المطلب الثاني
اختصاصات المحكمة الدستورية العليا
تحددت اختصاصات المحكمة الدستورية العليا عن طريق الدستور في مادته رقم 175 التي تنص على أن: تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين في القانون، ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها.
أما القانون رقم 48 لسنة 1979 بشأن المحكمة الدستورية العليا فقد حدد اختصاصات هذه المحكمة في مادتين كما يلي:
المادة 25 منه وتنص على أن:
تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي:
أولاً: الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
ثانياً: الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي؛ وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منهما ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها.
ثالثاً: الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائين متناقضين صادر إحداهما من أية جهة من جهات القضاء والآخر من جهة أخرى منها.
أما المادة 26 منه فتنص على أن:
تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بالقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافاً في التطبيق وكان لها الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرا.
وفي ضوء النص الدستوري والنص التشريعي فإن للمحكمة الدستورية العليا أربعة اختصاصات هي:
1- الرقابة على دستورية القوانين واللوائح (دستور+ قانون).
2- الفصل في تنازع الاختصاص (قانون).
3- الفصل في النزاع بشأن حكمين نهائيين متناقضين صادرين من جهتي قضاء مختلفتين وأيهما أولى بالتنفيذ (قانون).
4- تفسير النصوص التشريعية تفسيراً ملزماً تلتزم به كافة الجهات (دستور+ قانون) وإذا كانت هذه هي اختصاصات المحكمة الدستورية العليا وفقاً لأحكام الدستور ولأحكام قانون إنشاؤها فإن التساؤل يطرح نفسه حول محورين متكاملين:
أولهما: ماهية التشريعات الخاضعة للرقابة الدستورية؟
ثانيهما: كيفية تحريك الدعوى الدستورية؟
وسنتولى الإجابة عن هذين التساؤلين في فرعين كما يلي:
الفرع الأول
التشريعات الخاضعة للرقابة الدستورية
إذا كان الدستور والقانون قد حددا اختصاص المحكمة الدستورية العليا برقابة دستورية التشريعات واللوائح أو ما يمكن أن نسميه الاختصاص القضائي للمحكمة، فإن التشريعات ذاتها تتنوع ما بين تشريع عادي يصدر من السلطة التشريعية وتشريع مكمل للدستور يتوجب عرضه على مجلس الشورى قبل إقراره وفقاً للمادة 195 من الدستور الدائم، وتشريع ملغي أي صدر ثم ألغته المحكمة الدستورية العليا؛ وتشريع استفتائي أي تم إصداره عن طريق الاستفتاء الشعبي والمعاهدات الدولية التي صدقت عليها السلطات ونشرتها في الجريدة الرسمية ومن ثم تصبح جزءً من التشريع الوطني (م 151 من الدستور) وأخيراً التشريعات الصادرة قبل العمل بالدستور الدائم، وهناك كذلك اللوائح العادية واللوائح الاستثنائية. وتختص المحكمة الدستورية وفقاً للنص الدستوري برقابة دستورية كافة أنواع القوانين السابقة. فرقابة المحكمة تتسع لتشمل التشريع بالمعنى الواسع (الموضوعي) وهو ذات ما قضت به المحكمة العليا في أحد أحكامها كما أسلفنا رغم خلو قانونها مما يشير إلى ذلك.
ولكن ماذا عما لا يصلح محلاً للرقابة القضائية ولا تمتد إليه ولاية المحكمة الدستورية العليا؟
أولاً: الدستور:
رغم أن الدستور يعتبر في معناه الدقيق قانوناً بل هو القانون الأساسي أو قانون القوانين والقانون الأسمى. بيد أنه لا يصلح أن يكون محلاً للرقابة الدستورية على الرغم من أنه في مجال تفسير القوانين قدم وزير العدل طلباً إلى المحكمة العليا بتفسير المادة 94 من الدستور مما يجعل تفسير المحكمة لهذا النص الدستوري ملزماً للجميع؛ على أن المحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة 19 إبريل 1977 في الدعوى رقم 340 لسنة 23 قضائية: بأن القرار التفسيري الصادر من المحكمة العليا لا يكون ملزماً إلا إذا كان صادراً بشأن تفسير القوانين وليس بشأن تفسير الدستور.
ثانياً: الأعمال السيادية:
وهي طائفة من الأعمال التي تقوم بها الحكومة (السلطة التنفيذية) وتنحصر عنها ولاية القضاء عموماً بما فيه القضاء الدستوري مثل إعلان حالة الطوارئ، وغيرها حيث أن أعمال السيادة تتصل بسيادة الدولة وأمنها الداخلي والخارجي ولا تقبل بطبيعتها أن تكون محلاً لدعوى قضائية ومن ثم تخرج عن ولاية القضاء، وترتكز نظرية أعمال السيادة على فكرة أن السلطة التنفيذية تتولى وظيفتين، أولهما بوصفها سلطة حكم والأخرى باعتبارها سلطة إدارة. وتلك النظرية من ابتكار مجلس الدولة الفرنسي ليتجنب في بعض المسائل ذات الحساسية الخاصة للصدام مع السلطتين التشريعية والتنفيذية وهو ذات النهج التي اتبعه القضاء الإداري المصري ومن بعده القضاء الدستوري وبذلك قضت المادة 17 من قانون السلطة القضائية.
ثالثاً: الأعمال السياسية:
وتلك النظرية من اختراع القضاء الدستوري الأمريكي لذات السبب الذي ابتكر من أجله مجلس الدولة الفرنسي نظرية أعمال السيادة، ونظرية الأعمال السياسية نظرية مرنة واسعة وغير منضبطة واتخاذها وسيلة لحجب الرقابة القضائية على دستورية القوانين أمر خطير ذلك أن التنظيم الدستوري هو بطبيعته تنظيم للنظام السياسي للدولة ولهيكلتها ولسلطاتها وحقوق وحريات الأفراد وواجباتهم وكلها أمور له وجه سياسي ظاهر وقد أخذت المحكمة العليا بنظرية الأعمال السياسية في حكمها الصادر يوم 5/4/1975 بقولها: إن ما يثيره المدعون من طعن في دستور 1958 وفي دستور 1964 وفي إجراءات إصدارهما وما أنطوي عليه هذان الدستوران من تحديد أو إغفال تحديد مدة رئاسة رئيس الجمهورية، هذا الطعن يتناول مسائل سياسية لا يدخل النظر فيها أو التعقيب عليها في ولاية هذه المحكمة التي يقتصر اختصاصها في شأن رقابة الدستورية على الفصل في دستورية القوانين وفقاً لما تقضي به المادة الأولى من قانون إنشائها".
الفرع الثاني
طرق تحريك الدعوى الدستورية
تنص المادة 29 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بشأن المحكمة الدستورية العليا على أن: تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:
أ/ إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوي عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع؛ أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسالة الدستورية.
ب/ إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة جدية الدفع، أجلت الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن.
أما المادة رقم 27 من ذات القانون فإنها تنص على أن:
يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصها ويتصل بالنزاع المطروح عليها بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعوى الدستورية.
