية لشعب مقهور ، وهكذا تحققت أهداف إسرائيل وأهداف حماتها على حساب مصلحة الشعب وتركوا الباب مفتوحاً لمن هبّ ودبّ من المجرمين والعصابات الدوليّة المنظمة ، ولم يكن هناك قانون يحاسب من ينتهك القوانين الدوليّة ، فاتفاقية لاهاي لسنة 1945م التي تمنع المقالتين من استخدام المواقع والأبنية التاريخية أهدافاً قد انتهكت كما لم يؤخذ بنصيحة وتحذير اليونسكو والجمعيات العلمية الأمريكيّة والعالمية والمهتمين بالتراث ودعوة جميع هذه الأطراف بالمحافظة على التراث والمواقع الأثريّة .
    " إعادة التحف المسروقة "
    أعيد " إناء أوروك " الذي سُرقَ من المتحف بعد شهرين من السقوط وتمّ استلامه من قبل المستشار العسكري لقوات التحالف . وفي الكتاب تفاصيل مطولة عن إعادة المسروقات بواسطة المحتلين ، ولكن الغريب من صاحب الكتاب الذي قدم للعراق لكي يكشف لنا عن الآثار ومن وراء سرقتها ، نراه يسوق لنا أفكاراً أراد أن يوضحها ويفهمها لشعبنا لأنّها أهمّ من الآثار ، ولعله كان يشكّ بأنّنا لا نعرفها ، فها هي ( نوادا المتولي ) تستدعي الأمين المساعد لها ( مهدي علي ) وهو ( شيعي ) المذهب كما يدلّ عليه اسمه والمعاونة جنان وهي كذلك ، هكذا عزيزي القارئ تسوق لنا المفاهيم كما يريد مؤلف الكتاب الباحث عن الحقيقة أثناء تواجد الاحتلال وأظنّ أنّه يريد القول " اللهم اشهد أني قد بلغت " ؟؟ ودخلت البعثة الصحفية مع الجميع من السنة والشيعة إلى " حجرة البدائع والطرائف " . وقد شاهد المؤلف والبعثة المرافقة لـه في الحجرة المذكورة مئات الأشياء من جميع الأشكال ، تماثيل صغيرة ، لوحات ، أختام ، صناديق مكدسة فوق بعضها ، مسروقات أعيدت بعد شهرين من السابق ( علي بابا ) الذي استلم مقابلها مبالغ من الأمريكان الذين أشرفوا بتكليف من حكومتهم على استرجاع المسروقات ، إنّها لا توصف على كثرتها ومختلف أشكالها ، إنّها موضوعة بشكل فوضوي غير منظّم استلمها المنسق السّياسي الأمريكي المعيّن لإعادة الأشياء المسروقة ، إنّه أعاد ( إناء أورورك ) من اللصوص ، والذي كلف بالعمل في متحف بغداد ، إنّه رئيس المحققين الأمريكييّن .
    إنّ صور المتحف المدمّر ، أفهمت العالم أنّ ما جرى في بغداد لم يكن هياجاً شعبياً ضدّ صدام من عامّة الشعب ، بل مأساة لا يمكن إحصاء عواقبها ، سببتها حكومة الولايات المتّحدة التي قادت التحالف لإسقاط النظام ، وقد أكّد ذلك أحد أساتذة جامعة " برنستون " بقوله : " يجب أن تلام قوى التحالف على تدمير ونقل الكنوز الثقافية من العراق " .
    كما جاء وفد من تسعة علماء آثار بريطانيين بينهم مدام ( دومينيك لولون ) الأمينة المساعدة لقسم الشرق الأدنى القديم في المتحف البريطاني لمراقبة عملية نهب الآثار وسرقتها والإشراف على عملية إعادتها وجمعها ، ووجهت هذه البعثة أيضاً اللوم إلى الولايات المتّحدة وحلفائها لعدم اهتمامهم بحماية الآثار والتحف الفنيّة من النهب والسرقة.
    أصيب العالم بدهشة كبيرة لما تناقلته وكالات الأنباء والفضائيات من عملية التدمير والنهب للآثار والممتلكات الحضارية في العراق وأصيب جورج بوش بالارتباك الشديد بعد أن قدّم مستشاره الثقافي استقالته احتجاجاً على ما حدث ، وقد عبّر جورج بوش عن ذلك بقوله : " حدث مخيف لا يفسره سوى انتقام أناس تعرضت عائلاتهم للهوان " . هذا ما يبرره رئيس دولة عظمى لجريمة كبرى ضدّ الإنسانيّة .
