الأخلاق تـُطلب لذاتها وعلى أعلى مستوى ، وإلا فهي غير مفيدة و تابع ضعيف ذليل للمصلحة ، وهي كيان قائم بذاته . الأخلاق أساسها موجود في داخل الإنسان ، و الدين لا يعلـّم الإنسان شيئا جديداً و لكنه يوجـّه هذا الأساس من الأخلاق ويثبتها ويشجع عليها .
فالأخلاق أو شيء منها قد توجد بلا دين ، و لكن من يحمي هذه الأخلاق في ظل وجود عقل مرتبط بالمصلحة ؟ عندها سوف تكون هذه الأخلاق من سقط المتاع ، فتؤخذ للتزيين و لطمأنة الضحية عند الطامعين الماديين حتى تتم المصلحة بهدوء ، وتـُترك عندما تتعارض مع المصلحة فتكون ضعيفة أسيرة . لكن الدين الحق هو الذي أعز الأخلاق وجعلها هي أساس نجاة الإنسان في حياة ما بعد الموت .
بينما الأفكار البشرية - بما فيها المادية واللادينية - جعلت من الأخلاق شيئا يتزين به الإنسان ، كالبروش أو العقد الذي يعلـّق على الأعناق لتجميل الوجه المادي القبيح ، فمثلما تتزين الحضارة المادية بالطبيعة ، فهي تحاول أن تتزين بالأخلاق ، و هي أيضاً من الطبيعة ، لكن الأساس قبيح ، و لن يصلح العطار ما أفسده الدهر ، فالحضارة المادية تزين وجهها القبيح بما تضعه عليه من مساحيق من الطبيعة ( حدائق ، زهور ، نباتات نادرة توشك على الانقراض ) أو من الأخلاق بعد أن سحقتها و حولتها إلى "بودرة" . مثلما اغتالوا الغابات والحياة الفطرية ووضعوا حدائق للحيوان للزينة ، و مثلما اقاموا معارض النباتات و جلود النمور التي تفرش تحت أقدام الماديين بعد قتلها وقتل غيرها لدرجة الانقراض .
وموقف المادية من الأخلاق يشبه رحلات اللوردات في بريطانيا قديما ً لصيد الثعالب ليأخذوا أذيالها فقط للزينة ، فالمادية تأخذ من الأخلاق أذيالها ، وهي الآداب العامة ، مثل عبارات التحية والابتسامة والتعارف واحترام المواعيد المفيدة إلى آخره من الآداب المدنية ، أما الخـُلـُق فهو جثة هامدة تشبه جثة الثعلب المرمي في البراري بعيداً عن المدينة بعد أن فقد ذيله .
الأخلاق عند الأفكار المادية الوضعية الغربية هي عبارة عن شيء غير ملزِم ، بينما في الإسلام هي أساس التعامل و أساس النجاة ، فالإسلام تعبـُّداً يـُطالب المسلم بالوفاء بالعهد وحفظ الأمانة ونصرة المستجير وقول الحق حتى مع الخصوم وغيرها من الأخلاق حتى ولو كان ذلك ضد المصلحة .
لو نظرنا إلى الناس وإلى البشر كلهم في كل زمان ومكان ، نجد ان كل شكواهم هي من الناس و من الحياة ومشاكلها ، هذه في الحقيقة شكوى من افتقاد الأخلاق ، و هذا يعني أن الأخلاق أمر ضروري لكي يعيش الإنسان و ليست بروش يعلـّق أو زينة .
إذا من المفروض أن يطلب الإنسان حياة أخلاقية يمارسها ويعيشها هو وغيره وليس هو لوحده ، فبالفردية التي تقوم عليها حضارة الغرب لا يستطيع المرء أن يكون أخلاقياً ، فالأخلاق هي عطاء من الجميع وأخذ من الجميع ، فهكذا يحصل الانسجام والترابط الحقيقي الذي يبحث عنه الإنسان ، و هذا لا يمكن أن يكون في ظل الأنانيات . فإذا كان كل إنسان أناني فكيف سيكون معطاء وهو أناني ؟ فالفردية أنانية ، ولن يعطي إلا بمقدار ما تستفيد أنانيته أو ما يدفع الضرر عنه أو يصنع دعاية لنفسه حتى يكسب كسباً أكبر .. لكن الأخلاق الحقيقية من الذي يمكن أن يلزم نفسه بها ؟ فكل واحد يقول : لماذا ألزم نفسي بالأخلاق والآخرون لا يلزمون أنفسهم بها !!
الالتزام بالأخلاق لن يكون إلا عندما يسلـّم الإنسان نفسه إلى غير نفسه ، ولا يكون ذلك إلا لخالقٍ يعتقد العبد بأن هذا الخالق هو الأصلح في معرفته لنفسه و ما يفيده وما يضره ، فلا تكون الأخلاق حقيقية إلا في إطار عبودية الله ، و حينئذ تنتفي الأنانية . فالأخلاق هي شيء من التضحية والعطاء بدون مقابل مادي فهي عطاء بدافع معنوي ، يريد معنويا و لا يريد ماديا .
الأخلاق لا يمكن أن تنتسب للإنسان ، فالإنسان لوحده لا يمكن أن يقيم الأخلاق بدون وجود إله ، لأن تقييمه سيكون خاضع للواقع والظروف والمصلحة ، و هذا مما لا يستطيعه الإنسان ، و هذا يدل على مصدر الأخلاق و أنها من الله أصلاً , و أن الله هو الذي زرعها في وجدان و شعور الإنسان ، وأرسل رسلاً ليذكروا الناس بها ، لماذا ؟ لأنهم نسوها بحكم الانشغال بالمصالح .
الأخلاق يعرفها إحساس الإنسان ، و لكنها مقموعة بداخله بسبب أنانيات الآخرين ، و كثيرون جربوا أن يكونوا أخلاقيين و صاروا ضحايا ، لأن الأخلاق الحقيقية لابد أن تصطدم مع الخطأ ، و الخطأ مرتبط بالأنانية , و من هنا يأتي دور الدين ليحمي الأخلاق ، لأنه يـُخرج الناس من أنانيتهم ، و من يرتبط بربه و ليس بنفسه هو فقط من يستطيع أن يكون أخلاقياً ، حتى لو لم يجد نفس المعاملة من الآخرين أو ربما وجد إساءة ، لأن أنانيته لا تهمه بقدر الفضائل التي يُرضي بها ربه و يرضي بها إحساسه ، فعلاقته بربه علاقة محبة قائمة على الفضائل والأخلاق بالأساس .