وَلَسَوْفَ تَسْكُنُنِي الزَّوَابِعُ ( مالك الواسطي )
16/08/2015 09:08
مالك الواسطي
نَـجَعَ الكَلامُ بِقَلْبِهِ، فَتَدَثَّرَ اللَّيْلَ الصَّمُوتْ
وَبَكَتْ عَلِيْهِ جِرَاحُهُ
وَتَوَارَتِ الحَسَرَاتُ في وَجَنَاتِهِ
كَالسَّيْلِ مُنْحَدِرًا إلى بَـحْرٍ تَمُوتْ
وَعَلى الشِّفَاهِ اليَابِسَاتِ
تَعَلَّقَتْ فِيْهِ الدُّنَا
أَقْوَالَ رِيْحٍ عَاصِفَاتٍ
لَمْ تَزَلْ كَحُرُوفِهَا حيْرَى يُلَمْلِمُهَا السُّكُوتْ
وَعَلى المَصَاطِبِ، خَلْفَ تِلْكَ الدَّارِ، في عَرَصَاتِهِ
يَبْقَى النَّهَارُ مُعَلَّقًا،
زَمَنًا، يَغَالِبُهُ التَّوَجُّعُ وَالخُفُوت
قَالَتْ لَهُ رِيْحُ الشِّمَالِ، نَدِيَّةً كَانَتْ
تُرِفْرِفُ في تَفَاصِيْلِ الشَّوَارِعِ وَالبُيُـوتْ"
تَتَرَاقَصُ الكَلِمَاتُ أَوْ تَتَبَعْثَرُ
فَالقَلْبُ يَشْغِلُهُ الهَوَى
وَأَخَالَنِي مِنْ دُوْنِهِ أَتَعَثَّرُ" .
بَغْدَادُ مَا نَفَضَتْ شَوَارِعُهَا غِبَارَ الأَتْرِبه
عَنْ وَجْهِهَا
حَتَّى تَلَعْثَمَتِ الظَّهِيْرَةِ وَاِنْكَبى فِيْهَا المَسَاءْ
وَتَدَافَعَتْ فِيْهَا اللَّيَالي النَّاحِبَاتُ كَأَنَّهَا
صَرَخَاتُ عَاشِقَةٍ
تَطِلُّ عَلى الأَزِقَةِ مِثْلَ فـَانُوْسٍ يُضَــاءْ
في عُتْمَةِ الطُّرُقِ القَدِيْمَةِ، في الضُحَى ،
تَبْقَى شَوَاطِئُهَا تُخَبِّئُ في ثَنَايَاهَا الدُّعَاءْ.
"تَتَدَافَعُ الآهَاتُ أَوْ تَتَقَرَّبُ
فَالدَّارُ قَدْ ضَاقَتْ بِنَا
وَغَدَتْ كَمَا أَيَّامِنَا تَتَهَرَّبُ.
"وَتَكَحَّلَ الزَّمَنُ الغَرِيْبُ بِصَوْتِهَا
وَانْسَابَ في أَوْجَاعِهَا مُتَلَكِّئًا
كَالرِّيْحِ تَعْصِفُ في الجِدَارِ
وفي ضَفَائِرِهَا تَظَلُّ الرِّيْحُ عَاتِيْةً، تَفُـرُّ
كَمَا تَفُرُّ بِهَا الدِّيَارُ
وفي الخُطَى أحْزَانُهَا تَأْتِي
كَمَا تَأْتِي العَوَاصِفُ في نِهَايَاتِ الخَرِيفْ
في لَيْلَةٍ غَبْرَاءَ أَهْلَكَهَا التَّرْحُلُ
بَيْنَ طِيَّاتِ الشَّوِارِعِ وَاِنْكِسَارَاتِ الرَّصِيفْ
في لَيْلَةٍ غَــبْرَاءَ مَا عَجَزَتْ تَـدُقُّ البَابَ
في خَجَلٍ عَلِيْ
آنَ الخِتَامُ ! فَقُمْ إِلَيْ
وَلَسَوْفَ تَسْكُنُنِي الزَّوَابِعُ
إِذْ تَوَارَى خَلْفَ هَذَا البَابَ عِطْرِي
أَوْ تَغَرَّبَ في اِزْدِحَامِ اللَّيْلِ طِيْفٌ
قَدْ عَقَدْتَ بِمَعْصَمَيّْ
مَطَرٌ يَدُقُّ عَلى النَّوَافِذِ
والنُّعَاسُ يُـحِيْطُ كُلَّ صَغِيْرَةٍ
إِلا أَنَا فَمَدَامِعِي بَيْتٌ يَفِيْضُ
وَمَوْجَةٌ في البَحْرِ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي
آنَ الأَوانَ ! فَكُنْ مَعِي
يَا صُبْحُ إِنَّكَ في الخِتَام لَنَا سَوِي.
•مجتزأ من قصيدة طويلة
منقول