    وخيم الظلام على عملية ( تحرير العراق ) كما يدعون ، وكيف يعوضون اختفاء ختم أسطواني أو حواء أوروك أو موناليزا نمرود ؟ ولم نلاحظ انتقاداً لبوش أو لرامسفليد موجّه لموقف جيوشهم لما حدث ، وبدأوا يتحدثون عن العمل الضروري لإعادة المسروقات من الكنوز المفقودة . إنّنا نعتقد أنّ وراء ذلك مخطط كبير لتدمير العراق .
    وصلت إلى بغداد قادمة من الولايات المتّحدة في 20 نيسان 2003 بعثة بقيادة (ماثيو بوغدانُس ) وكيل مساعد للدولة يمثل وزير العدل الأمريكي ، وتحت إمرته ثلاثة عشر شرطياً و /12/ وكالة حكومية مختلفة وثلاثة ضباط يمثلون المارينز وسلاح الجو وعشرة من شرطة الجمارك ودائرة الهجرة الأمريكيّة ، مهمة البعثة ورئيسها ( معرفة مسروقات المتحف العراقي وإعادتها ) وغير مسؤولة عن سرقات المواقع الأثريّة الريفية ومتاحفها ولا عن التحقيق في الدواعي السّياسية والمسائل الشخصيّة في هذه الجريمة . إنّ عدم التحقيق بما حدث هو انتهاك لدستور الولايات المتّحدة الأمريكيّة .
    اتصل رئيس البعثة (ماثيو بوغدانُس ) عند وصوله إلى بغداد بالمستشار الثقافي للتحالف ومشاور ( بول بريمر ) الحاكم المدني الأمريكي في العراق ( ببياتروكوردوني) لكي ينسقا العمل والتعاون بينهما لتحقيق هدف مشترك هو ( استرداد ) أكبر عدد معقول من المسروقات التي أعلنت عنها " أمينة نبهال " الموظفة في المتحف العراقي ونشرها الإعلام . حيث ادعت أنّ العدد المسروق بلغ 170.000 مائة وسبعين ألف قطعة أـثرية من المتحف العراقي . ويرى بوغدانُس أنّ هذا العدد مبالغ فيه ويدعو للشك ووافقه هذا الشك ( دوني جورج ) الموظف المسؤول في المتحف .
    في 30 نيسان 2003 صرح بوغدانُس أنّ قائمة المسروقات الفعلية التي تسلمها من أمناء المتحف هي 29 تسع وعشرون قطعة مسروقة فقط ، ونشر هذا التصريح في جريدة نيويورك تايمز وتمّت إعادة أربع قطع من سارقيها . ونقول للسيد بوغدانُس : رأيك مخالف للحقيقة ، إنّه مجرّد خبر للنشر الإعلامي من أجل التغطية على جريمة كبرى ولا نريد القول إنّ ما قالته أمينة المتحف صحيح ، إنّ كلا الأمرين لعبة إعلامية ، إنّه أمر مضحك ، لم يصدّق العالم أيّ الخبرين ؟ ولكن ادّعاء بوغدانُس مراوغة مفضوحة هدفها إعلامي من أجل التقليل من الكارثة . غير أنّ مدير البعثة لديه معلومات أنّ معظم الآثار مخبأة في صناديق وأماكن سرية محصنة ضدّ الطيران وقد أقنع أمناء المتحف أن يدلوه عليها وقد أرشدوه إلى مخبأ غربي بغداد تحفظ فيه كمية من المخطوطات من العصر الإسلامي و 179 مائة وتسع وسبعون علبة تحتوي على 8366 ثمانية آلاف وثلاثمائة وستين تحفة قديمة أضيفت إلى كمية الأشياء المستعادة ، كما تمّت استعادة (كنز نمرود) الذي اكتشفه سنة 1988م و 1989م في منطقة نمرود العراقي مزاحم محمود وكان هذا الكنز محفوظاً في المخازن المحصنة الموجودة تحت الأرض في المصرف العراقي المركزي وكذلك تمّ العثور في نفس المخازن للمصرف على مجموعة الحلي التي اكتشفت في القبور الملكية لمدينة ( أور ) والمجموعة الخاصّة للعائلة الهاشمية التي حكمت العراق بين سنة 1918م - 1958م .