وتظهر النصوص آنفة الذكر أن المشرع حصر طرق تحريك الدعوى الدستورية عن طريق ثلاث قنوات هي:
1- الإحالـــــة:
وتعني الإحالة قيام محكمة الموضوع- المثار أمامها نزاع قضائي من أي نوع- من تلقاء نفسها بإحالة أوراق الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص قانوني أو قانون يكون لازماً للفصل في الدعوى؛ وتكون إحالة الأوراق إلى الأخيرة بغير رسوم. ويتعين حتى تكون الإحالة مقبولة أمام المحكمة الدستورية العليا أن يتضمن القرار الصادر بها، النص التشريعي أو النصوص التشريعية التي تعتقد محكمة الموضوع أنه غير دستوري، كما يتعين عليها أن تبين النص الدستوري المدعي بمخالفته وأوجه تلك المخالفة وإلا كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة (م30) وتلتزم بقضاء المحكمة الدستورية العليا وعليها أن تطبق النص المطعون بعدم دستوريته على النزاع المطروح عليها إذا قضت المحكمة بدستورية وهي الطريقة التي استخدمت مع القانون رقم 153 لسنة 1999 بشأن الجمعيات الأهلية ومن ثم قضى بعدم دستوريته في 3/6/2000.
2- الدفـــــع:
وهو الطريقة الأكثر شيوعاً في تحريك الدعوى الدستورية وتعني أن هناك نزاعاً موضوعياً مطروحاً أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وفي أثناء سير الدعوى يدفع أحد الخصوم بعدم دستورية النص أو النصوص أو القانون ككل المطلوب تطبيقه عليه.. فإذا ما تم الدفع فعلى محكمة الموضوع أن تقدر جدية الدفع المبدي أمامها؛ ولم يضع المشرع معياراً لقياس جدية الدفع وترك الأمر لمحكمة الموضوع أن تقدره. وجماع الأمر في جدية الدفع أولاً: أن يكون الفصل في المسألة الدستورية التي أثارها الدفع لازماً للفصل في الدعوى الموضوعية المطروحة على محكمة النزاع الأصلي التي أثير أمامها الطعن بعدم الدستورية.
ثانياً: أن يكون هناك شك لدى قاضي الموضوع حول دستورية النص أو النصوص المدفوع بعدم دستوريتها (60). فإذا تراءى للمحكمة جدية الدفع المبدي أمامها بعدم دستورية نص أو نصوص في قانون أو لائحة فإنها تقضي بتأجيل نظر الدعوى إلى أجل تحدده، كما تحدد في ذات الوقت لمن أثار الدفع أجلاً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع دعواه أمام المحكمة الدستورية العليا. فإذا لم يقم صاحب الشأن برفع الدعوى في الأجل المحدد أعتبر دفعه كأن لم يكن واستأنفت محكمة الموضوع سيرها في نظر الدعوى.
أما إذا قام صاحب الشأن برفع دعواه الدستورية بعد الأشهر الثلاثة فإن المحكمة الدستورية العليا تقضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الموعد الذي تعتبره ميعاداً حتمياً لا يجوز تجاوزه.
3- التصــــدي:
كما أشار نص المادة 27 من القانون 48 لسنة 1979 بشأن المحكمة الدستورية العليا؛ فمن حقها أن تتعرض لدستورية نص في قانون أو لائحة من تلقاء نفسها دون أن يطلب منها ذلك بأيٍ من الطريقتين السابقتين؛ شريطة أن يكون ذلك بمناسبة ممارسة اختصاصاتها في أحد الدعاوي المعروضة عليها، وكان النص محل النظر متصلاً بالمنازعة المطروحة عليها ولازماً للفصل فيها.
وتعتبر هذه الطريقة صورة من طريقة الإحالة؛ فإذا كان لمحكمة الموضوع أن تحيل إلى المحكمة الدستورية العليا- دون طعن من الخصوم- نصاً يطلب منها تطبيقه، وتراءى لها عدم دستورية، لتنظر المحكمة العليا في مدى دستوريته؛ إذا كان ذلك بنص المادة 29 فقرة واحد، حق لأي محكمة، فإنه من باب أولى يكون من حق المحكمة الدستورية صاحبة الاختصاص، وفي الحالة الأولى يسمى"إحالة" وفي الحالة الثانية يسمى "تصدي".
وأخيراً يتعين أن نتناول هنا شروط قبول الدعوى الدستورية وهي ذات شروط قبول الدعاوي العادية ويمكن إجمالها في شروط ثلاثة هي المصلحة والصفة والأهلية على أن شرط المصلحة يختلف في الدعاوي الدستورية ومن ثم تعتبر له خصوصية على النحو التالي.
شرط المصلحة:
وقد حددت المحكمة الدستورية هذا الشرط في حكمها في الدعوى رقم 10 لسنة 13 ق. د بجلسة 7/5/1994 حيث قالت: [وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة- وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية- إنما يتحدد على ضوء عنصرين أوليين يحددان معاً مضمونها ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلالهما عن بعضهما البعض لا ينفي تكاملهما وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية القوانين واللوائح، أولهما: أن يقيم المدعي- وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون عليه- الدليل على أن ضرراً واقعياً- اقتصادياً أو غيره- قد لحق به، ويجب أن يكون هذا الضرر مباشراً مستقلاً بعناصره ممكناً لإدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً.
ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعي أصلاً؛ أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، وذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعاً لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها].
المبحث الرابع
الهجوم على المحكمة الدستورية العليا
أصدرت المحكمة الدستورية العليا منذ بداية عملها في جلسة السبت 16/5/1981 حتى جلسة 11/5/2003؛ 217 حكماً بعدم دستورية نصوص تشريعية سواء كان صادرة بقوانين أو بقرارات بقوانين أو لوائح وقرارات؛ وقضت فيما قضت بعدم دستورية قوانين بأكملها مثل قانون الجمعيات الأهلية رقم 153 لسنة 1999 وقانون الضريبة على مرتبات العاملين في الخارج؛ وذلك على النحو الآتي:
أولاً: أصدرت المحكمة 31 حكماً بعدم الدستورية في حقبة الثمانينيات.
ثانياً: أصدرت المحكمة 130 حكماً بعدم الدستورية في حقبة التسعينيات.
ثالثاً: أصدرت المحكمة 56 حكماً بعدم الدستورية في السنوات [2000- 2003].
وازدياد أعداد القضايا التي تقضي فيها المحكمة بعدم الدستورية يجد مرده في أمرين:
أحدهما طبيعي ويتمثل في زيادة الوعي بأهمية هذه المحكمة في ردع تغول كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية على أحكام الدستور ومن ثم على حقوق وحريات المواطنين وبالتالي حدثت معدلات زيادة في كم القضايا المعروضة على هذه المحكمة؛ بمعنى آخر بسيط ازدياد عدد القضايا التي تصل بإحدى الطرق الثلاث السابق عرضها إلى القضاء الدستوري المتمثل في الأساس في المحكمة الدستورية العليا، وهذه الزيادة تجد سببها في ارتفاع الوعي القانوني بقيمة وأهمية المحكمة في الزود على أحكام ونصوص الدستور والسهر على حمايته.
وثانيهما: خاص بالمحكمة ذاتها والتي اقتحمت مجالات لم تكن لتقتحمها قبل مطلع التسعينيات ووسعت من نطاق السهر على حماية الدستور- دون أية حسابات من جانبها- فقامت بوظيفتها خير قيام وتعتبر هذه الحقبة هي أغنى فترات وجود المحكمة الدستورية العليا.
ومما لاشك فيه أن كثيراً من أحكام المحكمة الدستورية العليا لا يصادف هويً ولا قبولاً لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ وقد يقع بسبب هذه الأحكام صدام فيما بينهما من جهة وبين المحكمة من جهة أخرى.
ولعل أكثر أحكام المحكمة إثارة للخلاف بينها وبين السلطتين الأخريتين:
1- الأحكام المتعلقة بالانتخابات وبمجلس الشعب مثل الحكم في الدعوى رقم 37 لسنة 9 ق.د في مايو 1990.
2- الأحكام المتعلقة بالنصوص الضريبية خاصة مع ما يترتب عليها من تحميل خزانة الدولة بدفع الضرائب التي تم تحصيلها من قبل.
