نسب بني زيري
يرجع نسب بني زيري إلى قبيلة صنهاجة البربرية؛ التي تنتمي إلى فرع من البرانس، ولم تكن صنهاجة مجرد قبيلة؛ بل كانت شعبًا عظيمًا، لا يكاد يخلو قطر من أقطار المغرب من بطونه وأفراده، مما دفع ابن خلدون إلى القول بأنهم يمثلون ثلث البربر. وقد سكنت صنهاجة في مساحات شاسعة؛ امتدت من نول لمطة في جنوب المغرب الأقصى إلى القيروان بإفريقية، وهى منطقة صحراوية، آثروا السكنة فيها على غيرها من المدن الآهلة، لأنها- كما علل ابن خلدون- تتوافق مع طباعهم، ورغبتهم في الابتعاد عن الاختلاط بالناس، والفرار من الغلبة والقهر.
وظهرت أسرة بني زيري -في أول أمرها- في طاعة الفاطميين، وتعاونت معهم في صد الأخطار التي تعرضت لها دولتهم ببلاد المغرب، وكان أول اتصال بينهما في عهد المنصور الفاطمي، حين قدم زيري بن مناد وأهل بيته وقبيلته لمحاربة أبى يزيد الخارجي في سنة (335هـ / 946م)، فخلع عليه المنصور، ووصله، وعقد له على أهل بيته وأتباعه وقبيلته، فعظم شأنه، وصار بنو زيري أعوانًا وأتباعًا للفاطميين، ومن ثَم نشب الصراع بين الصنهاجيين، وقبائل زناتة، لأن زناتة كانت دائمة الإغارة على ممتلكات الدولة الفاطمية.
وحين عزم المعز لدين الله على الرحيل إلى مصر في سنة (361هـ / 972م) للانتقال إليها بخلافته، وقع اختياره على يوسف بُلكِّين بن زيرى بن مناد الصنهاجي ليتولى الإمارة بالمغرب خلفًا للفاطميين.
يوسف بُلكِّين بن زيرى بن مناد الصنهاجى [362 - 373هـ / 973 - 983م]
عينه المعز على ولاية المغرب، واستثنى من ذلك طرابلس المغرب، و أجدابية وسرت، وعين معه زيادة الله ابن القديم على جباية الأموال، وجعل عبد الجبار الخراساني وحسين بن خلف على الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زير.ي
واجه يوسف عدة ثورات واضطرابات بالمغرب، كان منها عصيان أهل تيهرت، ثم سيطرة قبيلة زناتة على مدينة تلمسان، وقد توجه إلى تيهرت بجنوده وأعادها إلى طاعته، كما توجه إلى تلمسان وأعادها إلى حكمه في سنة (365هـ / 976م).
وفي سنة (373هـ /984م) خرج الأمير يوسف على رأس جيوشه لاستعادة سجلماسة من أيدي بعض الثوار الذين استولوا عليها، ولكنه أصيب بمرض أودى بحياته في شهر ذي الحجة سنة (373هـ / مايو 984م).
المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيرى [373 - 386هـ / 984 - 996م]
أوصى الأمير يوسف بلكين قبل وفاته بالإمارة من بعده لابنه المنصور الذي كان بمدينة أشير حين بلغه خبر وفاة والده، وأقبل عليه أهل القيروان وغيرها من المدن، لتعزيته، وتهنئته بالولاية، فأحسن إليهم وقال لهم: إن أبى يوسف وجدي زيرى، كانا يأخذان الناس بالسيف، وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان، ولست ممن يُولَّى بكتاب، ويُعزل بكتاب، وقصد المنصور من ذلك أن الخليفة الفاطمي بمصر لا يقدر على عزله بكتاب.
وقد واجهت المنصور عدة مشاكل، كانت منها غارات قبائل زناتة المستمرة على المدن المغربية في سنة (374هـ / 985م)، واستيلاء زيري بن عطية الزناتى على مدينتى فاس وسجلماسة، مما دفع المنصور إلى إرسال أخيه يطوفت على رأس جيش كبير لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين، أسفرت عن هزيمة الصنهاجيين، وعودتهم إلى أشير.
ثم تصدى الأمير المنصور في سنة (376هـ / 986م) لعمه أبى البهار الذي نهب مدينة تيهرت، ففر أبو البهار أمامه، ودخل المنصور المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء. ثم تُوفي في يوم الخميس (3 من ربيع الأول سنة 386هـ / مارس 996م)، ودُفن بقصره.