    كلّ هذه المجموعات وجدت غارقة في المياه الجوفية التي غمرت المخازن المحصنة للمصرف المركزي ولكنها بحالة سليمة .
    وقد أكّدت لجنة (الاونيسكو) برئاسة ( منير بوشناقي ) مساعد المدير العام للمنظمة الدّوليّة ( الاونيسكو ) التي وصلت إلى بغداد مع مدير المتحف البريطاني ومدير البعثة الأثريّة اليابانية أنّ " ألفان إلى ثلاثة آلاف قطعة أثرية اختفت من متحف بغداد " ، وذكر (بوسنافي) أنّ قائمة بوغدانس وهي أنّ 25 خمسة وعشرون قطعة قد اختفت هي " تشويه للحقيقة " . غير أنّ بوغدانس يفتخر بإعادة ( كنز نمرود وإناء أوروك) .
    وبعد البحث والاستعادة لكلّ مكونات المتحف من القطع الأثريّة المفقودة والمسروقة والمحفوظة في أماكن محصنة أقيم معرضٌ في الثالث عشر من تموز 2003 حضرته الصحافة والدبلوماسيون ولفيف من الحاضرين وبحضور الحاكم المدني للعراق (بول بريمر ) واللجنة الصحفية مؤلفة هذا الكتاب واللجان الأمريكيّة والبعثات الثقافية الدوليّة والعالم العراقي (مزاحم محمود ) مكتشف ( كنز نمرود ) وعرضت كلّ التحف والقطع الأثريّة وأهمها ( إناء أوروك وكنز ملكات نمرود ) للجميع وانتهت المشاهدة وخرجت البعثة الصحفية من حجرة البدائع والطرائف في متحف بغداد .
    " الموصل ومواقعه الأثريّة ( منابع آشور ) "
    في شمال العراق توجد عواصم آشور القديمة ومنها مدينمة نمرود ، وهناك كان لقاء البعثة الصحفية مع عالم الآثار ( مزاحم محمود ) مكتشف ( مدافن نمرود ) . على الضفة الغربيّة من نهر دجلة توجد آثار ( آشور ) العاصمة الأولى للامبراطورية الآشورية العظيمة . في سنة 1903م إلى 1913م اكتشفت البعثة الألمانية الأثريّة بقيادة (أندريه) مجموعة سكنية تعود للألف الثاني ق.م ، الآشوريون اعتمدوا الصيد وتربية المواشي وحياة الاستقرار . مدينة آشور تأسست سنة 2400 ق.م وكانت تابعة لملوك (الآكاديين) وللسلالة الثالثة ( لأور ) كان الأمير الآشوري وسيطاً بين الآلهة والناس كما كان قائداً للجيش وكان يمثل مجمع التجار والبرجوازيين المسيطر على الاقتصاد والسلطة. وفي الكتاب وصف مطول لحياة المدن الآشورية وحياة الناس والملوك وكيف فرض ملوك آشور العظام بقوتهم السيطرة على وسط الشرق الأدنى وأودية دجلة العليا . كما يناقش الكتاب الغزوات والمعارك لجيوش آشور وتواريخها والمدن وتوسعاتها . وقد قامت البعثات الأوروبية بنقل الكثير من المستكشفات الأثريّة إلى متاحف بلدانها بالخفاء أو بالعلن من خلال المعاهدات التي تمّت مع حكومة الملك فيصل الأول بين سنة 1924م ولغاية 1933م وحسب طرق التصدير المتعارف عليها وأثرت متاحف فرنسا وألمانيا ودول الغرب الأخرى بقطعنا الأثريّة الثمينة . تأسست الموصل بعد خراب نينوى في القرن السابع قبل الميلاد ، احتلها العرب سنة 641 م ثمّ احتلها العثمانيون سنة 1638م وضمّت إلى العراق عند تأسيس الدولة سنة 1918 م سكانها من العرب والأكراد ، اكتسبت شهرتها عندما تمّ اختراع ( علم الآشوريات ) من قبل الباحثين الغربيين ونقل علماء الآثار من مناطق شمال العراق الموصل ودهوك الكثير من التحف الأثريّة إلى متاحف باريس وألمانيا ، إنّ مواصفات آثار نينوى عاصمة ( سرجون الثاني) سلف (سنحاريب). تفاصيلها في أصل الكتاب .