وسنحاول الآن في إيجاز استعراض بعد المحاولات الهجومية على المحكمة الدستورية العليا:
بدأت شرارة الهجوم الأولى على المحكمة الدستورية العليا عن طريق الأستاذ الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب (السلطة التشريعية) وذلك في حديث أجراه بجريدة المصور الأسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 15 مارس 1996؛ وقد عرض سيادته لعدد من النقاط أسست لانتقاده لأحكام الدستورية العليا وذلك على النحو التالي:
1- ارتكز رئيس مجلس الشعب في هجومه على المحكمة بفكرة أسماها "الأمن القانوني" وشرح هذه العبارة بقوله "هو استقرار القانون واستقرار المفاهيم القانونية التي يعتمد عليها المجتمع اعتماداً كلياً، فإذا فوجئت الناس بأن هذه المفاهيم القانونية خاطئة حدثت حالة من عدم الاستقرار القانوني؛ وخاصة أن هناك وجهة نظر ثانية جديرة بالاحترام تقول: إن معنى القانون قيمة في ذاتها لا يجوز التضحية بها".
ويرد د/ ثروت بدوي على الفكرة السابقة(61): إن المتسببين في صدور القوانين المخالفة للدستور هم الذين تجب مساءلتهم سواء كان السبب في ذلك هو جهل القائمين على التشريع بأحكام الدستور أو كان السبب هو التسرع في إعداد القوانين وعدم إجراء الدراسات الكافية حتى تكون تلك القوانين متفقة مع أحكام الدستور، أو كان السبب هو الرغبة في عدم الامتثال لأحكامه. ففي جميع هذه الأحوال يتمثل الحل في ضرورة الاختيار السليم والصحيح للأشخاص القادرين على فهم الدستور وصياغة التشريع صياغة سليمة تتفق وأحكام الدستور وقواعد الفن التشريعي.
كما يرد د/ عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا بقوله (62): أنه يتعين الموازنة بين مصلحتين: بين استقرار نص قانوني معين وبين علو الدستور، أي المصلحتين ينبغي أن نرجحها، علو الدستور أم استقرار النص القانوني؟ ثم إن هناك شكاً كبيراً في القول بأن أحكام المحكمة تهدد استقرار النظام، ذلك أن أحكام المحكمة تقوم اعوجاجاً في القوانين القائمة، وتقويم الاعوجاج ليس إلا أداه لاستقرار النظام القانون، لأن النظام لا يستقر إلا على ضوء الشرعية وفي حماها، وأن كل ما تفعله المحكمة هو تنقية النصوص القانونية من شوائبها، وهي بذلك تتعاون مع السلطتين التشريعية والتنفيذية في إعلاء حكم الدستور.
2- وحاول رئيس مجلس الشعب توجيه المحكمة الدستورية العليا توجيهاً ينال رضى السلطتين التشريعية والتنفيذية بقوله: "ومن الخير تفسير النصوص بما يتواءم مع الدستور بدلاً من تفسيرها بما يصطدم مع الدستور". والحقيقة أنها مقولة توجيه وفي ذات الوقت عبارة نقد، فما تقوم به المحكمة هو تفسير النصوص في ضوء الدستور فعلاً وليس العكس.
ويرد د.سليم العوا على ذلك بقوله(63): هذا كلام عجيب من رجل من كبار ذوي المناصب القانونية، فعامة المشتغلين بالقانون يعرفون أن لتفسير النصوص القانونية أصولاً محددة ومناهج منضبطة يسلكها المفسر خطوة خطوة في منهج متساند ينتهي به القاضي إلى إعطاء النص معناه الذي تنبئ به عبارته في حدودها الطبيعية دون إفراط أو تفريط.
3- وينتهي رئيس مجلس الشعب إلى جوهر اقتراحه بقوله وجوب الأخذ بمبدأ الرقابة السابقة على دستورية القوانين حتى لا يقع ما اسماه بالإخلال بالأمن القانوني كما أشار إلى إمكانية عرض القانون على المحكمة الدستورية قبل إصداره.
وإذا سلمنا جدلاً بالاقتراح المذكور بشقيه فإن الرقابة السابقة وهي- كما ذكرنا- رقابة سياسية وهي رقابة تحقيق الملائمة التشريعية وفق ما تراه من تفسير للدستور في ضوء الاتجاه السياسي السائد. كما أن عرض التشريع قبل إصداره على المحكمة يجعل قضاتها غير صالحين لنظر الطعون بعدم دستورية القانون الذي عرض عليهم قبل إصداره.
ويضيف المستشار سعيد الجمل (64): أن الرقابة السابقة غير فعالة، ذلك أن دستورية أو عدم دستورية القانون لا تظهر إلا بعد تطبيقه حيث يجعل له هذا التطبيق كياناً حياً له وجود، وبذلك يمكن اكتشاف ما إذا كان دستورياً أو غير دستوري.
كما تدخل الأستاذ الدكتور مصطفى أبو زيد فهمي (المدعي الاشتراكي ووزير العدل سابقاً) في الهجوم حيث وضع سؤالاً لطلبة السنة الأولى بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية في امتحان نهاية العام 1995/ 1996 ضمنه هجوماً صارخاً على المحكمة؛ وجرى نصه كالتالي:
أكتب في رقابة الدستورية مبيناً كيف أهدرت المحكمة الدستورية العليا في مصر أحكام الدستور والقانون. وما هو المخرج في مثل هذا الوضع إذ تكرر. وهل يجب أن تكون رقابة دستورية القوانين رقابة قانونية أم رقابة مزاجية. وهل تصبح مهمة المحكمة الدستورية العليا كفالة تطبيق الدستور المصري أم كفالة الدستور الأمريكي؟
هذا بجانب تكراره لهذه المعاني في مقالين بجريدة الأهرام في 17/6/1996، 1/7/1996 ويمكن إجمالي أوجه النقد في:
1- أن المحكمة العليا أهدرت أحكام الدستور والقانون.
2- أن المحكمة تراقب اتساق القوانين مع الدستور رقابة مزاجية.
3- أن المحكمة في أحكامها تطبق وتكفل تطبيق الدستور الأمريكي.
والواقع أن الهجوم بدأ على المحكمة العليا في أعقاب حكمها بعدم دستورية قانون انتخاب المجالس المحلية الصادر بجلسة 3 فبراير 1996 في الدعوى رقم 2 لسنة 16 ق.د وذلك فيما تضمنه من انتخاب عضو واحد في كل مجلس من المجالس المحلية بطريقة الانتخاب الفردي وانتخاب باقي أعضائه عن طريق القوائم الحزبية. أما الدكتور أبو زيد فقد بنى هجومه على حكم المحكمة في الدعوى رقم 37 لسنة 9 ق.د الصادر بجلسة 19/5/1990 والصاد بعدم دستورية المادة 5 مكرر من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب وذلك فيما تضمنته من أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية، وذلك فيما قرره هذا الحكم من أثر رجعي ينسحب إلى بطلان عضوية أعضاء مجلس الشعب الذين تم انتخابهم وفقاً له وهذا ما جعل الفقيه آنف الذكر أن يزعم أن هذا الحكم أهدر الدستور والقانون معاً.
وفـي هـذا الهضـم أصدرت السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1978:
المادة 49 قبل التعديل
المادة 49 بعد التعديل
1-
أحكام المحكمة في الدعاوي الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة.
1-
نفس النص
2-
وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ صدورها.
2-
نفس النص
3-
ويترتب الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم.
3-
ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر. على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص.
4-
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن. ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضياته.
4-
نفس النص.