باديس بن المنصور [386 - 406هـ / 996 - 1015م]
وُلد باديس في سنة (374هـ /985م)، وتكنى بأبى مناد، وخلف أباه على المغرب في سنة (386هـ /996م)، وأتته الخلع والعهد بالولاية من الحاكم بأمر الله الفاطمي من مصر، وبايع للحاكم، وأعلن تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع عمه حماد بن يوسف مدينة أشير، وولاه عليها، وأعطاه خيلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا.
فكانت هذه هي نقطة البداية لانقسام بني زيري إلى أسرتين: تحكم إحداهما بالمغرب الأدنى في ليبيا وتونس، وتحكم الأخرى -أسرة بني حماد- بالمغرب الأوسط في الجزائر، متخذة من قلعة بني حماد مقرا للحكم. وانفرد بنو حماد بإقليم الجزائر، نظرًا لضعف قبضة الأمير باديس على البلاد.
وقد واصل باديس مطاردة زناتة، وأُخبر في سنة (387هـ / 997م) بأن زيرى بن عطية الزناتى قد اعتدى على مدينة أشير، فبعث إليه بجيشه لمواجهته، ولكن الجيش هُزم على أيدى الزناتيين، فاضطر الأمير باديس إلى الخروج بنفسه لمواجهتهم في أشير، فلما علم الزناتيون بذلك انطلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينة، فدخلها باديس، وأقر الأمور بها، ثم مات في سنة (406هـ / 1015م).
المعز بن باديس [406 - 453هـ / 1015 - 1061م]
أُخذت البيعة للأمير المعز بن باديس بمدينة المحمدية، وتولى الأمر يوم وفاة أبيه وفرح الناس بتوليته لما رأوا فيه من كرم ورجاحة عقل، فضلا عن تواضعه، ورقة قلبه، وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه.
وقد حدثت في عهد المعز بن باديس بعض التطورات، حيث ألغى المذهب الشيعي، وخلع طاعة الفاطميين، ودعا على منابره للعباسيين، وتصالح مع أبناء عمومته الحماديين سنة (408هـ / 1017م)، وواصل مطاردة قبائل زناتة جهة طرابلس، في أبناء حماد. ثم أُصيب المعز بن باديس بمرض في كبده أودى بحياته في سنة (453هـ / 1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة.
تميم بن المعز بن باديس [453 - 501 هـ / 1061 - 1108م]
وُلد بالمنصورية في منتصف رجب سنة (422هـ / يونيو 1031م)، ثم تولى إمرة المهدية في عهد والده المعز في سنة (445هـ /1053م)، ثم خلف والده في الإمارة في سنة (453هـ / 1061م)، فواجه عددًا من الاضطرابات والقلاقل، حيث سيطر العرب الهلاليون على كثير من مناطق إفريقية، وثار عليه أهل تونس وخرجوا عن طاعته، فأرسل إلى تونس جيشًا، حاصرها سنة وشهرين، فلما اشتد الحصار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش تميم إلى المهدية،ثم ثارت عليه مدينة سوسة فحاصرها وفتحها عنوة، وأمن أهلها على حياتهم.
وقد تعرضت المهدية في عهده لهجمات الهلالية، لكنه تمكن من صدهم، ثم حاصر قابس وصفاقس، واستولى عليهما من أيدي الهلالية الذين كانوا يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته في الجزائر، وزوج ابنته للناصر بن علناس أمير الجزائر، وأرسلها إليه في موكب عظيم، محملة بالأموال والهدايا. ثم تُوفي في سنة (501هـ / 1107م).
يحيى بن تميم بن المعز بن باديس [501 - 509هـ / 1107 - 1115م]
ولد بالمهدية في (26 من ذب الحجة سنة 457هـ)، وولى الإمارة وعمره ثلاث وأربعون سنة وستة أشهر وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة في الرعية، ثم فتح قلعة أقليبية التي استعصى على أبيه من قبل فتحها، كما جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغارة على الجزر التابعة لدولة الروم في البحر المتوسط، ومات فجأة في يوم عيد الأضحى سنة (509هـ - 1115م).
على بن يحيى بن تميم [509 - 515 هـ = 1115 - 1121م]
لم يكن الأمير على حاضرًا بالمهدية -التي وُلد بها- حين وفاة والده، فلما وصل إليه الخبر، حضر مسرعًا، ودفن والده، وتولى الإمارة خلفًا له، ثم جهز أسطولاً كبيرًا لمهاجمة جزيرة جَرْبَة، لأن أهلها قطعوا الطريق على التجار، وتمكن الأسطول من إخضاع الجزيرة، وأمَّن الأمير أهلها وعفا عنهم، ثم قضى على عصيان رافع عامله على قابس، الذى سعى إلى شق عصا الطاعة وحشد الجموع لمهاجمة المهدية. وقد تُوفي الأمير على في العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة (515هـ / يونيو 1121م).
