ص 348
العودة الى الوطن
أوّاه أيتّها الوحدة , أنتِ يا موطني .
لوقتٍ طويل كنتُ أحيا متوحشاً في الغربة الوحشيّة .
طويلاً بما فيه الكفاية كي أعود إليكِ .. دامعَ العينين !
***
والآن لتتوّعديني بسبابتكِ كما تفعل الأمّهات .
والآن لتبتسمي لي ,كما تبتسم الأمّهات .
وقولي لي :
(مَن ذلك الذي إنطلق ذات يوم مثل الإعصار مُبتعداً عنّي كالعجاجة الطائرة ؟)
******
ص 352
في الظلام يكون الوقت أثقل على المرء ممّا في الضياء !
ص 353
أيّها الصمت السعيد من حولي .
أيّتها الروائح النقيّة من حولي .
كيف يتنفّس هذا الصمت من الأعماق هواءً نقياً ؟
آهٍ , كيف يصغي بإنتباه هذا الصمت السعيد !
***
أمّا هناك في الأسفل , فالكلّ يتكلّم , ولاشيء يُسمَع !
ص 354
أولئك الذين يدعون أنفسهم ب (أهلِ الصلاح ) على وجه الخصوص
أولئك هم الذين وجدتهم أكثر الحشرات سُمّاً !
يلسعون بكلّ براءة .
يكذبون بكلّ براءة .
كيف يمكنهم أن يكونوا عادلين تجاه الآخر ؟
كلّ مَنْ يحيا بين (أهل الصلاح ) تُعلّمهُ الشفقةُ الكَذِبَ !
الشفقة تُعكّر الهواء داخل كلّ الأنفس الحُرّة .
وإنّ بلادة (الصالحين) عميقة لا يُسبَر لها غور !
ص 355
حفّاروا القبور يُصابون بالأمراض جرّاء حفرياتهم .
إذ تحت الأنقاض القديمة , ترقد أبخرة كريهة !
***
عن الشرور الثلاثة :
الشهوانيّة وحبّ السيادة وإيثار الذات يقول ص 356
أوّاه , لِمَ أقبلَ الفجر عليّ مُبكراً ؟
أيقظني بأشعتهِ المتوهجة ذلك الغيور .
غيور هو الفجر دوماً من توّهج أحلامي الصباحيّة .
***
بحّار مُجازف هو حُلمي .
نصفهُ سفينة , والنصف الثاني إعصار !
***
ص 360 / التوق الى السيادة
تحت نظرهِ يزحف الإنسان ويركع وينحني ويخفض جناح الذُلّ
ويغدو أحطّ من ثُعبان أو خنزير .
الى أن يصعد صراخ الإحتقار الأكبر من داخلهِ بالنهاية !
ص 363
المُتعة الأنانيّة , سواءً لديها أكان المرء خاضعاً لعبودية الآلهة والركلات الإلهيّة , أم للبشر وأفكار بشريّة بليدة .
فتلكَ الأنانيّة المُباركة , تبصق على كلّ أنواع العبودية !
ص 367
من المهد تقريباً نُلَقّن عبارات وقيماً ثقيلة الوطء
من خلال هاتين القيمتين ((خير وشرّ))
إذ ذلك هو الإسم الذي تُسمّى به ضريبة الحياة .
وبمقابل هذا الثمن , يُغفَر لنا أن نكون أحياء !
ص 368
إنّ الإنسان مُتعذّر على الإكتشاف !
وأصعب من ذلك هو إكتشافهِ لنفسهِ .
وغالباً ما يكذب العقل في شأن النفس .
ذلك هو صنيع روح الثُقل !
ص 369
الحّقُ أقول لكم ,إنّي لا أحّب أيضاً أؤلئك الذين يجدون جميع الأشياء حسنة وهذا العالم أفضل العوالم جميعاً .
أؤلئك اُسميهم الراضون عن كلّ شيء .
هذا الرضى المُطلق الذي يستطيّب كلّ شيء, ليس بالذوقِ الرفيع !
إنّني أحترم الألسن والمَعِدات (جمع معدة) الحرنة الإنتقائية .
تلك التي تعلّمت كيف تقول : أنا … و نعم … و لا !
أمّا مضغ وهضم كلّ شيء , فذلك من طباع جنس الخنازير الصرف .
وأن يظّل المرء على الدوام يقول (( نعم ))
فذلك ما لايتعلّمهُ سوى الحمار !
هكذا تكلّم زرادشت
***
ص 370
تُعساء اُسمّي كلّ أؤلئك الذين لا خيارَ لهم سوى هذا الخَيار :
أن يغدوا حيوانات شرسة ,أو مُدجني حيوانات شرسين .
أبداً لن أبني لي كوخاً للسكن بين هؤلاء !
ص 371
لكن هذا هو المذهب الذي أكرّز به :
مَنْ يُريد أن يَطير في يومٍ ما ,عليه أن يتعلّم أولاً كيف يقف ,ويمشي ,ويركض ,ويتسلّق ,ويرقص .
إذ لا يُمكن للمرء أن يطير الى الطيران !
هكذا تكلّم زرادشت
***
عِبرَ دروبٍ كثيرة وبطرق مُتعدّدة وصلتُ الى حقيقتي .
وليس بسلّم واحد إرتقيتُ الى هذهِ القمّة ,التي تسرَح من فوقها عيني وتتجوّل في آفاقٍ بعيدة .