وهذا التعديل يعني ببساطة شديدة ودون الدخول في تفاصيل فقهية معقدة وأمور فنية دقيقة أن أي نص ضريبي غير دستوري- متى قضت المحكمة بذلك- لا ينتج أثاره إلا بأثر مباشر محققاً مصلحة من قام برفع الدعوى وبالتالي يكون هذا القانون أو النص رغم عدم دستورية قد تحصن في مواجهة من طبق عليهم سابقاً ولم يلجأوا للدستورية العليا! وفي هذا ما فيه من مخالفة لطبيعة أحكام الدستورية باعتبارها أحكام كاشفة أي تكشف عوار النص القانوني من لحظة وجوده، وليست أحكاماً منشأة لقانون جديد أو عوار جديد؛ كما أن الأثر المباشر للحكم بهذا المعنى يخالف مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور ويفرغ الرقابة الدستورية من كثير من فعاليتها.
وفي الواقع كانت المذكرة الإيضاحية لهذا القرار بقانون كاشفة عما يدور في كواليس السلطة من ضيق بأحكام المحكمة خاصة في مجال النصوص الضريبية فنجدها تقرر:
[وقد أدى الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي لأحكام المحكمة- في غير المسائل الجنائية- إلى صعوبات متعددة في مجال التطبيق يندرج تحتها الإخلال بمراكز قانونية أمتد زمن استقرارها، وتحميل الدولة بأعباء مالية تنوء بها خزانتها بما يضعفها في مجال تحقيق مهامها التنموية والنهوض بالخدمات والمرافق العامة التي تمس مصالح المواطنين في مجموعهم.
وعلاجاً لمشكلات الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي في مثل هذه الحالات التي كشفت عنها التجربة فقد رؤى تعديل حكم الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بما يكفل تحقيق الأغراض الآتية:
أولاً: تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعي لحكمها على ضوء الظروف الخاصة التي تتصل ببعض الدعاوي الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها، وقدر الخطورة التي تلازمها.
ثانياً: تقرير أثر مباشر للحكم بنص القانون إذا كان متعلقاً بعدم دستورية نص ضريبي ذلك أن إبطال المحكمة لضريبة بأثر رجعي مؤداه أن ترد الدولة حصيلتها التي أنفقتها- في مجال تغطية أعبائها- إلى الذين دفعوها من قبل........].
ثم أمعنت المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون المذكور في الصراحة لتبرر أسباب صدور هذا القرار عن طريق رئيس الجمهورية، ولكنها في ذات الوقت باحت بالسبب الحقيقي والغرض من هذا التشريع حيث تقول: [ونظراً لأن كثيراً من الدعاوي المعروضة الآن على المحكمة الدستورية العليا تتعلق بنصوص ضريبية مطعون بمخالفتها للدستور، وكانت بعض الدعاوي الأخرى المطروحة عليها تثير خطورة قد تقدر المحكمة معها الحد من إطلاق الأثر الرجعي بشأنها، وكانت المحكمة تعقد جلساتها خلال أشهر الصيف جميعها، فإن الضرورة تقضي- وبالنظر إلى أن مجلس الشعب لن ينعقد في دور انعقاده العادي إلا خلال شهر نوفمبر- الإسراع بإصدار هذا التعديل في شكل قرار بقانون باعتباره تدبيراً لا يحتمل التأخير وذلك عملاً بنص المادة 147 من الدستور].
ويقول البعض(65) أن التعديل الجديد قد يعرض قضاة المحكمة الدستورية العليا لضغوط سياسية ذلك أن تقدير مسالة تنفيذ أحكام عدم الدستورية بأثر رجعي أو فوري عند نظر الدعاوي الخاصة بدستورية بعض القوانين الهامة، أمر سيخضع بلاشك لاعتبارات سياسية يقدرها القاضي نفسه، وهذا من شانه أن يرهق المحكمة في كل الأحكام. كما أنه سيتأثر دون شك بعلاقة المحكمة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية وأهواء ورغبات هاتين السلطتين.
وأياً ما كانت الأمور فإن القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 قد شابته عيوب شكلية وعيوب موضوعية، فمن حيث الشكل:
1- انتفاء حالة الضرورة التي تبرر صدور التشريعات عن طريق رئيس الجمهورية وفقاً للمادة 147 من الدستور.
2- باعتبار أن القرار بقانون خاص بالمحكمة الدستورية العليا، فهو قانون مكمل للدستور وفقاً للمادة 195 من الدستور ومن ثم يتوجب عرضه على مجلس الشورى وهو ما لم يحدث ومن ثم فهو قانون باطل وغير دستوري.
3- كما أن القرار بقانون سالف الذكر لم يعرض على مجلس الشعب لإقراره في المواعيد المقررة دستورياً.
ومن حيث الموضوع فالقرار بقانون يشتمل على مطاعن دستورية:
1- عدم دستورية تخويل المحكمة الدستورية العليا تحديد الأثر الرجعي لأحكامها.
2- عدم دستورية النص على الأثر المباشر للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص ضريبي.
3- القرار بقانون يهدر مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور.
وأخيراً فقد خطت السلطة التنفيذية في صيف 2001 خطوة أكثر خطورة إذ قامت بتعيين رئيس جديد للمحكمة الدستورية العليا من خارج أعضائها مصطحباً معه أربعة مستشارين جدد ولذلك لم يكن غريباً أن يبدأ منحنى جديد من هذا التوقيت في حياة المحكمة الدستورية العليا ويكفي أن نراجع حكمها في 7/7/2002 في الدعوى رقم 76 لسنة 22 ق.د [إذا كان تقدير قيام الضرورة لا يخضع لمعيار ثابت، وإنما يتغير بتغير الظروف، وكانت الظروف قد اقتضت الإسراع بإصدار القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 لضرورات ملحة قوامها تحقيق توازن بين مصالح اقتصادية جوهرية للمجتمع واعتبارات العدالة، ومن ثم يكون رئيس الجمهورية إذ أصدر التشريع المذكور لم يجاوز سلطته في هذا الصدد].
الفصل الثالث
"ضمانات حقوق الإنسان"
في الواقع فإن سيادة حقوق الإنسان في مجتمع ما يرتبط دائماً بنظام ديمقراطي للحكم؛ فحقوق الإنسان وحرياته الأساسية تتولد وتحترم ويتمتع بها المواطنون في ظل الأنظمة الديمقراطية أو تلك التي تنتهج الديمقراطية طريقاً وسبيلاً.
فأينما وجدت الديمقراطية نجد حقوق الإنسان، فهما صنوان، وجهان لعملة واحدة؛ توأم سيامي لا يمكن فصلهما إلا بعملية جراحية قد تودي بأحدهما أو بكليهما وهو ذات المعنى الذي يتكرر في كثير من نصوص الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي قد تفرض في بعض الظروف- قيود- على عدد من الحقوق والحريات شريطة أن ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي؛ أو هو الحد الأدنى المقبول في الدول الديمقراطية، على حد تعبير المحكمة الدستورية العليا في كثير من أحكامها، وتلتزم الدساتير ببيان نظام الدولة وكذلك الضمانات القانونية للنظام الذي ارتضاه، وهذا ما يجب أن نتناوله في الصفحات التالية، كما يجب أن نتعرض لحق المشرع في تنظيم الحقوق الواردة في الدستور وحدود سلطته في هذا الشان وأخيراً نعرض لأهم الأسس والمبادئ التي أرستها المحكمة الدستورية العليا لحدود دورها في الرقابة الدستورية.
ومن ثم ينقسم في هذا الفصل إلى ثلاث مباحث كما يلي:
المبحث الأول
الضمانات القانونية للديمقراطية وحقوق الإنسان
مما لاشك فيه أن الدستور الدائم الصادر في 11 سبتمبر 1971 أرسى ضمانات يفهم منها نزوعها إلى حماية وإقرار النظام الديمقراطي- حتى ولو لم تأخذ للسلطة التنفيذية أو غيرها بها- فمن المسلمات القانونية أن علامات النظم الديمقراطية تتمثل في الآتي:
1- مبدأ سيادة القانون.