    مدير متحف الموصل ( منهل جبر ) عالم آثار مسؤول عن خرائب نينوى وقد قامت السيّدة ( نوادا المتولي ) من نقل بعض مجموعات متحف الموصل المهمة إلى متحف بغداد . إنّ مجموعات متحف الموصل تمثّل قرناً ونصف من علم الآثار .
    عند سقوط بغداد انهارت مؤسسات الدولة في الموصل وفُقد النظام وحدث فيها النهب والسلب لمتاحفها ومصارفها من قبل السراق واللصوص العارفين بقيمة الأشياء التي ينهبونها وتمّ طرد ( منهل جبر ) ومعاونيه من قبل اللصوص الذين سرقوا الأسود الضخمة المجنحة ومنحوتات نمرود والتحف والتماثيل ورأس الأميرة ( سامي ) وكانت الخسائر لا تعدّ ولا تحصى . واستمر النهب والسلب حتّى تدخّل الجيش الأمريكي في 12 نيسان لمنع استمرار اللصوص ، ولكن التدخّل جاء بعد فوات الأوان ، فقد انتزع ( علي بابا ) منحوتات قاعة العرش وسقف مكتبة ( آشور ) مع كلّ محتوياتها . وكان تنقيب العلماء الأوربيون سنة 1946م في ( نمرود ) و ( تل كويونجيك ) وتل ( النبي يونس ) واكتشاف قصر ( سنحاريب ) ومن نقّب في هذه المناطق الأثريّة من الإنكليز والفرنسيين كلهم عملاء لبلادهم في زمن فقدت السّلطة العثمانية سيطرتها وسميت ( بالرجل المريض) الذي يجب أن تتقاسم أملاكها عاجلاً أم آجلاً .
    وقد اكتشف عام 1852م من ( تل كويونجيك ) القاعات المنهارة للقصر الجنوبي الغربي في نينوى .
    ثمّ اكتشف القسم الشمالي من القصر واكتشفت تماثيل رائعة ولوحات بالكتابة المسمارية واكتشف في القصر مكبة ضخمة تضم 25000 خمسة وعشرين ألف لوحة وهي عبارة عن رقائق ملساء ( يسجل الكتبة عليها بقصبة إشارات مسمارية لها شكل مسمار ) . إنّ القصة التي ترويها هذه اللوحات التي وجدت في مكتبة ( آشور بانيبال) الموجودة في القصر موجودة في المتحف البريطاني . ونذكر القارئ مرة أخرى أنّ القصص والأسماء والمكتشفات لها فصول طويلة في هذا الكتاب الذي نقدّم شرحاً موجزاً لـه يمكن قراءتها والاطلاع عليها بعد الحصول على الكتاب .
    وأخيراً نقول أزيلت نينوى من الوجود ، وأبيحت للغوغاء . نهب آخر آثارها، إنّه الجهل والبربرية ، تتعاقب الأجيال وتتشابه قبل المسيح وبعده ، وحُكِم على التأريخ مرة أخرى أن يزول . ونريد أن نقول : لماذا يتوارى العارفون عن قول الحقيقة لما حدث في بغداد ، ونينوى ، وبابل ، وأور وبقية المعالم الأثريّة التي أباح الغوغاء . كلّ شيء موجود فيها وحطموا كلّ ما كان باقياً . هل تصرفوا تلقائياً أم سُعِّرَ جنونهم تحريض محرّض ؟؟ إذا أبعدنا نظرية كون الجماهير هي التي ثارت على ما تعتبره رمز الطغيان . لقد ذكرنا في أكثر من مجال أنّ ما حدث هو سرقة وتخريب مقصود ومخطط بأدقّ التفاصيل .
    إنّ ما حدث يفوق الإدراك ، إنّ الدّفاع عن تراث البشرية هو من أهمّ الأمور الجوهرية ، ولكن الأعداء لم يفكّروا بقيمة تراثنا الذي هو روح الشعب والأمة .
    ونوجّه سؤالنا إلى واشنطن عما حدث سنة 2003م من تدمير وخراب للتراث والمدن وهل حمايتها مهمة ؟ أم المهم لدى من احتل بلدنا الحكم ومن يحكم ؟؟ أثناء النقاش في واشنطن قبل الحرب كان المهم هو من يحكم الشيعة السنة الأكراد أم التقسيم الطائفي والعرقي لدويلات يسهل السيطرة والتحكم بها ، إنّهم اهتموا بنتائج هذا النقاش وتركوا كلّ شيء يدمّر .