على مَضضٍ كنتُ أسأل عن الطريق .
إنّ ذلك ممّا كانت تنفرُ منهُ ذائقتي دوماً .
بل أحّبُ إليّ على الدوام , أن أسأل واُجرّب بنفسي .
تجربة وسؤال … كانت مسيرتي على الدوام !
ص 384
ليس لنبالةٍ يُمكنكم أن تشتروها مثلما يفعل البقّال .
إذ وضيعُ القيمةِ يكون كُلّ ما يُشترى بثمن !
ص 385
أيّ إخوتي ,ليس الى الخلف ينبغي على نبالتكم أن تنظر ,بل خارجاً .
مُشرّدينَ ينبغي أن تكونوا ومطرودينَ من كلّ وطنٍ اُمّ ,
وكلّ أوطان الآباء والأجداد !
وطن أبنائكم ينبغي أن تحبّوا .
ولتكن هذهِ المحبّة عنوان نبالتكم الجديدة .
أرضاً نائية لم تُكتَشَف بعد وسط بحار بعيدة .
نحوها أدفع بشراعكم الى البحث والبحث !
ص 386
هذا الهُراء العتيق (لِمَ الحياة ؟ فالكلّ باطل) ما زال يُعتبر حكمة .
ولأنّهُ قديم ويفوح رطوبة عطنة فإنّهُ يحظى بأكثر إجلال .
العفونة أيضاً صارت مصدر نبالة !
***
يحّقُ للصِبية أن يتكلّموا بمثلِ هذا الكلام .
إنّهم يخافون النار لأنّهم إحترقوا بها .
ولَكَمْ هناك من الصبيانيّات في كتب الحكمة القديمة !
ص 386
هؤلاء يجلسون الى المائدة ولا يجلبون شيئاً معهم .
ولا حتى شهّية جيّدة .
وها هم الآن يُجدفون : الكُلّ باطل !
لتُحطمّوا لي يا إخوتي ألواح الكئيبين ,الذين لا يعرف الفرح ساحتهم !
ص 388
هؤلاء الذين يتنكرون للدنيا ويرفضونها يقولون :
(دع الدُنيا للدنيا ولا تُحرّك إصبعاً لمعارضتها ,أمّا عقلكَ الخاص فعليكَ أن تطمسهُ وتخنقهُ بيدك)
لتُحطموا يا إخوتي ألواح الأتقياء العتيقة هذهِ .
ولتسفهوا مقولات المُجذفين على الدُنيا !
هكذا تكلّم زرادشت
ص 389 / عن دُعاة الموت يقول:
لأنّهم تعلّموا خطأ ,وتعلّموا كلّ شيء عدا أفضل الأشياء .
قبل الأوان وبسرعة شديدة ,ولأنّهم أكلوا بطريقة رديئة .
لذلك اُصيبوا بفساد المعدة !
مَعِدَة فاسدة هو عقلهم في الحقيقة ,ذلك الذي أشار عليهم بالموت .
إذ يا إخوتي .. إنّ العقل .. مَعِدَة !
***
إنّ الحياة ينبوع مسرّة , لكن الذي تتكلّم على لسانهِ معدة فاسدة (هي اُمّ الكآبة) ,فذلك سيرى كلّ الينابيع مسمومة !
ص 394
كلّ ما هو في طور السقوط والإنهيار من الحاضر ,مَن تُرى (وإن بدا هذا غير لطيف ومُهذّب) سيريد أن يمنعهُ من الوقوع ؟
أمّا أنا , فأريد أن أدفعهُ !
***
والذي لا تُعلمونه الطيران ,لتعلموه إذاً كيف يقع بأكثر سرعة !
ص 395
غالباً ما يكون المرء أكثر شجاعة وهو يتمالك نفسه , ويغّض الطَرف .
كي يوّفر طاقتهِ لعدو أكثر جدارة !
ص 397
ليكن يوماً ضائعاً من حياتنا كلّ يوم لا نرقص فيه مرّة واحدة .
و لنعتبر خطأ كلّ حقيقة ,لا تكون فيها ضحكة مُقهقهة !
ص 398
إنّ كسر رابطة زواج لأفضل على أية حال من زواج معوّج وزواج كاذب .هكذا كلمتني إمرأة ذات مرّة :
(صحيح أنّي كسرتُ الرابطة الزوجيّة ,لكن قبلها كانت الرابطة الزوجيّة هي التي كسرتني !)
***
إنّهُ لأمر غير هيّن , أن نكون إثنين دوماً معاً !
***
ليس من أجلِ الإمتداد عدداً ,بل الأرتقاء .
ذلك هو ما ينبغي أن يساعدكم عليه جِنان الزيجة يا إخوتي !
******
ص 400
أيّ إخوتي ,أين يكمن الخطر الأكبر الذي يتهدّد كلّ المستقبل البشري ؟
أليس لدى الصالحين والعادلين ؟
مهما بلغت مضار الشريرّين ,فإنّ مَضرّة أهل الصلاح يظّل أكثر الأضرار مضّرة !
ص 403
زرادشت خاطب التنويريين هكذا :
لتسيروا مُنتصبي القامة وفي الوقت المناسب .
لتتعلّموا المشي منتصبي القامة يا إخوتي .
فالبحر هائج مُضطرب .
والكثيرون يريدون الإستناد عليكم كي ينهضوا من جديد