للتمعن وبدون تعليق
بشير العتابي
كاتب سعودي
من الابيات المنسوبة لابي الاسود الدؤلي قوله:
لاتنه عن خلق وتاتي مثله
عار عليك اذا فعلت عظيم
وهناك بيت اخر مشابه ينسب له ايضا وهو قوله :
ياايها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم .
وربما يكون هذا المعنى مقتبسا من الاية القرانية
" اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم "
وفي امثالنا الشعبية يقال للانسان المتناقض الذي يامر الناس بشيء ثم لايطبقه هو بانه " مثل بن الراوندي يعلم الناس على الصلاه وهو لايصلي " . ورغم هذه الحكم والامثال العربية الرائعة فقد وجدت العرب متناقضين على مر التاريخ . وللامانة فليس كل العرب كذلك ولكني هكذا وجدت تاريخنا القديم والحديث واليكم الامثلة
ففي زمن الخليفة ابي بكر سمي من خرج عليه مرتدا كافرا بينما من خرج على الخليفة الرابع علي هو من الصحابة العدول المبشرين بالجنة وبعد ذلك وصلنا الى مهزلة ان حجر ابن عدي رضي الله عنه قتله معاوية رضي الله عنه لانه رفض ان يسب علي رضي الله عنه . وعندما تسال القوم : ماحكم من سب الخليفة الاول او الثاني او الثالث او اي احد من الصحابه لقالوا لك بانه كافر زنديق وفارسي مجوسي متآمر على الاسلام وعندما تسالهم ماحكم الذي قاتل الصحابي والخليفة الرابع علي (والقتال اشد من السب) لقالوا انه اجتهد فاخطأ وله اجر واحد على اجتهاده . وعندما اراد رجل دين يحترم عقله مثل الشيخ الكبيسي ان يتصدى لهذه المهزله شنوا عليه حملة شعواء واتهموه بالجهل والزندقة والرفض والجاسوسيه للفرس المجوس . وياليتهم طبقوا عليه مقولتهم الشهيره بانه مجتهد وله اجران ان اصاب وله اجر واحد ان اخطأ .
وعندما غزا صدام دولة الكويت صدرت الفتاوي بأن صدام كافر وانه يجوز الاستعانه بالاجنبي الكافر لقتال المسلم المعتدي ورأينا المصريين والسوريين والسعوديين وغيرهم يقاتلون تحت قياده الاجنبي الكافر لقصف اهل العراق المسلمين . وبعد ذلك بسنين عندما أصدرت المحكمة العراقية حكما باعدام صدام صدرت الفتاوي من نفس الجهات التي حكمت بكفره سابقا بانه شهيد واحتجوا كثيرا لانه اعدم في شهر ذي الحجه وهو من الاشهر الحرم ونسوا ان صدام قد غزا الكويت في شهر محرم الحرام وهو من الاشهر الحرم التي كانت العرب حتى في الجاهلية تحرم فيها القتال . ولاننسى ان يزيد رضي الله عنه قتل الحسين رضي الله عنه في محرم الحرام ايضا وهو قد اجتهد فأخطأ . و لاأدري لماذا لايكون المالكي قد اجتهد فاخطأ باعدام صدام يوم العيد وبذلك يكون له اجر واحد .
وعندما قامت امريكا بحرب تحرير العراق مرت البوارج الحربية من قناة السويس وانطلقت الطائرات من القواعد الخليجية العربية لقصف العراق وكانت القيادة المركزية للحرب في قاعدة السيليه القطرية ومنها كانت تبث الموتمرات الصحفية اليومية عن سير الحرب . وعندما انتهت الحرب بهزيمة الطاغية وهروبه المخزي من ساحة المعركة سارع هؤلاء العرب باتهام العراقيين بانهم عملاء واذناب المحتل وانه يجب قتالهم فارسلوا الانتحاريين والسيارات المفخخه لتحرير العراق من المحتل الامريكي واذنابه من الفرس المجوس . وقد جاء الانتحاريون من فلسطين والاردن وسوريا ليحرروا العراقيين من الاحتلال الامريكي بينما نسوا الاحتلال الاسرائيلي القريب منهم . وهكذا المجاهدون السعوديون الذين نسوا القواعد الامريكية عندهم . ومن احب المناسبات عندهم التي يفضلون فيها قتل العراقيين هو العاشر من محرم الحرام فليتهم لم يسلموا وبقوا على جاهليتهم . ورغم ان البوارج مرت من مصر السنية و انطلقت الطائرات من القواعد الخليجية السنية وليس من ايران الشيعية ورغم ان صدام وقادة جيشه النظامي والجمهوري الذين فروا من ساحة الحرب ليسوا من الشيعة فان الشيعة هم اذناب الاحتلال وهم سبب سقوط بغداد عاصمة الرشيد .