    " أرامل نمرود "
    عند الساعة الثامنة صباحاً كان الموعد مع ( مزاحم محمود ) في ( نمرود ) على طريق آشور وبغداد جنوباً من الموصل ، بجانب أسوار نينوى ، وفي الطريق أكّد المسافرون أنّ ( آل علي بابا ) نسفوا مستودعاً للأسمدة الكيميائية قرب ( تل حسونة ) على الجانب الغربي من نهر دجلة .
    وصل أعضاء البعثة إلى الفناء الخارجي للقصر الشمالي الغربي أكبر الأبنية التي شيدها سنة 878 ق.م ( آشور نزيربال الثاني ) على قلعة نمرود والتي كانت تعرف آنذاك باسم ( كلحو ) .
    لقد شنّ ( آشور نزيربال ) حروباً على جميع حدود مملكته وغامر في غزوات عظيمة قادته عبر سوريا إلى جبل لبنان والبحر الأبيض المتوسط الذي استحم فيه وفي قاعة العرش كتابة تخلد هذه الفترة التاريخية :
    " غسلت سلاحي في البحر الكبير ، وقدمت قرابين للآلهة ، وتلقيت الجزية من ملوك الشاطئ ، من سكان صور وصيدا .... الخ " .
    إنّ قوات الاحتلال الأمريكي تمركزت قرب الباب الشمالي لقصر (آشور نزيربال) واضطرت هذه القوات بعد أسبوعين من تمركزها لصد هجوم قامت بـه عصابة ( آل علي بابا والنهابين وقطاع الطرق وأنصار صدام ) .
    وبعد صدّ الهجوم لم تَعُدْ هذه العصابات إلى هذا الموقع الأثري . تحدث أحد الجنود مع قائده واسمه ( توماس ) أنّه قدم للعراق ليعرف كثيراً عن تاريخ ( نمرود ) واستمر بالقول " الحالة صعبة سيدي ، ولكن لا يهم إنّ ما يهمني هو القصر ، هنا بدأ التاريخ ، الحضارة ، لقد قرأت ذلك في التوراة " إنّ ( سفر التكوين ) ذكر قصة (كوتش) بن سام بن نوح الذي نجا من الطوفان مع أولاده الثلاثة وكنّاته وجميع حيواناتهم الطاهرة، والنجسة: ( إنّ كوتش هذا قد ولد نمرود ، وهو أول جبار من الأرض ، وكان جبار صيد، أمام الرب وكان أول مملكته بابل وإرك وأكاد ، وكلنة من أرض شنعار ، ومن تلك الأرض خرج آشور ، فبنى نينوى وساحات المدينة " . هذه القصة جاءت من سفر (التكوين) وهكذا كان (توماس) العسكري الأمريكي خليفة علماء الآثار الذين تعاقبوا على نمرود .
    إنّ مزاحم محمود الذي عين سنة 1985م واكتشف غرفة تحت الأرض في قصر (آشور نزريبال الثاني) وكان فيها العديد من المكتشفات الثمينة واستمر بالبحث والتنقيب واكتشف غرفة أخرى سنة 1988م وفيها بقايا خمس أوانٍ فخارية من تراث مشوي ، وفي سنة 1989م عثر ( مزاحم ) على بئر مربعة الشّكل عمقها ثلاثة أمتار وفيها باب مقفل بستة وعشرين آجرّة ، وبعد الباب غرفة مليئة بالأواني الفخارية والجرار وقناديل الزيت وزجاجيات وألواح من طين على أحدها هذه الكتابة : " هنا ترقد الملكة إيابا وابنتها عتليا ". ويلي ذلك : " الويل لمن يلمس أجسادنا الويل لمن يسرق حِلانا يموت مريضاً ، ولا يذهب إلى الجنة " .
    ثمّ نشاهد بعد ذلك الغرفة الجنائزية التي تتمدد فيها إباباوعتليا زوجة وابنة الملك العظيم ( تقلا الثالث ) . كانت هناك أواني وحلي ذهبية . ويستمر الوصف الطويل للآثار ويستمر بالشرح والتفصيل مزاحم محمود لمكتشفاته من الآثريات والألواح والنفائس والذهب الذي يزين نساء الملوك .
