بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من خلال تاريخ ولادة الإمام علي الرضا عليه السلام عام 148هـ، والى تاريخ استشهاده عام 203هـ.. نجد انه عاصر ستة من خلفاء بني العباس هم: المنصورـ المهدي ـ الهادي ـ هارون ـ الأمين ـ المأمون.
فعاصر ثلاثة منهم وهو برعاية والده العظيم الإمام موسى الكاظم عليه السلام (المنصور ـ المهدي ـ الهادي) وهارون العباسي عاشر الإمام علي الرضا عليه السلام وشهد أباه الإمام الكاظم عليه السلام بين السجون العباسية ببغداد حتى قتل في سجن السندي بن شاهك.
حياة مضطربة:
هذا وربما أوصى الإمام موسى الكاظم عليه السلام ولده بان ينتظر مادام الطاغية هارون حيا، حتى إذ مات ينطق بالحق.. فلماذا ذلك يا ترى؟
لان الحياة السياسية للحكام العباسين كانت مضطربة وقلقة من ناحية العلويين بشكل عام والأئمة الأطهار بشكل خاص، وذلك لعلم كثير من الناس بأحقيتهم وان الحكام باسمهم كانت دعوتهم واليهم كانت تجدتهم.. ولكنهم اختصبوا القيادة الإسلامية كما اغتصبها الأمويون ومن سبقهم من أصحابها الشرعيين.. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه الكرام عليهم السلام.
لذلك كان العباسيون لا يهنأ لهم عيش ولا ينعم لهم بال وإمام من تلك العترة الطاهرة حي على وجه البسيطة.. ينطق بالحق ويعلم وينشر علوم القران في كل الاتجاهات وتجبى له الحقوق الشرعية من كل البلدان عن طريق الوكلاء في الأمصار.
وكذلك أحوال الدولة العباسية كلها كانت قلقة غير مستقلة وذلك لكثرة الانتفاضات والثورات على سلطانهم الطاغي لأنهم أعطوا أبشع صورة للحكام بالذبح والفسق والفجور.. والقتل والتعذيب والتنكيل.. و ملاحقة المعارضين والمجاهدين بالحق.
أموال مغتصبة:
فالذي يدرس حياة حكام بني العباس في تلك الفترة (المهدي ـ الهادي ـ هارون ـ الأمين ـ المأمون) والتي عاصرهم الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ويحلل أسلوب الحكم ومنهجه تحليلاً منطقياً وواقعياً.. وكيفية إدارة شؤون البلاد والعباد ومدى الحاكم والمحكومين ـ واتجاهات الرأي العام السائدة حينها..
وكذلك يدرس ـ حتى إذا كان بدون تدقيق ـ حياة الحكام في القصور العامرة بالجواري والغلمان.. والمغنين والشعراء.. وكؤوس الطلى تعب بدون رادع ولاوازع لا من دين ولا من ضمير.. والعياذ بالله.
وكتب التاريخ مليئة..ويكفيك ان تقرأ انه وفي مائدة واحدة للمأمون العباسي وضع ثلاثمائة نوع من الأطعمة اللذيذة، (أي مالذ وطاب) على وجبة واحدة في يوم عيد وكان في الأمة الإسلامية من لا يجد ما يسد به جوع أبنائه المحرومين.
وكيف لا تجوع الأمة وتعرى والأموال والأرزاق مكدسة في بيت المال لدى حكام الجور يتخذونها دونها دولة بينهم و من أين أتت هذه الأموال ....أليست من بيت مال المسلمين ....... أليس من حقوق الأمة الشرعية ؟
و هذا غيض من فيض... وقبس من حيال النار العباسية البغيضة التي تركت الأمة في حيص وبيص لا يدرون ما العمل.. فخابت آمال الأمة مجدداً بالعباسيين وراحت الانتفاضات تلو الانتفاضات والثورات تلو الثورات وكان أشدها الثورات الطالبية لأنها كانت عقائدية وجماهيرية بنفس الوقت.
1- ثورة ابن طباطبا (محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن السبط) 199هـ.