2- مبدأ الفصل بين السلطات.
3- مبدأ استقلال السلطة القضائية.
ربما تكون هذه المبادئ نظرية موجودة في صلب الدساتير ولكن هل توجد على ارض الواقع وهل تمثل فلسفة للنظام الحاكم وللمشرع؟ وما هو دور المحكمة بالنسبة لهذه المبادئ؟
المطلب الأول
مبدأ سيادة القانون
مبدأ سيادة القانون يعني خضوع جميع سلطات الدولة للقانون شأنها شأن الأفراد، الأمر الذي يعني عدم تحللها من أحكام القانون لتجعل من إرادتها ورغباتها القانون الأعلى.
وقد أفرد الدستور المصري بابه الرابع لهذا المبدأ تحت عنوان "سيادة القانون" وذلك في المواد من المادة 64 حتى 72 من الدستور.
وتنص المادة رقم 64 على أن:
سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.
كما تنص المدة 65 على أن:
تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.
والدستور الدائم هو أول دستور مصري ينص على مبدأ سيادة القانون، حيث خلت الدساتير المصرية المتعاقبة منذ دستور 1882 حتى دستور 1964 من الإشارة أو النص إلى المبدأ، وغاية هذا المبدأ النهائية هو ضمان الدولة للحقوق والحريات وضمان عدم الاعتداء عليها أو الحيلولة دون ممارستها- من قبل المواطنين- بطريقة فعالة، ويبدأ المبدأ من احترام الدستور والخضوع له باعتباره القانون الأسمى الذي يعلو على ما عداه من تشريعات.
وفي بيان مضمون هذا المبدأ وأهميته ومظاهره تقول المحكمة الدستورية العليا:
أولاً(66): وحيث أن الدستور إذ نص في المادة 65 منه على خضوع الدولة للقانون وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، فقد دل بذلك على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها- وأياً كانت طبيعة سلطاتها- بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها ولئن صح القول بأن السلطة لا تعتبر مشروعة ما لم تكن وليدة الإرادة الشعبية وتعبيراً عنها، إلا أن انبثاق هذه السلطة عن تلك الإرادة وارتكازها عليها لا يفيد بالضرورة أن من يمارسها مقيد بقواعد قانونية تكون عاصماً من جموحها وضماناً لردها على أعقابها إن هي جاوزتها متخطية حدودها، وكان حتماً بالتالي أن تقوم الدولة في مفهومها المعاصر- وخاصة في مجال توجهها نحو الحرية- على مبدأ مشروعية السلطة مقترناً ومعززاً بمبدأ الخضوع للقانون باعتبارهما مبدأين متكاملين لا تقوم بدونهما المشروعية في أكثر جوانبها أهمية،ولأن الدولة القانونية هي التي تتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية، وهي ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محوراً لكل تنظيم، وحداً لكل سلطة، ورادعاً ضد العدوان.
ثانياً(67): وحيث أن الدستور ينص في مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي اشتراكي، وفي مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية هو النظام الديمقراطي، وحيث أن مؤدى هذه النصوص- مرتبطة بالمادة 65 من الدستور- أنه في مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية، فإن مضمون القاعدة القانونية التي تسمو في الدولة القانونية عليها، وتتقيد هي بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التي التزمتها الدول الديمقراطية باطراد في مجتمعاتها، واستقر العمل بالتالي على انتهاجها في مظاهر سلوكها المختلفة، وفي هذا الإطار والتزاماً بأبعادها، لا يجوز للدولة القانونية في تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديمقراطية، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيوداً تكون في جوهرها أو مداها مجافية لتلك التي درج العمل في النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل إن خضوع الدولة للقانون على ضوء مفهوم ديمقراطي مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة.
ونستطيع أن نقرر عدد من المبادئ الهامة بشأن مبدأ سيادة القانون في ضوء ما قررته المحكمة الدستورية العليا آنفاً:
1- السلطة الشرعية هي وليدة الإدارة الشعبية.
2- مبدأ سيادة القانون يعني تمتع المواطنين بحقوقهم وحرياتهم الأساسية.
3- مبدأ سيادة القانون يعني خضوع الدولة للقانون وتسليمها له.
4- مبدأ سيادة القانون يعني ألا تخل التشريعات القانونية بأي من حقوق الإنسان المضمونة في الدول الديمقراطية.
وتستطرد المحكمة الدستورية العليا في سرد أهمية مبدأ سيادة القانون (68):
وحيث أن المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون- محدد على ضوء مفهوم ديمقراطي- مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية، مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية بالنظر إلى مكوناتها وخصائصها، ومن بينها ألا تكون العقوبة مهينة في ذاتها، أو كاشفة عن قسوتها، أو منطوية على تقييد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة، أو متضمنة معاقبة الشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، وهذه القاعدة الأخيرة التي كفلتها النظم القانونية جميعها، وصاغتها المواثيق الدولية باعتبارها مبدأ مستقر بين الدول مردها أن الجريمة الواحدة لا تزر وزرين، وأنه وإن كان الأصل أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التي تناسبها، إلا أن توقيعها في شأن مرتكبها واستيفائها، يعني أن القصاص قد اكتمل باقتضائها، وليس لأحد بعدئذ على فاعلها من سبيل.
ونستخلص مما سبق:
1/ ضرورة أن تتناسب العقوبة مع الجريمة وألا تكون قاسية أو مهينة.
2/ القواعد التي أقرتها المواثيق الدولية تمثل القواعد المستقرة بين الدول.
وتضيف المحكمة العليا في هذا الصدد ضمانة هامة لمبدأ سيادة القانون وهي مبدأ الرقابة على دستورية القوانين فتقول:
إن مبدأ الشرعية وسيادة القانون، وهو المبدأ الذي يوجب خضوع سلطات الدولة للقانون والتزام حدوده في كافة أعمالها وتصرفاتها، لن ينتج أثره إلا بقيام مبدأ آخر يكمله ويعتبر ضرورياً مثله، لأن الإخلال به يودي بمبدأ المشروعية ويسلمه إلى العدم، ذلك هو مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من جهة، وعلى مشروعية القرارات الإدارية من جهة أخرى، لأن هذه الرقابة القضائية هي المظهر العملي الفعال لحماية الشرعية، فهي التي تكفل تقييد السلطات العامة بقواعد القانون، كما تكفل رد هذه السلطات إلى حدود المشروعية إن هي تجاوزت تلك الحدود, وغني عن البيان أن أي تضييق في تلك الرقابة ولو اقتصر التطبيق على دعوى الإلغاء، سوف يؤدي حتماً إلى الحد من مبدأ المشروعية وسيادة القانون، ولذا يتعين أن تقف سلطة المشرع إزاء حق التقاضي عند حد التنظيم فلا تجاوزه إلى الحظر أو الإهدار(69).