    إنّ ما اكتشفه مزاحم محمود يفوق الإدراك ، أكثر من ستمائة حلية وأشياء ثمينة تشكل ( كنوز الكون ) مدفوناً في القصر الامبراطوري ، وكان منشأ الذهب من مصر والفيروز من إيران ، أما أنماط الحلي فهي آشورية وفينيقية ومصرية ، كانت ( نمرود مركز العالم القديم ) .
    إنّ مكتشفات مزاحم محمود نقلها صدام إلى بغداد ِ، ووضعها في خزائن المصرف المركزي ولم يبق لمزاحم سوى الذكريات والصور ولم يقبل صدام إعلان خبر هذه الاكتشافات وسيطر عليها ( آل علي بابا الأوائل ) على المراكز الأثريّة وظل كنز نمرود من أسرار الدولة العراقية .
    وحاول ( مزاحم محمود ) بشتى الطرق إعلان اكتشافاته على الأوساط العلمية ولكنه لم يستطع ، وفي سنة 2002م سافر مزاحم إلى لندن بدعوة من المتحف البريطاني وهناك عرض مجموعة ( صور الكنز ) على ( جون كورتيس ) مدير العاديات الشرق أوسطية ، فصاح مندهشاً : " إنّه كنز نمرود هو اكتشاف أثري تضاهي أهميته اكتشاف كنز توت عنخ أمون !! " وللأسف لم تكن لدى مزاحم عالم الآثار العراقي أيّة قطعة من اكتشافاته لأنّها في خزينة المصرف العراقي .
    ظهرت كلّ مكتشفات مزاحم محمود ( كنز نمرود ) في خزائن المصرف المركزي في العراق حيث أشرفت على إخراجها ( بعثة من الأونيسكو ) وبعثة الأمريكان التي كلفت باسترداد المسروقات العراقية والبحث عن مخابئها وأماكن حفظها وكان من الموجودات التي كانت في أقبية المصرف المركزي العراقي ( كنوز قبور أور ) وكنز (ملكات نمرود ) وقد استلم أعضاء فريق التنسيق للوكالة الدوليّة المشتركة قسماً من الذهب والحلي التي اكتشفها مزاحم محمود وحملت بعربات مصفحة في صالات العرض الآشورية وكان من بينها تيجان ، زينة ، حلي ، أوانٍ ، وفي يوم العرض نشر نصّ للصحافيين والإعلاميين مكتوباً بالعربية والإنكليزية موقّعاً من مستشار التحالف لدى وزارة الثقافة العراقية يحمل عنوان ( نمرود إرث الحضارة الآشورية ) ومن خلال النصّ عرف أنّ ( كنز نمرود ) اكتشفه فريق من علماء الآثار العراقيين بقيادة مزاحم محمود في موقع ( نمرود ) في ( أربعة قبور ملكية ) قبور ملكات وأميرات البلاط الملكي الآشوري في قصر ( آشور نزيربال الثاني ) في نمرود . وسُمح للصحافة بدخول قاعات العرض الآشورية ، وقد استُقبل الصحفيون من قبل العسكريين الأمريكييّن والدرك الدبلوماسيين وفي مقدّمتهم ( بول بريمر ) الحاكم الإداري للعراق وكان على مقربة منه مزاحم محمود الرجل الذي اكتشف الكنز وكان هدف الأمريكان من افتتاح المعرض أمام الصحافة ليظهروا للعالم ومن خلال الصحافة بأنّ كنوز العراق لم تسرق وأنّهم - أي الأمريكان - استعادوها من السراق أنّهم يحافظون على إرث وتاريخ دولة العراق .