2- ثورة الحسين بن علي بن الحسن (صاحب فخ) وثورته المشهورة.
3- ثورة محمد بن جعفر عليه السلام (النفس الزكية).
وغيرها كثير من الديلم وخراسان والأهواز والبصرة والكوفة والمدينة ومكة وأفريقيا واليمن.. فكانت الأمة كالنار تحت الرماد لا تكاد تسمع بمعارض أو ثورة أو انتفاضة إلا وتهب إلى الاستجابة لها.. وخاصة إذا كانت قيادتها قريبة من القيادة الشرعية أي من الطالبين حصرا..
فتردى الوضع السياسي والأمني والسلوكي للحكام العباسيين انعكس على كافة أنحاء الشعب، فلم يسلم منه احد سواء العامة والجمهور أو قادة الرأي وأقطاب المجتمع والعلماء والفقهاء لذا كان الرأي العام قد اتجه وبشكل قوي وواضح إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وللإمام موقف:
الإمام الرضا عليه السلام استلم القيادة الدينية للأمة بعد أبيه وهو عالم بكل التفاصيل ودقائق الأمور ومداخل المؤامرات ضد هذه الطائفة الحقة وضده شخصياً. كيف لا..؟ وبالأمس يرى أبيه من سجن إلى سجن حتى قضى نحبه وانتقل إلى جوار ربه مسموماً في سجن ابن شاهك اللعين بأمر هارون العباسي، فحاصر الإمام علي الرضا عليه السلام بدعوته إلى الإصلاح واستمر في بعث الوكلاء وتوجيه الأمة واستلام الحقوق الشرعية وهو في حرم جده رسول الله صلى الله عليه واله وهذا صفوان بن يحيى يحدث قائلاً:
حين مضى موسى الكاظم عليه السلام وقام ولده من بعده أبو الحسن الرضا عليه السلام وتكلم خفنا عليه.. وقلنا له انك أظهرت أمراً عظيماً.. وانا نخاف عليك من تلك الطاغية.. يعني هارون العباسي.
فقال عليه السلام: ليجهدن جهده، فلا سبيل له عليَ.
ورغم الدسائس من قبل الازلام الملاعين الذين لاعمل لهم إلا الكذب والافتراء والتدليس وتمسيح الجوخ على الحاكم وتحسين أعمالهم مهما بلغت من الكفر والطغيان.. وهذا خالد بن يحي البرمكي قال لهارون العباسي.
هذا علي بن موسى الرضا قد تقدم وادعى الأمر لنفسه.
فقال هارون: يكفينا ما صنعنا بابيه.. تريد ان نقتلهم جميعاً.
وهكذا ابتلت الأمة في مثل هؤلاء الحكام.. وابتلت الائمة عليهم السلام بمثل هذه الأمة وبمثل هؤلاء الحكام الفجرة.
إلا ان الحكومة فقدت شرعيتها وسقطت هيبتها من عيون الأمة.. وهذا يعني إنها فقدت مبرر وجودها.. وهذا إيذان بسقوطها واضمحلالها. إلا ان يسعفها رجل قوي طاغية ذكي داهية.. يمكنه العمل على إعادة شيء مما فقدته حكومته المتصدعة.
طاغية جديد:
وهذا ماراه بنفسه عبد الله المأمون العباسي فأعلن خلع أخيه محمد الأمين.. وحاربه وقتله حتى علق رأسه على باب قصره.. ونصب نفسه حاكمها جديداً على الدولة الإسلامية.. ونقل العاصمة من بغداد إلى (مرو) بخراسان.. حيث كان له بعض المؤيدين والناصرين من الفرس والأتراك.. فعمل أعمال تنم عن خبث ودهاء عميقين..
1- إغداق الأموال على القادة والرؤساء وتقريبهم.. وكذلك تخفيف العبء عن الأمة الإسلامية من اجل التخفيف من تأججها وغليانها..
2- الضرب على أيدي العرب عامة والعباسيين خاصة لإظهار انه من أهل العدل والصلاح ولا يهتم بشأن القرابة والأنساب.
