رواية مكسيكية في مديح ليلى العراقية
10/08/2015 09:48
{الحديقة الخربة } لخورخي فولبي
بغداد - حسن جوان
"لمَ عليّ أن أرتجف أمام مصير شابة عراقية تائهة في الصحراء ؟!".. يتساءل الكاتب المكسيكي خورخي فولبي، في أولى صفحات روايته " الحديقة الخربة" - الصادرة مؤخراً عن منشورات الجمل، ترجمة الشاعر إسكندر حبش- متقدماً في بناء متوازٍ لسرد قصة امرأتين تعيشان موقفين/ عالمين لم تكُنا متورطتين في وحشية صداماته. تعيش المرأتان في طرفين متباعدين من العالم، العراق-المكسيك، وتكابدان لونين ومستويين متباينين من الألم، لكنه يبقى ألما إنسانيا مشتركاً.ما يجمع البطلتين/ الضحيتين من ناحية قدرية هو هذا الحيف الذي تتعرضان له، والحيف هنا هو الدولة المتعسفة، والفاشست، والحرب المباشرة وغير المباشرة. وتكمن براعة الكاتب في تصوير المناخ السايكولوجي لكل من " ليلى " العراقية و" آنا " المكسيكية عبر استبطان شعور الضحية من دون أن يهمل إشارات عالية بالإدانة، لا تخلو من اطلاع تفصيلي على شواهده الواقعية في كلا البلدين. وعلى الرغم من أن الرواية تتطرق في إطارها السردي إلى فظاعات ارتكبها طاغية العراق ( الكريه) كما يسميه فولبي، وجرائمه ضد شعبه وجيرانه – مقابر جماعية، اعتداء على دولتي إيران والكويت، حروب تنتهي بالغزو الأميركي للعراق- سلوك ولده البكر عدي (ابن الكريه) وساديته ضد الآخرين لاسيما النساء- على الرغم من كل تلك التفاصيل المفاجئة بدقتها، لا يغيب الهدف الأكثر هيمنة وعمقاً، وهو أن الرواية معنية بصوت الألم الإنساني الذي يحفر في الروح ولا يمكن أن نفعل شيئاً
إزاءه. ألم لا علاقة له بالخراب المحيط بالجسد بقدر ما له علاقة بوجع النّاي الذي تحمله ليلى- طالبة معهد الموسيقى سابقاً - وهي تفر حافية القدمين فوق أنقاض وطنها. على أن "أنا" الراوي وحضوره لا يغيبان عن المشهد، لأن صوته كان يتخلل الفصول ليصور ذاته المراقبة والناقدة لواقع الحياة السياسية في بلده المكسيك كما يصب لعنات وجوده واغترابه وتجديفه مصاغة في شذرات محكمة أو صرخات تطرق
الصخر. تمتاز لغة خورخي فولبي بالإيجاز، والتكثيف الشديد الذي يقترب كثيراً من الشعر في مواضع عدة، كما يختصر بعض فصول الرواية إلى حدود تصل إلى العبارة الواحدة فقط، مجسدأ بذلك معنيين متجاورين يتصل الأول بكثافة الألم نفسه وشعريته، والثاني بالمنحى الفني الذي تتسم به الرواية المكسيكية الجديدة، فالحديقة الخربة تنتمي في شكلها الفني إلى تجارب ما بعد الواقعية السحرية التي اتسم بها أدب أميركا اللاتينية سابقاً، وقد عرف كتاب هذا التوجه الروائي الجديد ب"الكراك". حيث ينحو هذا التيار المعاصر بقصدية إلى مغادرة منطقة الواقعية السحرية بالكامل وتجاوزها باتجاه سردية جديدة انطلقت بواكيرها مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من إخلاص فولبي في تبني التيار الجديد إلا أننا نلحظ خيطا سريّاً يربط الكاتب بالمدرسة الأم في هذا العمل الروائي،عبر طيف واحد يتخلل فصوله وهو مرافقة جنّي مجهول لليلى، انبثق لها من التراب فجأة، وهي في طريقها إلى بغداد. يقول فولبي مبرراً فكرة الرواية عن امرأة عراقية وعن إدخال عنصر خيالي مباشر في سياقها: قررت كتابتها عبر اتباعي قليلاً التقليد الأدبي الذي نعرفه عن تلك المنطقة من العالم، لذا قرأت " ألف ليلة وليلة" بالطبع، ولكن أيضاً العديد من النصوص التراثية والعربية وبخاصة العراقية منها، إزاء ذلك قررت إدخال أسطورة الجنّي هذا، والتي هي حاضرة في الف ليلة وليلة كما في الأدب العربي.
منقول