    إنّ العرض في متحف بغداد كان وراءه هدف سياسي للولايات المتحدة الأمريكيّة وهذا ما عبّر عنه رئيس اللجنة المكلفة باستعادة الآثار ( بوغدانس ) لوسائل الإعلام " إنّه يجب وضع حد للإشاعات الاعتباطية التي انتشرت في بغداد بخصوص هذا الكنز الذي ظن البعض أنّه اختفى " . وقد وجّه بوغدانس شكره وتقديره للأئمة الذين ساعدوا على استعادة المسروقات : " لقد عرفوا كيف يخاطبون ضمائر المؤمنين الحقيقيين الذين أعادوا فوراً التحف التي أخذوها بنية حسنة حتّى يحافظون عليها " . كما وجه شكره للسيدة ( نوادا المتولي ) المديرة العامّة لعاديات المتحف التي وضعت قبل الحرب بأيام ( 8000 ) ثمانية آلاف قطعة قيّمة في 179 مائة وتسع وسبعين حقيبة من الزنك وأودعتها تحت الأرض في قاعة محكمة . لقد اندهش رجال الصحافة ومؤلف الكتاب من عظمة الأشياء المعروضة . وأخيراً إنّ مؤلف الكتاب قام بجهد كبير بتنسيق المعلومات حول الآثار العراقيّة ومناطقها والتي كانت مثبتة بتاريخ هذه الاكتشافات وعرضها في كتابه وكأنه هو الذي استطاع معرفتها من خلال جولته من جنوب العراق وحتّى شماله . كما أنّه أراد تسويق أكثر من فكرة يمقتها العراقيون ويستنكرون إذكائها وتضخيمها ونحن في محنة كبيرة لا نحسد عليها .
    ونود أن نقول فتحت أسواق سوداء في العالم لبيع آثارنا وتراثنا الذي سرق بمعرفة قوات الاحتلال وبمساهمة فعالة من الكثير من هذه القوات وضباطها وجنودها العارفين بقيمة الآثار وأهميتها وبمشاركة تجار في الأسواق العالميّة تمّ تسويق وإخراج العدد الكبير من الآثار من قبل السراق الجدد الذين أعادوا علينا الكرة مرة أخرى في هذا القرن ، فالمحتل لا يخجل من السرقة سواء كان هذا المحتل بالقوة العسكريّة خارجياً أم كان رجلاً ديكتاتورياً من أهل البلد ، وكيف تكون قيمة السرقة إذا كان حاكماً وقائداً لهذا البلد حيث فتح الباب بغبائه لسراق مثله كي يكملوا سرقة ما بقي من تراث وحضارة لهذا البلد العريق بشعبه الغني بحضارته ، وتاريخه الفقير إلى العدالة والقائمين عليها ، فحياك الله أيّها الشعب المقهور من حكامك ومن محتليك لعنهم الله جميعاً .

  2. #2
    من أهل الدار
    أم مهيمن
    تاريخ التسجيل: January-2015
    الدولة: عراق المحبه
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 6,768 المواضيع: 382
    التقييم: 2684
    مزاجي: حسيني
    المهنة: لاشئ
    أكلتي المفضلة: قوزي الشام
    موبايلي: ماكو هيج شي
    آخر نشاط: 11/August/2018
    مقالات المدونة: 3
    شكراا صديقتي

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    qamar
    منوره ورده

  4. #4
    من أهل الدار
    سسٓگآآتٓريةة بلِيٓ
    تاريخ التسجيل: August-2015
    الدولة: السسعوديةة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 1,397 المواضيع: 23
    التقييم: 475
    مزاجي: مروقةة
    المهنة: جامعيةة
    أكلتي المفضلة: كورنفليكس
    موبايلي: iPad
    آخر نشاط: 14/March/2016
    مقالات المدونة: 3
    شكرًا اختي

  5. #5
    صديق فعال
    يـا مهـدي ادركنا
    تاريخ التسجيل: August-2014
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 599 المواضيع: 89
    التقييم: 376
    مزاجي: اللهم عجل لوليك الفرج
    آخر نشاط: 5/September/2016
    مقالات المدونة: 2
    شكرا عالطرح المميز

  6. #6
    عضو محظور
    تاريخ التسجيل: June-2015
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 9,132 المواضيع: 928
    صوتيات: 19 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 3115
    مزاجي: مزاجية
    آخر نشاط: 24/February/2018
    شكرا ع النقل

  7. #7
    صديق نشيط
    حسينية الهوى
    تاريخ التسجيل: August-2015
    الدولة: Baghdad
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 381 المواضيع: 24
    التقييم: 76
    مزاجي: الحمدلله
    المهنة: Student
    أكلتي المفضلة: البيتزا و الصاج
    موبايلي: Iphone6
    آخر نشاط: 15/September/2015
    شكرا على الطرح

  8. #8
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: August-2015
    الدولة: اللمانية
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 626 المواضيع: 7
    التقييم: 102
    مزاجي: ملك
    أكلتي المفضلة: برياني دولمة
    موبايلي: جلكسي S 3
    يسلمؤؤؤ
    دؤم الابداع
    عاشت الايادي

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال