"المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي. وان لم يتم هذا التفاهم الروحي بلحظة واحدة لا يتم بعام ولا بجيل كامل"...هكذا هي قصة العاشقين الممثل المصري نور الشريف وزوجته الفنانة بوسي... وهكذا كانت مقولة الاديب اللبناني الراحل جبران خليل جبران في تقييمه ونظرته للحب الروحي بين كل عشاق الأرض.
إذاً، هي لحظة ثمينة غيّرت من قدر نور الشريف لتنثر في قلبه شعاعا نابضا من الحب عندما وقعت عيناه للمرة الأولى على فتاة صغيرة تدعى صافيناز مصطفى قدري (بوسي اسمها الفني لاحقا)، مع أختها قدرية أمام مبنى التلفزيون بماسبيرو في أحد أيام عام 1967. كانت تنتظر بوسي برنامج "جنة الأطفال" في التلفزيون المصري، ووقتها نظر اليها الممثل الصاعد طويلا ولم يستطع ان يضبط دقات قلبه المتسارعة نحو سحر هذه الفتاة، فتمنى في قرارة نفسه الزواج من فتاة مثلها، ورحل كل منهما في طريقه، بدون ان يعلما ان الطريق نفسه والقدر نفسه سيخلدهما بأشهر قصة حب في تاريخ السينما المصرية، وأشهر ثنائي في التلفزيون، وبأن حبهما سيثمر عن إبنتين هما سارة ومي.. إنه القدر الذي خبأ لهما المفاجئات الجميلة.
هدية القدر..عشق ابدي
"الشعلة" العاطفية بينهما ما لبثت ان استعرت في قلبيهما حين وقفا وجهاً لوجه في احدى حلقات برنامج "القاهرة والناس" للمخرج محمد فاضل في منتصف الستينات، ليمنحهما القدر فرصة العمر الثانية، ويقررا لاحقاً أن يتوجا تآلف أرواحهما بالزواج.
تقول بوسي في احد تصريحاتها الصحافية: "أحببته بكل أحاسيسي ومشاعري وأنا في الصف الثالث الإعدادي، وعمري لا يتخطى 15 عاما وكنت لا أستطيع أن أبوح بحبي لأنني كنت صغيرة لكنني كنت جريئة أيضا وحينما لمست أمي التغيرات التي طرأت عليّ وكثرة سرحاني واجهتني فصارحتها، فقالت "أنت صغيرة على الحب".
الحب أقوى من المصاعب
تحقيق رغبة الثنائي بالزواج بدأت برفض أسرة بوسي الاقتران بالممثل الصاعد حينها نور لسببين أساسيين: أولهما أنها ما زالت صغيرة وعليها أن تستكمل دراستها الثانوية، والثاني هو رفض زواج ابنتهم من ممثل حتى لا تتعرض حياتها للتقلبات وعدم الاستقرار، وكذلك لم يكن نور قد حقق نفسه بعد، فهو لا يزال فناناً صاعداً، كما كان يسكن في أحد الأحياء الشعبية ليظل الحب معلقا لمدة 4 سنوات.
وفي أحد الأيام تقدم إلى بوسي شاب من عائلة ثرية وتتمناه أي عائلة، لكنها رفضت بشدة، وأمام إصرار أهلها أقدمت العاشقة على محاولة انتحار باءت بالفشل، لترضخ الأم في النهاية عند رغبة ابنتها، وبعد وساطة وتدخل من المخرج عادل صادق، والصحفي عبدالعاطي حامد تمت الخطوبة في يوم ميلاد بوسي.
ولم يطل الأمر كثيرا، فيخط القدر نهايته السعيدة لعشقهما، ويتزوجان عام 1972، وليتماهيان مع أحداث فيلم "حبيبي دائمًا" عام 1981، الفيلم الذي روى قصة الحب الأسطورية بينهما، وصور نور الشريف العاشق المتيّم الذي يحارب العالم من أجل الفوز بحبيبته..وكأن تلك القصة كانت نسخة من قدرهما.
حبيبي في حضن القمر
في فيلم "حبيبي دائمًا"، تقول بوسي لنور: "يا ريت نفضل تايهين، أنا بحلم نعيش في جزيرة وسط البحر تكون بعيدة عن الناس، ما فيهاش حساب للوقت ولا للسنين نصحى مع الشمس وننام في حضن القمر"…حلم تجسد لأكثر من 34 سنة زواج رغم بعض العواصف التي هبت عليه إلا ان الحب انتصر في النهاية مجدداً....لكن هذا الحلم صحت منه بوسي بالأمس، اي في 11 اغسطس 2015، عندما غفا "قمرها" الغفوة الأخيرة بين يديها...ورحل حبيبها.
مطبات الانفصال لم تفرق بينهما
عام 2006، انفصل الثنائي بعد حوالي 34 عاماً من الزواج، لأسباب حرصا على كتمانها رغم الإشاعات الكثيرة حول الموضوع، ورغم ذلك فإنهما ظلا قريبين في جميع المناسبات، فلهيب الود والعشرة لم ينطفئ بينهما طيلة سنوات الانفصال، وكانت بوسي حريصة على التواجد مع نور الشريف في السراء والضراء، لتكون محطة مرض نور الشريف عام 2014 نقطة ضغف الحبيية بوسي، فتقرر الرجوع لحبيبها ويتزوجان قبل خطوبة ابنتهما سارة بأسبوع، ويلتم شمل الأسرة من جديد، وتستعر شرارة الوله بينهما وتلئم جروح الفراق.
الثنائي الذي شغل السينما
خلال مسيرتهما الفنية، اشتركت بوسي مع زوجها نور الشريف في 10 أعمال فنية خلدت اسمهما كواحد من أهم وانجح الثنائيات المصرية، ومنها "الضحايا"، و"بدون زواج أفضل"، و"آخر الرجال المحترمين"، و"كروانة"، و"قطة على نار"، و"حبيبي دائما"، و"لعبة الانتقام" و"ليالي لن تعود"، و"العاشقان".
كما أسسا معا شركة إنتاج خاصة "إن.بي فيلم»" وهي الأحرف الأولى من اسميهما وقدما من خلال الشركة أفلام مثل "دائرة الانتقام"، المقتبس من قصة الكونت دي مونت كريستو، و"زمن حاتم زهران"، و"العاشقان" الذي شهد آخر تعاون بينهما.
رحل حبيب بوسي...رحل لكنه اختار أن يموت بين يدي من عشقها منذ الصغر...رحل ولكنه سيبقى دوما لـ "بوسي" "حبيبي دائماً".
معا خلال فترة مرض نور الشريف