مقدمة ترتهن بالحدث الآني ، مزمار يقظة داود .. بعد سيرة (( إن الله مبتليكم بنهر ... ))
بدأ العد التنازلي لما بعد الشوط الأول ، الورقة التي ستترجم أخباراً متلاحقة على وسائل التلقي ، رهان الضغط الذي نجحت المرجعية في تسديده بدقة فضمنت ـ حتى الآن ـ إحكام قبضة السيد العبادي ، كيف لا والسيد العبادي يدرك جيداً بأن مصيره في قبضته ، فما أن ترتخي حتى يغادر بالسرعة ذاتها و من الشارع قبل مجلس النواب و بالسيناريو ذاته ، الورقة الإصلاحية التي عزم ( حلف المرجعية ) على إمضائها ضمن سقف زمني غير قابل للتسويف .
حلف المرجعية ؟!
نعم مصطلح أدشنه في مقالي هذا لأحاول افتراض الكشف عن خيوطه ، المصطلح الذي لا بد من تجاوز إيضاحه على طريقة المنطق ( تعرف الأشياء بأضدادها ) أو حتى بــ ( نقائضها ) ، على أن التطرق إليه سيغني عن تعريفه أو بيان الخطوط المعارضة له ، إذ ستتضح الصورة من خلال ذلك .
تناسلت فكرة الاختلاف في النجف الأشرف بوصفها بؤرة القرار الحقيقي لشيعة العراق من خلال التأسيس النظري في جوانبه كافة ، وكان للحاكمية الشرعية و حدود الولاية ـ على تنوعها ـ الحظ الأوفر و السهم الأمضى في تمييز المرجعيات و طبيعة الولاء كناتج حتمي لا يمكن الفرار من تحققه ، و كان أن شهد الواقع الشيعي عموماً و العراقي خصوصاً انقساماً بين الإيمان بولاية الفقيه و عدم الإيمان بها اكتفاءً بحدود الحاكمية الشرعية للمجتهد ، و على طول الخط كان هناك الاختلاف في الرؤية و السلوك بين هذا و ذاك وصل إلى حد التقاطع ، لكن لم يدرك المتتبعون الاختلاف بين نموذجي ولاية الفقيه في إيران ممثلة بالسيد الخامنئي و ولاية الفقيه في العراق ممثلة بالسيد محمد الصدر ـ في الغالب ـ إلا في الحدود النظرية ، لم يتساءل أحد ترى مالذي يترتب على هذا الاختلاف بين الولايتين في التطبيق الواقعي ؟
في وقت لاحق و بعد 2003 وجد السيد مقتدى الصدر النقطة التي تشكل الفارق في واقع العلاقة بين الولاية و خارجها ممثلة في قمتها بالسيد السيستاني ، مستثمراً الاختلاف بين ولاية الفقيه في نموذجها الإيراني و ولاية الفقيه في نموذج محمد الصدر تحديداً ، ذلك الفرق الذي يتضح في اختلافهما بين مفهوم ( الدولة الإسلامية ) التي تؤمن بها الأولى ، و مفهوم ( أسلمة المجتمع ) التي تؤمن بها الثانية ، من هنا كانت نقطة الشروع النظرية ، إذ يبدو واضحاً ـ في هذه النقطة بالتحديد ـ أن مرجعية السيد السيستاني أقرب للمشروع الصدري من ولاية الفقيه في إيران ، ففي الجانب التطبيقي لــ ( أسلمة المجتمع ) يمكن تحقيق التحالف بين المشروعين ـ حتى مع اختلافهما في مفهوم ولاية الفقيه ـ بشكل أفضل من تحقيقها مع ولاية الفقيه في إيران .
و لأن الواقع العراقي ـ حاله حال غيره ـ في جانبه السياسي من متلازمات أي مشروع نظري يبلغ عمقاً كعمق المشروع الصدري ـ نسبة لمحمد الصدر ـ بات من اللازم تحقيق الخطوات الأولى وصولاً لما أدعوه ( حلف المرجعية ) هذا الحلف الذي لا يعني تجاوز الاختلاف النظري بين أطرافه بقدر ما يعني تنسيق العمل و الاشتغال على تحقيق الأهداف المشتركة بناءً على الاتفاق في الرؤية بخصوص الواقع .
