بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
من الميزات التي ساهمت وتساهم بجعل الإنسان إنساناً.. هو احساسه بالزمن وبظاهرة مرور الوقت وإدراك وجوده، فمن العبث التحدث عن حياة إنسانية وتخطيط وعمران وتطور من دون هذا الاحساس.
والزمن مفهوم نكتشفه من حركة الحياة مما نراه من تعاقب الليل والنهار، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
والزمن نكتشفه أيضاً من المراحل التي يمر بها كل كائن حي، ولادة ثم شباب ثم كهولة فشيخوخة ثم موت.
ولأن الموت والحياة هما طرفا العمر المتاح ومقدار رصيد الإنسان من السنوات والأيام، فإن موقف الانسان من الحياة ونظرته إليها، هما العنصران اللذان يحددان كيف سينفق هذا الرصيد وهذا الرأسمال المودع لديه، والمكتوب له في علم الله.
صحيح أن كلمة الزمن أو زمان لم ترد في القرآن الكريم لكنها جاءت في صيغ تدل عليها وقد أقسم الله سبحانه ببعضها تأكيداً لأهمية الزمن، ولما يريده أن يكون مهماً عند عباده.. فهو أقسم بالفجر والضحى والعصر فقال: {وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ}. وقال: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}..
هذا وقد ميّز القرآن بين زمانين زمن مخصص للحياة الدنيا وزمن مخصص لعالم الغيب. زمن الدنيا هذا نقيسه ونعده، فيومه مقداره أربع وعشرون ساعة . وأين منه ذلك اليوم الغيبي الذي يحدثنا عنه القرآن الكريم: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}(الحج:47).
إن زمن الدنيا الذي سخره الله لنا ليكون وعاء أعمارنا، لم يعطه لنا عبثاً. والرصيد مقرر سلفاً. وغير قابل للتجديد لأنه يُعطى كمرة واحدة فقط : {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا..}
والله سبحانه وتعالى كان واضحاً عندما حدد كيفية التصرف بهذا العمر عندما قال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}.. الأحسن عقلاً، الأحسن سلوكاً، الأحسن أداء في معايير الله، هو من يسخر زمن الدنيا لحساب الزمن الأساس الذي هو الآخرة.. فالدنيا في المفهوم الإسلامي لا تنفصل عن الآخرة، بل هي تحدد مصيرها.. والعلاقة بينهما كالعلاقة بين حراثة الأرض والإعداد لموسم الحصاد، فالدنيا هي مزرعة الآخرة.
والعمر هو فرصة العمل الوحيدة المتاحة لك فخسارة المال تعوّض أما العمر فمن أين يمكن أن تستلف أوتستدين؟
إن عدم الشعور بالزمن ايها الاحبة ومع وجود هذه الذهنية المبتلاة بأمراض التسويف وطول الأمل هي التي تفسر تراجعنا في الكثير من ميادين الحياة. إن الانتاج والتنمية وإعمار الارض له علاقة مباشرة في كيفية التعاطي مع الزمن والوقت والعمر .
وما يميز التشريع في الاسلام والديانات الالهية عن القوانين الوضعية أنه يحرص على توجيه الإنسان لاحترام الوقت والتعامل معه بكل مسؤولية لما فيه صلاحه وما يرفع من مستواه في الدنيا والآخرة .. فكما أنت مسؤول عن مالك أمام الله تعالى، فما ظنك بالسؤال عن عمرك، وهو أول ما يُسأل عنه كما في الحديث الذي نذكره دائما: يسأل الانسان "عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"
وخير معبر عن اهتمام الاسلام بالتربية الزمنية أنه جعل للناس مواقيت ومحطات يومية هي خير معين على الاحساس بالوقت.. فقد حدد الله العبادة بالوقت، الصلاة الصوم والحج والخمس والزكاة كل له مواقيته الدقيقة، وعليه يتوقف صلاح الاعمال أو فسادها.
أيها الأحبة:
إن الزمن محايد والوقت محايد لا طعم له ولا لون ورائحة، والإنسان هو من يعطيه عنوان الخير وعنوان الشر ،هو من يجعله قيمة تكون أثمن من الذهب أو مجرد لحظات ضائعة لشراء متعة أو لذة أو إشباع غريزة أو هوى.
وهذا ما ورد في الحديث: "احذروا ضياع الأعمار فيما لا يبقى لكم ففائتها لا يعود" "إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما"
وفي الحديث أيضاً: "من تساوى يوماه فهو مغبون".. "ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون".
فمعيار التعامل مع العمر هو دعوة رسول الله(ص) لنا لاستغلال العمر حتى اللحظة الأخيرة منه إذ يقول: "لو قامت قيامة أحدكم وكان بيده فسيلة فليغرسها".
أيها الأحبة:
الزمن هو مسؤوليتنا، ولذا نحتاج إلى أن نتأمل في زمن مضى نتعلم منه ونستفيد من عبره، أن نصلح ما فسد منه على مستوى علاقتنا بالله وعلاقاتنا بالناس والحياة، وليسأل كل منّا نفسه : إن أعطاني الله العمر كله فكم يبقى لي.. عشرون سنة مثلا أوثلاثون... ماذا أريد أن أفعل خلالها.. ما أولوياتي ( ) ما هي مشاريعي.. هل قصرت حتى الآن تجاه من أنا مسؤول عنهم..؟ ثم السوال الاهم هل قصرت في ديني؟ هل فرطت وأريد أن أعوض؟ ..المسألة أنه "لا وقت نضيعه " فالعمر قصير مهما طال والحياة قصيرة مهما امتدت".. فليكن هذا الشعار قبل الاقدام على أي عمل ..ادرس كل حركتك.. حدد الاهم لا تغرقوا في الحوارات والمحادثات والتسلي والتعرف بأحدث التكنولوجيات والبرامج فهذه اخطبوط يبتلع الوقت ابتلاعا ..
لا تتصوروا كم نحن بحاجة أمة وأفرادا إلى العمل ثم العمل ثم العمل وتوقيف هدر الوقت رأسمالنا الاثمن..
نحن نحتاج أن يكون زمننا جميلاً نجمله بأفعالنا.. وزمننا عزيزاً نُعزّه بإنجازاتنا... وزمننا قوياً بوحدتنا وغزيراً بعلمنا
وزمننا أخضر بعطاءاتنا واحساسنا ومحبتنا.. والامر بأيدينا ..