3- تقريب العلويين بشكل عام ومعاملته معاملة حسنة وبسعة صدر وانفتاح وارتياح أمام أنظار العامة لخدع الناس، بحقد وانتظار الفرصة للتنكيل بهم في دخيلة نفسه الخبيثة.
4- المراقبة الدائمة على إمام الأمة الإسلامية وشرفها العالي ونورها اللامع، وهو الإمام علي الرضا عليه السلام، فأرسل إليه واستدعاه إلى خراسان معززا مكرما واستقبله استقبالا عظيما وعرض عليه تسليم الحكم فورا ًـ وهو ينوي في قلبه قتل الإمام ـ فقال:
يابن عم.. يابن رسول الله صلى الله عليه واله تفضل أنت أحق بهذا الأمر مني..
وهل تنطلي مثل هذه الكلمات المعسولة على الإمام الرضا عليه السلام.. وأين يمكن ذلك أبدا، فرفضها الإمام رفضا قاطعا لأنه يعلم إنها كلمة حق أريد بها باطل..وما أراد المأمون بهذا العرض وجه الله أبداً.. ولكن هيهات وأنى له ذلك..؟
ولاية العهد:
وبعد ان أصر الإمام الرضا عليه السلام على الرفض اجبره على قبول ولاية العهد وقال انه لا يرضى أعذاراً أبداً، فقبل الإمام الرضا عليه السلام هذا العرض ولكن بشروط هو حددها تتمثل في ان لا يتدخل في شؤون الحكومة أبداً.. وبهذا اظهر للناس انه كاره لهذا المنصب ومجبور عليه.. فلم يتمكن المأمون ان يأخذ من الإمام شرعية لحكومته الظالمة.
المأمون عمل مناورة عن الأمة بشكل عام ـ غاية الخبث والدهاء ـ وهي انه شغلها ببعض الأمور العلمية والثقافية والترجمة والتأليف وغيرها فشغلت الأمة فترة طويلة من الزمن.. وفسح المجال لأهل الباطل فكثرت الزنادقة والملاحدة والفلاسفة والمتصوفة ومن كان يرى نفسه فقيها.. وراح يجمعهم ويدير حلقات البحث ويوقع كل منهم بالأخر فيؤيد هذا تارة ويصوب رأي ذاك أخرى..
وتخرج الجموع وتلهي الأمة عما هم فيه.. ولكن الإمام استفاد من هذه المناظرات الكبيرة والطويلة فنشر التعاليم الإسلامية الصحيحة ومعارف أهل البيت عليهم السلام فظهر علم الإمام وحقانيته على الجميع مما اضطر المأمون ان يدس السم إليه..
أهداف سياسية:
ولكن ماذا كان يريد ان يستفيد عبد الله المأمون من هذه الأعمال الذكية كالتظاهر بالتقرب إلى الإمام:
1- إرساء قواعد حكمه حين وجد أنصاراً أقوياء.
2- إبعاد العباسيين الطامعين والحاقدين عليه نتيجة قتل أخيه إلى حد ما والتخفيف من ضغطهم عليه.. والتحرير من العنجهية العربية وجهالهم ومشاغبيهم اذ لم يليق إليهم بالاً ولم يراع لهم أحوالاً.
3- تقريب العلويين ليخفف من ثوراتهم ويهدأ من روعهم وطلب ثاراتهم بمن قتلوا من آبائهم وإخوانهم من قبل آبائه الجبابرة.
4- ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام كانت لإضفاء الشرعية على حكمه وربما لكسب البعيدين والبسطاء من شيعة الإمام.. أما أصحاب البصائر النافذة والمتصلين بالأئمة عليهم السلام... عرفوا مكره ودهاءه.
إذ كيف لأمير ان يكلف رجلاً ـ وهو يكبره لا اقل من عشرين عاماً..؟ ومن خارج أسرته.. وممن كانوا...ولا يزالوا، يعتبرهم من ألد أعدائه.. كيف..؟ وأسئلة كثيرة ترد حول هذه القضية.
هكذا هي السياسة ودروسها وأئمتنا حجج الله على أرضه كيف تعاملوا معها... ولكل متأمل فيها عبرة ولكل متقصي نصيب.