وتؤكد المحكمة الدستورية العليا أن سيادة القانون يعني سيادة القانون بالمعنى الواسع والموضوعي للقواعد القانونية وفي الصدارة منه القواعد الدستورية فتقول في أحد أحكامها: وحيث أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، حق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، ودون أي تفرقة أو تمييز- في مجال الالتزام بها- بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ذلك أن هذه السلطات كلهاسلطات مؤسسة أنشأها الدستور، تستمد منه وجودها وكيانها، وهو المرجع في تحديد وظائفها، ومن ثم تعتبر جميعها أمام الدستور على درجة سواء؛ وتقف كل منها مع الأخرى على قدم المساواة، قائمة بوظيفتها الدستورية متعاونة فيما بينها في الحدود المقررة لذلك، خاضعة لأحكام الدستور الذي له وحده الكلمة العليا وعند أحكامه تنزل السلطات العامة جميعها؛ والدولة في ذلك إنما تلتزم أصلاً من أصول الحكم الديمقراطي، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور القائم على تقريره بالنص في المادة 64 منه على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة" وفي المادة 65 منه على أن تخضع الدولة للقانون". ولا ريب في أن المقصود بالقانون في هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعي الأعم الذي يشمل كل قاعدة عامة مجردة أياً كان مصدرها، ويأتي على رأسها وفي الصدارة منها الدستور بوصفه أعلى القوانين وأسماها، وإذا كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقرراً وحكماً لازماً لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يكون لزاماً على كل سلطة عامة أياً كان شأنها وأياً كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، النزول عند قواعد الدستور ومبادئه والتزام حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها، شاب عملها عيب مخالفة الدستور وخضع- متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة- للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا، التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها(70).
وحددت المحكمة الدستورية العليا في أحكامها الأسس التي يقوم عليها مبدأ سيادة الدستور باعتباره أسمى القوانين في أحكامها المتعاقبة فيما يلي:
سيادة الدستور- بمعنى تصدره القواعد القانونية جميعها- ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التي احتواها، والتي تنظم بوجه خاص تبادل السلطة وتوزيعها والرقابة عليها، بما في ذلك العلائق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكيفية مباشرتهما لوظائفهما، ونطاق الحقوق التي يمارسها المواطنون، وكذلك الحريات التي يتمتعون بها، ذلك أن الدستور- محدداً بالمعنى السابق على ضوء القواعد التي انتظمها- هو الدستور منظوراً إليه من زاوية مادية بحتة وهي زاوية لا شأن لها بعلو القواعد الدستورية وإخضاع غيرها من القواعد القانونية لمقتضاها. وإنما تكون للدستور السيادة، حيث تهيمن قواعده على التنظيم القانوني في الدولة لتحتل ذراه. ولا يكون ذلك إلا إذا نظرنا إليه من زاوية شكلية لا تتقيد بمضمون القواعد التي فصلها، وإنما يكون الاعتبار الأول فيها عائداً أولاً: إلى تدوينها، وثانياً: إلى صدورها عن الجهة التي أنعقد لها زمام تأسيسها والتي تعلو- بحكم موقعها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية- عليهما معاً، إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها، ويلتزمان دوماً بالقيود التي فرضتها وبمراعاة القواعد التي صاغتها تلك الجهة- وأفرغتها في الوثيقة الدستورية- لا يجوز تعديلها أو إلغائها إلا وفق الأشكال والأنماط الإجرائية التي حددتها، بشرط أن تكون في مجموعها أكثر تعقيداً من تلك التي تنزل عليها السلطة التشريعية إذاً عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التي أقرتها، ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها التي تمنحها على الإطلاق الموقع الأسمى والتي لا تنفصم الشرعية الدستورية عنها في مختلف تطبيقاتها، باعتبار أن التدرج في القواعد القانونية يعكس لزوماً ترتيباً تصاعدياً فيما بين الهيئات التي أقرتها أو أصدرتها(71).
المطلب الثاني
مبدأ الفصل بين السلطات
لكي يمكن القول بأن هناك دولة قانونية، فإنه يتعين أن تتوافر مبادئ معينة منها مبدأ الفصل بين السلطات، ويعني توزيع وظائف الدولة الثلاث على ثلاث سلطات: السلطة التشريعية وتختص بإصدار التشريعات والقوانين، والسلطة التنفيذية وتختص بتنفيذ القوانين والسلطة القضائية وتختص بتطبيق القوانين على ما يعرض عليها من منازعات. إذن فوفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات يكون لكل سلطة اختصاص معين لا يجوز لها الخروج عليه وإلا اعتدت على اختصاصات السلطات الأخرى(72). مع ملاحظة أن هذا الفصل ليس فصلاً مطلقاً فهناك علاقة تعاون بين السلطات الثلاث بل أن المتابع للدستور المصري يستطيع أن يلحظ أنه في بعض الحالات تقوم إحدى السلطات بوظيفة سلطة أخرى، وهذه الحالات محددة على سبيل الحصر والاستثناء، فيجوز لمجلس الشعب مثلاً وفقاً للمادة 93 من الدستور أن يفصل في صحة نيابة أعضائه، رغم الطبيعة القضائية لهذا الفصل؛ كما أجاز الدستور للسلطة التنفيذية إصدار اللوائح التنظيمية والتنفيذية وهي أعمال تشريعية بطبيعتها.
غير أن التعاون بين السلطات يجب مع ذلك ألا يؤدى إلى هيمنة بعضها على البعض الآخر، بحيث يهدد استقلالها وتميزها، وإن الوسيلة الفنية للحيلولة دون ذلك هي تنظيم مظاهر هذا التعاون على نحو متوازن يمنع تضخم وتركز السلطة في يد البعض على حساب البعض الآخر، ومن هنا نشأ المبدأ المكمل للفصل بين السلطات وهو ما يعرف في الفقه الأمريكي بمبدأ التوازن وتبادل المراقبة(73).
وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا لهذا المبدأ في ضوء علاقة كل سلطتين معاً من خلال أحكامها المتعددة ففي حكمها في الدعوى رقم 31 لسنة 10 ق.د بجلسة يوم السبت 7 ديسمبر 1991 قالت في حدود الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية:
[وإذا كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل في نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها في المجال الذي يتفق مع طبيعة وظائفها، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها، تعين على كل سلطة في مباشرتها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه، وحيث أن سن القوانين هي مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور في إطار وظيفتها الأصلية، وكان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة غير أن الدساتير المصرية المتعاقبة ومن بينها الدستور الحالي قد منح هذه الوظيفة للسلطة التنفيذية على سبيل الاستثناء ولظروف حددها حصراً موازناً بما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولي كل منها لوظائفها الأصلية في المجال المحدد لها أصلاً؛ ولما كان من وظائف السلطة التنفيذية المحددة: ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه- فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها- من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية التي حل ميعاد الوفاء بها قبل انعقاد أدوار السلطة التشريعية، ولقد كان النهج الذي التزمته هذه الدساتير على اختلافها- وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة- هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها، وتلك الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائي ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية في هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي.
وتقول المحكمة في الدعوى رقم 5 لسنة 15 ق.د بجلسة يوم السبت 20/5/1995 في ذات الصدد:
وحيث أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، يقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها، ويضح الحدود والقيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أي منها في أعمال السلطة الأخرى، أو مزاحمتها في ممارسة اختصاصاتها التي ناطها الدستور بها.
وحيث أن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقاً لأحكامهـ فنص في المادة 86 منه على أن: "يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، ويقر السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين في الدستور". ونصت المادة 66 على أن "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون" وهو ما لا يعدو أن يكون توكيداً لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم والعقاب، وذلك في الحدود التي بينها القانون ولاعتبارات يقتضيها الصالح العام، وإذ يعهد المشرع إلى السلطة التنفيذية بهذا الاختصاص، فإن عملها لا يعتبر من قبيل اللوائح التنفيذية التي نظمتها المادة 144 منه، وإنما يقوم هذا الاختصاص على تفويض بالتشريع استناداً لنص المادة 66 من الدستور لتحديد بعض جوانب التجريم والعقاب.
ومن جهة أخرى فقد عهد الدستور إلى السلطة القضائية بالفصل في المنازعات والخصومات على النحو المبين في الدستور، فنص في المادة 165 على أن "السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون".
