قدرة العلم على التنبؤ
قام الساحر جميس راندي في تجربة ليدحض بها الأبراج، توجه لصف من الطلاب، وقدم لكل طالب ورقة وعليها اسمه، وكتب بداخل كل ورقة وصف للشخص بناءا على برجه، وقيل للطلاب أن الذي كتب تلك الصفات هو شخص متخصص في التنجيم بناءا على المعلومات التي قدمها الطلاب عن موعد ومكان ولادة كل منهم، بعد أن انتهى كل طالب من قراءة محتوى الورقة طلب منهم جيمس راندي بتقييم مستوى التنبؤ، هل أنه يصفهم بطريقة دقيقة أو غير دقيقة، وطلب منهم أن يقدروا ذلك برقم بين 1 و 5، بحيث يكون الرقم 5 دليلا على أعلى دقة للوصف، والرقم 1 هو الأقل دقة، وحينما سألهم أن يرفعوا أيديهم للرقم 1، لم يرفع أحدا يده، ثم 2، ثم 3، إلى أن وصل إلى 4، فرفع عدد من الطلاب أيديهم، وكذلك بالنسبة للرقم 5 رفع الباقي أيديهم، إذن، الطلاب يعتقدون أن التنجيم المكتوب يصفهم بشكل دقيق جدا.
هنا كشف جيمس الخدعة، فطلب من الطلاب تبادل الأوراق، بحيث تقوم الصفوف الأمامية بنقل الأوراق للصفوف الخلفية، والصف الذي في المؤخرة يقدم أوراقه للصف الذي في المقدمة، ماذا تتوقع أن يكون الشيء الذي اكتشفه الطلاب؟ صدم الطلاب عندما قرأوا الأوراق، حيث أن الأوراق كلها كانت نسخة واحدة من نفس الصفات. علام يدل ذلك؟ ألا يدل على أنه يمكن خداعنا بكل سهولة؟ بالطبع.
لا نقف عند حد التجربة، فصحيح أن التجربة تفند أو تؤكد على صحة الفرضية، ولكن العلم يذهب لأكثر من ذلك، العلم لديه قدرة على التنبؤ، بينما التنجيم بالرغم من بقائه معنا لأكثر من 2000 سنة إلا أنه لم يقدم للبشرية شيء، لابد من ذكر ملاحظة هامة، وهي أن المقصود بالتنبؤ ليس العامود القصير في نهاية الجريدة الذي يخبرك بأنك ستواجه مصاعب اليوم فلا تطع شريكك لأن طلباته ستزيد من سوء حظك، ولا تسرف بالمال، وأن الرقم 11 هو حليفك لهذا اليوم، أقصد أنه حينما يكتشف العلم السبب لمرض معين هو البكتيريا فبالإمكان أن يخترع مضادا حيويا لعلاج ذلك المرض، أو أنه إذا قال أن بحسب هذا القانون الرياضي يمكن أن تجعل جناح الطائرة بطريقة لتكوّن الرفع يمكنك صنع طائرات تحلق في السماء، وإذا ما تنبأ أنه يمكن تحويل المادة إلى طاقة استطاع أن يصنع القنبلة الذرية، وإذا ما تنبأ أن الكواكب تدور بحسب تلك القوانين استطاع أن يعرف مواقيت الكسوفات المختلفة، إلى آلاف السنين وبدقة متناهية.
والقدرة هذه للعلم تترجم مباشرة إلى منشآت جبارة في كل مجالات الحياة، منها لصناعة السيارات والطائرات وللأدوية وللطب وللكمبيوتر وللفضاء وللسفن، وللبناء، وللمصدمات، وللروبوتات، وللمخ، للنفس، للاجتماع، وحدث ولا حرج، كل ذلك يخدم البشرية مباشرة بطريقة معنوية ومادية، في المقابل، حاول أن تذكر مؤسسة قائمة نشأت على دعائم التنجيم، أين المختبرات، وأين نتاج التنبؤات، لا تجد لها نتيجة بعد كل هذه السنوات، نعم تجد لهذه المؤسسة وجود يخدم وجودها، ويصب فيها هي، وهذا هو الفرق بين العلوم وأشباه العلوم.