على امتداد التجربة ( السياسية ) العراقية و بعمر 12 عاماً تمخض الواقع السياسي العراقي عن تفاصيل متعددة متنوعة ، سيطرت فيها الأحزاب الدينية على المشهد ، تلك الأحزاب التي تعددت أيديولوجياتها و اختلفت ، و بخصوص الأحزاب و التيارات السياسية الشيعية منها برز الانقسام ـ بشكله البسيط ـ بين ولاية الفقيه ( متعددة الاتجاهات ) و خارج تلك الولاية ، على أن كل تلك الأحزاب أعلنت طاعتها للمرجعية الدينية في النجف الأشرف ، طاعة كان أول من يعلم بأنها شكلية ـ من قبل بعض هذه الأحزاب ـ هي المرجعية نفسها !! إذ لم يكن من الصعب أن يُكتشف ذلك سريعاً و السيد ......... يعلنها بوضوح بأن حزبه ( يستأنس ) برأي المرجعية و أنه غير ملزم به ، و مالضير و موقف المرجعية يبتعد عن السياسة و الخوض فيها ؟؟ ، غير أن الأمر ـ و في تطور لاحق ـ برز بشكل أكثر حدة حين لم تمانع بعض قيادات حزب ديني بالتصريح للإعلام و التطاول على مقام المرجعية !! كما لم يجد السيد غالب الشاهبندر حرجاً من الاعتراف بأنه و قيادات أخرى في حزب الدعوة اتفقوا على كتابة مقالات ضد المرجعية الدينية !! ، مواقف كان يتلقاها الشعب العراقي و منهم مقتدى الصدر الذي أكد و يؤكد على وصية أبيه بالرجوع للحوزة العلمية ، الصدر الذي يفكر كرجل دين حوزوي ينتمي للحوزة و يؤيد سيادتها بل و ضرورة تدخلها في الشأن العام أكثر مما يرى السيد السيستاني بناءً على أدبيات ولاية الفقيه التي يؤمن بها ، هنا بدأت الأمور تخرج عن السيطرة ، فما بين الأحزاب الشيعية التي تأتمر بأمر ولاية الفقيه في إيران ، و ما بين الأحزاب المتمردة على المرجعية الدينية و التي تستغل حظوتها في قلوب الناخبين و تستخف بها من جهة أخرى تميّز نوع آخر مختلف عنهما ، إنه النوع :
- الذي يؤمن بولاية محمد الصدر و المنضوي تحت عنوان الكتلة الممثلة للتيار الصدري
- المجلس الأعلى الذي خرج من عباءة ولاية الفقيه في إيران و انضم للمرجعية الدينية
- التكتلات الصغيرة و الشخصيات السياسية المستقلة التي تأتمر بأمر المرجعية الدينية
- الشخصيات السياسية داخل كتل الأحزاب المتمردة على المرجعية و التي تقدّس المرجعية غير أنها تصوّت في مجلس النواب لصالح كتلها و بأمر رئيس الكتلة .
على أن هؤلاء ـ و كما هو واضح ـ يختلفون في الأيديولوجيات العامة والرؤية التفصيلية أحياناً ، و كان لا بد من إعادة ترتيب أوراقهم ، و محاولة إيجاد الرابط بينهم ، سواءً في الجانب السياسي أو غيره ، فهل تولت المرجعية الدينية في النجف الأشرف هذه المهمة الصعبة على سنوات ؟ هل كان ثمة تفاهم ـ دون مستوى التصريح على أقل احتمال ـ بين المرجعية و بينهم لترتيب الأوراق و الترابط و تنسيق المواقف ؟ هل كانت سيادة الحوزة ـ بوصفها صمام الأمان ـ خير في نظرهم من سيادة أحزاب متمردة على المرجعية و أخرى تأتمر بأمر ولاية الفقيه في إيران ؟ هل نشأ الحلف المعارض للمالكي من رحم هذا الوعي ؟ هل ارتبطت مصالح السيد الجعفري معهم ؟ هل كان العبادي جزءاً من هذا الاتفاق غير المتواطئ عليه بالمعنى الحرفي ؟ أم أن هذا الحلف وفّر لنفسه تنسيقاً مع أطراف أخرى على مبدأ المصلحة المشتركة فقط ؟
كيفما اتفق ، و سواءً أكان المقال و صاحبه ذهب بعيداً أكثر من اللازم أم أنه رافق الصواب ، فما نشهده الآن من التحالف الذي خرج عنه تسمية السيد العبادي رئيساً للوزراء و الذي ما زال أول داعم له هو الترابط و التنسيق المشترك و التوافق مع موقف المرجعية المتمثلة بالسيد السيستاني و دعم دعواتها داخل المنظومة السياسية عموماً و الانطلاق من مبدأ سيادة المرجعية الدينية فعلياً لا شكلياً فقط ، لا أدل عليه من موقف هذه الكتل والشخصيات من التظاهرات و الذي بدا واضح الاختلاف مع تحفظات الكتل و الشخصيات السياسية الأخرى .
حلف المرجعية ، النبوءة الثانية بعد نبوءة الحشد الشعبي .. و النجف السورة الفاتحة
هامش فوضوي : هل تفلح المرجعية في احتواء الدعوة المدنية ـ إذ أعترض على تسميتها بالتيار المدني لسبب منهجي ـ و ضم مواقفها لموقفها ؟ ..... لكم كل الحب