وقالت المحكمة في صدد الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية(74):
وحيث أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية وقصرها عليها، وإلا كان هذا افتئاتاً على عملها وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية.
كما تقول(75):
الأصل هو أن تتحقق المحكمة بنفسها وعلى ضوء تقديرها للأدلة التي تطرح عليها من علم المتهم بحقيقة الأمر في شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة وأن يكون هذا العلم يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً، وكان الاختصاص المقرر دستورياً للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصيلة في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع إجمالاً لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية.
وتؤكد ما ذهبت إليها في حكم ثالث بقولها(76):
فاختصاص السلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتحديد عقوباتها لا يخولها التدخل في المجال الجنائي لفرض قرائن قانونية تنفصل عن واقعها، ولا تربطها علاقة منطقية بالنتائج التي رتبتها عليها، إذا لا يعدو ذلك منها أن يكون إحلالاً لإرادتها محل السلطة القضائية، لتنحيتها عن وظائفها الأصلية في تحقيق الدعوى الجنائية وتقدير أدلتها في شأن جريمة بذاتها يدعي ارتكابها؛ ولا يتصور إسنادها لفاعلها إلا بعد توافر ركنيها بالشروط التي تطلبها المشرع فيهما.
كما تعرضت المحكمة كذلك لمبدأ الفصل بين السلطات في الواقع العملي فيما بين السلطتين التنفيذية والقضائية فقالت (77):
وحيث أن تنظيم العدالة وإدارتها إدارة فعالة مسألة وثيقة الصلة بالحرية وصون الحقوق على اختلافها، وكان الدستور قد كفل للسلطة القضائية استقلالها وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل في أعمالها أو التأثير في مجرياتها باعتبار أن القرار النهائي في شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم هو بيد أعضائها، وكان هذا الاستقلال يقوم في مضمونه على أن تفصل للسلطة القضائية فيما يعرض عليها من أقضية في موضوعية كاملة، وعلى ضوء الوقائع المطروحة عليها، وفقاً للقواعد القانونية المعمول بها، ودونما قيود تفرضها عليها أي جهة أو تدخل من جانبها في شئون العدالة بما يؤثر في متطلباتها لتكون لقضاتها الكلمة النهائية في كل مسألة من طبيعة قضائية، ولتصدر أحكامها وفقاً لقواعد إجرائية تكون منصفة في ذاتها وبما يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتقاضين. وحيث أن دور وزير العدل سواء في نطاق طلبه رفع الدعوى التأديبية أو ندب من يقوم بإجراء التحقيق السابق عليها لا يجرد الدعوى التأديبية من ضماناتها الأساسية، ولا يجعل السير فيها أو متابعة إجراءاتها أو الفصل فيها لجهة إدارية، بل الشأن لازال معقوداً لمجلس التأديب الذي أقامه المشرع من عناصر قضائية تتصدر في التنظيم القضائي درجاته العليا، وإليه تؤول مسئولية تقدير التهمة ووزن أدلتها بمقاييس موضوعية، وهو لا يتقيد في أي حال بما يسفر عنه التحقيق الأولي جنائياً كان التحقيق أم إدارياً؛ إذ خوله المشرع حق إطراحه وإجراء تحقيق جديد يتحدد على ضوئه مسار الدعوى التأديبية ووجهتها النهائية، كذلك يستقل هذا المجلس بتحديد إطار الدعوى التأديبية ووجهتها النهائية، كذلك وإجراء تحقيق جديد يتحدد على ضوئه مسار الدعوى التأديبية أو نطاقها حين يقرر إسقاط بعض عناصر الاتهام التي تضمنتها عريضتها وهو ليس ملزماً بالسير في الدعوى التأديبية ما لم يروجهاً للاستمرار في إجراءاتها. واستظهار الحقيقة في شأن الاتهام، والفصل فيه مرده إليه، فهو الذي يستدعي الشهود ويرجح ما يطمئن إليه من أقوالهم ويوازنها بدفاع العضو المرفوعة عليه الدعوى وبطلبات النيابة العامة، ولا يحكم في غيبته إلا بعد التحقق من صحة إعلانه ولا يصدر حكماً في الدعوى التأديبية ما لم يكن مشتملاً على أسبابه التي بنى عليها، بما مؤداه أن الدعوى التأديبية زمامها بيده، وإليه مرجعها بدءاً بإجراءاتها الأولى وإلى نهاية مطافها ولا يجاوز دور وزير العدل في شأنها مجرد طلب رفعها على ضوء الأدلة التي تتوافر لديه، أما رفعها ومباشرتها فموكولان إلى النائب العام بصفته، كذلك فإن من يندبه وزير العدل لإجراء التحقيق يظل دوماً من رجال السلطة القضائية، ومآل الأمر فيما أجراه إلى مجلس التأديب الذي أقامه القرار بقانون المطعون عليه على شئون الدعوى التأديبية، ولم يجز لأي سلطة التدخل في مجرياتها أو إعاقتها على أي نحو، أو توجيهها وجهة دون أخرى، أو إقحام أدلة عليها أو مراجعة القضاء الصادر عن هذا المجلس سواء كان بإدانة العضو المرفوعة عليه الدعوى عن التهمة الموجهة إليه أم كان تبرئته منها.
وانتهت المحكمة في هذا الصدد إلى أن دور وزير العدل في طلب رفع الدعوى التأديبية ضد أحد رجال القضاء لا يخل باستقلال السلطة القضائية حتى رغم أن الوزير يعتبر ممثلاً للسلطة التنفيذية.
المطلب الثالث
مبدأ استقلال السلطة القضائية
حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة على أن تتضمن نصوصاً خاصة بالسلطة القضائية ذلك أن استقلال القضاء وحيدته أمر لابد منه لأي نظام يستند إلى الشرعية، ومطلباً أساسياً للحفاظ على مظاهر الدولة القانونية النازعة في طموحها إلى الديمقراطية، وهو كذلك الضمانة الرئيسية لحماية الحقوق والحريات من عدوان السلطات العامة عليها.
وهو الأمر الذي قرره الدستور الدائم، فنص في المادة 165 منه على أن: "السلطة القضائية سلطة مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون"، ومن ثم فالسلطة القضائية تستمد وجودها وولايتها من الدستور وتقف في هذا الشان مع السلطتين التشريعية والتنفيذية على قدم المساواة، فلا تملك إحداهما المساس بتلك الولاية.
وفي هذا الشأن تقول المحكمة العليا(78): (إن السلطة القضائية هي سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع ، وقد ناط بها الدستور وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقي السلطات، ولازم ذلك أن المشرع لا يملك بتشريع منه إهدار ولاية تلك السلطة كلياً أو جزئياً).
كما نص الدستور في المادة 166 منه على أن: "القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم: في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأي سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة". كما تنص المادة 167 منه على أن: "يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم". وتقرر المادة 168 منه ضمانة هامة لاستقلال السلطة القضائية بنصها على أن: "القضاة غير قابلين للعزل، وينظم القانون مساءلتهم تأديبياً".