بالطبع هذا الكلام لا ينطبع على التنجيم فقط، هناك مجالات كثيرة، وتستطيع أن تعرف من خلال الإنترنت إذا ما بحثت عن كلمة Pseudoscience.
التهويل في فشل العلم
الكثير يستخدم مصطلحات قوية جدا في تضعيف العلم، فحينما يُكتشف قانون جديد يصحح القانون القديم، البعض يستخدم ذلك شماعة لكي يقول أن العلم متغير وغير ثابت، والمثال الذي تطن له الأذن من كثرة سماعه هو قانون ينوتن للحركة في مقابلة قانون آينشتين للنسبية، فيقول لك أحدهم مثلا أن قوانين نيوتن انهارت بعد أن ظهرت قوانين آينشتين، بالضبط كيف انهارت قوانين نيوتن؟ ما هو الذي انهار في الحقيقة؟
السيارة تعمل بقوانين نيوتن، الطائرات بقوانين نيوتن، المراكب الفضائية تعمل بقوانين نيوتن، تخيل معي ماذا تعني أن تنهار هذه القوانين، إنهيارها بعد ظهور قوانين آينشتين تعني أنه فجأة تنقلب السيارة وتقع الطائرة وتنقذف المركبة في الفضاء بلا رجعة، كل ذلك لم يحدث، مع أنها تعمل بقوانين نيوتن، غريب، المفروض أن تنهار، المفروض أن تلغى القوانين هذه من الكتب المدرسية، فما الداعي لتعليم الطلاب هذه القوانين بعد أن أتت قوانين أعلنت بتحدي الميكانيا النيوتونية؟ الجواب بسيط، قوانين نيوتن لا زالت تعمل في نطاقها الطبيعي، نعم، قوانين آينشتين أدق وأصح، ولكن حتى تبدأ الفروقات في قوانين نيوتن وآينشتاين بالظهور لابد من التحرك بسرعات عالية، ولابد أن تكون الجاذبية كبيرة جدا، هنا تبدأ الفوارق، وفي استخداماتنا اليومية لا تظهر عيوب قوانين نيوتن، ولذلك هي لم تلغى، ولذلك هي لم تنهار، ولذلك لن يتوقف العلماء من استخدامها ولا من تدريسها في المدارس.
والمقارنة هنا لا تتوقف، قوانين آينشتين لا تعمل في العالم الصغير، بل هناك تبدأ قوانين المكانيكا الكمية، فهل تنهار قوانين آينشتان أيضا، لماذا لا نلغيها هي أيضا؟ لأنها كما في قوانين نيوتن لا تزال تفسر الأمور في نطاقها، نعم الكثير كان يعتقد أن قوانين نيوتن هي الوصف الكامل لطريقة عمل الكون، ولكن اليوم نحن نعرف أنها تعمل في نطاق محدود، ونظرية آينشتاين أشمل وأعم، ولكن هدم النظرية السابقة بالكامل هذا ما لم يحدث.
صحيح أن الكثير من الناس والفلاسفة والعلماء أيضا يستخدمون نفس هذه اللغة لوصف قوة قوانين آينشتين في مقابل قوانين نيوتن وقوة الميكانيكا الكمية في مقابل قوانين آينشتاين، التعابير المستخدمة بلاغية، ولكنها لم تكن من باب التقليل من شأن تلك القوانين، وعلى الأقل ليس من باب القول أن هناك ما هو أفضل منها، البعض الآخر يستخدم هذه اللغة للتعبير عن ضعف العلم، اعتقادا منه أن العلم فعلا ضعيف، وعلى تقلب من حال إلى حال، وعلى عدم ثبات، في مقابل ماذا بالضبط؟ ولنقل أنه فعلا حدث وأن أخطأ العلم في نقطة معينة، لنكن صادقين، هذا هو العلم، يقبل الخطأ ويصحح من المسار، فصحيح أن العلم يخطئ ويتأقلم، ولكنه يصبح أكثر دقة، وأكثر قدرة على التنبؤ بالأشياء، أنظر حولك لترى النتائج، قارن ذلك مع العلوم الأخرى، هل ترى نفس التواضع في قبول الأخطاء، ونفس القوة في تفسير الأشياء؟