ولم تمض الا بضع سنين ليأتي الربيع العربي ليكرس هذه الازدواجية . فالعرب ووعاظ السلاطين كالقرضاوي يدعون الكفار من البريطانيين والفرنسيين والامريكان للتدخل العسكري وقصف مواقع القذافي المسلم لتحرير الشعب الليبي من ظلمه واضطهاده . وبعد سقوط طرابلس يستقبل الشعب الليبي كاميرون وسركوزي استقبال الابطال الفاتحين ولم نشاهد صحفيا ليبيا او عربيا يرمي الفاتحين بالحذاء كما حدث مع الرئيس بوش في العراق . وعندما تم اعدام القذافي بدون محاكمة وتم انتهاك شرفه لم يعترض احد ولم يصدر القرضاوي فتوى بانه شهيد الامة ولم يقم الاردنيون الفاتحة على روحه ولم يذهب الانتحاريون المجاهدون من السعودية لتحرير ليبيا من اذناب المحتل القادمين على ظهور دبابات الناتو . واذا كان صدام رئيس مسلم فان القذافي هو ايضا رئيس مسلم وكان يصلي بالناس جماعة ولم نسمع انه ارتد عن الاسلام . وعندما ذهب القرضاوي وصلى بالناس جماعة في ساحه التحرير في القاهره ظننت انه سيصلي الجمعة القادمة وسط المتظاهرين في دوار اللؤلؤه في البحرين .
وتتكرر المسأله في سوريا حيث تنشط السعوديه وقطر من اجل التدخل الاجنبي الكافر لتحرير الشعب السوري المسلم . المتظاهرون المعارضون لنظام الاسد يرفعون الاعلام الامريكية والفرنسية والبريطانية ويستقبلون سفراء هذه الدول بالورود . اما المتظاهرون المؤيدون لنظام الاسد فانهم يرفعون اعلام روسيا والصين بسبب تدخلهما لمنع الضربة العسكرية للناتو . السعوديون والقطريون يدافعون بقوة عن الشعب السوري وحقه بالحصول على نظام ديمقراطي وانتخابات ونسوا انهم لايسمحون بالتظاهر في بلدانهم وليس عندهم انتخابات او تعددية . فالديمقراطيه والانتخابات والتظاهر هي بدع مخالفه للاسلام جاءتنا من الغرب الكافر . وبينما تمتنع قطر عن ارسال وفد رفيع المستوى الى قمة بغداد بسبب تهميش السنة في العراق فانها تقيم افضل العلاقات مع اسرائيل التي تضطهد السنة في غزه ويذهب امير قطر الى اسرائيل فتستقبله وزيرة الخارجية الاسرائيلية وليس رئيس الوزراء .
ان الازدواجية العربية التي فضحها الربيع العربي دعت اعلاميا بارزا مثل فيصل القاسم ان يكتب مقالا (الرابط في اسفل المقال) بعنوان " ألا يستحق العراقيون اعتذارا بعدما غدا الاستنجاد بالخارج حلالا " يدعو فيه صراحة للاعتذار من الشعب العراقي . ويتعجب القاسم من هذه الازدواجية العربية فيقول : " والعجيب في الامر ان الكثيرين مازالوا يعيرون اعضاء الحكومة العراقية الحالية بانهم ازلام الامريكان وبانهم عادوا الى العراق على ظهور الدبابات الامريكية , مع العلم ان معظم المعارضين العرب الان يناشدون الامريكيين كي يساعدوهم في اسقاط بعض الانظمة وبمباركة كاملة من الشارع العربي حتى لو تطلب ذلك قصفا امريكيا مكثفا للعواصم العربية المعنية " . وبدوري هنا اسأل ألا يستحق السيد أحمد الجلبي ان يتم تنصيبه زعيما للربيع العربي باعتباره أول معارض عربي أيقن ان الانظمه الشموليه الدكتاتوريه لايمكن ان تسقط الا بالاستعانه بالقوى العظمى واستطاع اقناع الامريكان باصدار قانون تحرير العراق ؟ ام ان العرب لايستطيعون التخلي عن مبدأ الكيل بمكيالين كما هو واضح من اصرارهم على محاربة التجربة العراقية ومن استمرارهم بدعم الأعمال الأرهابيه في العراق رغم خروج قوات الأحتلال .
بشير العتابي