إذن فالوضع الطبيعي للقضاء هو أن يكون سلطة توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة، وبين هاتين السلطتين والمواطنون من جهة ثانية.. فليست مهمة القضاء مقصورة على نوع واحد من الحماية هو حماية الشعب، وإنما مهمته حماية النظام القانوني بأسره ممثلاً لقيم الشعب ومفاهيمه. إنه هو الملاذ القانوني الوحيد لحماية الحريات، كما انه الحارس للشرعية وللنظام القانوني(79). وقد تبنت الحكمة الدستورية العليا هذا المبدأ في كثر من أحكامها برده إلى أصله وجوهره، والدفاع عنه من طغيان السلطتين التشريعية والتنفيذية وإهدارهما له، ويقول د/فاروق عبد البر في هذا الصدد (80): "على الرغم مما ينص عليه الدستور من استقلال السلطة القضائية واستقلال أعضائها، وأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، إلا أن هذا الاستقلال اهتز لأسباب عديدة من أهمها: انعدام التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لصالح السلطة الأولى مما أدى إلى محاصرة السلطة القضائية. وظهر اهتزاز استقلال القضاء في عدة صور تتمثل في رئاسة رئيس الجمهورية ومن بعده وزير العدل للمجلس الأعلى للهيئات القضائية، وفي سلب ولاية القاضي الطبيعي في نظر كثير من المنازعات لتسليمها إلى محكمة القيم ومحاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية ومحكمة الأحزاب والمحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء ونوابهم. وفي الامتناع عن تنفيذ أحكام السلطة القضائية، وفي انتزاع سلطة القاضي الطبيعي في الفصل في الدعوى والامتهان لكرامته باللجوء إلى طلبات التفسير. وفي التقتير المالي على السلطة القضائية. وفي إقحام القضاء في مهام تقلل من الثقة منه، وفي الترهيب والترغيب اللذين يمارسان على السلطة القضائية وأعضائها بهمة ونشاط ودون كسل أو ملل".
ولذلك نجد اهتماماً كبيراً من المحكمة الدستورية بهذا المبدأ فتقول في أحد أحكامها(81):
وكان مما ينافي قوة الحقيقة القانونية التي تكشفها الأحكام القضائية وتعبر عنها، أن يخول المشرع جهة ما، أن تعدل من جانبها الآثار القانونية التي رتبها الحكم القضائي، ما لم تكن هذه الجهة قضائية بالنظر إلى خصائص تكوينها، وكان موقعها من التنظيم القضائي، يخولها قانوناً مراقبة هذا الحكم تصويباً لأخطائه الواقعية أو القانونية أو كليهما معاً، فإذا لم تكن الجهة كذلك، فإن تعديل منطوق الحكم أو الخروج عليه، يعد عدواناً على ولاية واستقلال القضاء، وتعطيلاً لدوره في مجال صون الحقوق والحريات على اختلافها بالمخالفة للمادتين 65، 165 من الدستور.
يؤيد ذلك أن هذا الاستقلال- في جوهر معناه وأبعاد آثاره- ليس مجرد عاصم من جموح السلطة التنفيذية يكفها عن التدخل في شئون العدالة، ويمنعها من التأثير فيها إضراراً بقواعد إدارتها، بل هو فوق ذلك، مدخل لسيادة القانون، بما يصون للشرعية بنيانها، ويرسم تخومها، تلك السيادة التي كفلها الدستور بنص المادة 64، وقرنها بمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة 65، ليكونا معاً قاعدة للحكم فيها، وضابطاً لتصرفاتها.
وحيث أن الدستور عزز كذلك سيادة القانون بنص المادة 72 التي صاغها بوصفها ضماناً جوهرياً لتنفيذ الأحكام القضائية من قبل الموظفين المختصين، واعتبر امتناعهم عن إعمال مقتضاها، أو تعطيل تنفيذها جريمة معاقب عليها قانوناً، وما ذلك إلا توكيداً من الدستور لقوة الحقيقة الراجحة التي يقوم عليها الحكم القضائي، وهي بعد حقيقة قانونية لا تجوز المماراة فيها.
كما واصلت المحكمة الدستورية العليا تنظيرها لمعايير استقلال السلطة القضائية وبيان أوجهها وحدودها بقولها(82):
ينعي المدعي على المادة 108 من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 المطعون عليها تحديدها العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على القضاة باللوم والعزل وذلك بالمخالفة لنص المادة 169 من الدستور التي تنص على أن القضاة غير قابلين للعزل، وينظم القانون مساءلتهم تأديبياً، وهذا النعي مردود بأن عدم قابلية القضاة للعزل حصانة قررها الدستور والمشرع كلاهما لحماية الوظيفية القضائية، ونأياً بمن يضطلعون بها وبأعمالها وبأعبائها عن أن تضل العدالة طريقها إلى أحكامهم،أو أن تهن عزائمهم في الدفاع عن الحق والحرية والأعراض والأموال إذا جاز لأية جهة أياً كان موقعها أن تفرض ضغوطاً عليهم أو أن تتدخل في استقلالية قراراتهم أو أن يكون تسلطها عليهم بالوعد أو الوعيد حائلاً دون قيامهم بالأمانة والمسئولية على رسالتهم سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر.
ولا شبهة في أن هذه الحصانة- وتلك غايتها- لا يجوز أن تكون موطئاً لحماية أعضاء السلطة القضائية- من المسئولية عن عثراتهم التي تخل بشروط توليهم القضاء وقيامهم على رسالته، ولا أن تكون عاصماً من محاسبتهم عما يصدر عنهم من أعمال تؤثر في هيبة السلطة القضائية وعلى منزلتها أو تنتقص من ثقة المتقاضين في القائمين على شئونها، وإنما يتعين أن تظل الحصانة مرتبطة بمقاصدها ممثلة في تأمين العمل القضائي من محاولة التأثير فيه ضماناً لسلامته، ذلك أن الدستور فرضها كضمانة لاستقلال السلطة القضائية في مواجهة السلطتين الأخريين بوجه خاص- تكفل حريتها في العمل وتصون كرامة أعضائها وهي تلازمهم دوماً طالما ظل سلوكهم موافقاً لواجباتهم الوظيفية، مستجيباً لمتطلباتها، معتصماً بالاستقامة والبعد عما يشينها، وإلا حقت مساءلتهم تأديبياً وتنحيتهم عن الاستمرار في عملهم إذا هم تنكبوا سبيله القويم، وفقدوا بالتالي شروط توليهم أعباء الوظيفة القضائية وتحملهم لتبعاتها، إذا كان ذلك، فإن التعارض المقول به بين الحصانة المانعة من العزل التي نص عليها الدستور وجواز مساءلة أعضاء السلطة القضائية تأديبياً وتوقيع جزاء عن مخالفتهم المسلكية قد يصل إلى العزل- يكون منتفياً، الأمر الذي يضحي معه هذا الوجه من النعي على غير أساس حرياً بالرفض.
وفي حكم آخر (83) تقول المحكمة الدستورية العليا:
وحيث أن استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون تقدير كل قاض لوقائع النزاع، وفهمه لحكم القانون بشأنها، متحرراً من كل قيد، أو تأثير، أو إغواء، أو وعيد، أو تدخل، أو ضغوط أياً كان نوعها أو مداها أو مصدرها أو سببها أو صورتها، ما يكون منها مباشراً أو غير مباشر،وكان مما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها، استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية، وأن يكون استقلال أعضائها كاملاً قبل بعضهم البعض، فلا تتأثر أحكامها بموقعهم من رؤسائهم وأقرانهم على ضوء تدرجهم وظيفياً فيما بينهم، ويتعين على السلطة التنفيذية بوجه خاص ألا تقوم من جانبها بفعل أو امتناع يجهض قراراً قضائياً قبل صدوره، أو يحول بعد نفاذه دون تنفيذه تنفيذاً كاملاً، وليس لعمل تشريعي أن ينقض قراراً قضائياً، ولا أن يحور الآثار التي رتبها، ولا أن يعدل من تشكيل هيئة قضائية ليؤثر في أحكامها، بل إنه مما يدعم هذا الاستقلال، أن يكون للقضاة حق الدفاع عن محتواه بصورة جماعية، من خلال الآراء التي يعلنونها، وفي إطار حق الاجتماع.