تأثر مواقف الأهل بالإيجاب والسلب في تكون الرباط الزوجي واستقراره .
منذ البدء يحمل كل من الزوجين تاريخه الأسري السابق , بما يميزه من صحة ونضج , واستقلالية او على العكس من أزمات ومعوقات , وهو يحدد بالتالي مدى القدرة والاستعداد والأهلية للحياة الزوجية . ويلاحظ على هذا الصعيد ان هناك ما يشبه الوراثة النفسية التي تكرر ذاتها .
فدراسة حالات الطلاق والتصدع الأسري الصريح تشير إلى انه لا يندر ان يكون الزوجان او احدهما قد نشأ في أسرة متصدعة بدورها . بينما تكون فرصهم في إقامة رباط زوجي معافى كبيرة بشكل ملفت للنظر كذلك . وكأننا في الحالتين بصدد نوع من التجاذب اللاواعي بين الزوجين المقبلين . وهو ما يمكن فهمه بسهولة بناء المبادئ وديناميات النمو وعلاقته بالتاريخ الأسري .
وفيما يتجاوز هذه الحالات , فأن مواقف الأهل تظل مؤثرة في أكثر من اتجاه . العديد من الأزواج يتجاوزون صراعاتهم وأزماتهم بفضل المساعدة المعنوية من قبل أهلهم في علاقة أشبه ما تكون ( بالعلاج الواقعي ) الذي يلجم الشطط الانفعالي ويهدئ من ثوراته , ويدفع إلى الرضى , ويشجع على التضحية , وصولا إلى تجاوز العقبات .
وفي المقابل لدينا العديد من حالات التدخل السلبي على مستوى الاختيار , كما على مستوى ديمومة الرباط الزوجي .
الحالة الأكثر شهرة تتماثل في الأهل اللذين يتخذون من أولادهم أدوات لتحقيق رغباتهم وطموحاتهم , كما يتخذون من زواج هؤلاء وسيلة لتحقيق لعض مصالحهم في الجاه , أو الثراء من خلال زواج الصفقة . يتوسلون تسلق سلم الوجاهة الاجتماعية , من خلال عقد أنواع من المصاهرات التي تكون روابط زوجية يدفع الأولاد ثمنها عاطفيا , وجنسيا , أو حتى وجوديا . أو هم يغالون في طلباتهم المادية في عملية من التنافس على المباهاة الاجتماعية تكون نتيجتها سد الطريق إمام روابط زوجية كان يمكن ان تحمل الرضى والوفاق للأبناء . تلك هي حالة المغالاة في المهور التي تشييع في بغض البلدان مما يؤدي إلى العنوسة .
وعلى النقيض من ذلك هناك حالات يفرط فيها الأهل ببناتهم من اجل مكسب مادي , او خلاصا من اعباء اعالتهم في زيجات محكومة بالفشل المسبق , حيث يتحول الامر الى عملية بيع وشراء .
اما بعد الزواج فأن تدخلات الاهل السلبية قد تحمل العلاقة الزوجية الناشئة اعباء لا يستهان بها , وقد تعرضها للمآزم , اذا استسلم الزوجان لهذه التدخلات . من ابرزها حالات التحريض التي يمالرسها هذا الطرف او ذاك : تحريض الزوجة من قبل امها على ارهاق زوجها بالمطالب , او تحريض الزوج من قبل امه على التعنت مع زوجته وصولا الى اخضاعها .
وبذلك تقوم حرب معسكرات بين احد الزوجين واهله ضد الاخر واهله . ولا يندر ان يتحول الامر الى حرب بين هؤلاء يكون الزوجان اداتها ووقودها حين لا يتوفر الود الكافي . او حين يدخل احد الاطراف ( في حرب القوة والمكانة ) ضد الطرف الاخر .
وتبقى العلاقة التملكية – التدخلية من اكثر انواع الصراعات التي تصيب الحياة الزوجية الناشئة . في هذه الحالة , التي يغلب ان تكون ام الزوج بطلتها تظل هذه متعلقة بابنها , رافضة ان يستقل بكيانه الخاص , ويقيم علاقة زوجية , خارجا عن نطاق سيطرتها .
اننا بصدد وضعية تعذر الفطام النفسي بين الام وابنها الذي يهيئ وحده السبيل الى استقلاله الوجودي . تعيش الام زواج ابنها من امراة اخرى كانه خيانة لها , ونكران للجميل , وتنكر لكل ما قدمت من تضحيات . وتدخل عندها في حالة صراع مفتوح على امتلاك الابن واحقية عائديته , معتبرة الزوجة كيانا غريبا دخيلا يحاول ان يزيحها عن موقعها المميز في عالم ابنها النفسي والوجودي . ويفتح مع قيام هذا التنافس ملف سلوكات التدخل والرصد والمتابعة التي لا تدع حتى ادق تفاصيل الحياة الزوجية تفلت منها . ويوضع الزوج – الابن امام خيار مأزقي ما بين حاجته الى اقامة رباط زوجي راشد ومستقل وبين الاتهام بالعقوق , او الاتهام بالضعف تجاه الزوجة والتخاذل امامها . وتزرع الالغام على درب الحياة الزوجية الناشئة .
ومن حالات التدخل الاقل حدة , يلاحظ احيانا ذلك الميل الابوي لاستيعاب حياة ابنه , او ابنته الزوجية في نوع من توسيع نطاق نفوذه . انه يضم العلاقة الزوجية الى ملكيته الخاصة في نوع من التضخم الذاتي الذي يدفع ثمنه بالطبع من خلال التقديمات المادية المشروطة . ذلك نموذج اخر من نماذج التملك الخفي تحت ستار العطاء والرعاية الظاهرين . هنا قد تتعارض الرؤى والتوجهات مابين اسلوب قديم يحاول اعادة انتاج الاسرة الممتدة التي يقوم على رأسها اب يجمع تحت عبائته كل ابنائه واسرهم , معتبرا الجميع ملكية خاصة له , وبين مقتضيات التغير الاجتماعي الذي يكرس الاستقلالية الذاتية للابناء , ولا يندر ان يتحول الامر الى نوع من معركة التحرر من قبل الابناء , قد يكون ثمنها باهظا على شكل فقدانهم للدعم المادي الذي هم بأمس الحاجة اليه . واذا حدث رضوخ لهيمنة الاب بسبب عدم الاستغناء عن دعمه , فأن الامر قد يتحول الى معاناة او صراع زوجي , يشتد تارة , ويخبو تارة اخرى , تبعا لمدى بروز الحاجة الى الاستقلال بالكيان الذاتي .