حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مجرَّد شعور نبيل يشعر به المؤمن تجاه الرسول الكريم الذي جعله الله سببًا في هدايتنا جميعًا؛ ولكنه في حدِّ ذاته من لوازم الإيمان التي لا بديل عنها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" [1]. بل نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن أولئك الذين قَدَّموا حبًّا على حُبِّه صلى الله عليه وسلم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" [2]. وقال كذلك: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا" [3]. وأكثر من ذلك أنه لم يقبل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يُقَدِّم شيئًا على حُبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لو كان هذا هو حُبُّ النفس! قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ". فقال له عمر: فإنَّه الآن، واللَّهِ! لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الآنَ يَا عُمَرُ"[4]. فعمر رضي الله عنه في هذا الموقف قدَّم حُبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حُبِّه للأهل، أو للمال، أو للولد، أو للوطن؛ لكنه استثنى النفس فقط، فرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ذلك، ولم يقبل منه اكتمال الإيمان إلا بعد أن أعلن أنه يُقَدِّم حُبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حُبِّ نفسه. هل تعيننا السيرة النبوية على حب الرسول؟ قراءة السيرة النبوية تعيننا على الوصول إلى هذا الحُبِّ؛ بل من الصعب أن تصل إلى هذه الدرجة دون وعي كامل وإدراك لكثير من مواقف السيرة. والحقُّ أن قراءة أي موقف من مواقف السيرة كفيل بزرع حُبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في القلب، وكلما قرأتَ أكثر أحببتَه أكثر، وليس هذا محدودًا بفترة معينة من فترات السيرة، ولا بقراءة نوع معين من المواقف، وإنما هذا يشمل -بكل تأكيد- السيرة بكاملها. اقرأ مواقف العهد المكي أو المدني، اقرأ مواقف النصر كـ بدر والأحزاب وفتح مكة، واقرأ مواقف الأزمات والمصائب كـ أحد وحنين وماء الرجيع، اقرأ مواقفه مع المسلمين أو المشركين، واقرأ مواقفه مع اليهود أو النصارى، واقرأ مواقفه مع المؤمنين أو المنافقين. اقرأ مواقفه مع أصحابه، وكذلك مع أهل بيته، واقرأ مواقفه مع الكبار والصغار، ومع الرجال والنساء، ومع الأسياد والعبيد. إن هذا الحب المتزايد لهو من أكبر دلائل الإيمان، وهو الدافع إلى الاتباع، وهو طريق الجنَّة، وهو سبيل رضا رب العالمين، وهو العاصم من الهلكة، والنجاة من الوعيد؛ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]. إننا -في الواقع- بعد قراءة السيرة النبوية سنكتشف أننا لم نعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقَّ المعرفة، ولم نعطه حقَّه الذي ينبغي له، ولم نفهم حياته على النحو الذي يُرضي ربنا عز وجل، إنني مهما قرأتُ في مواقف السيرة أكتشف أن هناك الكثير والكثير لا أعرفه؛ بل إن المواقف التي أحفظها عن ظهر قلب أجد فيها دومًا أمرًا جديدًا، إما في إشارة ظاهرة جلية، أو قراءة لفائدة بين السطور. والعلماء في ذلك لهم فنون وإبداعات؛ فهذا يتدبَّر في موقف من مواقف السيرة من جانب، وهذا من جانب آخر، وغيرهما من جانب ثالث أو رابع، فتبقى السيرة النبوية متجدِّدة دومًا، وتبقى فوائدها غضَّة طريَّة، ولا يملُّ الإنسان أبدًا من تكرار قراءتها؛ بل إنه والله! كلما انتهى منها ازداد شوقًا لأن يعيد قراءتها، وليس هذا إلا للسيرة النبوية فقط. ولهذا فإن من أعظم ما نُحَصِّله عند قراءة السيرة النبوية، فائدة "حب رسول الله صلى الله عليه وسلم"! [1] البخاري: كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، (16)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان خصال مَنِ اتصف بهنَّ وجد حلاوة الإيمان، (43). [2] البخاري: كتاب الإيمان، حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، (15)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد، (44) عن أنس بن مالك رضي الله عنه واللفظ له. [3] أحمد (13174) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. [4] البخاري: كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، (6257) عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه، وأحمد (18076).