الحسن بن على بن يحيى [515 - 543هـ / 1121 - 1148م]
ولى الإمارة عقب وفاة والده الأمير على، وكان عمره آنذاك اثنتي عشرة سنة، فقام صندل الخصيّ بإدارة شئون الحكم، إلا أنه تُوفي بعد فترة قصيرة، فتولى القائد أبو عزيز موفق الإشراف على أمور البلاد، وتمكن من صد الأسطول الرومي الذي هاجم بعض حصون الزيريين في سنة (517هـ / 1123م)، وكذلك ألحق الأمير الحسن الهزيمة بجيش يحيى بن عبد العزيز بن حماد أمير بجاية الذي جاء لمهاجمة المهدية والاستيلاء عليها في سنة (529هـ / 1135م).
وفي سنة (537 - 543هـ / 1142 - 1148م) حل القحط بإفريقية واستغل ملك صقلية ذلك وجهز أسطولاً كبيرًا، وتوجه به قاصدًا المهدية، ولم يستطع الحسن الدفاع عنها، وهرب بأهله ومتاعه إلى أبناء عمومته من بني حماد، فوضعوه وأهله تحت الحراسة، ومنعوه من التصرف في شيء من أمواله، ودخل الروم مدينة المهدية دون قتال أو ممانعة، فسقط حكم بني زيري، وسقطت إمارتهم، وكان الحسن بن على آخر أمراء الدولة الزيرية.
بعض المظاهر الحضارية لدولة بني زيري بالمغرب
الناحية الاقتصادية
كانت الزراعة هي دعامة الحياة الاقتصادية في المنطقة، التي تمتعت بالهدوء والاستقرار في ظل الحكم الزيرى فيما عدا الفترة التي شهدت هجوم العرب الهلالية على البلاد، وقد ساعد تطور نظام الري على تطور الزراعة، فعرفت المنطقة زراعة القطن وقصب السكر والشعير وازدهرت زراعة التمر والعنب والموز، ولعبت تربية الأغنام دورًا مهما في حياة الفلاح المغربي.
وقامت الأسواق المنتشرة بالمدن المغربية بدور مهم في تنشيط الحركة التجارية؛ حيث كانت هناك أسواق: البزازين، والجزارين، والزجاجين، وسوق الدجاج، وسوق الغزل، وغيرها من الأسواق التي ساعدت على ازدهار التجارة، وبخاصة في مدينة القيروان، فأصبحت المغرب بلدًا غنيا، وباتت قبلة تجار الشرق والغرب.
ونشطت حركة التصدير والاستيراد بها، واشتهرت مدينة باجة بتصدير كميات كبيرة من القمح، كما صُدِّر زيت الزيتون عن طريق مينائي سوسة وصفاقس إلى بلدان المشرق، وبلاد أوربا، فأدى هذا الازدهار إلى تطور الصناعات، وعرفت المدن المغربية صناعات النسيج و الجلود، والأوانى الفخارية، وغيرها من الصناعات المتنوعة.
الناحية الفكرية
فقد شهدت الناحية الفكرية ازدهارًا كبيرًا وتطورًا ملحوظًا، وبخاصة في مدينة القيروان التي أصبحت في طليعة العواصم الإسلامية ذات الأثر في تاريخ الفكر الإسلامي، وشهدت مساجد المغرب المناظرات الفقهية والكلامية بين الشيعة، والمالكيين من أهل السنة، وصمد علماء المذهب المالكي وفقهاؤه رغم ما لاقوه من سجن وتعذيب على أيدي الشيعة الفاطميين، وتعلق السكان بهذا المذهب، وأصبح مذهبهم الرسمي منذ ذلك الوقت حتى الآن.
الحركة الأدبية
وتطورت الحركة الأدبية في عهد المعز بن باديس الذي اشتهر بتشجيع أهل الأدب والعلم، وأحسن معاملتهم، مثلما أخبر عنه ياقوت بقوله: "وكانت القيروان في عهده وجهة العلماء والأدباء، يشدون إليها الرحال من كل فجّ، لما يرونه من إقبال المعز على أهل العلم والأدب وعنايته بهم".
ثم كان لاختلاط الهلاليين بسكان المغرب أثره الكبير في تعريب جزء من هؤلاء السكان، حيث امتزج المغاربة بالعرب الهلاليين على مر الأيام، وتزاوجا، فاختلطت الدماء، وتعلم سكان البلاد الأصليون لغة الوافدين العرب، فانتشرت اللغة العربية في مناطق كثيرة من المغرب، ومن ثم انتشرت الثقافة العربية بهذه البلاد.
قصة الاسلام