ثقافة ساحة التحرير
12/08/2015 08:58
في أغلب البلدان العربية تتواجد ساحات وميادين تحمل اسم " التحرير" بعد ان عانت تلك الشعوب من الاستعمار الأجنبي لسنوات طوال، وجاء الاسم متزامنا مع انطلاق ثورات التحرر العربي التي شهدتها المنطقة العربية في الأربعينيات وما تلاها من عقود، وليست مصادفة أن تختار الجموع الحاشدة موقع ساحة التحرير لتتظاهر تحت نصب الحرية للراحل جواد سليم، وأن تشهد الساحة ذاتها إحداثا مهمة مرت بتاريخ العراق المعاصر لتعيد تشكيل العديد من المنطلقات الثورية والتحررية التي استمدت منها الساحة اسمها بعد ان تخلص الوطن من الاحتلال
البريطاني.
ومنذ وضع جواد سليم أول قطعة في النصب في العام 1961 وهي تمثل شمس الحرية وحتى هذا اليوم، تحولت الساحة الشهيرة إلى ثيمة إبداعية لدى العديد من الشعراء والكتاب، ودخلت في نصوص روائية وقصصية، ومعها التماثلات الرباعية التي أنجزها عمالقة النحت العراقي حين تركوا بصماتهم في تمثال (الأم) الذي أنجزه الفنان خالد الرحال في ساحة الأمة التي يتقدمها نصب الحرية، وخلفها (جدارية 14 تموز) في ساحة الطيران للفنان فائق حسن، وعلى الرغم من كل ما تعرضت له هذه النصب المهمة لرواد العراق من إهمال مقصود بعد ان كانت حديقة الأمة مكانا رائعا بكل ما احتواه من بحيرة ومقاه وأزهار ومظلات، وبعد ان نقل النظام السابق تمثال )الأم (من ساحة الأمة، وبعد ان أهمل نصب التحرير وتساقطت أجزاء منه.. كل هذا الإهمال لم يأخذ من أهمية هذه الأعمال ورمزيتها العظيمة التي استدعت مخيلة الادباء ليكتبوا عنها ويستخدموا معانيها في صور إبداعية لا تنتهي، ومنها استمدت الثورات والانتفاضات والتظاهرات مدلولات وطنية انبثقت منها متغيرات اجتماعية وسياسية واصلاحية مهمة.
اليوم يتجمع تحت هذا النصب، المثقف والأديب والمواطن البسيط والعالم والفنان، ليعيدوا تشكيل الحياة من جديد بصيغ تحقق الكثير من مفهوم التغيير الإيجابي الذي يسعى إليه المجتمع بكل قوة، وعادت الأيام لتستعيد هذه الساحة بريقها الذي شهد انحسارا مقصودا لتترجم قوتها أصوات من يهتفون للعراق وتاريخه وحاضره، ويتداخل صوت جواد سليم في حركة الجموع المنتفضة التي احتواها النصب الشهير حين رمز الفنان في حركته النحتية إلى تمرد الشعب على الطغيان في العصور السالفة، وكذلك في ثورات وانتفاضات العراق في تاريخه الحديث، التي اشترك فيها الرجال والنساء على حد سواء.
وإذا ما أردنا أن نراجع الإصدارات الأدبية التي تداخل فيها اسم نصب التحرير مع العمل السردي والشعري والملحمي والبحثي والأكاديمي، فإننا سنجد الكثير من تلك المؤلفات التي تقول كلمتها الإبداعية المؤكدة على أن الأعمال العظيمة تبقى بؤرة انطلاق لأفعال توثق لتاريخ الشعوب وما يمر بها من احداث مهمة.
من المؤكد ان ما تشهده ساحة التحرير في العراق اليوم من تجمعات وتظاهرات ستكون منطلقا لأعمال إبداعية مهمة تشكيلية ونحتية وروائية وقصصية تترك بصمتها التاريخية في التغيير المنتظر الذي سيأتي مرافقا لحركة الشعب الباحث عن حقوقه وثرواته ومستقبل أجياله.
منقول